سداسية "هشام" االقصصية ..القصيرة جداً (2) ( من قبل 4 أعضاء ) قيّم
(( 2 )) أعلم أنها الليلة الأخيرة وجهها القريب .. بعيدٌ عن أصابعي صوتها العالي لا أسمعه لغتها غريبة لا أعرفها لكنني أسمع دقات قلبها وأفهم موسيقاها . قرأتُ هذه السطور الستة ،مراراً وتكراراً...علنى أفك شفرة كلماتها التى تبلغ " ثلاثة وعشرون كلمة ." أقرأ الجزم واليقين .. من كون القاص المبدع قد استهلها بالتأكيد على العلم اليقيينى.. وأنها الليلة الأخيرة .. بل لم يكتف بالعلم فأردف حرف التأكيد" أن" ثم ألحق الهاء بها ،مؤكداً لنفسه أولاً وللمتلقى ثانياً ..أنها أى مايعلمه هو، أن الليلة الأخيرة ،هى آخر مايراه من الوجه القريب منه ، لكنه بعيد عن أصابعه ..فلم يستطع الإمساك بهذا الوجه أو ملامسته . صوتها العالى ومايراه من حواليه من ضجيجها ،لم يتمكن من سماعه . واللغة التى تشدو بها ويعرفها الجميع .. لايعرف مفرداتها .. لكنه وقد تحول إلى كائن نورانى ..لم يعد يدرك الصوت واللغة .وإنما يسمع دقات القلب ويفك شفرات هذه الدقات ويفهم عزفها الموسيقى المتجدد ونغماتها الرائعة .. إنها موسيقى الكون ،موسيقى الحياة ،موسيقى الحقيقة التى لا تنجذب إلا لمن أوتى الحكمة وعاش بروحانية صافية. إنها معانقة الروح لموسيقى الحياة. إن القاص المبدع ..يأخذنا إلى شاطىء الحقيقة ونهر الحياة الدفاق . إنه يرى الأصوات ويسمع اللغات ..لكنه أصم عن السمع . يسمع لغات تعلو وتتشاجر..لكنه يجهل مفرداتها . إنها ليلته الأخيرة.. مع الحقيقة ،مع الحياة ،مع الوجود. إنه فى مقامٍ وحالٍ . إنه يأخذنا إلى تراثنا الصوفى عبر عصوره المختلفة ..الحلاج والشبلى والجنيد وابن الفارض وذى النون المصرى والرومى والعطار والشيرازى وابن عطاء الله السكندرى والسهروردى وابن عربى......إلخ . إنها التجليات الروحية التى يتحدث، بها وعنها ، القاص المبدع.. لغة الخبرة الروحية الذاتية .. التى تأخذنا إلى مدارج السالكين ومدارك العارفين. بل أقول ..كما قال الصوفى الأشهر محمد عبدالجبار النفرى ،فى كتابه الشهير "المواقف والمخاطبات " .."كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة " . |