التوثيق لمعنى الكفر (2) ( من قبل 8 أعضاء ) قيّم
ثم هبْ أن الأمر كما قُلتُم: إنه لا يصِحُّ عن ابن عباس! فلَدَيْنَا نُصُوصٌ أخرى تدل على أن الكفر قد يطلق ولا يراد به الكفر المخرج من الملة؛ كما في الآية المذكورة، وكما في قوله –صلى الله عليه وسلم-:« اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعْنُ في النَّسَب، والنِّياحَةُ على المَيِّت »، وهذه لا تخرج من الملة بلا إشكال، لكن كما قيل: قلة البضاعة من العلم، وقلة فهم القواعد الشرعية العامة – كما قاله الشيخ الألباني –رحمه الله- في أول كلامه- هي الَّتي توجب هذا الضلال. ثم شيء آخر نضيفه إلى ذلك؛ وهو: سوء الإرادة الَّتي تَسْتَلزِمُ سوء الفهم؛ لأنّ الإنسان إذا كان يُريدُ شيئا: لزَمَ من ذلك أن ينتقل فَهْمُهُ إلى ما يُريدُ، ثمَّ يحرف النصوص على ذلك. وكان من القواعد المعروفة عند العلماء أنَّهم يقولون: اسْتَدِل ثمَّ اعْتَقِد، لا تَعْتَقِد ثمَّ تستدل؛ فتضلَّ؛ فالأسباب ثلاثة؛ هي: الأول: قلة البضاعة من العلم الشرعي. الثاني: قلة فقه القواعد الشرعية. والثالث: سوء الفهم المبنيّ على سوء الإرادة. أما بالنسبة لأثر ابن عباس آنفِ الذِّكر؛ فيكفينا أن علماء جهابذةً كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم – وغيرهما– كلّهم تلقوه بالقبول، ويتكلمون به، وينقلونه؛ فالأثر صحيح ». وعليك أن تعلم أن العرب تطلق اسم المتوقع من الشيء في النِّهاية على البداية، وكما بوب الإمام ابن حبان في "صحيحه" (4/324) فقال –رحمه الله تعالى- :« ذِكر خَبَرَ يَدُلُ عَلىَ صِحَّة مَا ذَكرنا: أنَّ العَرَبَ تُطلِقُ اسم المُتَوقَّع من الشيء في النِّهاية على البداية »، كما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم، والأثر عن الصحابة، فضلا أنهم كانوا لا يفرقون في كلامهم بين الكفر الأكبر والأصغر، أي كانوا يطلقوا اسم "الكفر"، ولا يراد به الكفر الأكبر بل يراد به الكفر العملي أي الأصغر !!. فلذلك قال الشيخ المحدث الفقيه الألباني رحمه الله تعالى: « بينما لفظة "الكفر" في لغة الكتاب والسنة لا تعني دائما هذا الذي يدندنون حوله، ويسلكون هذا الفهم الخاطئ المغلوط عليه !! » انظر "التحذير من فتنة الغلو في التكفير" صفحة 57 طبعة الثالثة. فقال الشيخ صالح العثيمين تعليقا على كلام المحدث الألباني الآنف رحمهما الله تعالى: « من سوء الفهم أيضًا قول من نَسَبَ لشيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: "إذا أُطْلِقَ الكُفر فَإنَّمَا يُرَادُ به كُفْرٌ أكبر" !! مُسْـتَــدِلاً بهذا القول على التكفير بآية: ﴿فَألَـئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ !! مع أنه ليس في الآية أن هذا هو (الكفر)! وأما القول الصحيح عن شيخ الإسلام؛ فهو تفريقه -رحمه الله- بين (الكفر) المعرف بـ(أل) وبين (كُفر) مُنكَّرًا. فأما الوصف؛ فيصلُحُ أن نقول فيه: "هؤلاء كافرون"، أو: "هؤلاء الكافرون"؛ بناء على ما اتَّصفوا به من الكفر الذي لا يخرج من الملة، ففرقٌ بين أن يوصفَ الفعل، وأن يوصفَ الفاعل. وعليه؛ فإنه بتأويلنا لهذه الآية على ما ذُكر: نحكم بأن الحكم بغير ما أنزل الله ليس بكفر مُخرج من الملة، لكنه كفرٌ عمليٌّ؛ لأن الحاكم بذلك خرج عن الطريق الصحيح ». |