لغة الشعر بين الناقد والنحوي ينظر النحاة إلى تصرّف بعض الشعراء في بنية الكلمات وخروجهم على قواعد بناء الجمل على أنه ناتج عن جهل باللغة وقواعدها، وقد اصطلحوا على تسميتها بالضرورات الشعرية، وربما يُدان الشاعر على مثل تلك التجاوزات، إن كان دافعه الاستخفاف أو العبث في ارتكابها. ولكن الواقع يظهر لنا أن هناك فحولاً من الشعراء شهد أئمة اللغة بعلمهم وفصاحتهم ومع ذلك نجد لديهم مثل تلك التجاوزات، بل وصل الأمر ببعض الشعراء أن يرى بأن تخضع القاعدة النحوية لإرادة الشعر وليس العكس، وهذا ما عبَّر عنه الفرزدق عندما أنكر عليه بعض النحاة رفعه لكلمة "مجلفُ" في قوله: وعض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحتاً أو مجلفُ حيث قال: "عليَّ أن أقول، وعليكم أن تحتجوا" ومنه قول المازني النحوي (ت 249): من كان لا يزعم أني شاعر فيدن مني تنهه المزاجر فقد جزم الشاعر الفعل (يدن) مع حذفه لـ (لام الأمر)؛ على الرغم من أن إيرادها لا يخل بالوزن، وهذا يعني أنها ليست ضرورة شعرية كسابقتها. ومن هنا فقد وقف بعض النقاد من العرب والغربيين نظرة أخرى من هذه التجاوزات، وعدوها ضرباً من الإبداع، إذ يحق للشاعر المبدع أن يتجاوز حدود القاعدة النحوية؛ لأن لغة الشعر لغة سامية على لغة النثر، وأطلقوا عليها اسم (اللغة العليا) كما عبر عن ذلك الشاعر الفرنسي (مالارميه) و(فرديناند دي سوسير) وغيرهم. وليس ببعيد موقف بعض علماء العربية من أن لغة الشعر تختلف عن لغة النثر، وأنه يحق للشاعر أن يتجاوز حدود اللغة، وإن دلَّ ذلك على جور الشاعر وتعسفه من وجه، إلا أنه يدل على فصاحته كما يرى ابن جني: "مثله في ذلك عندي مثل مُجري الجموح بلا لجام، ووارد الحرب الضروس حاسراً بلا احتشام". والأمثلة على ذلك كثيرة في شعرنا العربي، كقول الشاعر: قد أصبحت أمَّ الخيار تدعي علي ذنباً كلُّه لم أصنعِ فقد رفع الشاعر (كل) ولو نصبها لاستقام الوزن. ومنه أيضاً إدخال (أل ) التعريف على الفعل المضارع في قول الشاعر: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل وفي الختام أرجو من سراة الوراق التعليق بآرائهم على هذا الجانب، وذكر مواقفهم من الضرورات الشعرية؛ فهل هي من وجهة نظرهم، لغة عليا، تسمو على لغة النثر، ومرتكبها فصيح مبدع، أم أنها تدل على قصور الشاعر وقلة حيلته وحصيلته من مفردات اللغة. ولكم خالص تحيتي وتقديري،،، |