أين العلاج ؟
هناك عنوان ضخم يغطي بقاع العالم بخط عريض ، هو ( مشكلات الشباب ) وإلصاق المشكلات بالشباب اتهام للبريء ، فهي مشكلات ليست للشباب ، بل هي مشكلات المجتمع الذي يعيشون فيه ، أجل إن الداء يكمن في ثنايا المجتمع ، وقسم كبير من هذا الداء مستورد من الغرب.
فالشاب المثقف يتجه نحو الإسلام ليستمع إلى عقيدته وأحكامه ، فإذا بالمجتمع يقول له : الدين اعتقادات غيبية لا سند لها ، و لكن استمع إلى ( كنت ) و ( ديكارت ) و ( فرويد ) و (كارل ماركس ) و ( داروين ).
وينصت الشاب إلى هؤلاء، فإذا به يقع في شرك التناقض ، فـ ( كانت و ديكارت ) لا يؤمنان بما يؤمن به ( داروين ) من النشوء و الارتقاء ، و ( داروين ) لا يذهب مذهب ( فرويد ) فيما يتعلق بالجنس ، ومن يؤمن بأن نظام الكون قائم على قانون الميكانيك ، لا يؤمن بما يراه ( ماركس ) من أنه قائم على نظام الديالكتيك ( المادية الجدلية ) .
فالشاب المثقف الذي يدعوه مجتمعه إلى دراسة هؤلاء الأشخاص ، يقع في دوامة من الجهل المتعب و الحيرة المؤرقة .. بأي رأي يأخذ ؟ و بأيها يصدق ؟!
ولربما اختار مذهباً من المذاهب بدافع ما ، اجتماعياً أو نفسياً أو تربوياً أو منفعياً ، و لكن هذا المذهب لا يورثه الطمأنينة و السكينة النفسية .
وهؤلاء الأشخاص الذين قرأ عنهم ينظرون إلى فترة العصور الوسطى بأنها عصور الجهل و الانحطاط ، و إنها لكذلك و لكن في أوربا ، أما عندنا فالقرون الوسطى كانت عهد الحضارة الإسلامية وازدهارها .
وهكذا يتلقى الشاب أمشاجاً من القيم و الآراء المتناقضة ، يتجمع كلها في ذهنه ، فتشكل مستنفعاً من الأفكار العفنة و الغشاوات الداكنة ، و تحجز العقل عن الفكر و الصفاء النفسي .. فياترى أين العلاج ؟ أين الدواء ؟
إن العلاج الذي يصلح من شأن المجتمع ، و الدواء الذي يزيل علله ، يكمن في الصدق.. صدق المجتمع مع نفسه ومع أفراده .
فلا ينبغي أن ينشر في صحيفة حديث ديني وينشر إلى جانبه حديث آخر يهزأ بالدين ، كما لاينبغي أن تكون لنا قيم و مبادئ نعتز بها ، ونركن إلى ثقافة الآخرين وهم يصفون تاريخنا بالجهل والانحطاط .
فهذا المرض و هذه المشكلة، ليسا كامنين في كيان الشباب ، و إنما هما مشكلة المجتمع ، وتكليف الشباب بالتحلي بالفضائل مع بقاء المجتمع في التناقضات و المهازل ، ضرب من السلوك العابث. |