هذا هو ردي على السيد محمد فادي كن أول من يقيّم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحانه لا يمنعه مانع من تغيير أحكامه وشرائعه,ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, يحكم على عباده بما شاء, ويشرِّع لهم ما يريد لا راد لقضائه, ولا معقب لحكمه, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. أما بعد: لقد قرأت كل ما كتبه السيد محمد فادي, من خَلْطٍ وتخليطٍ, وابتعادٍ عن جادةِ الصواب. اسمع يا أخي الدكتور المحنك, والأستاذ المتمرس, سيدي محمد فادي حفظك الله ورعاك, إلى قوله تبارك وتعالى{"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا"} وأصل القفو البهت والقذف بالباطل. وقوله تعالى {" إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلاَّ لديه رقيب عتيد "}. وقوله عز من قائل{" أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ"}. ونحن في غنى عن أن نفسر هذه الآيات فهي واضحة جلية,لا تحتاج إلى بيان ولا برهان. واعلم يا أخي الدكتور محمد فادي –هدانا الله وإياك إلى المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاََّ هالك-أني ما كتبت وأكتب ِلأُرْضيَّ رغباتي وأفكاري ولا رغبات غيري,ولا أناقش للنقاش ولا أبحث للبحث, ولكن أكتب وأناقش وأبحث , ابتغاء مرضاة الله تعالى الكريم الوهاب . واستمساكاً بالعروة الوثقى , وإتباعا لا ابتداعاً , وتتلمذاً على يدِ الأئمة العظام الذين هم ورثة الأنبياء , والذين أمرنا الله عز وجل بسؤالهم وذلك في قوله تعالى {" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"}. بالله عليك يا أخي من هم أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم ؟ أليسوا هم أئمتنا العظام الذين يأخذون عن الله تعلى, ويتتلمذون على يدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم , أوليسوا هم هؤلاء العلماء الفحول الذين بفضلهم حفظ الله هذا الدين ورفع شأنه , ولولاهم لضاع بتحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين . ولقد جمعت مجموعة من كلام الأكابر من العلماء, في هذا العلم العظيم, الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم. فإن اخذ العلم عن الأكابر فلاح , وأخذه عن الأصاغر هلاك. كما قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو من أكابر العلماء من الصحابة :{"لا يزال الناس صالحين ما اخذوا العلم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم , فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا"}رواه إمام الطبراني بإسناد صحيح. فلنستمع لحديث الكبراء من العلماء بانفتاح , فتح الله لنا فتحه المبين. آمين وسأبدأ في هذا الحديث بكلمة بسيطة كان يقولها الإمام الجليل ذو العلم الغزير محمد الشافعي رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنَّا كلَّ خير: " إنَّ مرد اختلاف الأئمة, مرجعه إلى تفاوتهم في اللغة, فمن فاتك في اللغة فقد فاتك في الفهم". أو كما كان يقول رضي الله عنه بتصرف. لقد أجمع الأئمة العظام إجماعاً على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يفسر كتاب الله تعالى. إلاَّ بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ. قال أبو القاسم هبة الله بن سلامه رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنَّا كلّ خير:" قد أنكر قومٌ لا يعدُّون خلافاً: ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ وهؤلاء قومٌ عن الحق صدوا, وبإفكهم عن الله ردُّوا". وجاء في كتاب "كنز الوصول" للإمام البزدوي رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجزاه عنَّا كلّ خير:"لقد أنكر بعض المسلمين النسخ في القرآن الكريم. لكن لا يتصور هذا القول من مسلم مع صحة عقد الإسلام, وهذا مما يدل على سقوط القول بإنكار النسخ سقوطاً تاماً من غير منازع". وقال رحمة الله الهندي رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجزاه عنَّا كلّ خير في كتابه " إظهار الحق" قال :" ظهر أن ما يدَّعيه بعض الناس عن امتناع وقوع النسخ باطل لا ريب فيه كيف لا وإنَّ المصالح قد تختلف باختلاف الزمان والمكان والمكلَّفين". وقال الإمام ابن الجوزي وهو من الأكابر من العلماء رحمه الله تعالى وجزاه عنَّا كلّ خير:" إن إجماع الأمة انعقد على هذا الأمر –أي جواز النسخ-إلاَّ أنه شذَّ من لا يلتفت إليه,فحكى أبو جعفر النحاس أن قوماً قالوا: ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ وهؤلاء, قومٌ لا يعدُّون لأنهم خالفوا نص الكتاب-بإجماع الأمة-. من كتاب نواسخ القرآن للإمام ابن الجوزي. وقال أبو جعفر النحاس رحمه الله تعالى وجزاه عنّا كلّ خير :" تكلم العلماء من الصحابة والتابعين في الناسخ والمنسوخ , ثم اختلف المتأخرون فيه, فمنهم من جرى على سنن المتقدمين فوفِّق,ومنهم من خالف ذلك واجتنب , فمن المتأخرين من قال ليس في كتاب الله ناسخ ولا منسوخ, وكابر العيان , واتبع غير سبيل المؤمنين". وروى ابن جرير بسنده عن ابن جريج عن مجاهد رضي الله عنه وجزاه الله عناَّ كلّ خير في معنى قوله تعالى{"وإذا بدَّلْناَ آيةً مكان آيةٍ"} قال: نسخناها...ورفعناها وأثبتنا غيرها. وأخرج ابن جرير أيضاً بسنده عن قتادة رضي الله عنه وجزاه عنَّا كلّ خير في قوله تعالى{"وإذا بدَّلْناَ آيةً مكان آيةٍ "}قال:" ما ننسخ من آية أو ننسها". وذكر الإمام السيوطي صاحب كتاب الدر المنثور رضي الله عنه وجزاه عنَّا كلّ خير , في قوله تبارك وتعالى{"وإذا بدَّلْناَ آيةً مكان آيةٍ"} قال: قال السدي: " هذا في الناسخ والمنسوخ, قال إذا نسخنا آية وجئنا بغيرها قالوا : ما بالك قلت كذا وكذا ثم نقضته أنت تفتري على الله, فقال الله تعالى :{ " والله أعلم بما ينزِّل"}. وقال الإمام القرطبي وهو من الكبراء من أهل العلم رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عنَّا كلّ خير,في قوله تعالى{"وإذا بدّلْناَ آيةً مكان آيةٍ"}قال:" وإذا نسخنا آية, فأبدلنا مكانه حكم أخر. والله أعلم بما بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل ويغير من أحكامه.تفسير الإمام القرطبي. وسبب نزول هذه الآية ما رواه سيدنا عبد الله ابن عباس وهو سيد الكبراء من أهل العلم رضي الله عنهما وأرضاهما وجزاهم عنّا كلّ خير, قال:" كنا إذا نزلت آية فيها شدة ثم نزلت آية فيها لين, تقول قريش. والله ما محمد -نقول نحن صلى الله عليه وسلم- إلاَّ يسخر بأصحابه, اليوم يأمرهم بأمر, وغداً ينهاهم عنه؟ ما هو إلاَّ مفتر -قلت حاشاه صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى:{" وإذا بدَّلْناَ آيةً مكان آيةٍ"}. ووجه الدلالة فيها, أن التبديل يتألف من رفع الأصل واثبات البدل وذلك هو النسخ سواء أكان المرفوع تلاوة أم حكماً , والمراد بالآية هنا –الآية القرآنية-كما هو المتبادر منها عند الإطلاق , ويدل عليه قوله {" والله أعلم بما ينزِّل"}. من كتاب فتح المنان . فالآية بناء على هذه التفاسير المذكورة وغيرها تدل على وقوع النسخ فضلاً عن جوازه. والمراد بلفظ {آية} في قوله تعالى من سورة البقرة:{" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها"} المراد الآية القرآنية وهي طائفة من القرآن الكريم , كما هو متبادر منها في جميع آيات القرآن الكريم , من أجل هذا لم يحاول جمهرة المفسرين من التابعين وتابعيهم الأكابر العظام أن يشرحوها وهم يفسرون القرآن الكريم بغير هذا المعنى المتبادر الواضح. وقد فسر الإمام الطبري , الآية بهذا المعنى المتبادر إلى الذهن فقال رضي الله عنه وجزاه عنَّا كلّ خير:" يعني جلّ ثناؤه بقوله:{" ما ننسخ من آية"} ما ننقل حكم آية إلى غيره, فنبدله ونغيره, وذلك أن يحوِّل الحلال حراماً والحرام حلالاً, والمباح محظوراً, والمحظورة مباحاً. وإذا تصفحنا كتاب الله تعالى وجدنا كلمة {آية} بمعنى الآية القرآنية. قال تعالى:{"آلر. كتاب أحكمت آياته"} الآية 1 من سورة هود وقال :{"الر.تلك آيات الكتاب الحكيم"}آية 1 من سورة يونس وقال تعالى:{" وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا "}آية 2 من سورة الأنفال وقال عز من قائل:{"وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها"} الآية 7 من سورة لقمان وقال تعالى :{" بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم "} الآية 49 من سورة العنكبوت, إلى غير ذلك من الآيات التي تنص على أن المراد بلفظ {آية} هي الآية القرآنية, بل نجد أن أكثر علماء التفسير قد أجمعوا على السير في تفاسيرهم على نهج السلف الصالح في تفسير كلمة{آية} بأنه قد أريد بها الآية القرآنية التي تشرع حكماً. كذلك فسر الآية بهذا المعنى الإمام أبو الحسن الماوردي , وجار الله الزمخشري, مع انه من المعتزلة كأبي مسلم الأصفهاني, والإمام الرازي , مع أنه من أئمة المفسرين بالرأي , وأبو عبد الله القرطبي كما تقدم, وأبو حيان الغرناطي,والحافظ الدمشقي, وأبو الحسن برهان الدين, النيسابوري, وشهاب الدين الألوسي , وغيرهم مما لا يكادون يُحْصَوْنَ عدداً من كبار علماء التفسير . وإذا نستطيع الآن أن تقول بكل ثقة واطمئنان : أن الراجح من معنى لفظ {آية} في الآية الكريمة التي معنا من سورة البقرة المقصود بها -الآية القرآنية- وليست الآية الكونية ولا المعجزة كما ذهب إليه بعضهم وأنت منهم سيدي محمد فادي , ولأن هذا هو المتبادر إلى الذهن من معنى اللفظ, ويؤيده سبب النزول وعليه جرى أكثر المفسرين, وأكثر رجال الأصول حتى لا تكاد تعرف لهم مخالفا في تفسير لفظ {آية} في هذا الموضوع , وهذا ما نترجمه , ونقول به , ونؤيده. ومن حمَّل المعنى في آية النسخ على أنها الآية الكونية-أو المعجزة- فقد بعد عن الصحة والصواب, حتى قال بعضهم في هذا المقام:"إن الآية حين تذكر في القرآن يراد بها عرفاً الآية القرآنية". وقد أجمع الصحابة وعلماء اللغة, وعلماء التفسير, على إجراء ألفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية على عمومها , حتى يقوم دليل على الخصوص,فطلب الدليل على الخصوص, لا على العموم, وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره روايات كثيرة, تزيد عن ثلاثين أثراً عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم, تلتقي كلها عند هذا التفسير لمعنى لفظ { آية} أنها الآية القرآنية المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكما ذكرت لكم من قبل فإن المراد بالنسخ في آية البقرة:{" ما ننسخ من آية"} نسخ الآية القرآنية. ونرد على هؤلاء المؤولين لتفسير معنى {آية} بغير هذا المعنى, بأن دعواهم منقوضة وغير صحيحة بشاهدة اللغة, فإن اللغة العربية لا تعرف بين معاني كلمة{آية} هذا المعنى الذي ذهبوا إليه في تفسيرها. ومن ثم فاللغة العربية لا تقر استعمالها للدلالة عليه, بدليل خلوِّ معاجمها منه بعد الإطلاع عليها في القاموس. ولا يجوز لنا أن نستخدم كلمة عربية في الدلالة على معنى لم يستخدمها العرب أصحاب اللغة, وخاصة إذا كانوا قد وضعوا لهذا المعنى كلمة تعبر عنه, كما هو الظاهر في هذا المقام. وإن كنا لا ننكر أن الآية في القرآن قد تأتي بمعنى الآية الكونية , ولكنها في غير هذه الآية التي معنا, قال تعالى:{" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم"} وقد تأتي بمعنى العلامة, كقوله تعالى :{"ولنجعله آية للناس"}. وإذا ثبت أن المراد بلفظ{ آية} الآية القرآنية استطعنا أن نرد على المانعين للنسخ الذين يدّعون أن النسخ للشرائع فقط كما يقول أبو مسلم الأصفهاني, أو نسخٌ للمعجزات فقط كما يقول محمد عبده... وثبت أن المراد بالآية الكريمة نسخ آيات القرآن الكريم بآيات مثلها وهو المطلوب في هذا المقام. فالنسخ جائز وواقع بنص القرآن الكريم. ولا ينكره إلاّ مكابر. فلا تعجل بإنكار ما لم تحط بعلمه يا سيدي محمد فادي. وكما رأيت سيدي لا يمكننا أن نحمِّل الآيات مالا تطيق.كما تحاول سيدي. تريد أن تُطَوِّع اللغة العربية لتخدم قاموساً غير قاموسها؟ إنني أتعجب وأستغرب , كيف تحاول أن تلوي عنق الآيات لتعطيها المعنى المجود في ذهنك القاصر, وفهمك السقيم العقيم, بعيداً عن أصحاب الفهم "الأكابر من العلماء". أستسمح يا سيدي على هذا الأسلوب ولكن كلنا بالنسبة إلى فهم أهل الذكر الواجب سؤالهم , لا نملك إلا فهماً قاصراً سقيماً عقيماً. ولا فهم إلاَّ ما فهمه الله تعالى لنا , ولا علم إلاَّ ما علمه الله تعالى لنا. واعلم يا أخي:؛- حفظك الله ورعاك وجعلك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه- أنه لم يكن اختلاف الأئمة في وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم , ولم يكن في فهم معنى كلمة:{آية}بل كان الأمر واضحاً لهم جلياً لا غموض فيه ولا تأويل لكلام الله عز وجل. فأنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل حتى لا أطيل عليكم وأتشعب في ذلك, فقد أَلَّف سادتنا الكبراء في الموضوع وأفادوا , وتركوا لنا علماً غزيراً, فجزاهم الله عنّا خيراً, ولكن أحببت أن ألفت القارئ العزيز إلى خطوط عريضة في هذا الموضوع الكبير. ولولا ضيق الوقت والحال, وقلة الإمكانات , لألفت في هذا الموضوع كتاباً, ولأسميتهُ{" تهذيب التهذيب في علم الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم"}. هذا ما استطعت أن أكتب الآن نسأل الله تعالى أن يجعله لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلبٍ سليم. عمر أشهب |