الترادف اللغوي بين النفي والإثبات الترادف اللغوي ، في الاصطلاح ، هو تماثل معاني الكلمات المختلفة في اللفظ لتدل على معنى واحد كما هو معروف . ومن اللغويين ، قديما وحديثا ، من نفى حدوثه مطلقا ، ومنهم من أثبته . في هذه العجالة نذكر حجج النافين وحجج المثبتين ؛ لنتبين أي الحجج أكثر إقناعا وأدعى إلى الأخذ بها ، ثم نهيب بالأساتذة المشاركين ، شيخنا ، د.يحيى ، وسواه من السراة والزوار الأفاضل ، بأن يتفضلوا علينا بتعقيباتهم المفيدة ؛ لعلنا نقف في صف المثبتين ، أو في صف النافين . ومن المحتمل أن يكون قد وجد من يؤمن بالترادف النسبي الذي لا يصل إلى معنى الترادف الكامل ، والذي يوظف للشرح والتفسير . وإذا كان منشأ الخلاف بين العلماء في معنى الترادف راجعا إلى معنى كلمة الترادف نفسها ؛ فيكون الخلاف لا مسوغ له ، حيث يكون كل فريق يعني شيئا غير الذي يعنيه غيره . وقد خطر لي الآن هذا التساؤل : إن الذين لا يؤمنون بالترادف نراهم يجهدون أنفسهم حين الكتابة في اختيار الألفاظ المناسبة ووضعها في أمكنتها الدقيقة من جهة معناها حتى لا يكون لفظ قد وضع في غير مكانه ، فهل الذين يؤمنون بالترادف لا يلقون بالا لما يكتبون ؛ فيضعون أي كلمة تخطر ببالهم ؛ معتبرين أنها تسد مسد غيرها من الكلمات المماثلة في المعنى عندهم ؟ فلو أرادوا أن يلفظوا أو يكتبوا هذه العبارة : " آثرتك على نفسي " ، فهل يلفظونها أو يكتبونها هكذا : " فضلتك على نفسي " ؟ ولنبدأ بذكر الذين قالوا بالترادف من اللغويين القدامى ، فنعد منهم : سيبويه ، والأصمعي ، وعلي بن عيسى الرماني صاحب كتاب " الألفاظ المترادفة " ، وابن خالويه ، وحمزة بن حمزة الأصفهاني ، والزركشي ، وغيرهم .. ومن المحدثين : علي الجارم ، ود. إبراهيم أنيس ، و د. صبحي الصالح ، وغيرهم من اللغويين والباحثين . أما الذين نفوا وجود الترادف من القدماء ، فمنهم : ابن الأعرابي ، و ثعلب ، والمبرد ، والجاحظ ، وابن قتيبة ، و أبو هلال العسكري صاحب الفروق اللغوية ، وابن فارس ، والراغب الأصفهاني ، وابن تيمية . ومن المحدثين د.عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ، وغيرها . القرءان الكريم والترادف الذين يقرون بوجود الترادف في اللغة يقولون بوجوده في القرءان الكريم بطبيعة الحال ، ويوردون عليه أمثلة * ، نحو : " تالله لقد آثرك الله علينا " ، " وأني فضلتكم على العالمين " حيث آثر ، وفضل ، تدلان على نفس المعنى . " حتى إذا حضر أحدَهم الموتُ " ، " حتى إذا جاء أحدَكم الموتُ " ، حيث حضر ، وجاء ، بنفس المعنى . " بعث فيهم رسولا " ، " فأرسلنا فيهم رسولا " ، حيث بعث ، وأرسل ، بنفس المعنى . " البلد " ، " القرية " . " ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين " ، " فإن الجحيم هي المأوى " ، حيث النار ، والجحيم ، لهما نفس الدلالة . " واقسموا بالله جهد أيمانهم " ، " ثم جاءوا يحلفون بالله " حيث أقسم ، وحلف ، بنفس المعنى . أما اللذين لا يقرون بوجود الترادف في اللغة ، فهم ، ومن باب أولى ، لا يقرون بوجوده في القرءان الكريم أبدا . حجج المقرين بالترادف : من حجج المقرين بالترادف قولهم بما معناه : إن الترادف كان موجودا في القرن الهجري الثاني ومعظم القرن الثالث دون أن تثار حوله المسائل . وقد ذكر هذا المعنى السيوطي في المزهر . ومنها اعتبارهم الصفات أسماء كأسماء الأسد والسيف.. ومنها أن تطور اللغة وتجددها يفرض إيجاد ألفاظ مختلفة للمعنى الواحد . حجج من لم يقروا بالترادف : من حجج الذين لم يقروا بالترادف : القرءان الكريم لا تجد فيه كلمة تسد مسد غيرها تماما ، وهو قمة البلاغة والفصاحة . ومنها أن ما يسمى بأسماء السيف ، أو الأسد ، أو الجمل ، أو غيرها إن هي إلا صفات وكل صفة تعني معنى خاصا . ومنها عدم جواز وجود لفظتين مختلفتين لمعنى واحد ؛ لأن في كل لفظة زيادة في المعنى عن غيرها ، وهذا موجز ما أثر عن أبي العباس ، ثعلب . ومنها معنى ما قاله أبو هلال العسكري من أن لا فائدة ولا حكمة في أن تشير لنفس الشيء باسم مختلف في كل مرة . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * الآيات القرءانية محل التمثيل ذكرها د. إبراهيم أنيس ، مع آيات أخر ، في كتابه : " في اللهجات العربية " ، و د. أنيس من مؤيدي ظاهرة الترادف مع بعد عن المغالاة فيها . |