حِكَايَةٌ مِنَ حِكَايَاتِ الزَّمَنِ الْمُرِّ قرأْتُ عَنْ رجلٍ يعْملُ مُدَرِّسَاً فِي إحدى مدارس الأنروا (وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين) في غزة ، لهذا المدرسِ زوجةٌ وستَّةُ أطْفالٍ ، فَعِنْدَما صَارَ الْهُجُومُ الهمَجيُّ الصُهْيونيُّ على غزة ، أَتَتْ على بيتِهِ قَذِيفَةُ مَدْفَعٍ ، أوْدَتْ بحياةِ الزَّوْجَةِ والأبْناءِ السِّتةِ ، وبِلَمْحِ البَصَرِ بَقِيَ المدرِّسُ وحيداً لا زَوْجَة ولا أَوْلاد ، كأنه لم يتزوج ولم يكن له أطفال !! أَيْنَ الأَطْفَالُ الَّذِينَ مَنَحُوه وِسَامَ الأُبُوَةِ ؟!!..كلُّ ما يملكُهُ بقايا بيتٍ أركانُهُ خاويةٌ درسة كالأطلال ، نظر المدرِّسُ حواليه بصمت يَذْهَلُ الكونُ أمامه ثم خَرجَ هائماً على وجهِهِ ، لا أحَدَ يعْلمُ وجْهَتَهُ.... صَار َأَهْلُهُ يَبْحَثُونَ عَنْهُ ، لَكِنْ دُونَ جَدْوَى . إنَّ البنتَ الفلسطينيةَ تحْلمُ بالزَّواجِ كَسائرِ بناتِ العالمِ ، وتَعْلَمُ عِلْمَ اليقينِ إنَّها سوفَ تنْجبُ أطفالاً ، ولكنَّها ـ فِي نَفْسِ الوَّقْتِ ـ تَعْلَمُ إنَّ أطفالَها فلِذَة كبدها سيقْتلونَ وهمْ فِي مهدهِم في حُضْنِها رُضَّعاً أو حَبْواً .. فالبنْتُ تَمْتلكُ حَدَسَاً فتَحْسِبُ للشَّرِ الدَّاهمِ قبْلَ وقوعِهِ، فتقومُ في الليْلِ مِنْ حِلْمِهَا مفزوعةً ، وتتعاملُ مَعَ هَذا الحلمِ كأنَّهُ حقيقةٌ (لأنَّهُ فِي نظرِها حقيقةٌ ) بالفعلِ حقيقة ..لأنَّ هذا الحالَ ليْسَ فِي سنةٍ أوْ سنتن بلْ أكْثَر مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ وَنَيِّفٍ ، .. وكذلك الشَّابُ خاطبُ البنْتِ.. عِنْدَهُ نَفْس الحدَسِ عَدَم الأُبُوَةِ بالرُّغْمِ إنَّهُ يُنْجِبُ أَطْفَالاً ، إنْ ظلَّ هَذا الحَالُ (نَفْسُ الحالِ) .. بِنْتٌ بِكْرٌ مثل العسجدْ بِنْتٌ بِكْرٌ مثل العسجدْ مخطوبةْ للرَّجل الأمجدْ بِنْتٌ فِي بَيْتٍ مَخْطُوبَةْ بنت بِكْرٌ سَـ تِتْزَوُّجْ شَهْرَاً ترقبْ يأتي المعْرِسْ أمجدْ ، تَسْعَدْ تَرْكَبُ هَوْدجْ كابوسٌ في ليلٍ أسود حلمٌ علمٌ موتٌ مزعجْ نامت بنتٌ صارت تحلم قَامَتْ فِي لَيْلٍ مَذْعُورَةْ صَارَتْ تَبْكِي، صَارَتْ تَنْهَجْ صَارَتْ تَصْرُخْ ،صَارَتْ تَنْدُبْ نحلت، ضعفت مثل العوسج ابْنِي فِي بَطْنِي فِي الْغَيْهَبْ ؟!! لا يسمع صوتا لا ينهج سقط الصَّاروخُ عَلى طِفْلِي قَصْفُ الْمَدْفَعْ.. صَارُوخٌ أَهْوَجْ وَلَدِي منثورٌ أشلاءٌ أمعاءٌ بطنٌ قدْ يُهْبَجْ ابْنِي!!،ابني من موتٍ لا يسلمْ جَاءتْ الأمُّ عَلى الْبِنْت بنتٌ ثَكْلَى أو مَكْلُومَةْ تَبْكِي تَصْرَخْ..آآهٍ .. آآآهْ .. أَمْعَاءٌ باتَتْ مَنْثُورَةْ بِنْتٌ تَنْشُجْ عَيْنٌ تَدْمَعْ رِجْلٌ قَدْ صَارتْ مَبْتُورَةْ لَهَبٌ مِنْ صَارُوخٍ أَخْرَقْ وَسِهَامُ الليْلِ الْمَسْمُومَة وَقَذائِفُ فُسْفُورٍ أَبْيَضْ أَدْمَـتْ قَلْباً للْمَخْطُوبةْ أَرْدَتْ بِـ ابنٍ لَمْ يُعْلَمْ سَأَلَتْهَا الأُمُّ عَنِ النَّوْحي : لا تُخْفِي عَنِّي الْبَوْحي قَالَتْ الْبِنْتُ الْمَخْطُوبَةْ : قَصْفٌ للْمَدْفَعِ في صخبِ وَرَصَاصٌ مَسْكُوبٌ يَلْمَعْ قَدْ يَسْقُطُ عَـ فَلْذَةْ كَبْدِي يَذْهَبُ بِالابْنِ فَلا يَرْجِعْ!!! حتى يُطوى طولَ العمرِ نُورٌ للشَّمْعَةِ قَدْ أظْلَمْ جُرْحِي فِي قَلْبِي لا يَشْفَى مَاتَتْ نَفْسِي يَبْلَى جِسْمِي آآهٍ .. آآهٍ يَا أُمِّي.. قَلْــــبِي مكلومٌ يهمي بدَمِي ازْدَادَ النَّوْحُ عَلَى الْبِنْتِ ابْنِي؟ لا يصبِحُ لا يمسي في كلّ الوقت فلا أدري وقفت أيّامي أم تجري؟؟ وأنا في همَّي لا أكتُمْ أمٌّ حَزِنَتْ صَارَتْ تَبْكِي والبِنْتُ فعيناها تَدْمَع كلٌّ يَبْكِي ابْنَاً لَمْ يُخْـــلَقْ لَمْ يُولَدْ حَتَّى يَرْضَع!!! مسمار يغرز في جسمي وعدوٌّ في أرضي يطمع ابْنٌ لَمْ يُخْلَقْ!!!... لَمْ يُعْلَم!!! قَدْ جَاءَ الأَبُّ عَلَى عَجَلٍ وَلَهُنَّ خِطَابٌ مِنْ رَجُلِ : نَوْحٌ وعويلٌ فِي بَيْتي مَوْتٌ فِي الدَّارِ وَلا أَدْرِي؟!! ابْنٌ للْبِنْتِ فَلمْ يُوْلَدْ!! ابْنٌ أسمته على اسمي الْبِنْتُ فَـ أَسْمَتْهو مَكْرَمْ قَدْ قَالَ كَلامَاً فِي أَلَمٍ : حُزْنٌ للْجَدِّ فلا يَكْفِي قد تلقى شيخـا محزونا من صبح اليوم إلى الغسقِ الموتُ رحيمٌ بالمسلمْ فهنا الأبواب مشرَّعةٌ البيت فمفتوحٌ مأْتَمْ مَا أَفْظَعَ مَوْتٍ فِي الدُّنْيا!! مَا أَبْشَعَ قَتْلٍ فِي العَالَمْ !! طِفْلٌُ في الغيب وَلمْ يُخْلَقْ!! لم يَتْرُكْ مِنْ طِفْلٍ مَعْلَمْ!! القاتل مجنونٌ مجرمْ جَدٌّ جَالِسْ وَجْهٌ عَابِسْ تَدْمَعْ عينٌ قَلْبٌ يَجْزَعْ قَدْ جَاءَ النَّاسُ يُعَزُونَهْ طَيْرٌ فِي الْخُلْدِ لَهُو أَنْفَع خَفِّفْ مِنْ دَمْعٍ يَا جَارِي عُصْفُورُ الْخُلْدِ فَقَدْ يَشْفَعْ ولرائحة الفردوس نشمْ |