بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وإخوانه وحزبه. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. لقد عشت رحلة سائح في بحور معرفة الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى, مع أولياء الله العالمين العاملين, الذين يفهمون عن الله تعالى قوله, وتنزهت في بساتينهم الوارفة الظلال, جنة الله في أرضه ,فولله إنها لأعظم جنة, وهل هناك أعظم وأجل من كلام الله تعالى, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, أعظم كتاب, وأجل خطاب, واقرب إلى أولي الألباب, كلام الله تعالى المقدس القرآن الكريم. ورأيت جبالاً راسية على أرض حبل الله المتين القرآن العظيم, وعلمت بل عرفت يقيناً من أين كان علمائنا العظام يستمدون قوتهم وعلوهم وشموخهم الخالد بإذن الله تعالى,كتاب الله هو ملاذنا وحبلنا الواصل بيننا وبين ربنا. رزقنا الله حفظه وتعلمه وتعليمه وفهمه الفهم العميق الذي يجعلنا مثالاً يقتدى به وأسوة صالحة للبشرية جمعاء. على بركة الله نبدأ: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم قال تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} آية 106 من سورة البقرة. وقال عزمن قائل{ وإذا بدّلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون*قل نزّله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدىً وبشرى للمسلمين} آية 101-102-من سورة النحل. يقول الجبل الراسخ على أرض الشموخ الإمام الفذ السيوطي رضي الله عنه {" لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله تعالى ,إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ"}اهـ . ويقول بن هلال المصري في كتابه "الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه" {" وكان الناسخ والمنسوخ علمه علم الحلال والحرام, فيه من الغموض ما يدّق على كثير من ذوي الأفهام, ولا يقوم بحقيقته غير الراسخين في العلم من العلماء الأعلام,وكان ما صنف في معرفة الناسخ والمنسوخ من الكتب لا يحاط بمعشاره كثرة "}إ هـ. قال حبر الأمة سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل"{ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً"} أنها معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه متشابهه, وحلاله وحرامه"} إ هـ. وقال الإمام الفحل القرطبي رضي الله عنه وأرضاه :"{ معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة ولا يستغني عن معرفته العلماء, ولا ينكره إلاّ الجلة الأغبياء, لما يترتب عليه من التوازن في الأحكام , ومعرفة الحلال من الحرام"}إ هـ. وروي عن الإمام الأعظم سيدنا المكرم علي ابن أبي طالبٍ رضي الله عنه{ وقدس سره } {" أنه دخل المسجد الجامع بالكوفة فوجد فيه رجلاً يدعى عبد الرحمن بن دأب, وكان صاحباً لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه, وقد تحلق الناس حوله يسألونه , وهو يخلط الأمر بالنهي, والإباحة بالحظر, فقال له الإمام : أتعرف الناسخ والمنسوخ ؟. فقال لا, فقال له الإمام هلكت وأهلكت , أبو من أنت ؟ قال الرجل : أنا أبو يحيى, فقال له الإمام كرم الله وجهه: أنت أبو إعرفوني"} بتصرف عمر أشهب. وقال عالمنا الكبير الإمام أبو محمد علي بن حزم رضي الله عنه {" لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة , هذا منسوخ وهذا ناسخ إلاّ بيقين لأن الله عز وجل يقول"وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله"آية64-من سورة النساء.ويقول تعالى " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"آية3-من سورة الأعراف. فكل ما انزل الله تعالى من القرآن , أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ففرض إتباعه فمن قال في شيء من ذلك أنه منسوخ فقد اوجب ألاّ يطاع ذلك الأمر , وأسقط لزوم إتباعه , وهذه معصية لله تعالى , مجردةً وخلاف مكشوف, إلاّ أن يقوم برهان على صحة قوله,وإلاّ فهو مفتر مبطل , ومن استجاز خلاف ما قلنا فقوله يؤّول إلى إبطال الشريعة كلها, ولا فرق بين دعواه النسخ في آية ما, أو حديث ما, وبين دعوى غيره النسخ في آية أخرى , أو حديث أخر فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة وهذا خروج عن الإسلام, وكل ما ثبت بيقين, فلا يثبت بالظنون, ولا يجوز لنا أن نسقط أمراً أمرنا به الله تعالى ورسوله إلاّ بيقين لا شك فيه "}من كتاب الأحكام لإبن حزم .اهـ. بتصرف ويقول إمام آخر واسع الأفق طويل الباع في كتاب الله تعالى ,الإمام الشاطبي رضي الله عنه وأرضاه {" أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن الكريم, ولا المتواتر, لأنه رَفْعٌ للمقطوع به بالمظنون"} من كتاب الموافقات. إ هـ. وقال الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى {" قد تقرر أن شريعة الإسلام نسخت جميع الشرائع السابقة, لأنّ الأحكام العملية التي تقبل النسخ إنما تشرع لمصلحة البشر, والمصلحة تختلف باختلاف الزمان,"قلت عمر أشهب: والمكان"فالحكيم العليم يشرع لكل زمان ما يناسبه, وكما تنسخ بأخرى يجوز أن تنسخ بعض أحكام شريعته بأحكام أخرى في تلك الشريعة , فالمسلمون كانوا يتوجهون إلى بيت المقدس في صلاتهم فنسخ ذلك بالتوجه إلى الكعبة, "قلت المشرفة" وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين."} إهـ قلت عمر أشهب: يقصد كما تنسخ شريعة بأخرى كذلك تنسخ بعض الأحكام في الشريعة نفسها. وقال العلامة الآلوسي رضي الله عنه في قول الله تعالى{" والله اعلم بما ينزِّل "}والله اعلم بما ينزل من المصالح فكل من الناسخ والمنسوخ حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة , فإنّ كل وقت له مقتضى غير مقتضى الآخر , فكم من مصلحة تنقلب مفسدة في وقت آخر لانقلاب الأمور الداعية لذلك"}اهـ. قلت هذه حكمة أخرى عظيمة تدل على سعة الشريعة السمحاء وعلى عظمة المشرع الحكيم. ولنستمع إلى جهبذ آخر من جهابذة العلم الإمام الشافعي رضي الله عنه من كتابه "الرسالة" ما نصه{" إنّ الله جلّ ثناؤه خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم لا معقب لحكمه, وهو سريع الحساب وانزل الكتاب عليهم تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمة, وفرض فيه فرائض أثبتها, وأخرى نسخها رحمة بخلقه بالتخفيف عنهم, وبالتوسع عليهم, زيادة فيما ابتدآهم به من نعمة , وأثابهم على الإنتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته, والنجاة من عذابه فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ, فله الحمد على نعمه"} اهـ قلت سبحانك يا ربنا ما ألطفك بنا ونقول مع الإمام الشافعي فلك الحمد ولك المنة . وقال الشيخ الجليل رحمة الله الهندي رحمه الله تعالى وأحسن له المثوبة{" وكما أن في تبديل المواسم مثل الربيع والصيف والخريف والشتاء, وكذا تبديل الليل والنهار, وتبديل حالات الناس, الفقر الغنى, الصحة المرض,وغيرها أحكاما ومصالح لله تعالى سواء ظهرت لنا أو لم تظهر, فكذلك في نسخ الأحكام حكم ومصالح له تعالى , نظراً لحال المكلفين –في الزمان والمكان-ألا ترى أن الطبيب الحاذق يبدل الأدوية والأغذية بملاحظة حالات المريض, وغيرها حسب المصلحة التي يراها , ولاَ يحمل أحد فعله هذا على العبث والسفاهة والجهل, فكيف يظن عاقل هذه الأمور بالحكيم المطلق, العالم بالأشياء العلم القديم الأزلي الأبدي"}من كتاب إظهار الحق الجزء الأول ص197رحمة الله الهندي.بتصرف هذا ما استطعت أن اكتب بعد عناء طويل وسأكمله إن شاء الله في وقت آخر . يتبع أعظم كتاب, وأجل خطاب, واقرب إلى أولي الألباب, كلام الله تعالى المقدس القرآن الكريم . هذه الكلمات جائت بتوفيق من الله تعالى الكريم الوهاب. أخوكم عمر أشهب يسألكم الدعاء له ولوالديه, الأم ربيعة والأب الحسين . |