يقولون: لمَ تعددت المصاحف ؛ أليس في ذلك دليل على الاختلاف المؤذِن بالتحريف؟ الرد على الشبهة: وهي وثيقة الصلة بالشبهة السابقة ونقول لهم: التعدد الذي عندنا: بدأ جمع القرآن في" المصحف " في عهد أبي بكر رضي الله عنه وكان هذا جمعًا لما كتب في حضرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما تقدم. ثم كان نسخ ما جُمع فى عهد أبى بكر فى مصاحف أربعة أو سبعة فى عهد عثمان رضى الله عنه ، فالجمع الأول كان بمعنى ضم الوثائق الخطية فى حياة النبى،عليه الصلاة والسلام، وترتيب سورها سورة بعد أخرى ، دون إعادة كتابتها من جديد. وكان الجمع الثاني هو إعادة كتابة الوثائق النبوية في مصحف نقلاً أمينًا لها دون أن يمَسَّها أدنى تغيير أو تبديل. ومن " المصحف الإمام " الذى تم نسخه من الوثائق النبوية مطابقًا لها ، ثم نسخ مصاحف أربعة ، أو سبعة وزعت على الأمصار الإسلامية في ذلك الوقت. الحجاز البصرة الكوفة الشام. وهذه المصاحف كانت أشبه ما تكون بالصورة الضوئية للوثائق الحديثة عندما يتم تصويرها فيتوغرافيًّا ، شديدة الوضوح. ووجه الشبه هو التطابق التام بين المصحف " الأم " والمصاحف التي نسخت منه ، وأصل هذه المصاحف كلها هو " الوثائق الخطية النبوية ". هذا لون من ألوان تعدد المصحف عندنا ، وهو أول تعدد ظهر في تاريخ القرآن. لكنه تعدد أوراق لا تعدد كلام ؛ فالكلام الذى كُتِبَ في جميع المصاحف كلام واحد ، مثل الكتاب الذى تُطبع منه مئات النسخ أو آلافها ، فإن كل نسخة منه تكرار حرفي للنسخ الأخرى. أما اللون الثاني من تعدد المصاحف عندنا فهو مصاحف الأفرادالتى كتبت بعد جمع القرآن لأول مرة فى عهد أبى بكر ، أو كتبت قبله ، قيل: إن عثمان جمع هذه المصاحف وحرقها. وقيل إنه لم يحرقها بل استبعد غير الصحيح منها. ومنها مصحف ابن مسعود لخلاف غير كبير بينه وبين المصحف الإمام. ثم تعددت نسخ المصحف بعد ذلك ، باتساع الأقطار الإسلامية ، ومع هذا التعدد فإن النصوص الموحى بها من الله عز وجل واحدة فى جميع المصاحف فى العالم الإسلامى كله. أما ما استحدث من إضافات فهى إجراءات خارجية لا صلة لها بالنصوص المنزلة. وكل المصاحف كانت تكراراً لمصحف عثمان ، الذى جمع عليه الأمة ، وأعدم أو استبعد ما عداه من مصاحف الأفراد ، لأن العمل الفردى عرضة للخطأ والسهو أو النسيان. " وإذا كان إعدام هذه المخطوطات الفردية يبدو فيه شىء من القسوة فى الوقت الذى لم يوجد فيه بالفعل أى تحريف على الإطلاق ، فإنه يدل مع ذلك على أن عثمان كان بعيد النظر ، وعميقًا فى إدراك حقيقة الأمور ، ويرجِع فضل تمتع المسلمين اليوم بوحدة كتابهم واستقراره إلى هذا العمل المجيد من جانب عثمان. ومهما أضيف إلى المصحف العثمانى من علامات خارجية ابتكرها أبو الأسود الدؤلى وأتباعه ، ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر ، والحسن البصرى ، والخليل ابن أحمد فإن النص (الإلهي) باق كما هو على الدوام ، يتحدى فعل الزمن ، ووجود بعض الحروف الزائدة (لحكمة) أو الكلمات المدغمة التى اقتصرت على كتابة المصحف فى جميع نسخ القرآن إلى اليوم ، المطبوع منها والمخطوط ، يُعد شهادة بليغة على الأمانة التى انتقل بها البناء القرآنى من جيل إلى جيل ، حتى وصل إلينا بهذا الكمال المنقطع النظير (1). فإن قالوا: إن بعض المصاحف تختلف فى عدد سور القرآن من أربعَ عشْرةَ ومئةِ سورة ، إلى اثنتي عشرة ومئة سورة ، إلى ست عشرة ومئة سورة (2). وكذلك تختلف المصاحف في عدِّ آيات القرآن كله ، وفى كلماته وعدد حروفه. فكيف تقولون إن تعدد المصاحف عندكم كائن على صورة واحدة. وإن كل مصحف تكرار لما عداه من مصاحف ؟ إنْ قالوا هذا، قلنا لهم ، إن الاختلاف فى هذه الأعداد كلها لا يخرج " المصاحف " عن الوحدة والتطابق التام بينها ؛ لأن النصوص الموحى بها من الله عز وجل إلى خاتم رسله واحدة فى جميع المصاحف ، فمثلاً من قال إن عدد سور القرآن ثلاث عشرة ومئة سورة اعتبر سورة الأنفال وسورة التوبة سورة واحدة ؛ لأنهما لم يفصل بينهما ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وكذلك الاختلاف فى عدد آيات القرآن الكريم مرجعه جَعْل آيتين آية واحدة ، وهكذا. وسواء عدت الآيتان آية واحدة ، أو عدتا آيتين فنصهما موجود فى المصحف الشريف. والاختلاف فى العدد لا مساس فيه بالمعدود ، وهو النصوص التى نزل بها الوحى الأمين. فالنصوص مسطورة فى المصحف ، أما تعدادها فأمر اعتبارى خارج عنها ، ووصف عارض طارئ عليها. فالإصابة والخطأ فيه لا ينعكس بأى حال على حقيقة النصوص المذكورة فى المصحف وإن قالوا: إن الشيعة يقولون إن عثمان رضى الله عنه حذف من القرآن شيئًا يتعلق بعلي بن أبى طالب رضى الله عنه ، وبعضهم يذكر سورة باسم " سورة النورين " كانت مما نزل فى القرآن واستبعدها عثمان عند جمع المصحف. وهذا يُعد تعديلاً فى النصوص الموحى بها فكيف تقولون إن القرآن لم يمس ، وإن المصاحف متطابقة تمامًا ؟. إن قالوا ذلك وهم قد قالوه فعلاً فإننا نقول لهم: إن كان هذا القول قد حدث من بعض الشيعة، فالشيعة كان منهم غلاة دخلاء على التشيع ، وقد انقرضوا من الوجود الآن. ومما يدفع هذه الفِرية عن عثمان رضى الله عنه ، أن التشيع فى خلافته كان خافتًا ، بل وفى دور النشأة ، وعلى يد عبد الله بن سبأ ، الذى كان المسلمون يطلقون عليه: ابن السوداء وهو يهودي حاقد على الإسلام. ومولد التشيع كان بعد حادثة التحكيم بين علي رضى الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه. ومعنى هذا أن الحاجة إلى غمط حق علي رضى الله عنه لم يكن لها وجود فى خلافة عثمان. فما الذى يحمل عثمان إذن على غمط حقه ؟ وهَبْ أن ذلك حدث منه فهل كان حُفاظ القرآن من الصحابة سيتركونه يعبث بكتاب الله ، والأهم من هذا أن عليًا نفسَه رضي الله عنه أثنى على ما قام به عثمان من جمع القرآن ، وكذلك كل أصحاب رسول الله الذين كانوا أحياء في خلافة عثمان (3). ومهما يكن من أمر ، فإن هذا المصحف (العثماني) هو الوحيد المتداول فى العالم الإسلامي بما فيه من فرق الشيعة ، منذ أربعةَ عشَرَ قرنًا من الزمان ، ونذكر هنا رأي الشيعة الإمامية (أهم فرق الشيعة) كما ورد بكتاب أبي جعفر " الأم ": "إن اعتقادنا في جملة القرآن ، الذى أوحى الله تعالى به إلى نبيه محمد هو كل ما تحويه دفتا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر، وعدد السور المتعارف عليه بين المسلمين هو 114 سورة. أما عندنا " أي الشيعة " فسورة الضحى والشرح تكونان سورة واحدة ، وكذلك سورتا الفيل وقريش ، وأيضًا سورتا الأنفال والتوبة. أما من ينسب إلينا أن القرآن أكثر من ذلك فهو كاذب (4). فماذا يقول خصوم القرآن بعد هذا البيان ؟ إن الاختلاف بين مصاحف السنة والشيعة هو في تعداد السور فحسب ، يدمج بعض السور في بعض عند الشيعة ، مع اعتماد كل النصوص الموحى بها في مصاحف الفريقين. وهذا لا يضير في قضية الإيمان ، ولا في وحدة المصحف في العالم الإسلامي.
(1) مدخل إلى القرآن الكريم (50-51) د. محمد عبد الله دراز. (2) انظر: البرهان فى علوم القرآن (1/249) مرجع سبق ذكره. (3) انظر: مدخل إلى القرآن الكريم (36) مرجع سبق ذكره. (4) مدخل إلى القرآن الكريم (39) مرجع سبق ذكره.
دحض شبهة تعدد القراءات القرآنية (1) ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
تعدد قراءات القرآن
مقدمة: تعدد القراءات ألا يدل على الاختلاف فيه ، وهونوع من التحريف ؟ القراءات: جمع قراءة ، وقراءات القرآن مصطلح خاص لا يراد بهالمعنى اللغوى المطلق ، الذى يفهم من اطلاع أى قارئ على أى مكتوب ، بل لها فى علومالقرآن معنى خاص من إضافة كلمة قراءة أو قراءات للقرآن الكريم، فإضافة " قراءة " أو "قراءات " إلى القرآن تخصص معنى القراءة أو القراءات من ذلك المعنى اللغوى العام ،فالمعنى اللغوى العام يطلق ويراد منه قراءة أى مكتوب ، سواء كان صحيفة أو كتابًا ،أو حتى القرآن نفسه إذا قرأه قارئ من المصحف أو تلاه بلسانه من ذاكرته الحافظة لمايقرؤه من القرآن ومنه قول الفقهاء: القراءة فى الركعتين الأوليين من المغربوالعشاء تكون جهرًا ، فإن أسرَّ فيهما المصلى فقد ترك سُنة من سنن الصلاة ، ويسجدلهما سجود السهو إن أسر ساهيًا. فقراءة القرآن هنا معنى لغوى عام ، لا ينطبق عليهما نحن فيه الآن من مصطلح: قراءات القرآن. وقد وضع العلماء تعريفًا للقراءاتالقرآنية يحدد المراد منها تحديدًا دقيقًا. فقالوا فى تعريفها: " اختلاف ألفاظالوحى فى الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما (البرهان فى علوم القرآن (1/318)). وقد عرفها بعض العلماء فقال: " القراءات: هى النطق بألفاظ القرآنكما نطقها النبى صلى الله عليه وسلم .." (القراءات القرآنية تاريخ وتعريف). ومما تجب ملاحظته أن القراءات القرآنية وحى من عند الله عزَّ وجل ، فهى إذنقرآنٌ ، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة: قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنْفُسِكُمْ )(1). هذه قراءة حفص عن عاصم ، أو القراءة العامة التى كُتب المصحف فى خلافة عثمانبن عفان رضى الله عنه عليها ، والشاهد فى الآية كلمة "أنفُسِكُم" بضم الفاء وكسرالسين ، وهى جمع: " نَفْس " بسكون الفاء ، ومعناها: لقد جاءكم رسول ليس غريبًاعليكم تعرفونه كما تعرفون أنفسكم لأنه منكم نسبًا ومولدًا ونشأة ، وبيئة ، ولغة. وقرأ غير عاصم: " لقد جاءكم رسول من أَنْفَسِكُمْ " بفتح الفاء وكسر السين ،ومعناها: لقد جاءكم رسول من أزكاكم وأطهركم. و" أنْفَس " هنا أفعل تفضيل منالنفاسة. فكلمة " أنفسكم " كما ترى قرئت على وجهين من حيث النطق. وهذا هو معنىالقراءة والقراءات القرآنية. مع ملاحظة مهمة ينبغى أن نستحضرها فى أذهاننا ونحننتصدى فيما يأتى للرد على الشبهة التى سيوردها خصوم القرآن من مدخل: تعدد قراءاتالقرآن أن هذه القراءات لا تشمل كل كلمات القرآن ، بل لها كلمات فى الآية دون كلماتالآية الأخرى ، وقد رأينا فى الآية السابقة أن كلمات الآية لم تشملها القراءات ، بلكانت فى كلمة واحدة هى " أنفسكم ". وهذا هو شأن القراءات فى جميع القرآن ، كماينبغى أن نستحضر دائمًا أن كثيرًا من الآيات خلت من تعدد القراءات خلوًّا تامًّا. ومثال آخر ، قوله تعالى: " مالك يوم الدين " والشاهد فى الآية كلمة " مالك " ، وفيها قراءتان: " مالك " اسم فاعل من " مَلِكَ " وهى قراءة حفص وآخرين. " مَلِك " صفة لاسم فاعل ، وهى قراءة: نافع وآخرين. ومعنى الأولى " مالك " القاضىالمتصرف فى شئون يوم الدين، وهو يوم القيامة.
دحض شبهة تعدد القراءات القرآنية (2) ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
أما معنى " مَلِك " فهو أعم منمعنى " مالك " أى من بيده الأمر والنهى ومقاليد كل شىء. ما ظهر منها وما خفى. وكلا المعنيين لائق بالله تعالى ، وهما مدح لله عز وجل. ولما كانت هذهالكلمة تحتمل القراءتين كتبت فى الرسم هكذا "ملك " بحذف الألف بعد حرف الميم ، معوضع شرطة صغيرة رأسية بين الميم واللام ، ليصلح رسمها للنطق بالقراءتين. ومثالثالث هو قوله تعالى: "يوم يُكشف عن ساق "(2). والشاهد فى الآية كلمة " يُكشَف " وفيها قراءتان الأولى قراءة جمهور القراء ، وهى " يُكشف " بضم الياء وسكونالكاف ، وفتح الشين. بالبناء للمفعول ، والثانية قراءة ابن عباس " تَكْشِفُ " بفتحالتاء وسكون الكاف ، وكسر الشين ، بالبناء للفاعل ، وهو الساعة ، أى يوم تكشفالساعة عن سياق. قرأها بالتاء ، والبناء للمعلوم ، وقرأها الجمهور بالياء والبناءللمجهول. والعبارة كناية عن الشدة ، كما قال الشاعر: كشفت لهم ساقها * * * وبدا من الشر البراح (3). هذه نماذج سقناها من القراءات القرآنية تمهيدًا لذكرالحقائق الآتية: - إن القراءات القرآنية وحى من عند الله عز وجل. - إنها لاتدخل كل كلمات القرآن ، بل لها كلمات محصورة وردت فيها ، وقد أحصاها العلماء وبينواوجوه القراءات فيها. - إن الكلمة التى تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءةمعنى مقبول يزيد المعنى ويثريه. - إن القراءات القرآنية لا تؤدى إلى خلل فىآيات الكتاب العزيز ، وكلام الله الذى أنزله على خاتم رسله عليهم الصلاة والسلام. ومع هذا فإن خصوم الإسلام يتخذون من تعدد قراءات بعض كلمات القرآن وسيلة للطعنفيه ، ويرون أن هذه القراءات ما هى إلا تحريفات لحقت بالقرآن بعد العصر النبوي. وكأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين ، إنكم تتهمون الكتاب المقدس بعهديه (التوراةوالإنجيل) بالتحريف والتغيير والتبديل ، وكتابكم المقدس (القرآن) حافل بالتحريفاتوالتغييرات والتبديلات ، التى تسمونها قراءات ؟ وهذا ما قالوه فعلاً ، وأثارواحوله لغطًا كثيرًا ، وبخاصة جيش المبشرين والمستشرقين ، الذين تحالفوا إلا قليلاًمنهم على تشويه حقائق الإسلام ، وفى مقدمتها القرآن الكريم. ونكتفى بما أثارهواحد منهم قبل الرد على هذه الشبهة التى يطنطنون حولها كثيرًا ، ذلكم الواحد هوالمستشرق اليهودى المجرى المسمى: " جولد زيهر " الحقود على الإسلام وكل ما يتصل بهمن قيم ومبادئ. إن هذا الرجل لهو أشد خطرًا من القس زويمر زعيم جيش المبشرينالحاقدين على الإسلام فى عهد الاحتلال الإنجليزى للهند ومصر. أوهام جولد زيهرحول القراءات القرآنية: المحاولة التى قام بها جولد زيهر هى إخراج القراءاتالقرآنية من كونها وحيًا من عند الله ، نزل به الروح الأمين إلى كونها تخيلاتتوهمها علماء المسلمين ، وساعدهم على تجسيد هذا التوهم طبيعة الخط العربى ؛ لأنهكان فى الفترة التى ظهرت فيها القراءات غير منقوط ولا مشكول ، وهذا ساعد على نطقالياء ثاء فى مثل " تقولون " أو " تفعلون " ! فمنهم من قرأ بالتاء " تقولون " ومنهممن قرأ بالياء " يقولون ". هذا من حيث النقط وجودًا وعدمًا ، أما من حيث الشكلأى ضبط الحروف بالفتح أو الضم مثلاً ، وأرجع إلى هذا السبب قوله تعالى: (وهو الذىأرسل الرياح بُشرًا..)(4). فقد قرأ عاصم: " بُشرا " بضم الباء وقرأها الكسائىوحمزة: " نَشْرا " بالنون المفتوحة بدلاً من الباء المضمومة عند عاصم. وقرأالباقون: " نُشُرا " بالنون المضمومة والشين المضمومة ، بينما كانت الشين فىالقراءات الأخرى ساكنة (5). وفى هذا يقول جولد زيهر نقلاً عن الترجمة العربيةلكتابه الذى ذكر فيه هذا الكلام (6). " والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجعالسبب فى ظهوره إلى خاصية الخط العربى ، فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة قديقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها ، كما أن عدم وجود الحركاتالنحوية ، وفقدان الشكل (أى الحركات) فى الخط العربى يمكن أن يجعل للكلمة حالاتمختلفة من ناحية موقعها من الإعراب. فهذه التكميلات للرسم الكتابى ثم هذهالاختلافات فى الحركات والشكل ، كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة القراءات ، فيماأهمل نقطه أو شكله من القرآن ".
دحض سبهة تعدد القراءات القرآنية (3) ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
ن المتأمل فى هذا الكلام ، الذى نقلناه عنجولد زيهر ، يدرك أن الرجل يريد أن يقول فى دهاء وخبث. إن هذه القراءات تحريفاتمعترف بها لدى المسلمين خاصتهم وعامتهم ، وأن النصوص الإلهية المنزلة على رسولهمأصابها بعض الضياع إنه لم يقل صراحة بالتحريف وإنما وضع المبررات لوجود التحريف فىالقرآن الحكيم. ثم أخذ بعد ذلك يورد أمثلة من القراءات وينسبها إلى السببيناللذين تقدم ذكرهما ، وهما: - تجرد المصحف من النقط فى أول عهده. - تجردكلماته من ضبط الحروف. فإلى السبب الأول نسب قوله تعالى: (ونادى أصحابالأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)(7). والشاهد فى كلمة " تستكبرون " وهى قراءة الجمهور. وقد قارنها جولد زيهر بقراءةشاذة " تستكثرون " بإبدال الباء ثاء ، يريد أن يقول: إن الكلمة كانت فى الأصل " يستكبرون " غير منقوطة الحروف الأول والثالث والخامس فاختُلِف فى قراءتها: فمنهم من قرأ الخامس " باء " والأول تاء فنطق: تستكبرون ، ومنهم من قرأ الخامس " ثاء " فنطق " تستكثرون. هذا هو سبب هاتين القراءتين عنده. وكذلك قولهتعالى:(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه..)(8). والشاهدفى كلمة " إياه " ضمير نصب منفصل للمفرد الغائب الذكر. ثم قارنها بقراءة شاذةلحماد الراوية هكذا " أباه " بإبدال الياء من " أباه " باء " اباه " أى وعدهاإبراهيم عليه السلام أباه ؟ (9). أما اختلاف القراءات للسبب الثانى ، وهو تجردكلمات المصحف عن الضبط بالحركات ، فمن أمثلته عنده قوله تعالى: "ومَنْ عِنْدَهُعلم الكتاب "(10). وقارن بين قراءاتها الثلاث: " مَنْ عنْدَهُ " " مِنْ عِنْدِه " "مَنْ عِنْدِهِ " ؟ ! هذا هو منهجه فى إخراج القراءات القرآنية من كونهاوحيًا من عند الله ، إلى كونها أوهامًا كان سببها نقص الخط العربى الذى كتب بهالمصحف أولاً عن تحقيق الألفاظ من حيث حروفها ومن حيث كيفية النطق بها. واقتفى أثرهكثير من المبشرين والمستشرقين. الرد على هذه الشبهة: لقد حظي كتاب اللهالعزيز بعناية منقطعة النظير ، فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته. ومنالحقائق الراسخة رسوخ الجبال أن طريق تَلَقِّى القرآن كان هو السماع الصوتى. - سماع صوتى من جبريل لمحمد عليهما السلام. - وسماع صوتى من الرسول إلى كتبةالوحى أولاً وإلى المسلمين عامة. - وسماع صوتى من كتبة الوحى إلى الذين سمعوهمنهم من عامة المسلمين. - وسماع صوتى حتى الآن من حفظة القرآن المتقنين إلى منيتعلمونه منهم من أفراد المسلمين. هذا هو الأصل منذ بدأ القرآن ينزل إلى هذهاللحظة وإلى يوم الدين ، فى تلقى القرآن من مرسِل إلى مستِبل. وليست كتابةالقرآن فى مصاحف هى الأصل ، ولن تكون. القرآن يجب أن يُسمع بوعى قبل أن يقرأ منالمصحف ، ولا يزال متعلم القرآن فى أشد الحاجة إلى سماع القرآن من شيوخ حافظينمتقنين ، وفى القرآن عبارات أو كلمات مستحيل أن يتوصل أحد إلى نطقها الصحيح عن مجردالقراءة فى المصحف ، ولو ظل يتعلمها وحده أيامًا وأشهرا. وبهذا تهوى الأفكارالتى أرجع إليها جولد زيهر نشأة القراءات إلى الحضيض ، ولا يكون لها أى وزن فىالبحث العلمى المقبول ؛ لأن المسلمين من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلمواالقرآن عن طريق الخط العربى من القراءة فى المصاحف ، وإنما تعلموه سماعًا واعيًاملفوظًا كما خرج من فم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قيض الله لكتابه شيوخًا أجلاءحفظوه وتلوه غضّا طريّا كما كان صاحب الرسالة يحفظه ويتلوه كما سمعه من جبريل أمينالوحى. أجل.. كان سيكون لأفكار جولد زيهر وجه من الاحتمال لو كان المسلمونيأخذون القراءة قراءة من مصاحف. أما وقد علمنا أن طريق تلقى القرآن هو السماعالموثق ، فإن أفكار جولد زيهر تذهب هباء فى يوم ريح عاصف. ثانيًا: إن القراءاتالصحيحة مسموعة من جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسموعة من محمد صلى اللهعليه وسلم لكتبة الوحى ، ومسموعة من محمد ومن كتبة الوحى لعموم المسلمين فى صدرالإسلام الأول ، ثم شيوخ القرآن فى تعاقب الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها. لقد سمع المسلمون من محمد المعصوم عن الخطأ فى التبليغ " فتبينوا " و " فتثبتوا " فى قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا "(11)بالباء والياء والنون. وسمعوها منه " فتثبتوا " بالتاء والثاء والباء والتاءوكلا القراءتين قرآن موحى به من عند الله. وليس كما توهم جولد زيهر، إنهما قراءتانناشئتان عن الاضطراب الحاصل من خلو كلمات المصحف من النقط والشكل فى أول أمره ؟. والقراءتان ، وإن اختلف لفظاهما ، فإن بين معنييهما علاقة وثيقة ، كعلاقة ضوءالشمس بقرصها: لأن التبين ، وهو المصدر المتصيد من " فتبينوا " هى التفحص والتعقبفى الخبر الذى يذيعه الفاسق بين الناس ، وهذا البَين هو الطريق الموصل للتثبت. فالتثبت هو ثمرة التبين. ومن تبيَّن فقد تثبت. ومن تثبت فقد تبين. فما أروع هذهالقراءات ، ورب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، إن قراءات القرآن لهى وجهشديد الإشراق من وجوه إعجاز القرآن ، وإن كره الحاقدون.
دحض شبهة تعدد القراءات القرآنية (4) ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
وكما سمع المسلمون منفم محمد ، الذى لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فى الآية السابقة: " فتبينوا " و " فتثبتوا " سمعوا منه كذلك ، " يُفَصِّل " و " نُفصِّلُ " فى قوله تعالى: (ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون )(12). و " نفصلالآيات " وفاعل الفصل فى القراءتين واحد هو الله عز وجل: وقد اختلف التعبيرعن الفاعل فى القراءتين ، فهو فى القراءة الأولى " يفَصِّل " ضمير مستتر عائد علىالله عز وجل فى قوله: "ما خلق الله ذلك إلا بالحق" ؛أي يفصل هو الآيات. فالفاعلهنا مفرد لعوده على مفرد " الله ". وفى القراءة الثانية عُبِّر عن الفاعل بضميرالجمع للمتكلم "نُفَصِّل"؛ أي نفصل نحن. والله واحد أحد ، ولكن النون فى " نفصل " لها معنى فى اللغة العربية هو التعظيم إذا كان المراد منها فردًا لا جماعة. ووجهالتعظيم بلاغةً تنزيل الفرد منزلة " الجماعة " تعظيمًا لشأنه ، وإجلالاً لقدره. وفى هاتين القراءتين تكثير للمعنى ، وهو وصف ملازم لكل القراءات. وللبلاغيين إضافة حسنة فى قراءة " نفصل " بعد قوله: " ما خلق الله.. " هىالانتقال من الغيبة فى " ما خلق الله " إلى المتكلم فى " نفصل " للإشعار بعظمةالتفصيل وروعته. وبعد: إن إرجاع القراءات القرآنية لطبيعة الخط العربى الذى كانفى أول أمره خاليًا من النقط والشكل ، كما توهم " جولد زيهر " ومن بعده " آثر جيفرى " فى المقدمة التى كتبها لكتاب المصاحف ، لأبى داود السجستانى ، وتابعهما المستشرق " جان بيرك " ، إن هذه النظرية مجرد وَهْم سانده جهل هؤلاء الأدعياء على الفكرالإسلامى، مبدؤه ومنتهاه الحقد على الإسلام والتطاول على القرآن ، لحاجات فى نفوسهم . وقد قدمنا فى إيجاز ما أبطل هذه الأوهام ، وبقى علينا فى الرد على هذه الشبهةأن نذكر فى إيجاز كذلك جهود علمائنا فى تمحيص القراءات ، وكيف وضعوا الضوابطالدقيقة لمعرفة القراءات الصحيحة ، من غيرها مما كان شائعًا وقت جمع القرآن فى عهدعثمان بن عفان " رضى الله عنه ". تمحيص القراءات: وضع العلماء الأقدمونضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التى هى وحى من عند الله. وتلك الضوابط هى: 1- صحة السند ، الذى يؤكد سماع القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 2- موافقة القراءة لرسم المصحف الشريف ، الذى أجمعت عليه الأمة فى خلافة عثمان رضىالله عنه مع ملاحظة أن الصحابة الذين نسخوا القرآن فى المصحف من الوثائق النبوية فىخلافة عثمان ، نقلوه كما هو مكتوب فى الوثائق النبوية بلا تغيير أو تبديل. ورسمالمصحف الذى بين أيدينا الآن سنة نبوية ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقر تلكالوثيقة ، واحتفظ بها فى بيته حتى آخر يوم فى حياته الطيبة. ولذلك أجمع أئمةالمذاهب الفقهية على تحريم كتابة المصحف فى أى زمن من الأزمان ، على غير الرسمالمعروف بالرسم العثمانى للمصحف الشريف. ونقل هذا الإجماع عنهم كثير من علماء تاريخالقرآن (13). 3- أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية ؛لأن الله أنزل كتابه باللسان العربى المبين. 4- أن يكون معنى القراءة غير خارجعن قيم الإسلام ومقاصده ، الأصول والفروع. فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فلاتكون القراءة مقبولة ولا يعتد بها. وعملاً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحةمن القراءات غير الصحيحة ، أو ما يسمى بالقراءات الشاذة ، أو الباطلة. ولم يكتفعلماؤنا بهذا ، بل وضعوا مصنفات عديدة حصروا فيها القراءات الصحيحة ، ووجهوها كلهامن حيث اللغة ، ومن حيث المعنى. كما جمع العلامة ابن جنى القراءات الشاذة ،حاصرًا لها ، واجتهد أن يقومها تقويمًا أفرغ ما ملك من طاقاته فيها ، وأخرجها فىجزءين كبيرين. أما ذو النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه ، حين أمر بنسخالوثائق النبوية فى المصاحف ، فقد أراد منه هدفين ، ننقل للقارئ الكريم كلامًاطيبًا للمرحوم الدكتور/ محمد عبد الله دراز فى بيانهما: " وفى رأينا أن نشرالمصحف بعناية عثمان كان يستهدف أمرين: أولهما: إضفاء صفة الشرعية على القراءاتالمختلفة ، التى كانت تدخل فى إطار النص المدون يعنى المصحف ولها أصل نبوى مجمععليه ، وحمايتها فيه منعًا لوقوع أى شجار بين المسلمين بشأنها ، لأن عثمان كانيعتبر التمارى (أى الجدال) فى القرآن نوعًا من الكفر. ثانيهما: استبعاد ما لايتطابق تطابقًا مطلقًا مع النص الأصلى (الوثائق النبوية) وقاية للمسلمين من الوقوعفى انشقاق خطير فيما بينهم ، وحماية للنص ذاته من أى تحريف ، نتيجة إدخال بعضالعبارات المختلف عليها نوعًا ما ، أو أى شروح يكون الأفراد قد أضافوها إلى مصاحفهم " (14).
دحض شبهة تعدد القراءات القرآنية (5) ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
هذه هى عناية المسلمين من الرعيل الأول بالقرآن الكريم وتعدد قراءاته ،وحماية كتاب الله من كل دخيل على نصوص الوحى الإلهى. هذا ، وإذا كان جولد زيهر، وآثر جيفرى المبشر الإنجليزى ، وجان بيرك قد أجهدوا أنفسهم فى أن يتخذوا منقراءات القرآن منفذًا للانقضاض عليه ، والتشكيك فيه ، فإن غيرهم من المستشرقينشهدوا للقرآن بالحق ، ونختم ردنا على هذه الشبهة بمستشرق نزيه ، أثنى على القرآنوقال إنه النص الالهى الوحيد ، الذى سلم من كل تحريف وتبديل ، لا فى جمعه ، و فىتعدد مصاحفه ، ولا فى تعدد قراءاته. قال المستشرق لوبلوا: [ إن القرآن هو اليومالكتاب الربانى الوحيد ، الذى ليس فيه أى تغيير يذكر ]. ومن قبله قال مستشرق آخر (د. موير) كلاما طيباً فى الثناء على القرآن ، وهو: [ إن المصحف الذى جمعه عثمان ،قد تواتر انتقاله من يد ليد ، حتى وصل إلينا بدون أى تحريف ، ولقد حفظ بعناية شديدة، بحيث لم يطرأ عليه أى تغيير يذكر ، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أىتغييرعلى الإطلاق فى النسخ التى لا حصر لها ، المتداولة فى البلاد الإسلاميةالواسعة ، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة وهذاالاستعمال الإجماعى لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة ودليل على صحة النصالمُنزل، الموجود معنا والذى يرجع إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذىمات مقتولا(15)
(1)التوبة: 128. (2) القلم: 42. (3) معانى القرآن للقراء (3/177) (4) الفرقان: 48. (5) انظر: رسم المصحف (29) للدكتور / عبد الفتاح شلبى ، مكتبةوهبة. (6) المذاهب الإسلامية (ص4) ، ترجمة د. محمد يوسف موسى. (7) الأعراف: 48. (8) التوبة: 114. (9) رسم المصحف (30) ، مرجع سبق ذكره. (10) الرعد: 43. (11) الحجرات: 6. (12) يونس: 5. (13) ينظر: البرهان فى علومالقرآن ، مرجع سبق ذكره. (14) " مدخل إلى القرآن الكريم " (ص43) مرجع سبق ذكره. (15) حياة محمد : تأليف w.MUIR نقلا عن (مدخل إلى القرآن الكريم).