البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الجغرافية و الرحلات

 موضوع النقاش : مواقف طريفة في ألمانيا ...    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 زين الدين 
22 - فبراير - 2009
أيها الأخوة الأفاضل ،
وددت أن اطرح عليكم بعض المواقف الطريفة التي صادفتها خلال إقامتي في ألمانيا والتي تشارف على الانتهاء ...
ولتأذنوا لي أن أهدي بعضها إلى أستاذنا الدكتوريحيى تطييبا لخاطره ، على هامش ملف " الشواهد اللغوية من الحديث الشريف " ...
1_ الأستاذ زهير ظاظا والدجاج  : كنت في زيارة لمدينة ميونيخ أبحث عن مطعم يقترح أكلات " حلال " ، وهي في بعض المدن الأوربية عملة نادرة ، مررت بمحل كتب عليه Zaza Schop فقلت " أصبت والله هدفين : إستئناس باسم أستاذنا زهير ظاظا ، ومتعة بأكل الدجاج ... "
جاء النادل يسألني حاجتي ، فطلبت منه أن يخبرني أولا عن كلمة ظاظا ، وهل لها أصول في الشام أو في تركيا  ، وكنت أعلم أن للاستاذ زهير قرابة هناك ...
بل كدت في غمار حماستي أن أحدثه عن الوراق ، فأجابني مندهشا ، "إنّما الكلمة تعني زازة باللهجة التونسية ، وأنها بعيدة عن الشام بعد المغربي عنها ... و هي أقرب إلى أكلة الدجاج " ... فما كان مني إلا أن أجبته " بدلا عن متعة العقل ، إيتنا بمتعة البطن " ، وشتان بينهما ...

كثيرة هي المطبات التي يقع فيها الواحد فينا في أرض الغربية ، ويكون السبب عادة الاختلاف الثقافي واللغوي بين البيئتين ، وبين العقليتين ... الشرقية والغربية ...
دخل أحدهم إلى محل تجاري ، وطلب خبزا Brot فأجابته صاحبة المحل أنه لا يوجد ، غير أن صاحبنا بقي مصرا على اقتنائه ، والسبب أن عبارة لا يوجد بالألمانية تعني Keine (كاينه) ، وهي المقابل لكلمة بوجد باللهجات الدارجة (كاين) (مع تغليض اللفظ) ، فهي تعني بهذا تشير إلى عكس معناها في التلقي الدارج عندنا ...

اصدمت سيارتي ذات يوم بسيارة أحدهم ، فخرجت أسعى للاعتذار إليه ، وكنت أتوقع ، كما هو الحال في بلادنا ، أن أجد وجها عبوسا ، وأن أسمع كلاما غليظا ، غير أنّ الرجل كان مبتسما ، بل سعيدا بهذا الحادث ... استغربت الأمر ، وقلت لعل ذك عائد إلى هدوء وبرودة الغربي في مثل هذه المواقف ... غير أنّه سرعان ما اتضح لي أمر آخر حين سألت زميلي الذي أخبرني أنّ " التعويض الذي سيحصل علبه صاحبنا يتجاوز قيمة السيارة ذاتها ، على بساطة الحادث وهوان العطب ... "
وقد استغربت هذا الأمر حتى وقع لي حادث آخر كنت فيه الضحية ، فجاءني الشخص الذي يقيّم الخسارة ، وكانت في عيني هيّنة ، فجعل يزيد ويزايد ، بل واقترح علي تعيين محام ، يضمن لي أكبر تعويض ... فعجبت لهذا الأمر ... وعرفت حينها أنّ الحضارة المادية ، بقدر ما تقيّد الانسان بالقانون وبالإلزام ، بقدر ما يتفنن هو في إبتزازها كلّما حانت له الفرصة ...
وقد أنبأني أحدهم ، وكان يشغل منصب رجل مراقبة في أحد أكبر المحلات التجارية ، أنّ غالب من يوقفهم بجرم السرقة هم من الميسورين حالا ، يعللون جرمهم بالانتقام من النظام الضريبي الذي يستنزف ثروتهم ... ولله في خلقه شؤون ...

منذ زمن ، كانت الكلمة الأولى التب يتعلّمها القادم إلى ألمانيا هي العمل (Arbeit) ... الآن أضحت كلمات Arbeitslos (البطالة) Sozialhilfe (المساعدة الاجتماعية) هي الغالبة ، وهي دليل على تغيّر القيم مع اشتداد حدة الأزمة المالية ، وضيق النظرة المادية ...

حين تتجول في أزقة جل المدن الألمانية ، تعثر على بعض البطاقات الحديدية المغروزة في الأرض ، لتشير إلى أنّ هذا البيت أو ذاك كان ملكا لأحد المهجرين اليهود أثناء الحكم النازي ، وهذه قمّة " الأيقنة " Iconisation التي تحدّث عنها الدكتور الراحل المسيري ، حين تتحوّل معاناة شخصية أو جماعية إلى هاجس جماعي يثقل كاهل ثقافة ما ...
وقد حال هذا الهاجس أمام تصالح الثقافة الألمانية مع تاريخها ، أنظر ردود الأفعال العنيفة على مذكرات غونتر غراس المعنونة " وأنت تقشّر البصل " ، التي يكفي عنوانها دليلا على عمق الشرخ بين الحاضر والماضي القريب ...

وعلى غرار هذه الأيقنة ، تعثر في مدينة بون على فكرة ممتازة ، وأنت تتوجه إلى بيت بتهوفن القديم ، حيث صبّت صور عظماء المدينة في الطريق ، فأنت قد تدوس عليها ولكنك تعلي من شأنها حين تقرأ ،  راغبا أو مضظرا ، إسم هذا أو ذلك ، ممن ترك أثرا بعد رحيل ...

وللحديث بقية ...
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مكتوب    كن أول من يقيّم
 
تحيتي للأستاذ زين الدين وأرجو أن يأذن لي بهذه المشاركة احتفاء بموضوعه الطريف :
 
للمكتوب أو " الرسالة " أهمية كبرى في حياتنا ، نحن اللبنانيون ، لأننا سافرناً كثيراً وباكراً ، ولأن المكتوب كان صلة الوصل الوحيدة بمن هاجروا وأصبحوا في ديار بعيدة ، خصوصاً  أثناء الحرب أو الحروب الكثيرة التي عانينا منها خلال العقود الماضية حيث تكثفت هذه الهجرة وازدادت أضعافاً حتى لم يبق في لبنان بيت واحد لا يوجد فيه من " تغرَّب " . لم يكن هناك هواتف خليوية بعد ، والهواتف العادية كانت غالباً مقطوعة ، ولم يكن لدينا مكاتب للبريد ، فكان المكتوب الذي يأتينا من الخارج ، من العزيز المسافر ، ينتقل من يد ليد عبر من جاؤوا من البلاد التي يقطنها ، ليصل إلينا بعد لهفة وطول انتظار ، أو لا يصل أبداً .
 
وكنا في مرحلة المراهقة والشباب ، إذا طلب منا أحدهم أن نرسل له خبراً بشيء مستعجل لدى حدوثه ، وألح علينا في الطلب ، ورغبنا في أن نسخر من طلبه قلنا له : " ما عليك ، روح بكرا ببعتلك مكتوب " وهذا يعني بأننا غير مهتمين ، وأننا غير مستعجلين على الإطلاق لإخباره .
 
عندما وصلت إلى باريس ، وكان ذلك في شهر كانون الأول من العام 1984 ، كان موعد التسجيل في الجامعات قد انتهى ، لكنني كنت أحمل موافقة خطية من أحد الأستاذة الذين وافقوا على تسجيلي ، لذلك ، كان علي إجراء المعاملات الإدارية بأسرع ما يمكن .
 
كنت في مكتب المعادلات ، وبعد أن خضعت لامتحان اللغة الفرنسية وأثرت استغراب الموظفات هناك لأنني لم أكن أجيد الكلام بالفرنسية في الوقت الذي اكتشفن فيه بأنني أجيد القراءة والكتابة  وأنني قد أجبت على كل أسئلة قواعد الصرف والنحو بنجاح . المهم أن مديرة المكتب طمأنتني بأن كل شيء على ما يرام وبأنها سترسل الملف كاملاً إلى إدارة الجامعة وسيستغرق الأمر بضعة أيام قبل الحصول على الموافقة الرسمية . ثم قالت بأن مهمتي قد انتهت وأنهم سيستدعونني خلال أيام ، حين وصول الإذن بالتسجيل . قلت لها : " كيف ؟ " ، قالت : " سنكتب لك ! " .
 
يا للهول ! وماذا تقصد بهذه الكلمة ؟ لم أصدقها صراحة وشككت بأنها تريد أن تتخلص مني وأن الوقت سوف يضيع وأنا بانتظار " المكتوب " . أعدت عليها السؤال بطريقة أخرى لأتأكد بأنني قد فهمت : " هل تفعلون ذلك دائماً ؟ أي تكتبون لكل الطلاب ؟ " . قالت : " نعم ! " . حيرتني هذه المرأة ولم أصدقها ، بل بقيت مسمرة في مكاني وأنا أرفض بأن أغادر قبل استجلاء ذلك الغموض :
 
ــ كم سيستغرق وصول " المكتوب " ، سألتها بتذاكي .
ــ أربع وعشرون ساعة ، قالت ، وقد بدأت تفهم شكوكي واستغرابي .
 
لم أصدق ، وكيف يمكن لي بأن أصدق بأن " المكتوب " ذلك الشيء العزيز النادر ، الذي كنا نقبع بانتظاره شهوراً وأحياناً سنين طويلة ، يصل هنا في أربع وعشرين ساعة ؟ وكيف يمكن لهذا الإنقلاب أن يحدث في ذهني مرة واحدة وفي هذه اللحظة المصيرية ودون أن يثير في نفسي الشك والارتياب ؟ لم أصدق ، وألححت عليها بالسؤال :
 
ــ هل هناك من وسيلة أخرى أستطيع أن أستعلم من خلالها بأن الإذن بالتسجيل قد وصل ؟
ــ نعم ، تستطيعين أن تتصلي بي في التلفون متى شئت وسأخبرك بذلك ، قالت وهي تضحك ، ثم كتبت لي على ورقة رقم التلفون ، ورقم مكتبها الشخصي واسمها : " مدام فيرراني " !
 
وهذا ما فعلته في كل يوم ، كنت أتصل في كل يوم " بمدام فيرراني " لأسألها إذا ما كان " المكتوب " قد وصل ، وظلت تجيبني طوال تلك المدة ، التي استغرقت خمسة عشر يوماً ، بكل لطف وأدب ووداد يخالطه شيء من الدهشة ورغبة في تقديم المساعدة ، لن أنساها أبداً .
 
*ضياء
24 - فبراير - 2009
اختلاف الخريطة الإدراكية    كن أول من يقيّم
 
عمت مساءً أستاذة ضياء،
الأمر كما أشرت إليه
يكمن في اختلاف الخريطة الإدراكية "بيننا" و "بينهم " ، ففي الوقت الذي تشيـر جغرافيا الذهنيـة الغربية في موقف ما إلى سهل أو إلى منحدر يسيـر ، تكون فيه بوصلتنا تؤشر إلى جبـل وعـر أو إلى أرض مقفرة، ولعلّ موقف الشك من كل سلطة أو هيئة إدارية هو أهم مظهر من مظاهر هذا الاختلاف ؛

* يحكي لي صديق أنّه كان لدى أحد الأطباء عندنا ، وحين انقضى موعد الكشف طلب فاتورة ، فقامت ثائرة طبيبنا الذي اعتبر هذا الأمر مساسا بكرامته وتشكيكا في مصداقيته ..فيما يعدّ هذا الأمر هنا أكثر من بديهي ...

* وفي شأن آخر، أذكر أنني عندما كنت أتقدّم إلى بعض الإدارات هنا ، كنت أتوجّه طوعا إلى مكتب الاستعلامات لأخذ الإذن بالمرور ، فقد تعودنا عندنا أن نأخذ الإذن من أبسط حاجب حتى أعلى مسؤول ... وهو أمر كثير ما يقابل بضحكة استغراب هنا ...

* حضر أحد " الإخوة " وطلب مني أن أحرر له وثيقة يقدّمها إلى السلطات الالمانية ، فقلت له أنّ هذه الوثيقة يمكن أن لا تخدم إقامته هنا ، يل وقد تتسبب في ترحيله ، فقال لي : "إذن حرر لي وثيقة تشهد فيها بأنّك لم تَـرَنِ " ... ولا أعلم أيهما أنطقه  ؛ الخوف أو الحمق ...

* طالعت هذه الأيام مذكرات " عبد الرحمن بدوي " ، واستمتعت على الخصوص بمروره في ثلاثينيات القرن الماضي بألمانيا ، على الرغم من حسّه النقدي اللاذع ، وغصّته من رجال السلطة ومن المثقفين ، ومن الناس جميعا ... غير أنّ موقفه المهادن بعض الشيء من الايديولوجيا النازية ، قد يثير حفيظة البعض ...

مع التحية ...
*زين الدين
25 - فبراير - 2009
عن أهمية بعض التفاصيل    كن أول من يقيّم
 
* لم يكن لدينا في بلادنا كابينات للهواتف العمومية ولم أكن أعرف كيفية استخدامها وكنت في البداية أضع فرنكاً في الصندوق وأقوم بتشكيل الرقم فلا يرد علي أحد ، أو يكون الخط مشغولاً ، فكنت أعيد السماعة إلى مكانها وأخرج من الكابين دون أن أعرف أنه بإمكاني استرداد القطعة النقدية التي وضعتها وأنها تسقط تلقائياً إذا لم تتم المكالمة حتى سمعت صوت رنينها بالصدفة مرة وسقوطها من الجهة الأخرى .
 
* ومرة كنت في مكتب مؤسسة الحريري في منطقة اللا ديفانس La Défence وأردت العودة إلى باريس بالباص لأن المترو كان بعيداً ، وكنت قد طلبت منهم أن يشرحوا لي كيفية العودة فكتبوها لي على ورقة وهو ما كنت ألح عليه في كل مرة أصل فيها إلى مكان ثم أريد العودة منه . وبهذا أخذت الباص الصحيح في الإتجاه المعاكس . ولما انتبهت بأن هذه المناطق التي كنا نجتازها لا تشبه باريس فهمت ، ورغبت بالنزول والعودة ، لكني خفت ، وصرت أترقب الطريق لكي أرى موقف الباص العائد في الجانب المقابل قبل التورط بالنزول ... عبثاً ! ورحنا نسير ونسير ربما ساعة أو أكثر حتى وصلنا إلى منطقة نائية هي عبارة عن ساحة واسعة جداً وسط أرض خلاء يوجد فيها مئات الأوتوبيسات . ولما نزل الجميع ، نزلت معهم ، ونظرت من حولي لكي أقرأ أرقام الحافلات لعلني أستدل على ضالتي ، غير أنني لم أجدها ! وفي تلك اللحظة ، رأيت رجلاً يمر بقربي وأنا لا أزال مسمرة بقرب الأوتوبيس الذي نزلت منه ، كان يسير مطرقاً رأسه كأنه يفكر بموضوع هام أو يقوم بحسابات صعبة لا تحتمل التأجيل . لكني قطعت عليه حبل أفكاره وسألته ، بعد السلام طبعاً ،  " هل هذا هو المكان الذي يمكنني أن أستقل منه الأوتوبيس العائد إلى باريس ؟ " .
 
رفع ذلك الرجل رأسه وكأنه يعود من مكان بعيد لينظر إلى هذه البلهاء التي تطرح عليه سؤالاً عجيباً كهذا ، ولما نظر في وجهي أيقن حالاً بأنني قد أتيت من عالم آخر ، فخبط بكفه على مقدمة رأسه ليستفيق من الصدمة ، أو من هول السؤال ربما ، أو وكأنه يقول في نفسه : " أنت فين والحب فين " ، ثم ، وبدون أن يجيبني بكلمة واحدة ، أمسكني من معصمي كما نمسك بيد ولد نريد أن نساعده لكي يجتاز الطريق ، وجرني وراءه بين صفوف الحافلات ، وتوقف أمام واحدة منها لا تحمل أي رقم ، ثم قال لي : " قفي هنا ولا تتزحزحي من مكانك حتى يأتي سائق الباص ويفتح الباب ، عندها تصعدين وتجلسين في الداخل ولا تتزحزين من مكانك قبل أن تري بعيونك برج إيفل ، عندها انزلي أينما شئت . " وهكذا فعلت !
 
 
*ضياء
26 - فبراير - 2009
يا سلام    كن أول من يقيّم
 
أخي الفاضل الأستاذ زين الدين حفظك الحفيظ ورعاك وسدد خطاك.....
سعدت والله ، وأشكر لك هذه ( اللفتة) .
 في حرب الخليج تعاقدتُ مع ليبيا ، وفي مدينة ( سَبها) مسقط رأس الزعيم القذافي ، أدرّس طلبة الماجستير النحو والصرف وتاريخ النحو وأصوله ، وكان معنا العالم الليبي ( إبراهيم رفيدة) أحد أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق ، يأتي من طرابلس الغرب كل يوم أربعاء.
تشرفتُ بمحبته ، وكنت ذا حظ عظيم : ذكّرني بالعالمين المرحومين : أحمد راتب النفاخ ، وعبد العظيم الشناوي .... استضافني هذا العالم الليبي ، وأكل تمراً ، ولمّا سألني : (منين التمر ؟ ) : من أين هذا التمر ؟ أجبته ( مِن هُون) باللهجة الحلبية ، وإن شئت بالسورية . قال لي مستغرباً : لا ، لا ، ليس من هون ! قلتُ له والله من هون ! قال : يايحيى : اسمع أنا أعرف ( هون ) وهذا ليس تمرها ! عندها قلتُ له : إنّ التمر أقصد من هنا .... فعرفتُ أنّ ( هون) إنما هي منطقة.
لك تحياتي . وتحيات خاصة للأخت ضياء خانم صاحبة الذوق والقلم ....
*د يحيى
27 - فبراير - 2009
الشيطان والتفاصيل ...    كن أول من يقيّم
 
الأخت العزيزة ضياء خانم ،
الشيطان يكمن ، كما يقول المثل ، في التفاصيل ...
كنت أحسب أن هذا المثل فرنسي ، حتى وجدته يتردّد في ألمانيا ، ويبدو أنّ أصله انجلو سكسوني ...
وكما أشرت إليه ، فالفاصل بين الجدّ والطرافة يكون في تفصيل بسيط ...
فقد كان حالي مع حافلة النقل مشابها لما رويته ، إذ كثيرا ما وجدت نفسي في رحلة رغما عن أنفي ، فلا أحس "بالخطر " سوى مع اختفاء المعالم التي تعودت عليها ، والمصيبة أن اختفاء هذه المعالم يتصادف عادة مع اختفاء الأشخاص الذين نسألهم ، ويبدو سائق ال
حافلة في مقام أجل من أن يجيب على سؤال من قبيل " سيّدي كيف السبيل إلى العودة ؟ "

توجهت في إحدى الأيام إلى مكتبة بون الجامعية ، وكنت قد حجزت مجموعة من الكتب عبر الانترنت ، غير أنّ مؤلّفا ما لم يكن للإعارة الخارجية ، وعانت موظفة المكتبة " المسكينة " الأمرين لتوجيهه إلى قاعة خاصة بقراءة هذا المؤلف الذي كان بشكل " ميكروفيش " ...
اكتشفت أن هذا المؤلف عبارة عن رسالة جامعية حديثة نوقشت منذ مدّة وجيزة في جامعة مكسيكو ، وأنّها بقيت على شكل ميكروفيش تفاديا للسرقات اللاأدبية في المجال الأكاديمي ، فللّه درّهم ، تواصل فوري مع ما ينجز في كافة أنحاء المعمورة ، مع حفظ لحقوق الباحث المعنوية ، تشجيعا للجهد العلمي وردعا للكسل والسلبية وتقنيات " قص / لصق " ... وما أبرع طلبتنا وباحثينا بها ...

فــن التقية :
شرّعت الحكومة الألمانية سنة 2006 قانونا يقضي باجتياز إختبار " إندماج " من أجل الحصول على الجنسية الألمانية ...
يقضي هذا الاختبار بالإجابة على مجموعة من الأسئلة ، الموجهة أساسا إلى العرب والمسلمين ، لمعرفة موقفهم من المرأة ومن الديمقراطية والعلمنة ، وكذا من اليهود ومن المثلية الجنسية ... كما يتضمّن هذا الاختبار بعض الأسئلة عن النظام السياسي في ألمانيا ، علّق عليه بعض الساسة باستخفاف أنّ الألمان أنفسهم لو اجتازوا هذا الاختبار لسقطو !!!!
العجيب أنّ الكثير ممّن يودون الحصول على الجنسية الألمانية مارسوا فن التقية ، حتى أضحوا أكثر علمنة وانفتاحا من نظرائهم الألمان ...
كان هذا حال المرأة السنغالية المسكينة التي شاهدتها في نشرة القناة التلفزيونية الثانية منذ أيام وهي تجيب على بعض الأسئلة الغريبة عن تعدد الزوجات وعن حرية المرأة ... فقط لتستكمل إجراءات الحصول على تأشيرة التجمع العائلي المكفولة في الشرائع العالمية ...
كانت هذه التعليمات الجديدة من وحي " بريس أورتوفو " (ويدعوه بعض المهاجرين تندّرا بليس اورتوفو) ، الذي ما كاد الفرنسيون يفتقدون وجهه على رأس وزارة الهجرة ، حتّى حلّ عليهم على رأس الاقتصاد ...

تحية لحبيبنا الدكتور يحيى أكرمه الله وأعزه ... ذكّرتني ببعض الندر التي رواها لي أحد الإخوة ، وكان قد اشتغل مدّة مترجما في ليبيا ... سأدعها لفرص أخرى بإذن الله ....
*زين الدين
27 - فبراير - 2009
اليوم الذي كنت فيه زبونة Rank Xeros     كن أول من يقيّم
 
 
 مرة أخرى كنت في منطقة اللا ديفانس La Défence التي كنت أكره الذهاب إليها لكثرة ما ضعت فيها ، وهي عبارة عن مجموعة أبراج شاهقة الارتفاع لا يمكنك رؤية آخرها لو وقفت في أسفلها، وهي لذلك تعطيك شعوراً مضنياً بالضآلة والتقزم ، وبأنها تسحقك وتستولي على عزيمتك قبل أن تسمح لك بالدخول إلى بطنها . ثم لأن الساحات والسلالم العريضة التي تفصل بين هذه الديناصورات الهندسية فسيحة واسعة ومكشوفة ولا شيء يحميك فيها من الهواء والريح . لا معالم أو تاريخ لحجارتها وأرصفتها أو للنباتات وبعض الأشجار السقيمة التي تم إدخالها قسراً إلى هناك أو ، كما يتهيأ لي ، عن طريق التلقيح الاصطناعي .لا يوجد هناك مقاه لينبعث منها ضجيج الآدميين ممزوجاً بصوت ارتطام الفناجين فوق صحونها ورائحة دخان السجائر يخالطها عبق النبيذ والقهوة الساخنة . لا دكاكين أو متاجر  بقربك تشعرك بوجود مخازن للغذاء ، أو مخابز تشتم رائحتها الشهية من بعيد . لا يوجد هناك حتى متاجر صغيرة للألبسة تعرض في واجهاتها الثياب التي تنم عن ذوق بائعة المحل ... المساحة خالية من الحياة ، ومن الناس والأولاد ، وكل شيء هناك  نظيف ومعقم وبارد ومنظم بطريقة هندسية واعية ومدروسة لا تشبه الحياة ولا الإنسان ، لا شيء هناك تحبه أو تكرهه أو تهابه أو ترغبه أو تقرف منه أو يطاله إحساسك ويثير في نفسك الانفعال لكي تنطبع صورته في ذاكرتك وتحتفظ بمعالم الطريق ، بل مجرد غابة من الأبنية الشاهقة المتراصة كفيالق الرومان ، المتطاولة إلى الأعالي لترمز إلى سلطان عالم المال والأعمال والأرقام الحسابية بكل قسوته وأنانيته وأشكاله المكعبة والمدببة الأطراف ، تتنافس فيما بينها بالقامة والقوة والضخامة والفخامة وتظهر جبروت ذلك العالم الذي يطمح لاعتلاء قبة السماء . 
 
وكنت  يومها بحاجة لتصوير أحد المستندات . نظرت من حولي يمنة ويسرة وإلى فوق ثم إلى تحت : لا شيء ! لا مكتبة ولا مخزن لبيع الجرائد ولا أحد لأسأله ... ثم ، في أسفل أحد الأبراج ، لاح لي من بعيد كلمة " PHOTOCOPIES " مكتوبة بخط كبير وبلون ناري صارخ يمكن للأعمى رؤيته ، فمشيت إليه يحدوني الأمل بأنني ربما أكون قد وجدت ضالتي .
 
لما وصلت إلى كعب ذلك البرج ، استنتجت بأن تلك الحروف كانت ملصقة على واجهة الطابق السفلي لمعرض كبير لبيع آلات تصوير المستندات Rank Xeros  وكان يمكنني أن ألمح في الداخل المئات من مكنات التصوير الحديثة المتعددة الأشكال والأحجام والاستخدامات . مع هذا ، قررت الدخول ! لماذا ؟ لأنني كنت بحاجة لتصوير ذلك المستند وبأي ثمن .
 
كانت الساعة تقارب العاشرة صباحاً وكان المعرض خالياً تماماً من الزبائن . ولما دفعت الباب ، انبرى من الداخل شاب بمنتهى الجمال والأناقة ، يلبس بدلة من النوع الفاخر بربطة العنق والقميص الأبيض المنشى والتسريحة العصرية والحذاء اللامع ، ليستقبلني بالترحاب وهو يرسم على وجهه ابتسامة آسرة ، ولتلحق به امرأة شابة لا تقل عنه أناقة وجمالاً ، ولولا أن طقمها كان أحمر اللون لظننتها مضيفة طيران بتسريحتها وأناقة خطواتها . وبعد أن ألقت علي تحية الصباح أيضاً ، أسرعت لتسبقنا في الممر ، لتدفع إحدى مكنات التصوير التي انزاحت عن مكانها بضعة سنتيمترات ولكي تجعلها متراصة تماماً مع بقية المكنات فتتيح لنا بذلك مجال العبور بكل حرية . في ذلك الوقت كان الشاب قد سألني بلطف وتواضع كبيرين : " ما الذي أستطيع أن أخدمك به ؟ " ، فأجبته بكل فخر وثقة بالنفس : " أريد تصوير ورقة ! " ...  قلت ذلك وأنا أفتح محفظتي لأدفع إليه بالمستند الذي كنت أرغب بتصويره وهو عبارة عن إخراج قيد قديم قد أكل الدهر عليه وشرب ومكتوب بالعربية . صعق المسكين لهذه المفاجأة ، ولأنه ، لا أدري لماذا ، كان يتوقع مني طلبية بمئات الآلاف من الفرنكات ، لكنه تناول مني الورقة وهو يحاول أن يخفي ضحكته . الفتاة التي كانت بعيدة عن مجرى الحدث ويكاد يقتلها الفضول نظرت إليه لتستطلع الخبر بعد أن نسقت لنا ممر العبور إلى الصالة ، كانت قد سألته بعيونها عن أهمية هذه " الزبونة " التي هي أنا ، ومستواها بالأرقام ، فأخذ يلوح لها بإخراج القيد من بعيد كمن يودع مسافراً ، وهو يضحك قائلا : " تريد تصوير ورقة !" .
 
مع هذا ، وبعد أن انتهت موجة الضحك التي شاركت فيها ، رافقتهما إلى إحدى الزوايا وراء حاجز ساتر  كانا قد وضعا خلفه ماكينة لصنع القهوة ، وطاولة صغيرة عليها أوراق وكتيبات ، وآلة تصوير عتيقة جداً لا تشبه أبداً تلك المعروضات في الخارج ، لكنها تعمل جيداً ، لأنهما صورا لي المستند الذي كنت بحاجة إليه والذي لا أزال أحتفظ به حتى اليوم .
 
وكل التحية والسلام لأستاذي العزيزين يحيى وزين الدين .
 
 
*ضياء
1 - مارس - 2009