البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : الترادف اللغوي بين النفي والإثبات    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )
 ياسين الشيخ سليمان 
24 - مارس - 2009
الترادف اللغوي بين النفي والإثبات
الترادف اللغوي ، في الاصطلاح ، هو تماثل معاني الكلمات المختلفة في اللفظ لتدل على معنى واحد كما هو معروف . ومن اللغويين ، قديما وحديثا ، من نفى حدوثه مطلقا ، ومنهم من أثبته  . في هذه العجالة نذكر حجج النافين وحجج المثبتين ؛ لنتبين أي الحجج أكثر إقناعا وأدعى إلى الأخذ بها ، ثم نهيب بالأساتذة المشاركين ، شيخنا ، د.يحيى ، وسواه من السراة والزوار الأفاضل ، بأن يتفضلوا علينا بتعقيباتهم المفيدة ؛ لعلنا نقف في صف المثبتين ، أو في صف النافين . ومن المحتمل  أن يكون قد وجد من يؤمن بالترادف النسبي الذي لا يصل إلى معنى الترادف الكامل ، والذي يوظف للشرح والتفسير . وإذا كان منشأ الخلاف بين العلماء في معنى الترادف راجعا إلى معنى كلمة الترادف نفسها ؛ فيكون الخلاف لا مسوغ له ، حيث يكون كل فريق يعني شيئا غير الذي يعنيه غيره .
وقد خطر لي الآن هذا التساؤل : إن الذين لا يؤمنون بالترادف نراهم يجهدون أنفسهم حين الكتابة في اختيار الألفاظ المناسبة ووضعها في أمكنتها  الدقيقة من جهة معناها حتى لا يكون لفظ  قد وضع في غير مكانه ، فهل الذين يؤمنون بالترادف لا يلقون بالا لما يكتبون ؛ فيضعون أي كلمة تخطر ببالهم ؛ معتبرين أنها تسد مسد غيرها من الكلمات المماثلة في المعنى عندهم ؟ فلو أرادوا أن يلفظوا أو يكتبوا هذه العبارة : " آثرتك على نفسي " ، فهل يلفظونها أو يكتبونها هكذا : " فضلتك على نفسي " ؟
ولنبدأ بذكر الذين قالوا بالترادف من اللغويين القدامى ، فنعد منهم : سيبويه ، والأصمعي ،  وعلي بن عيسى الرماني صاحب كتاب " الألفاظ المترادفة " ، وابن خالويه ، وحمزة بن حمزة الأصفهاني  ، والزركشي ، وغيرهم .. ومن المحدثين : علي الجارم ، ود. إبراهيم أنيس ، و د. صبحي الصالح ، وغيرهم من اللغويين والباحثين .
أما الذين نفوا وجود الترادف من القدماء ، فمنهم : ابن الأعرابي ، و ثعلب ، والمبرد ، والجاحظ ، وابن قتيبة ، و أبو هلال العسكري صاحب الفروق اللغوية ، وابن فارس ، والراغب الأصفهاني ، وابن تيمية . ومن المحدثين د.عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ، وغيرها .
القرءان الكريم والترادف
الذين يقرون بوجود الترادف في اللغة يقولون بوجوده في القرءان الكريم بطبيعة الحال ، ويوردون عليه أمثلة * ، نحو :
" تالله لقد آثرك الله علينا " ، " وأني فضلتكم على العالمين " حيث آثر ، وفضل ، تدلان على نفس المعنى .
" حتى إذا حضر أحدَهم الموتُ " ، " حتى إذا جاء أحدَكم الموتُ " ، حيث حضر ، وجاء ، بنفس المعنى .
" بعث فيهم رسولا " ، " فأرسلنا فيهم رسولا " ، حيث بعث ، وأرسل ، بنفس المعنى .
" البلد " ، " القرية " .
" ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين " ، " فإن الجحيم هي المأوى " ، حيث النار ، والجحيم ، لهما نفس الدلالة .
" واقسموا بالله جهد أيمانهم " ، " ثم جاءوا يحلفون بالله " حيث أقسم ، وحلف ، بنفس المعنى .
أما اللذين لا يقرون بوجود الترادف في اللغة ، فهم  ، ومن باب أولى ، لا يقرون بوجوده في القرءان الكريم أبدا .
حجج المقرين بالترادف :
من حجج المقرين بالترادف  قولهم  بما معناه : إن الترادف كان موجودا في القرن الهجري الثاني  ومعظم القرن الثالث دون أن تثار حوله المسائل . وقد ذكر هذا المعنى السيوطي في المزهر . ومنها اعتبارهم الصفات أسماء كأسماء الأسد والسيف.. ومنها أن تطور اللغة وتجددها يفرض إيجاد ألفاظ مختلفة للمعنى الواحد .
حجج من لم يقروا بالترادف :
من حجج الذين لم يقروا بالترادف : القرءان الكريم لا تجد فيه كلمة تسد مسد غيرها تماما ، وهو قمة البلاغة والفصاحة . ومنها أن ما يسمى بأسماء السيف ، أو الأسد ، أو الجمل ، أو غيرها إن هي إلا صفات وكل صفة تعني معنى خاصا . ومنها عدم جواز وجود لفظتين مختلفتين لمعنى واحد ؛ لأن في كل لفظة زيادة في المعنى عن غيرها ، وهذا موجز ما أثر عن أبي العباس ، ثعلب . ومنها معنى ما قاله أبو هلال العسكري من أن لا فائدة ولا حكمة في أن تشير لنفس الشيء باسم مختلف في كل مرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الآيات القرءانية محل التمثيل ذكرها د. إبراهيم أنيس ، مع آيات أخر ، في كتابه : " في اللهجات العربية " ،   و د. أنيس من مؤيدي ظاهرة الترادف مع بعد عن المغالاة فيها .
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
جهد مشكور     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
جهدك مشكور بارك الله فيك ونفع بك يا شيخنا ،
أرفقت مشاركتي دون ان اتبين مشاركات شيخنا د. يحيى كلها ، فقد بدات بكتابة تعقيبي قبيل ان يدرج باقي مشاركاته ؛ فمعذرة .
*ياسين الشيخ سليمان
26 - مارس - 2009
هديتي إلى أخي ياسين مع تحيتي    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
الرؤيا حق وصدق : رؤيا سيدنا رسول الله ، صلوات ربي وسلامه عليه ، بدخول المسجد الحرام ، ورؤيا سيدنا إبراهيم ، عليه السلام ، ورؤيا سيدنا يوسف ، عليه السلام....والحلم فصور مشوشة ، وهواجس مختلفة .
الخشية يقين وصدق وأعلى رتبة من الخوف .
الغيث خير ورحمة وخِصب وبشرى ، والمطر يكون في مواطن العذاب .
الرياح لواقح ، إنها بشرى خير ونماء ، والريح صرصر وعاتية . "اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" .
الرَّيب قلق واضطراب ، والشك غموض .
 
 
*د يحيى
26 - مارس - 2009
شكرا على الهدية بل الهدايا    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
الفرق في المعنى بين القسم والحلف في القرءان الكريم
القسم في القرءان يختص بالصادق في أيمانه أو الذي يريد أن يوهم الناس بأنه صادق ، أما الحلف ، فيختص به الكاذب فيها :
قال تعالى :
" والفجر وليال عشر، والشفع والوتر ، والليل إذا يسر ، هل في ذلك قسم لذي حجر...." الفجر. والمقسم هو الله تبارك وتعالى . والآيات المماثلة كثيرة .
وقال :
" ...إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين . ولا يستثنون..." القلم . فقد كانوا صادقين في قسمهم ؛ فنيتهم فعل ما أقسموا على فعله .
وقال :
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لن يبعث الله من يموت " النحل . فهم إما غير مؤمنين بالبعث على وجه الحقيقة ، أو إنهم يوهمون السامع او المخاطب أنهم غير مصدقين بالبعث ؛ تكذيبا متعمدا لما جاء به الرسول من لدن ربه تعالى ، فأقسموا ولم يحلفوا . وعدم إيمانهم بالبعث على وجه الحقيقة يؤيده قول الله تعالى : " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون " الجاثية . وقوله تعالى في سورة ق : " أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " .
وقال :
" ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة " الروم . فهم صادقون في إحساسهم ومشاعرهم ؛ لأن إحساسهم بقصر الزمن ووقوع العذاب جعلهم يقسمون .
وقال :
" وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا . فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا " النساء . والمنافقون كاذبون بطبيعة الحال .
وقال :
" يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير . يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا.... " التوبة . ولما افتضح أمر المنافقين لم تعد لديهم الإمكانية بأن يوهموا الناس بصدقهم ، ولذا رأيناهم يحلفون ولا يقسمون .
وقال :
" ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون " المجادلة .
وقال :
" ولا تطع كل حلاف مهين " القلم .
وقال :
" ...فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم... " المائدة . فالذي يحتمل أن يحنث بيمينه لا يكون يمينه قسما ؛ وإنما هو الحلف لا القسم .
وقال :
" ... تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذن لمن الآثمين ." المائدة . فالمفترض في المقسمَين ان يكونا ذوي عدل وصدق ، لا أن يكونا حالفين يحتمل الكذب لديهما .
في المحاكم يطلب القاضي من الشاهد أو من المتهم أن يقسم على قول الحق لا أن يحلف ، فالمحاكم بهذا تكون تتبع معنى القسم في القرءان الكريم ، إلا أن يكون القاضي من أنصار الترادف اللغوي .
*ياسين الشيخ سليمان
26 - مارس - 2009
الإعجاز ينفي الترادف..    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
تحياتي الواسعة لأستاذيّ وشيخيّ الكريمين ياسين ويحيى، وأستأذنكما بالمشاركة في هذا الملف لعلي أضيف شيئاً، آملاً تقويم عثراتي..
في معجم الفروق اللغوية للعسكري ما نصه: (الفرق بين قولك: جاء فلان وأتى فلان، أن قولك: جاء فلان، كلام تام لا يحتاج إلى صلة، وقولك: أتى فلان يقتضي مجيئه بشيء، ولهذا يقال: جاء فلان نفسه، ولا يقال: أتى فلان نفسه، ثم كثر ذلك حتى استعمل أحد اللفظين في موضع الآخر).ا.هـ. لذلك نجد في لسان العرب: المَجِيء: الإِتيان.
أما في القرآن الكريم فخلاصة رأي العلماء في المتشابه أو المترادف أنهم أجمعوا أن لا ترادف، وهو ما ذكره الدكتور يحيى في الأمثلة السابقة، ومن ذلك ما أشار إليه الإمام الكرماني في كتابه (البرهان في متشابه القرآن) بأمثلة كثيرة تبين الإعجاز الرباني في هذا الكتاب الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لكن الإمام الكرماني –وهو عالم في النحو والفقه والقراءات- في أحد أمثلته قارن بين الآية: (قنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تَبِع هُداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون) (38) سورة البقرة، والآية (قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتَّبع هداي فلا يضل ولا يشقى) (123) سورة طه، فقال: (فمن تبع)، وفي طه: (فمن اتّبع). تبع واتّبع بمعنى واحد، وإنما اختار في طه (اتّبع) موافقة لقوله تعالى قبلها: (يتَّبعون الداعي لا عوج له).ا.هـ.
وفي الصحاح ما يؤيد المعنى الواحد للكلمة: (تَبِعْتُ القومَ تَبَعاً وتَباعَةً بالفتح، إذا مشَيت خلفهم، أو مَرُّوا بك فمضيتَ معهم؛ وكذلك اتَّبَعْتَهُم).
لذلك فإن الترادف في المعنى، والاختلاف في اللفظ بالقرآن الكريم مثل: (تبع واتبع) يميّزه السياق القرآني، فيكون الاختلاف والإعجاز، أما الترادف خارج النص القرآني فممكن جداً وموجود بكثرة، وهو الأمر الذي يجعل الإعجاز جلياً فيبدو الفرق بين كلام البشر وكلام الله مع أن اللغة واحدة. وما أشار إليه العسكري: (ثم كثر ذلك حتى استعمل أحد اللفظين في موضع الآخر)، يؤيده الشاهد الآتي عند الكرماني في الحديث عن (أتى وجاء)، قال تعالى: (فلمّا أتاها) في طه، وفي النمل: (فلما جاءها)، وفي القصص (أتاها)؛ لأن (أتى) و(جاء) بمعنى واحد، لكن لكثرة دور لفظ الإتيان في طه نحو (فأتياه)، (فلنأتينك)، (ثم أتى)، (ثم ائتوا صفاً)، (حيث أتى) كان لفظ (أتاها) به أليق، ولفظ (جاء) في النمل أكثر نحو: (فلما جاءتهم) (وجئتك من سبأ)، (فلما جاء سليمان) كان لفظ (جاءها) به أليق، وألحق القصص بـ(طه) لقرب ما بينهما.ا.هـ.
عليه نجد مسألتين: الأولى ما جاء عند العسكري من أن سبب الترادف -في جاء وأتى وربما غيرهما- كثرة الاستخدام، والأخرى كما جاء عند الكرماني من أن الترادف يميِّزه السياق في كتاب الله، وهذا يقتضي أن هناك ترادفاً في غير القرآن الكريم لا يميزه شيء، وأن هناك ترادفاً في القرآن الكريم يميزه السياق والإعجاز فيصبح غير مترادف، ونرجع هنا لمقولة الدكتور يحيى: يستحيل أن يكون ثمة ترادف في كتاب الله.
*أحمد عزو
26 - مارس - 2009
الرأيان واررد    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
الرأيان وارد
تحياتي كلها إلى أساتذتي الأفاضل: الاستاذ ياسين والدكتور يحيى والأستاذ أحمد عزو
 إنّ العلماء في آرائهم حول الترادف بين النفي والإثبات قد انقسموا إلى فريقين كل فريق منهما تشبث بفكره وقدم أدلته وبراهينه على ما قال :
أ ـ إنكار الترادف :
يقول أصحابه: بأن الشارع حكيم ، ومن العبث أن يأتي الترادف إلا ولكل كلمة دلالة، فإذا سلمنا بتلك الدلالات المتعددة فلا ترادف بل إن أبا هلال العسكري قد أنكر حتى المشترك اللفظي ، وأن يكون فعل ، وأفعل بمعنى واحد ، بل إن أصحاب هذا الرأي ومنهم أبو هلال العسكري يقولون بعدم تعاقب حروف الجر ، وعللوا ذلك بأنه يوقع في الإشكال واللبس على المخاطب ، وليس من الحكمة ، وضع الأدلة المشكلة .. وقال المحققون، لا يجوز أن تختلف الحركتان في الكلمتين ومعناهما واحد ، ثم يقول : وإذا كان اختلاف الحركات يوجب اختلاف المعاني ، فاختلاف المعاني أنفسها أولى أن يكون كذلك ، ولهذا المعنى قال المحققون من أهل العربية : إن حروف الجر لا تتعاقب )) [1].
ويقول ابن درستويه [2] : في جواز تعاقب حروف الجر إبطال لحقيقة اللغة ، وإفساد الحكمة فيها ، والقول بخلاف ما يوجبه العقل والقياس ، ويسحب أبو هلال العسكري المبرّد إلى القائلين بإنكار الترادف وينقل عنه قوله : (( .. قولنا اللب ، وإن كان هو العقل فإنه يفيد خلاف ما يفيده العقل ، وكذلك المؤمن ، ومستحق الثواب، لكل منهما معنى زائدة )) [3].
ويفرق المبرّد بين قولي أبصرته ، وبصرت به على اجتماعهما في فائدة شبه متساوية إلاّ أن أبصرت به معناه أنك صرت به بصيرا بموضعه ، وفعلت أي انتقلت إلى هذه الحال ، وأما أبصرته فقد يجوز أن يكون مرة وأن يكون لأكثر من ذلك ، وكذلك أدخلته ودخلت به ، فإذا قلت أدخلته جاز أن تدخله وأنت معه ، وجاز ألا تكون معه ، ودخلت به إخبار بأن الدخول لك وهو معك ، وبسببك )) [4].
وممن أنكر الترادف ابن فارس ت 395هـ وقد بسط رأيه [5] الذي لا يبعد في استدلاله عن آراء ابن درستويه ومعاصره أبي هلال العسكري ، وهو رأي لابن الأنباري ـ صاحب الأضداد يقول ابن الأنباري [ يذهب ابن الأعرابي إلى أن مكة سميت بذلك لجذب الناس إليها ] ثم يقول بعد كلام طويل عن علة بعض التسميات لبعض البلدان ـ فإن قال رجل : لأي علة سمى الرجل رجلا ، والمرأة امرأة قلنا : لعلة علمتها العرب ، وجهلناها ، فلم تزل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة وصعوبة الاستخراج علينا ..)) [6]. ويعلل قطرب تكرار العرب للفظتين على المعنى الواحد بعلة أن ذلك يدل على اتساعهم في كلامهم كما زاحفـوا في أجزاء الشعر ، ليدلوا على أن الكلام واسع عندهم .. )) [7].
وباستعراض الآراء السابقة نجد أن أصحابها ينكرون وجود الترادف ، ويمكن أن نستنبط عللهم ونجملها في النقاط التالية :
أولاً : إن الشارع حكيم ، وإذا سلمنا بالترادف ، وقعنا في عبثية لفظية ، ينـزه الشارع عنها ، ورأيهم هذا ينطلق من قولهم بتوقيفية اللغة كما أسلفنا .
ثانياً : إن لكل كلمة دلالة تدور في محيطها ، وما لم نعلم علته ، فهو معلوم في العربية ، وإن جهلناه .
ثالثاً : إذا قلنا بإنكار الترادف ، فهذا يدفعنا إلى بحث العلل وفي هذا ما يدل على سعة الكلام عند العرب.
ب ـ إثبات الترادف :
أما الرأي الآخر ، فيثبت الترادف ، ويرى أن هناك كلمات مترادفة ، تؤدي معنىً واحداً تاماً ، لم تأت في العربية عبثاً ، وإنما جاءت لأغراض ومقاصد ، ويستدلون على صواب رأيهم بأدلة عقلية وخرجوا الآية الكريمة مخارج تدعم أو تسالم رأيهم ، وحديثهم في إثبات الترادف قائم من منطلق أن اللغة اصطلاحية حتى صرح بذلك السيوطي في المزهر بقوله [8] : (( وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية )) ولعل من أبرز القائلين به الآمدي صاحب الإحكام في أصول الأحكام إذ نص على ذلك ، واتهم أصحاب الرأي السابق وسرد أدلة عقلية على وقوعه (( ذهب شذوذ من الناس إلى امتناع وقوع الترادف في اللغة ، وجوابه أن يقال : لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي ، فإنه لا يمتنع أن يقع أحد اللفظين على مسمى واحد ثم يتفق الكل عليه ، وأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين على مسمىً ، وتضع الأخرى له اسماً آخر ، من غير شعور كل قبيلة بوضع الأخرى ثم يشيع الوضعان بعد ذلك . ثم يُدلل الآمدي على إمكانيـة وقوع ذلك بقوله : (( ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة ما نقل عن العرب من قولهم : الصهلـب ، والشوذب من أسماء الطويـل ، والبهتر ، والبحتر من أسماء القصير ))[9] .
ويؤيد هذا الرأي القائل بالترادف مجموعة من علماء اللغة لعل من أبرزهم ابن خالويه ، وهو الذي أثبت للسيف أسماءً كثيرة مترادفة [10] ومنهم أبو بكر الزبيدي والرماني ، وابن جني ، وقد أفرد له باباً في خصائصه ومنهم الباقلاني ، وابن سيده والفيروز آبادي الذي ذكرت سالفاً أنه أثبت للعسل ثمانين اسماً [11] .


[1]  الفروق اللغوية / أبو هلال العسكري / ص12 ، 13 ، ط مكتبة القدس 1353هـ ، القاهرة .
[2] المرجع السابق ص13
[3] المرجع السابق ص14
[4] المرجع نفسه .
[5] الصاحبي في فقه الله / أحمد بن فارس ص 65 طبعة القاهرة /1328هـ .
[6] المزهر / السيوطي جـ1 ص400 .
[7] المرجع نفسه .
[8] المرجع نفسه ، جـ1 ص 406 .
[9] النص في المزهر ، 1/406 ، وكتاب الترادف للزيادي ، ط وزارة الثقافة 1980م .
[10] المزهر ، 1/406 .. " بسط لأسماء السيف " .
[11] الترادف ، حاكم الزيادي ، ص220 .
*ابو هشام
27 - مارس - 2009
تكميل (الرأيان واررد)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
فالسيوطي يقرّ بوجود ترادف في  اللغة والسيوطي على رأس ممن يثبتون وجود الترادف في اللغة ، ويعلل ذلك ، ذاكراً فوائد الترادف : وأبرز علله ما يأتي[1]
أولاً : أن تكثر الوسائل ، والطرق ، إلى الإخبار عما في النفس ، فربما نسى أحد اللفظين ، أو عام عليه النطق به ، وقد كان بعض الأذكياء ـ ويقصد به واصل ابن عطاء [2] ألثغ ، فلم يحفظ عنه أنه نطق بحرف الراء ، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك .
ثانياً : التوسع في سلوك طرق الفصاحة ، لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر السجع ، والقافية والتجنيس .
ثالثاً : ذهب بعض الناس إلى أن الترادف على خلاف الأصل ، والأصل هو التباين ، وبه كما يقول الإمام السيوطي ـ جزم البيضاوي في منهاجه .
رابعاً : قد يكون أحد المترادفين أجلى في تعبيره من الآخر ، وقد ينعكس الحال بالنسبة لقوم آخرين .
خامساً: أورد السيوطي تقسيماً لعالم اسمه " ألكيا " وهو اسم غريب وتقسيم كما يقول السيوطي غريب ؛ يقول : تنقسم الألفاظ إلى متوارد كما تسمى الخمر عقارا ، وصهباء ، وقهوة ، والمترادفة مثل صلح الفاسد ، ولم الشعث .
سادساً: أثبت السيوطي المترادف بنماج لمن استقصوا أو حاولوا استقصاء أسماء العسل ، والسيف ، وكأنه بذكره لهذه الأسماء ، يرى أن القائلين بإنكار الترادف يتمحلون في وضع العلل .
ثانياً : التطبيق :
حينما ننظر لكلمات مثل (الهمم ، والغم ، والحزن) ، نجد أن جذر المعنى الذي تجتمع عليه الكلمات الثلاث هو ما يعتري النفس من كدر ، وعدم رضى ، مع تفاوت وتمايز في دلالة كل كلمة منها .
وأبدأ بكلمة الحزن التي تتخذ في معاجم اللغة دلالات ، ويفسره صاحب المعجم الوسيط بمرادفه وهو اُغتم [3] ، وابن فارس في مقياسه اللغوي [4] تجاوز تعريفه للحزن وقال هو معروف ؛ يُقال أحزنني الشيء يحزنني ، وحزانتك أهلك ومن تحزن عليهم ، ووجدت الشريف الجرجاني[5]  يعرف الحزن ، ويربطه بالماضي : عبارة عما يحصل لوقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي ..
والواقع أننا حينما نبحث عن مترادفات الحزن نجدها متعددة ، وكلمات عدة تؤدي المعنى الذي ذكرته آنفاً فعند علماء اللغة تقول: (( غمني ، أحزنني وشجاني ، وشجنني ، وأشجنني ، وعزّ عليّ ، وشق عليّ ، وعظم عليّ ، واشتد عليّ )) ويُقال : (( ورد فلان خبر ، فحزن له واغتم ، وأسـى ، وشجى ، وشجن ، وترح ، ووجد ونكد ، وكئب ، واكتأب ، واستاء ، وابتأس ، وجزع وأسف ، لهف ، والتهف ، والتاع ، والتعــج ، وارتمض ... ))[6] . وهي كلمات كما ترى تحمل كل واحدة منها دلالة ، لا يمكن في تصوري أن تلتقي كلمتين منها التقاءً تاماً فلكل واحدة منها ظلالاً معينة وبما أننا قد اخترنا ، الثلاث كلمات السابقة ، فلنتابع الحديث عنها .
فالغم كما يقول ابن فارس (( الغين والميم أصل واحد صحيح يدل على تغطية ، وإطباق ، ويُقال : غمه الأمر يغمه غماً . وهو شيء يغشى القلب .. )) [7]وفي الوسيط يدور حول التغطية .. [8]وهي دلالة كما فهمت أعمق إذ أن الهم يتغشى الفؤاد ، ويضيق الخناق على المغموم ، وكأنه قد غطاه تماماً فلا يستطيع أن يتنفس ، وبخلاف الحزن ، فهو مرحلة متقدمة ماضية ، قد انجلى الضيق ولم يبق منه إلا بقايا من الحزن . ((وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)) .
وبرغم أن ابن فارس ممن يقولون بإنكار الترادف ، فهو يفسر لنا الكلمة بمرادفها فهو يعرف الهم بأنه الحزن ويقول (( الهاء والميم أصل صحيح يدل على ذوب وجريان وما أشبه ذلك ومنه قول العرب : همني الشيء ، أذابني والهم الذي هو الحزن عندنا من هذا القياس ، لأنه كأنه لثلاثة يهم ، أي يذيب )) [9].
ومن تتبع دلالات الكلمات الثلاث تستطيع أن نخرج بفائدة تنوع دلالاتها ، ولعل وضوحها هو الذي دفع بابن فارس إلى تجاوز توضيح الفروق بينها ، وهو الذي جعل لغوياً مثل الثعالبي وأبي هلال العسكري لا يوضحون الفرق بينها [10] وربما كان الأمر على خلاف ما فهمت ، والذي يتراءى لي ـ وهو رأي شخصي قابل للنقض ـ أن الترادف غير ممكن في العربية ، وأن القول بوجوده يتعارض مع عظمة العربية ، واتساع قاموسها ، ولو سلمنا للقائلين بالترادف لسفهنا بطريقة أو بأخرى علماء اللغة ، الذين جمعوا اللغة من مضانها، ومن أفواه العرب ووقعنا في عبثية لفظية ، تنـزه اللغة العربية عنها ، وأمرٌ آخر يدعم القول بإنكار الترادف...
أ. عبد الرحمن بن حسن المحسني
وأنا أقول إنّ  اللغة العربية لثرائها وسعتها وعلوها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم  وقبله، كانت تشمل على مرادفات، وهذا الذي أثرى الأدب والشعر الجاهلي ..
أما القرآن الكريم لاترادف فيه وكل مفردة فيه لها مدلولها الخاص لأنه معجزة الزمن الذي انتشرت فيه الفصاحة والبلاغة.وأنا معكم جميعا لا ترادف في كتاب الله ..لاحظوا معي الفرق بين الكتاب ، القرآن . وقام ونهض ...
قال الله تعالى:﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾               (الإسراء:88) 
ولكم مني كل التقدير


[1] المزهر ، 1/406 .
[2] تجد قصته في البيان والتبيين ، جـ1 ، ص10 ، ط دار الكتب العلمية ، لبنان ، بدون تاريخ .
[3] المعجم الوسيط ، مجمع اللغة بالقاهرة ، جـ1 ص177 ، ط3 ، دار عمران .
[4] مقاييس اللغة ، ابن فارس، تح عبدالسلام هارون، جـ1 ص54 ، ط1 1366 القاهرة .
[5] التعريفات ، علي محمد الجرجاني ، مخطوط ، ص59 ، بدون تاريخ ولم أجد مكان الطبع .
[6] انظر نجعـة الرائد في المترادف والوارد ، إبراهيم اليازجي ، ط لبنان ط2 ،
[7] مقاييس اللغة ، 4/376 .
[8] المعجم الوسيط : 2/685 .
[9] مقاييس اللغة : جـ6 /13 .
[10] لم أجد في فقه اللغة للثعالبي ، وفي الفروق لأبي هلال إشارة إلى الفرق بينها
*ابو هشام
27 - مارس - 2009
تبع    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
البحث في لسان العرب


البحث عن جذر تبع في لسان العرب

تَبِعَ الشيءَ تَبَعاً وتَباعاً في الأَفعال وتَبِعْتُ الشيءَتُبوعاً: سِرْت في إِثْرِه؛ واتَّبَعَه وأَتْبَعَه وتتَبَّعه قَفاه وتَطلَّبه مُتَّبعاً له وكذلك تتَبَّعه وتتَبَّعْته تتَبُّعاً؛ قال القُطامي:
وخَيْرُ الأَمْرِ ما اسْتَقْبَلْتَ منه وليس بأَن تتَبَّعَه اتِّبـاعـا
وضَع الاتِّباعَ موضع التتبُّعِ مجازاً. قال سيبويه: تتَبَّعَه اتِّباعاً لأَن تتَبَّعْت في معنى اتَّبَعْت. وتَبِعْت القوم تَبَعاً وتَباعةً، بالفتح، إذا مشيت خلفهم أَو مَرُّوا بك فمضَيْتَ معهم. وفي حديث الدعاء: تابِعْ بيننا وبينهم على الخيْراتِ أَي اجْعَلْنا نَتَّبِعُهم على ما هم عليه.
والتِّباعةُ: مثل التَّبعةِ والتِّبعةِ؛ قال الشاعر:
أَكَلَت حَنِـيفةُ رَبَّـهـا زَمَنَ التقَحُّمِ والمَجاعهْ
لم يَحْذَرُوا، من ربِّهـم سُوء العَواقِبِ والتِّباعهْ
لأَنهم كانوا قد اتخذوا إِلهاً من حَيْسٍ فعَبَدُوه زَماناً ثم أَصابتهم مَجاعة فأَكلوه.
وأَتْبَعه الشيءَ: جعله له تابعاً، وقيل: أَتبَعَ الرجلَ سبقه فلَحِقَه.
وتَبِعَه تَبَعاً واتَّبَعه: مرَّ به فمضَى معه. وفي التنزيل في صفة ذي القَرْنَيْنِ: ثم اتَّبَع سبَباً، بتشديد التاء، ومعناها تَبِعَ، وكان أَبو عمرو بن العلاء يقرؤُها بتشديد التاء وهي قراءة أَهل المدينة، وكان الكسائي يقرؤُها ثم أَتبع سبباً، بقطع الأَلف، أَي لَحِقَ وأَدْرك؛ قال ابن عبيد: وقراءة أَبي عمرو أَحبُّ إِليَّ من قول الكسائي.
واسْتَتْبَعَه: طلَب إِليه أَن يَتبعه. وفي خبر الطَّسْمِيِّ النافِر من طَسمٍ إِلى حَسَّان الملك الذي غَزا جَدِيساً: أَنه اسْتَتْبَع كلبة له أَي جعلها تَتبعه.
والتابِعُ: التَّالي، والجمع تُبَّعٌ وتُبَّاعٌ وتَبَعة. والتَّبَعُ: اسم للجمع ونظيره خادِمٌ وخَدَم وطالبٌ وطلَبٌ وغائبٌ وغَيَبٌ وسالِفٌ وسَلَفٌ وراصِدٌ ورَصَدٌ ورائحٌ ورَوَحٌ وفارِطٌ وفرَطٌ وحارِسٌ وحَرَسٌ وعاسٌّ وعَسَسٌ وقافِلٌ من سفَره وقَفَلٌ وخائلٌ وخَوَلٌ وخابِلٌ وخَبَلٌ، وهو الشيطان، وبعير هامِلٌ وهَمَلٌ، وهو الضالُّ المهمل؛ قال كراع: كل هذا جمع والصحيح ما بدأْنا به، وهو قول سيبويه فيما ذَكر من هذا وقياس قوله فيما لم يَذكره منه: والتَّبَعُ يكون واحداً وجماعة. وقوله عز وجل: إِنَّا كُنا لكم تَبَعاً، يكون اسماً لجمع تابِع ويكون مصدراً أَي ذَوِي تَبَعٍ، ويجمع على أَتْباع.
وتَبِعْتُ الشيءَ وأَتْبَعْتُه: مثل رَدِفْتُه وأَرْدَفْتِه؛ ومنه قوله تعالى: إِلاَّ مَن خَطِفَ الخَطْفةَ فأَتْبعه شِهاب ثاقِب؛ قال أَبو عبيد: أَتْبَعْت القوم مثل أَفْعلت إذا كانوا قد سبقوك فَلَحِقْتَهم، قال: واتَّبَعْتُهم مثل افْتَعَلْت إذا مرُّوا بك فمضيتَ؛ وتَبِعْتُهم تَبَعاً مثله. ويقال: ما زِلْتُ أَتَّبِعُهم حتى أَتْبَعْتُهم أَي حتى أَدركْتُهم. وقال الفراء: أَتْبَعَ أَحسن من اتَّبَع لأَن الاتِّباع أَن يَسِير الرجل وأَنت تسير وراءَه، فإِذا قلت أَتْبَعْتُه فكأَنك قَفَوْته. وقال الليث: تَبِعْت فلاناً واتَّبَعْته وأَتْبعْته سواء. وأَتْبَعَ فلان فلاناً إذا تَبِعَه يريد به شرّاً كما أَتْبَعَ الشيطانُ الذي انسلَخَ من آيات الله فكان من الغاوِين، وكما أَتْبَع فرعونُ موسى. وأَمَّا التتَبُّع: فأَن تتتَبَّعَ في مُهْلةٍ شيئاً بعد شيء؛ وفلان يتَتبَّعُ مَساوِيَ فلان وأَثرَه ويَتتبَّع مَداقَّ الأُمور ونحو ذلك. وفي حديث زيد بن ثابت حين أَمره أَبو بكر الصديقُ بجمع القرآن قال: فَعَلِقْتُ أَتَتَبَّعه من اللِّخافِ والعُسُبِ، وذلك أَنه استَقْصَى جميعَ القرآن من المواضع التي كُتِب فيها حتى ما كُتِب في اللِّخاف، وهي الحجارة، و واتَّبَعَ القرآنَ: ائْتَمَّ به وعَمِلَ بما فيه. وفي حديث أَبي موسى الأَشعري، رضي الله عنه: إِنَّ هذا القرآن كائنٌ لكم أَجراً وكائن عليكم وِزْراً فاتَّبِعوا القرآن ولا يَتَّبِعنَّكُم القرآنُ، فإِنه من يَتَّبِعِ القرآن يَهْبِطْ به على رِياضِ الجنة، ومَن يَتَّبِعْه القرآنُ يَزُخّ في قَفاه حتى يَقْذِفَ به في نار جهنم؛ يقول: اجعلوه أَمامكم ثم اتلوه كما قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يَتْلُونه حقَّ تِلاوته أَي يَتَّبِعونه حقَّ اتِّباعه، وأَراد لا تَدَعُوا تِلاوته والعملَ به فتكونوا قد جعلتموه وراءَكم كما فَعل اليهود حين نَبَذُوا ما أُمروا به وراء ظهورهم، لأَنه إذا اتَّبَعَه كان بين يديه، وإِذا خالفه كان خَلْفَه، وقيل: معنى قوله لا يتبعنكم القرآن أَي لا يَطْلُبَنَّكُم القرآنُ بتضييعكم إِياه كما يطلُب الرجلُ صاحبَه بالتَّبِعة؛ قال أَبو عبيد: وهذا معنى حسن يُصَدِّقه الحديث الآخر: إِن القرآن شافِع مُشَفَّعٌ وماحِلٌ مُصَدَّقٌ، فجعله يَمْحَل صاحبَه إذا لم يَتَّبِعْ ما فيه. وقوله عز وجل: أَو التابعينَ غَيْرِ أُولي الإِرْبةِ؛ فسره ثعلب فقال: هم أَتباع الزوج ممن يَخْدِمُه مثل الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة.
وفي حديث الحُدَيْبية: وكنت تَبِيعاً لطَلْحةَ بن عُبيدِ الله أَي خادماً. والتَّبَعُ كالتابِعُ كأَنه سمي بالمصدر. وتَبَعُ كلِّ شيءٍ: ما كان على آخِره. والتَّبَعُ: القوائم؛ قال أَبو دُواد في وصف الظَّبَّية:
وقَوائم تَـبَـع لـهـا مِن خَلْفِها زَمَعٌ زَوائدْ
وقال الأَزهري: التَّبَعُ ما تَبِعَ أَثَرَ شيء فهو تَبَعةٌ؛ وأَنشد بيت أَبي دواد الإيادي في صفة ظبية:
وقوائم تَـبَـع لـهـا من خلفها زمع مُعَلَّقْ
وتابَع بين الأُمور مُتابَعةً وتِباعاً: واتَرَ ووالَى؛ وتابعْتُه على كذا مُتابعةً وتِباعاً. والتِّباعُ: الوِلاءُ. يقال: تابَعَ فلان بين الصلاة وبين القراءة إذا والَى بينهما ففعل هذا على إِثْر هذا بلا مُهلة بينهما، وكذلك رميته فأَصبته بثلاثة أَسهم تِباعاً أَي وِلاء. وتَتابَعَتِ الأَشياءُ: تَبِعَ بعضُها بعضاً. وتابَعه على الأَمر: أَسْعدَه عليه.
والتابِعةُ: الرَّئِيُّ من الجنّ، أَلحقوه الهاء للمبالغة أَو لتَشْنِيع الأَمْرِ أَو على إِرادة الداهِيةِ. والتابعةُ: جِنِّيَّة تَتْبع الإِنسان. وفي الحديث: أَوَّلُ خَبرٍ قَدِمَ المدينةَ يعني من هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم، امرأَة كان لها تابِعٌ من الجن؛ التابِعُ ههنا: جِنِّيٌّ يَتْبَع المرأَة يُحِبُّها. والتابعةُ: جِنية تتْبع الرجلَ تحبه.
وقولهم: معه تابعة أَي من الجن.
والتَّبِيعُ: الفَحل من ولد البقر لأَنه يَتْبع أُمه، وقيل: هو تَبيع أَولَ سنة، والجمع أَتْبِعة، وأَتابِعُ وأَتابِيعُ كلاهما جمعُ الجمعِ، والأَخيرة نادرة، وهو التِّبْعُ والجمع أَتباع، والأُنثى تَبِيعة. وفي الحديث عن معاذ بن جبل: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، بعثه إِلى اليمين فأَمرَه في صدَقةِ البقر أَن يأْخذ من كل ثلاثين من البقر تَبِيعاً، ومن كل أَربعين مُسِنَّةً؛ قال أَبو فَقْعَس الأَسَدي: ولد البقَر أَول سنة تَبِيع ثم جزَع ثم ثنيّ ثم رَباعٌ ثم سَدَسٌ ثم صالِغٌ. قال الليث: التَّبِيعُ العِجْل المُدْرِك إِلا أَنه يَتْبَع أُمه بعدُ؛ قال الأَزهري: قول الليث التَّبِيع المدرك وهَم لأَنه يُدْرِكُ إذا أَثنى أَي صار ثَنِيّاً.
والتبيع من البقر يسمى تبيعاً حين يستكمل الحَوْل، ولا يسمى تَبِيعاً قبل ذلك، فإِذا استكمل عامين فهو جَذَع، فإِذا استوفى ثلاثة أَعوام فهو ثَنِيٌّ، وحينئذ مُسِنٌّ، والأُنثى مُسِنَّة وهي التي تؤخذ في أَربعين من البقر.وبقرة مُتْبِعٌ: ذاتُ تَبِيع. وحكى ابن بري فيها: مُتْبِعة أَيضاً.
وخادم مُتْبِع: يَتْبَعُها ولدها حيثما أَقبلت وأَدبرت، وعمَّ به اللحياني فقال: المُتْبِعُ التي معها أَولاد. وفي الحديث: أَن فلاناً اشترى مَعْدِناً بمائة شاة مُتْبِع أَي يَتْبَعها أَولادها. وتَبِيعُ المرأَةِ: صَدِيقُها، والجمع تُبَعاء، وهي تَبِيعته.
وهو تِبْعُ نِساء، والجمع أَتباع، وتُبَّع نساء؛ عن كراع حكاها في المُنَجَّذ، وحكاها أَيضاً في المُجَرَّد إذا جدَّ في طَلَبِهِنّ؛ وحكى اللحياني: هو تِبْعُها وهي تِبْعَتُه؛ قال الأَزهري: تِبْعُ نساء أَي يَتْبَعُهُنَّ، وحِدْثُ نساء يُحادِثُهنَّ، وزِيرُ نساء أَي يَزُورُهُنَّ، وخِلْب نساء إذا كان يُخالِبهنَّ. وفلان تِبْعُ ضِلَّةٍ: يَتْبَع النساءَ، وتِبْعٌ ضِلَّةٌ أَي لا خَيْرَ فيه ولا خير عنده؛ عن ابن الأَعرابي. وقال ثعلب: إِنما هو تِبْعُ ضِلَّةٍ مضاف.
والتَّبِيعُ: النَّصِير. والتَّبِيعُ: الذي لك عليه مال. يقال: أُتْبِعَ فلان بفلان أَي أُحِيلَ عليه، وأَتْبَعَه عليه: أَحالَه.
وفي الحديث: الظُّلْم لَيُّ الواجِدِ، وإِذا أُتْبِعَ أَحدُكم على مَلِيءٍ فَلْيَتَّبِعْ؛ معناه إذا أُحِيلَ أَحدكم على مَلِيءٍ قادِرٍ فلْيَحْتَلْ من الحَوالةِ؛ قال الخطابي: أَصحاب الحديث يروونه اتَّبع، بتشديد التاء، وصوابه بسكون التاء بوزن أُكْرِمَ، قال: وليس هذا أَمراً على الوجوب وإِنما هو على الرِّفْق والأَدب والإِياحةِ. وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: بَيْنا أَنا أَقرأُ آية في سِكَّة من سَكَكِ المدية إِذ سمعت صوتاً من خَلفي: أَتْبِعْ يا ابن عباس، فالتَفَتُّ فإِذا عُمر، فقلت: أُتْبِعُك على أُبَيّ بن كعب أَي أَسْنِدْ قراءتك ممن أَخذتها وأَحِلْ على من سَمِعْتها منه. قال الليث: يقال للذي له عليك مال يُتابِعُك به أَي يُطالبك به: تَبِيع. وفي حديث قيس بن عاصم، رضي الله عنه، قال: يا رسول الله ما المالُ الذي ليس فيه تَبِعةٌ من طالب ولا ضَيْفٍ? قال: نِعْم المال أَربعون والكثير ستون؛ يريد بالتَّبِعةِ ما يَتْبَع المالَ من نوائب الحُقوق وهو من تَبِعْت الرجل بحقّي. والتَّبِيعُ: الغَرِيمُ؛ قال الشماخ:
تَلُوذُ ثَعالِبُ الشَّرَفَيْن منها كما لاذَ الغَرِيمُ من التَّبِيعِ
وتابَعَه بمال أَي طَلَبه. والتَّبِعُ: الذي يَتْبَعُكَ بحق يُطالبك به وهو الذي يَتْبع الغريم بما أُحيل عليه. والتبيع: التابع. وقوله تعالى: فيُغْرِقَكم بما كفرتم ثم لا تَجِدُوا لكم علينا به تَبِيعاً؛ قال الفراء: أَي ثائراً ولا طالباً بالثَّأْرِ لإِغْراقِنا إِيّاكم، وقال الزجاج: معناه لا تجدوا من يَتْبَعُنا بإِنكار ما نزل بكم ولا يتبعنا بأَن يصرفه عنكم، وقيل: تَبِيعاً مُطالِباً؛ ومنه قوله تعالى: فاتِّباعٌ بالمَعْروف وأَداء إِليه بإِحْسان؛ يقول: على صاحب الدَّمِ اتِّباع بالمعروف أَي المُطالَبَةُ بالدِّية، وعلى القاتِل أَداء إِليه بإِحسان، ورفع قوله تعالى فاتباع على معنى قوله فعليه اتِّباع بالمعروف، وسيُذْكَرُ ذلك مُستوفى في فصل عفا، في قوله تعالى: فَمن عُفِيَ له من أَخِيه شيء.
والتَّبِعةُ والتِّباعةُ: ما اتَّبَعْتَ به صاحبَك من ظُلامة ونحوها.
والتَّبِعةُ والتِّباعةُ: ما فيه إِثم يُتَّبَع به. يقال: ما عليه من الله في هذا تَبِعة ولا تِباعة؛ قال وَدّاك بن ثُمَيل:
هِيمٌ إِلى الموتِ إذا خُيِّرُوا بينَ تِباعاتٍ وتَـقْـتـالِ
قال الأَزهري: التِّبِعة والتَّباعة اسم الشيء الذي لك فيه بُغْية شِبه ظُلامة ونحو ذلك. وفي أَمثال العرب السائرة: أَتْبِعِ الفَرَس لِجامَها، يُضرب مثلاً للرجل يؤْمر بردِّ الصَّنِيعةِ وإِتْمامِ الحاجة.
والتُّبَّعُ والتُّبُّع جميعاً: الظل لأَنه يَتْبَع الشمس؛ قالت سُعْدَى الجُهَنِيَّةُ تَرْثي أَخاها أَسْعَدَ:
يَرِدُ المِياهَ حَضِيرةً ونَفِيضةً وِرْدَ القَطاةِ إذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ
التُّبَّعُ: الظل، واسْمِئْلاله: بُلوغه نصف النهار وضُمورُه. وقال أَبو سعيد الضرير: التُّبَّع هو الدَّبَرانُ في هذا البيت سُمي تُبَّعاً لاتِّباعِه الثُّرَيّا؛ قال الأَزهري: سمعت بعض العرب يسمي الدبران التابع والتُّوَيْبِع، قال: وما أَشبه ما قال الضرير بالصواب لأَن القَطا تَرِدُ المياه ليلاً وقلما تردها نهاراً، ولذلك يقال: أَدَلُّ من قَطاة؛ ويدل على ذلك قول لبيد:
فَوَرَدْنا قبلَ فُرَّاطِ القَـطـا إِنَّ مِن وَرْدِيَ تَغْلِيسَ النَّهَلْ
قال ابن بري: ويقال له التابِعُ والتُّبَّعُ والحادِي والتالي؛ قال مُهَلْهل:
كأَنَّ التابِعَ المَسْكِينَ فيها أَجِيرٌ في حُداياتِ الوَقِير
والتَّبابِعةُ: ملوك اليمن، واحدهم تُبَّع، سموا بذلك لأَنه يَتْبَع بعضُهم بعضاً كلما هَلك واحد قام مَقامه آخر تابعاً له على مثل سِيرته، وزادوا الهاء في التبابعة لإِرادة النسب؛ وقول أَبي ذؤيب:
وعليهِما ماذِيَّتانِ قَضاهُمـا داودُ، أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
سَمِعَ أَن داودَ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، كان سُخِّر له الحديدُ فكان يَصْنع منه ما أَراد، وسَمِعَ أَنَّ تُبَّعاً عَمِلَها وكان تُبع أَمَر بعملها ولم يَصْنعها بيده لأَنه كان أَعظمَ شأْناً من أَن يصنع بيده. وقوله تعالى: أَهم خَيْر أَم قومٌ تُبَّعٍ؛ قال الزجاج: جاء في التفسير أَن تُبَّعاً كان مَلِكاً من الملوك وكان مؤْمناً وأَن قومه كانوا كافرين وكان فيهم تَبابِعةٌ، وجاء أَيْضاً أَنه نُظِر إِلى كتاب على قَبْرَين بناحية. حِمْيَر: هذا قبر رَضْوى وقبر حُبَّى، ابنتي تُبَّع، لا تُشركان بالله شيئاً، قال الأَزهري: وأَمّا تبع الملِك الذي ذكره الله عز وجل في كتابه فقال:وقومُ تبع كلٌّ كذَّب الرسُلَ، فقد روي عن النبيي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: ما أَدري تُبَّعٌ كان لعِيناً أَم لا؛ قال: ويقال إِن تُبَّتَ اشْتُقَّ لهم هذا الاسمُ من اسم تُبَّع ولكن فيه عُجْمة. ويقال: هم اليوم من وَضائِع تُبَّع بتلك البلاد. وفي الحديث: لا تَسُبُّوا تُبَّعاً فإِنه أَول من كَسا الكعبة؛ قيل: هو ملك في الزمان الأَول اسْمه أَسْعَدُ أَبو كَرِب، وقيل: كان مَلِكُ اليمنِ لا يسمى تُبَّعاً حتى يَمْلِكَ حَضْرَمَوْتَ وسَبأ وحِمْيَرَ.
والتُّبَّعُ: ضرب من الطير، وقيل: التُّبَّع ضرب من اليَعاسِيب وهو أَعظمها وأحسنها، والجمع التبابِعُ تشبيهاً بأُولئك الملوكُ، وكذلك الباء هنا ليشعروا بالهاء هنالك. والتُّبَّعُ: سيِّد النحل: وتابَعَ عَمَلَه وكلامَه: أَتْقَنَه وأَحكمه؛ قال كراع: ومنه حديث أَبي واقد الليثي: تابَعْنا الأَعمال فلم نَجِد شيئاً أَبلغ في طلَب الآخرة من الزُّهْد في الدنيا أَي أَحْكَمْناها وعَرَفْناها. ويقال: تابَعَ فلان كلامَه وهو تبيع للكلام إذا أَحكمه. ويقال: هو يُتابِعُ الحديث إذا كان يَسْرُدُه، وقيل: فلان مُتتابِعُ العِلم إذا كان عِلْمه يُشاكل بعضُه بعضاً لا تَفاوُتَ فيه. وغصن مُتتابعٌ إذا كان مستوياً لا أُبَن فيه. ويقال: تابَعَ المَرْتَعُ المالَ فَتتابَعَت أي سَمَّن خَلْقَها فسَمِنَت وحَسُنت؛ قال أَبو وجْزةَ السعْدي:
حَرْفٌ مُلَيْكِيةٌ كالفَحْلِ تابَـعَـهـا في خِصْبِ عامَينِ، إِفْراقٌ وتَهْمِيلُ
وناقة مُفْرِقٌ: تَمْكُث سنتين أَو ثلاثاً لا تَلْقَحُ؛ وأَما قول سَلامان الطائي:
أَخِفْنَ اطِّنانِي إِن شُكِينَ، وإِنَّني لفي شُغُلٍ عن ذَحْليَ اليتَتَبَّـعُ
فإِنه أَرادَ ذَحْليَ يتَتَبَّع فطرح الذي وأَقام الأَلف واللام مُقامه، وهي لغة لبعض العرب؛ وقال ابن الأَنباري: وِإِنما أَقحم الأَلف واللام على الفعل المضارع لمضارعة الأَسماء.
قال ابن عون: قلت للشعبي: إِنَّ رُفَيْعاً أَبا العاليةِ أَعتقَ سائبةً فأَوصَى بماله كله، فقال: ليس ذلك له إِنما ذلك للتابعة، قال النضر: التابعةُ أَن يتبع الرجلُ الرجلَ فيقول: أَنا مولاك؛ قال الأَزهري: أَراد أَن المُعْتَقَ سائبةً مالُه لمُعْتِقِه.
والإِتْباعُ في الكلام: مثل حَسَن بَسَن وقَبِيح شَقِيح.
*د يحيى
27 - مارس - 2009
نور على نور    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
جزى الله خيراً إخوتي الأعزاء : أولي الحِجى : ياسين ، وبياع الورد ( أحمد عزو) ، وأبا هشام ، وكل من يعمل في هذا الموقع العامر ......
وهاهي ذي وردتي :
*تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ)
الظاهر أن الخطاب لبني آدم. أي فإن يأتكم مني هُدَى أي رسول أرسله إليكم، وكتاب يأتي به رسول، فمن اتبع منكم هداي أي من آمن برسلي وصدق بكتبي، وامتثل ما أمرت به، واجتنب ما نهيت عنه على ألسنة رسلي. فإنه لا يضل في الدنيا، أي لا يزيغ عن طريق الحق لاستمساكه بالعُروة الوثقى، ولا يشقى في الآخرة لأنه كان في الدنيا عاملاً بما يستوجب السعادة من طاعة الله تعالى وطاعة رسله. وهذا المعنى المذكور هنا ذُكر في غير هذا الموضع. كقوله في" البقرة"
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[البقرة: 38] ونحو ذلك من الآيات. وفي هذه الآيات دليل على أن الله بعد أن أخرج أبوينا من الجنة لا يرد إليها أحداً منا إلا بعد الابتلاء والامتحان بالتكاليف من الأوامر والنواهي، ثم يطيع الله فيما ابتلاه به.
* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
يقول الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية: { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } وفي سورة طه يقول جل جلاله { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } عندما خاطب الله سبحانه وتعالى بصورة الجمع. كان الخطاب لكل ذرية آدم المطمورة في ظهره. أمراً لهم جميعا بالهبوط. آدم وحواء والذرية. لأن كل واحد منا. إلى أن تقوم الساعة فيه جزيء من آدم. ولذلك لابد أن نلتفت إلى قول الحق تبارك وتعالى:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ }[الأعراف: 11]
نلاحظ هنا أن الخطاب بصيغة الجمع، فلم يقل الحق سبحانه وتعالى. لقد خلقتك ثم صورتك ثم قلت للملائكة اسجدوا لآدم، فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه ساعة الخلق كان كل ذرية آدم مطمورين في ظهره. خلقهم جميعا ثم صورهم جميعا. ثم طلب من الملائكة السجود لآدم. فهل نحن كنا موجودين؟ نعم كنا موجودين في آدم. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: " اهبطوا " لنعرف أن هذا الخطاب موجه إلى آدم وذريته جميعا إلى يوم القيامة.
ومرة يقول { ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } لأن هنا بداية تحمل المسئولية بالنسبة لآدم. في هذه اللحظة وهي لحظة الهبوط في الأرض. سيبدأ منهج الله مهمته في الحياة. ومادام هناك منهج وتطبيق فردي. تكون المسؤولية فردية. ولا يأتي الجمع هنا.
فالحق سبحانه وتعالى يقول: { ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } نلاحظ أن أمر الهبوط هنا بالمثنى. ثم يقول تبارك وتعالى جميعا.. جمع.. نقول أنه مادامت بداية التكليف. فهناك طرفان سيواجه بعضهما البعض. الطرف الأول. هو آدم وزوجه. والطرف الثاني هو إبليس. فهم ثلاثة ولكنهم في معركة الإيمان. فريقان فقط. آدم وحواء وذريتهما فريق. والشيطان فريق آخر. فكأن الله تعالى يريد أن يلفتنا إلى أن هذا الهبوط يتعلق بالمنهج وتطبيقه في الأرض. وفي المنهج آدم وحواء حريصان على الطاعة. وإبليس حريص على أن يقودهما إلى المعصية.
وفي قوله تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى بعد أن مر آدم بالتجربة ووقع في المعصية، علمه الله تعالى كلمات التوبة. ونصحه أنه إذا غفل يتوب. والله سبحانه وتعالى.. سيقبل توبته..
إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد من آدم وحواء أن يسكنا الأرض. ويبدآ مهمتهما في الحياة. والله يدلهما على الخير. مصداقا لقوله تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى }.. وهدى لها معنيان.. هي بمعنى الدلالة على الخير. أو الدلالة على الطريق الموصلة للخير. وهناك هدى وهو الإعانة على الإيمان والزيادة فيه. واقرأ قوله
تعالى:وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ }[محمد: 17]. الهدى هنا في الآية الكريمة.. بمعنى الدلالة على طريق الخير. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
*ما الخوف وما هو الحزن؟ الخوف أن تتوقع شرا مقبلا لا قدرة لك على دفعه فتخاف منه.. والحزن أن يفوتك شيء تحبه وتتمناه.
والحق سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: من مشى في طريق الإيمان الذي دللته عليه. وأنزلته في منهجي. فلا خوف عليهم. أي أنه لا خير سيفوتهم فيحزنوا عليه. لأن كل الخير في منهج الله. فالذي يتبع المنهج لا يخاف حدوث شيء أبدا.
وهذه تعطينا قضية مهمة في المجتمع. الذي لم يرتكب أية مخالفة.. هل يناله خوف؟ أبدا.. ولكن من يرتكب مخالفة تجده دائما خائفا خشية أن ينكشف أمره.. ويفاجأ بشر لا قدرة له على دفعه.
إن الإنسان المستقيم لا يعيش الخوف. لأن الخوف أمران. إما ذنب أنا سبب فيه. والسائر على الطريق المستقيم لم يفعل شيئا يخاف انكشافه. وإما أمر لا دخل لي فيه. يجريه على خالقي. وهذا لابد أن يكون لحكمة. قد أدركها. وقد لا أدركها ولكني أتقبلها. فالذي يتبع هدى الله. لا يخاف ولا يحزن. لأنه لم يذنب. ولم يخرق قانونا. ولم يغش بشرا. أو يخفي جريمة. فلا يخاف شيئا، ولو قابله حدث مفاجئ، فقلبه مطمئن. والذين يتبعون الله. لا يخافون. ولا يخاف عليهم.. وقوله تعالى: { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } لأن الذي يعيش طائعا لمنهج الله.. ليس هناك شيء يجعله يحزن. ذلك أن إرادته في هذه الحالة تخضع لإرادة خالقه. فكل ما يحدث له من الله هو خير. حتى ولو كان يبدو على السطح غير ذلك. ملكاته منسجمة وهو في سلام مع الكون ومع نفسه. والكون لا يسمع منه إلا التسبيح والطاعة والصلاة. وكلها رحمة. فهو في سلام مع نفسه. وفي سلام مع ربه. وفي سلام مع المجتمع.
إن المجتمع دائما يسعد بالإنسان المؤمن الذي لا يفسد في الأرض. بل يفعل كل خير. فالمؤمن نفحة جمال تشع في الكون. ونعمة حسن ورضا مع كل الناس ومادام الإنسان كذلك. فلن يفقد ما يسره أبدا. فإن أصابته أحداث.. أجراها الله عليه.. لا يقابلها إلا بالشكر. وإن كان لا يعرف حكمتها.. وإياك أن تعترض على الله في حكم.
ولذلك يقول: أحمدك ربي على كل قضائك وجميع قدرك. حمد الرضا بحكمك واليقين بحكمتك..
والإنسان ينفعل للأحداث. ولكن هناك فرق بين الانفعال للأحداث وحدها وبين الانفعال للأحداث مع حكمة مجريها. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الدقة حينما قال:
" إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون "
انظر إلى الإيمان وهو يستقبل الأحداث.. العين تدمع. ولا يكون القلب قاسيا مثل الحجر، لكن فيه حنان. والقلب يخشع لله. مقدرا حكمته وإرادته..
والله سبحانه وتعالى لا يريدنا أن نستقبل الأحداث بالحزن وحده. ولكن بالحزن مع الإيمان. فالله لا يمنعك أن تحزن. ولكن عليك ألا تفصل الحدث عن مجريه وحكمته فيه.. ولذلك حين تذهب إلى طبيب العظام.. فيكسر لك عظامك لكي يصلحها. هل يفعل لك خيرا أو شرا؟ طبعا يفعل لك خيرا. وإن كان ذلك يؤلمك.
 
 
 
*د يحيى
27 - مارس - 2009
حقيقة وجود الترادف اللغة     كن أول من يقيّم
 
حقيقة وجود الترادف اللغة ... نحن نعرف إن ألفاظ القرآن الكريم ليست كل اللغة العربية،وإعجاز القرآن في ألفاظه ومعانيه ، لذلك لايكون فيه ترادف بل كل كلمة لها مدولها الخاص.. أما اللغة كلغة يوجد فيها ترادف لعوامل عدة منها:
 
1- فقدان الوصفية: بعض الألفاظ كانت تدل في الماضي على أوصاف محددة لاعتبارات معينة غير أنه مع مرور الزمن تُوسع في استعمالها ففقدت الوصفية واقتربت من الاسمية واكتفي بالصفة عن الموصوف، وأصبح هذا الوصف اسما، فمثل:
* المُدام: كانت صفة للخمر تعني "الذي أُديم في الدن"وهي الآن تُطلق على أنها اسم من أسماء الخمر.
* السيف: له اسم واحد هو السيف، وله أكثر من خمسين صفة لكل صفة دلالتها المميزة كالمهند "مصنوع في الهند" ومثلة اليماني "مصنوع في اليمن" والمشرفي "معمول في مشرف." والحسام لحدته وسرعة قطعه.
2- اختلاط اللهجات العربية: العربية لغة ذات لهجات متعددة تختلف في أسماء بعض الأشياء، فالشئ الواحد قد يسمى عند قبيلة بلفظ وعند أخرى بلفظ آخر، وبسبب اختلاط العرب في حروبهم ومعاشهم وأسواقهم فقد تطغى بعض الألفاظ على بعض، واشتهرت الكلمات التي تعتبر أسهل أو أفضل من غيرها فاجتمع للأنسان الواحد أكثر من لفظة للشئ الواحد، من ذلك مثلا:
* السكين يدعوها بذلك أهل مكة وغيرهم وعند بعض الأزد يسميها المدية.
* القمح لغة شامية، والحنظة لغة كوفية، وقيل البر لغة حجازية.
*الإناء من فخار عند أهل مكة يدعى بُرمة وعند أهل البصرة يسمى قدرا.
* البيت فو ق البيت يسمى عِلّية عند أهل مكة، وأهل البصرة يسمونه غرفة.
* الحقل "المكان الطيب يُزرع فيه" وهو الذي يسميه أهل العراق القَراح.
* المضاربة عند أهل الحجاز تسمى مقارضة.
* الجرين عند أهل نجد "المكان الذي يجفف فيه التمر والثمر" يسميه أهل المدينة المِربَد.
* المتقاضي المتجازي "من يستوفي الديون" يدعى في المدينة المتجازي.
3- الاقترض من اللغات الأعجمية: اختلاط العرب بغيرهم من الأمم الأعجمية من فرس وروم وأحباش أدى إلى دخول عدد من الكلمات الأعجمية في العربية، بعضها كثر استعماله حتى غلب على نظيرة العربي، من ذلك:
النَّرجس ، العَبْهر ، الأُتْرُجّ ،  المُتْك ، الرَّصاص ، الصَّرَفان ،التُّوت ، الفِرصاد ، الياسمين، الهاون ، المِسك ، اللُّوبياء
4- المجاز: المجازات المنسية تعتبر سببا مهما من أسباب حدوث الترادف؛ لأنها تصبح مفردات أخرى بجانب المفردات الأصلية في حقبة من تاريخ اللغة، من ذلك:
* تسمية العسل بالماذية (تشبيها بالشراب السلس الممزوج) والسلاف (تشبيها بالخمر) والثواب (الثواب النحل وأطلق على العسل بتسمية الشيء باسم صانعه)، والصهباء (تشبيها بالخمر) والنحل"العسل" (سمي العسل نحلا باسم صانعه).
* تسمية اللغة لسانا لأن اللسان آلة اللغة.
* تسمية الجاسوس عينا لعلاقة الجزئية.
* تسمية الرقيق رقبة لعلاقة الجزئية.
5- التساهل في الاستعمال : التساهل في استعمال الكلمة وعدم مراعاة دلالتها الصحيحة يؤدي إلى تداخلها مع بعض الألفاظ في حقلها الدلالي:
* المائدة: في الأصل لايقال لها مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فهي خوان.
* الكأس: إذا كان فيها شراب وإلا فهي قدح.
* الكوز: إذا كان له عروة وإلا فهو كوب.
* الثرى إذا كان نديا وإلا فهو تراب.
6- التغيير الصوتي : التغييرات الصوتية التي تحدث للكلمات تخلق منها صورا مختلفة تؤدي المعنى نفسه. وهذه التغييرات قد تكون بسبب:
* إبدال حرف بحرف مثل: حثالة وحفالة؛ ثوم وفوم؛ هتنت السماء وهتلت، حلك الغراب وحنك الغراب.
* قلب لغوي بتقديم حرف على آخر، مثل: صاعقة وصاقعة؛ عاث وثعا؛ طريق طَامِس وطَاسِم.
قسم اللغة العربية / جامعة الملك عبد العزيز
معهد اللغة العربية /تاريخ التصنيف :19/6/م2007
*ابو هشام
28 - مارس - 2009
الترادف مرة أخرى    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
تحياتي لإخواني الأحبة الأساتذة ، أحمد عزو ، وأبي هشام ؛ شاكرا لهما ومعترفا بفوائد ما تفضلا به من تعقيبات ثرية بالأفكارالقيمة، وأكرر شكري لشيخنا ، د. يحيى ، على إثرائه هذا الموضوع وما بذل فيه من جهد . وإلى حضراتكم ما طلعت به من مشاركاتكم المفيدة :
يسر الله سبحانه وتعالى القرءان الكريم بلسان النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو نفس لسان قومه العرب . ولما نزل القرءان كانت ألفاظ من مثل جاء وأتى ، وتبع واتـّبع ، وحزن واغتم ، وقال وتكلم وتحدث ، وأنشأ وخلق ، وغيرها من الألفاظ معروفة ومستعملة بين العرب ؛ ولكن الله سبحانه وضع كل لفظ في محله المناسب له مما يعني أحد أمرين : إما أن الترادف لا وجود له في اللغة أصلا ؛ فلم يأت به القرءان ، سواء كانت اللغة توقيفية أو كانت اصطلاحية ، أو إنه كان موجودا ، فعلـّمنا الله سبحانه أن ننبذه ونضع كل لفظ في محله قدر استطاعتنا ، ووفقا لما حباه الله تعالى كل ذي بلاغة من مقدرة عليها . والمتأمل في لسان النبي الأكرم ، صلى الله عليه وسلم ، أفصح العرب وغير العرب قاطبة ، لن يجد فيه كلمة واحدة تسد مسد الأخرى ، ولا عبارة تغني عنها عبارة غيرها في معناها الدقيق ، بل إن كلام البلغاء من العرب نجدهم وقد التزموا فيه الدقة في المعنى وفي استعمال العبارت المناسبة لمقتضى الحال قدر تمكنهم منها ، ولو كانوا من أنصار الإقرار بالترادف .
وإنني أؤيدكم بما يتعلق بالقرءان الكريم بما يخص الترادف ، فلنا فيه أحسن أسوة لمن ينفي وقوع الترادف فيه . ونحن لا نجد فيه لفظا يسد مسد الآخر ، بل ولا نجد حرفا يسد مسد حرف . وهو في هذا حجة بالغة على من قالوا بوجود الترادف في القرءان ، وهم ، على حد علمي ، قلة قليلة .
اللغة بين الاصطلاح والتوقيف
ربما لن يكون هناك فرق حقيقي بين أن تكون اللغة اصطلاحية أو تكون توقيفية إذا اعتبرنا معنى التوقيف أن الله تعالى أودع في بني آدم المقدرة على اختراع ألفاظ اللغة وتراكيبها وعباراتها ، وتطويرها وفقا لحاجاتهم من التفاهم فيما بينهم ، وزودهم بالألسنة والشفاه ، وبالقدرة على التعبير بالحركات والإيماءات ؛ متساوقة مع عقولهم المفكرة ، ومع ما تنبض به قلوبهم من عواطف وانفعالات ، وغرائز تتطلب الإشباع مع التهذيب . فالتوقيف بهذا المعنى يمس اللغة العربية وغيرها من اللغات . فالله سبحانه هو من أوقف الناس على المقدرة اللغوية حين علم أباهم الأسماء كلها . وإن اختلاف ألسنة الناس على مر الدهر لآية من آيات بارئهم جل وعلا ، ولا يمكننا نسبة اللغة أو غيرها من الأفعال المخترعة في منتهى الأمر إلى مقدرة الإنسان نفسه ، بل إلى الله تعالى خالق الخلق أجمعين . والمنكر للترادف اللغوي ليس بحاجة إلى أن تكون اللغة توقيفية بالمعنى الذي فهمه بعض من سبقنا ، أي بمعنى أن اللغة العربية كانت لغة أبينا آدم عليه السلام بحذافيرها ، فالواقع اللغوي عبر التاريخ ينكر ذلك .
وإن ما قاله الكرماني ، والذي ذكره الأستاذ أحمد حول " تبع " ، و " اتبع " ، لا يمكننا التسليم بصحته إذا قمنا بتطبيقه على باقي الآيات الكريمات التي احتوت أحد الفعلين المذكورين ، بل إننا نجد لكل فعل معنى يتغاير مع الفعل الآخر . وكذلك ما ذكره حول الفعلين أتى وجاء ، وأنهما مترادفان ، وأن كثرة دوران أحدهما في سورة يتطلب تكراره في السورة نفسها . فلو سلمنا بأن تكرار اللفظ الواحد يحقق الجرس الموسيقي المناسب ، فهل ينافي ذلك أن الفعل جاء في محله الصحيح من جهة معناه ، وأن الفعل المشابه الآخر لا يجزيء بدلا منه من جهة المعنى! وإذا كان الأمر كما قال الكرماني ، فلماذا الفعل " أتى " اختصت به سورة طه ، بينما الفعل " جاء " اختصت به سورة النمل؟!
وفوق ذلك ، نجد في سور القرءان الكريم الكلمتين المختلفتين لفظا وكتابة ، واللتين يظن بهما الترادف ظنا في آيتين متجاورتين :
" وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون " ، " فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى...." القصص . مما يدل دلالة واضحة أن لكل لفظ معناه ومحل استعماله ، وأن لا ترادف في ألفاظ القرءان وعباراته قط . صحيح أن اللغويين رسوا على شاطيء السلامة اللغوية حين قالوا أن لا ترادف في لسان القرءان الكريم ؛ ولكنا وجدنا منهم ، قديما وحديثا ، من قالوا بوجود الترادف في القرءان ، وهذا ما يدعو إلى العجب . ولو اقتصروا على القول بالترادف في اللغة ، لكان اقتصارهم مستساغا نوعا ما .
أما تعليلات الإمام السيوطي التي ذكرها الأستاذ أبو هشام في إثبات الترادف ، فهي تعليلات تصلح لبيان الفائدة من الترادف في حال الإقرار به ، وليست لإثبات الترادف نفسه . وأما ما ذكره السيوطي عن " الكيا " ، وهو الكِـيَا الهرّاسي ( محدث وفقيه شافعي توفي أول القرن السادس) فيكفينا أن السيوطي نفسه قد استغربه . وأما واصل بن عطاء ، فقصته قصة طريفة..فهو ، عند من ينفي الترادف ، لن يأتي بالمعنى الدقيق للكلمة التي خجل من نطق حرف الراء فيها . فلو قال : الجواد ، أو السابح ، أو الصافن بدلا من قوله كلمة " الفرس" ، لما فهم نفاة الترادف اللغوي أنه يعني الفرس أي فرس ؛ وإنما صفة من صفات بعض الأفراس . ولو قال شيئا عن السيف يعني به الصارم ، لما فهم السامع ممن ينفون الترادف إلا أنه يعني بقوله السيف أي سيف .*
ويبقى الترادف في اللغة جائزا في الحالة التي يتفق فيها لفظان مختلفان ، كل لقبيلة ، على معنى أو مسمى شيء واحد دون علم مسبق لقبيلة بلفظ الأخرى . ومع هذا ، ففي أمر من مثل هذا نظر . فلو شاع أحد اللفظين وهجر اللفظ الآخر بعد زمن ما ، يختفي الترادف . ولو نظرنا إلى الأصل الذي اشتقت منه كل قبيلة لفظها ، لاحتمل ان يكون الأصل الذي جرى الاشتقاق منه متباينا . وهذا التباين يمكن أن يؤدي إلى خلاف في جوهر المعنى دون ظاهره ، ويؤدي بالتالي إلى تباين في مكان استعماله . فمن أطلق على الطويل القامة من الرجال صفة الاصلهباب ربما استعار هذه الصفة من شيء طويل له اسم مشابه ، ولكننا لا يمكننا استخدام هذه الصفة في وصف الليل الطويل مثلا ، لنقول : ليل مصلهبّ ، بينما صفة الطول يوصف بها الشخص ، ويوصف بها الليل ، وتوصف بها الأشجار ، وتوصف بها الآماد والحقب وموصوفات كثيرة غيرها . وعليه ، فإن شيوع صفة الطول بلفظ " طويل " ربما سببه إمكانية استعمالها في عبارات عديدة ، بينما صفة الاصلهباب ، فإننا بالكاد نجدها في قواميس اللغة القديمة . فالترادف ، في حال وجوده في اللغة في مرحلة من المراحل لدى قبيلتين  ، يؤول ، في نهاية الأمر ، إلى لفظ واحد إن اندمجت القبيلتان . ولقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرسل الكتب إلى قبائل عربية يمنية ؛ مخاطبا إياهم باللغة التي اعتادوها . وهذا يشبه التخاطب بلغة مختلفة ولو أنها عربية الأصول . ولما وحد القرءان الكريم لغة العرب ، ولله الحمد ، صار أمر الترادف إلى نقص كبير حتى كاد أن يمّحي . وبهذا ، أخالف اخي الاستاذ أبي هشام إلى عكس ما قال عن ثراء اللغة وأن سببه الترادف ، لأقول إن ثراء اللغة في كثرة الكلمات غير المترادفات ، ففيها تبدو البلاغة والفصاحة والتعبير الدقيق عن المعنى المراد أكثر بكثير من الإعادة والتكرار ، ولن تكون الإشارة إلى المعنى الواحد بألفاظ مختلفة الجرس والحروف مؤدية إلى بيان ما في المعاني من معان . وهذا ما ذهب إليه ابو هلال العسكري .
الترادف في اللغة إذن ممكن الحدوث ؛ ولكن ليس بصورة مبالغ فيها ، بل إن نفي الترادف في اللغة أقرب إلى الحق .
ولحضراتكم جميعا مني كل الود ، والشكر الجزيل على ما أتحفتموني به من معرفة. ولقد فطنت الآن إلى أن الشكر يكون بالعمل لا باللسان ؛ لذا فأنا عاجز عن الشكر ، والجأ إلى القادر عليه تعالى ؛ راجيا أن يشكر لكم صنيعكم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* "...واصل بن عطاء كان يعدل إلى ما يرادف تلك الكلمة في معناها وليس فيها راء، وهو كثيرفي كلام العرب، فإذا أراد العدول عن لفظ: فرس قال: جواد أو سابح أو صافن، أو العدول عن لفظ: رمح قال: قناة أو صعدة أو يزني أو غير ذلك، أو العدول عن لفظ: صارم، قال: حسام أو لهذم أو غير ذلك، ..." ( أعيان العصر وأعوان النصر ) للصفدي/ مكتبة الموسوعة الشعرية في إصدارها الثالث .
وقد ذكر الجاحظ في ( البيان والتبيين ) ما يؤكد مكابدة واصل ابن عطاء عند محاولته إقصاء حرف الراء من كلامه حين كان يناظر خصومه ، وانه نجح بعد لأي في أن يعتاد ذلك ؛ ولكن الجاحظ لم يتطرق إلى مسألة الترادف وحالها مع واصل بن عطاء ، مع أن الجاحظ ممن كانوا ينفون الترادف اللغوي . ويمكن أن يستشف من ذلك أن واصل بن عطاء كان يستحضر موضوع الجدال سلفا بحيث لا تضطره صيغة الموضوع إلى لفظ الكلمات التي تتضمن حرف الراء .
 
*ياسين الشيخ سليمان
31 - مارس - 2009
 1  2  3