البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : الى متخصصي الادب رجاء    كن أول من يقيّم
 مشاعل 
28 - يناير - 2009
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
اتمنى الحصول على موضوع مع كتابة مراجعه عن تطور القدمه الطلليه الى قصيده مستقله في العصر الاندلسي
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
المقدمة الطللية (9)    كن أول من يقيّم
 
رابعاً : أخذ الجاهليون عناصر صورهم من البيئة التي كانوا يعيشون فيها ، وهي سمة مرتبطة بالوضوح والحسية ، بيد أن هذا الوضوح يتوفر لأي عناصر أخرى في الكون ، أما عناصر الصورة الجاهلية ، فأغلبها كان يمثل البقرة والبيضة والجؤذر والرمية والرمح والقطاة والظبية والطفل والنخيل والشمس والسحاب والبدر والأقحوان والرئم وغيرها ، وهي عناصر موجودة في البيئة الجاهلية ، عاش معها الجاهليون وتعاملوا .
وقد تأثرت الصورة العذرية بالنمط الجاهلي ، أو أننا نستطيع دون إسراف وصف الصورة العذرية بأنها امتداد في بعض جوانبها للصورة الجاهلية ، قد نجد بعض العناصر الجديدة عند العذريين ، بيد أن الهيكل العام في صورهم بأطرافه وعلاقاته يكاد أن يتشابه ، وأول جوانب تأثير الجاهليين في الصورة العذرية هو أن العذريين استخدموا كثيرا من العناصر والكائنات التي استخدمها الجاهليون في شعرهم وبخاصة الحيوان ، فنجد المجنون يصف محبوبته بأنها مثل الغزال ، يقول :
         سبى القلب إلا أن فيه تجلدا         غزال بأعلى الماتحين ربيب
         فكلم غزال الماتحين فإنه             بدائي وإن لم يشفني لطبيب ( 30 )
أو يقول :
 إلا إن ليلى كالغزالة في اضحى      أو البدر في الظلماء كالتم طالع ( 31 )
أو يقول :
كاد الغزال يكونها      لولا الشوى ونشوز قرنه ( 32 )
الأبيات السابقة تلخص مدى تأثير الجاهليين في الصورة العذرية ، فقيس يختار حيوانا صحراويا هو الغزال ليشبه به ليلى ، وكذلك الجاهليون كانوا يختارون نفس الحيوان لذات الغرض ، والصور حسية سواء في الأطراف الداخلة في التكوين ، أم في الأثر النهائي لها ، وقد كانت الصورة الجاهلية حسية بهذا المفهوم ، وقد تميزت الصور الثلاثة السابقة بالوضوح الشديد ، وهو ما نحس به أيضا عند الجاهليين .
وإذا عرضنا لشعراء عذريين آخرين ، فسنجد ذات الصورة المتأثرة بطبيعة الصور عند الجاهليين ، يقول قيس بن ذريح :
        كيف السلو ولا أزال أرى لها       ربعا كحاشية اليماني المخلق
        ربعا لواضحة الجبين غريرة         كالشمس إذ طلعت رخيم المنطق ( 33 )
أو يقول جميل :
سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب       وصدر كفاثور الرخام وجيد ( 34 )
أو يقول أيضاً :
وتبسم عن غر عذاب كأنها      أقاح جلتها يوم دجن سماؤها
إذا اندفعت تمشي الهوينى كأنها      قناة تعلت لينها واستواؤها ( 35 )
ويقول كثير عزة :
وتدني على المتنين وحفا كأنه   عناقيد كرم قد تدلى فأنعما ( 36 )
أو يقول :
كأن دموع العين واهية الكلى      رعت ماء غرب يوم ذاك سجيل ( 37 )
من هذه الأبيات وغيرها مما يزخر به الشعر العذري ، نجد الشعراء يستمدون عناصر صورهم من الخبرة الحسية اليومية ، وهي عناصر استمدها أيضا الجاهليون من خبرتهم الحسية اليومية ، فتشبيه الحبيبة بالغزال أو الرئم أو الحديث عن الظبي والخمر والكرم وغيرها تردد في شعر العذريين كما تردد أيضا في شعر الجاهليين .
وقد لا يكون تردد نفس العناصر بين العصرين هو نقد للصور أو محاذاة لها ، بل تأثر بالمعجم الشعري الغزلي في العصر الجاهلي ، فلا شك أن العذريين قد أضافوا لهذه الصور القديمة طابعاً جديداً مميزاً وضح في تفصيلهم بعض الصور القديمة ، ووضح أكثر في العاطفة التي غلفت هذه الصور ، وهي عاطفة قد لا نستطيع تعيين موقعها في الصور ، إلا أننا نلمسها في أثر الصور النهائي في نفس القارئ أو السامع ، والمقاربة في التشبيه هي أيضاً إحدى السمات التي ميزت الصور العذرية كما وجدناها ميزت الصور الجاهلية .
ونجد أخيراً من سمات التأثير الجاهلي على الشعر العذري هذه الصور المفردة التي أخذها العذريون ،
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (10)    كن أول من يقيّم
 
فالنابغة يقول :
فإنك شمس والملوك كواكب     إذا طلعت لم يبد منهن كوكب ( 38 )
ونجد قيس بن الملوح يقول :
هي البدر حسنا والنساء كواكب      فشتان ما بين الكواكب والبدر ( 39 )
والأعشى يقول :
          وكأس شربت على لذة        وأخرى تداويت منها بها
         لكي يعلم الناس أني امرؤ       أتيت المعيشة من بابها ( 40 )
فأخذها قيس بن ذريح إلى محبوبته وقال :
تداويت من ليلى بليلى من الهوى        كما يتداوى شارب الخمر بالخمر ( 41 )
 
بعض جوانب التجديد في الشعر العذري
حفل الشعر العذري بجوانب تجديدية كثيرة ، لعل هذا البحث يتناولها بالتفصيل من مـثل :
1 – بروز الوحدة في الشعر ، وسيطرتها على مجريات التعبير في القصيدة ، وهو شيء لم يكن مألوفا في الشعر القديم ، ولعله لم يكتسب صفة الاستمرار بعد العصر الأموي .
2 – الروح العامة في الغزل ، وهي روح غير مألوفة في الشعر الجاهلي ، أو بتعبير أدق لم تكن روحا شائعة في هذا الشعر .
3 – لغة الشعر العذري نفسه كانت نمطا جديدا وطريقة غير مألوفة في نظم الشعر ، فلم يحدث في العصر الجاهلي أن نظم الشعراء بهذا المستوى اللغوي الذي يكاد أن يقترب من لغة العامة ، لولا التزامه بالقواعد اللغوية الصحيحة .
هذه الجوانب وغيرها تعد جوانب مجددة في الشعر العذري ناقشتها فصول هذا البحث ، لكن الأمر الجدير بالبحث هنا هو أثر الإسلام في الشعر العذري بوصفه حدثا جديداً ضخماً مؤثراً ، خلخل بنيان المجتمع الجاهلي الثقافي والسياسي  .
 
أثر الإسلام في القصيدة العذرية :
كانت نواحي التقليد في القصيدة العذرية تأثرا بالشعر الجاهلي في المقام الأول ، ثم تأثرا بالمثل الأعلى للجمال كما تصوره العرب ، ولا شك أن القصيدة العربية قد تطورت في العصر الأموي ، آية ذلك التطور هي العناصر الجديدة التي دخلت نسيج القصيدة ، وكان للإسلام النصيب الأوفى في هذا التجديد ، وقد لا نستطيع إلا نبحث عن العناصر الدينية في هذا الشعر ، فالمجتمع العربي في العصر الأموي كان في طور التكوين على صورته الجديدة بعد الإسلام ، لم يستقر ، ولم يأخذ إطاره الذي عرف به في القرون التالية ، إنما كان مجتمعا وسطا بين التصور الإسلامي والتصور الجاهلي ، لقد كان الإسلام يمثل طفرة في هذا المجتمع ، لا شك أن هناك أفرادا كثيرين قد تغير تكوينهم بفعل القيم الإسلامية ، غير أن حركة المجتمع بأكمله وتركيبته لم تكن لتتغير بهذه السرعة ، وما حركة الردة أيام أبي بكر رضي الله عنه إلا انعكاساً لهذا البطء الشديد في إحلال التصور الإسلامي للحياة محل التصور الجاهلي .
وفي مجال الشعر كانت الحركة الأدبية في العصر الجاهلي – إن كانت هناك حركة بهذا المعنى الدقيق – تعتمد أساسا على مجموعة لقاءات في مواسم معينة ، يتناشد فيها الشعراء ، ويحتكمون ، وتعتمد أيضاً على أسلوب التلمذة والرواية كما كان شائعا في ذلك العصر ، لم تكن هناك مؤثرات جديدة تضاف إلى هذه الحركة فتطورها ، وتخرج من هذه الدائرة التي انحصر فيها الشعر الجاهلي ، وقد ورث الأمويون هذه الحركة بأبعادها البسيطة ، فيما ورثوا عن الجاهليين ، لم يكن ممكنا في الشعر – كما لم يكن ممكنا في المجتمع – أن تحدث فيه طفرة تهزه من أعماقه ، تجد لها صدى سريعا في السطح ، فالإسلام كان طفرة في هذا المجتمع ، قدم تصورا للكون مغايرا في أغلب جوانبه للتصور الجاهلي ، إلا أن صدى هذا التصور ظهر ببطء في المجتمع العربي ، كذلك الشعر ، كان الإسلام هو العنصر الجديد ، وربما الوحيد الذي كان يمثل ثقافة جديدة ، باعتبار أن آداب الفرس والروم – وبخاصة الشعر – لم يكن لها صدى في أشعار العرب في ذلك الوقت المبكر ، لكن صدى هذا العنصر الجديد المؤثر لم يظهر بوضوح في الشعر الأموي ، وربما لم يظهر بوضوح أبدا في الشعر العربي ، خلا بعض أشعار الصوفية .
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (11)    كن أول من يقيّم
 
ففي مجال الغزل العذري كان للإسلام تصور للحب ، وله تصور للعلاقة بين الرجل والمرأة ، والحب هو مدار الشعر العذري ، ولذا كان البحث عن تأثير الإسلام في الشعر العذري بحثا عن تصور الحب في هذا الشعر بعلاقاته وبواعثه ونتائجه ، ومقارنة هذا التصور بالتصور افسلامي ، إلا أن التصورين متباعدان ، وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن العلاقة بين المرأة والرجل فيها من العفة والحياء ما لا نجده في الشعر العذري .
وليس معنى هذا أن الإسلام لم يؤثر في الشعر العذري ، لقد كان هناك تأثيرٌ ، لكنه تأثير محدود ، ويقول عز الدين إسماعيل " ومهما قيل إن الشعر قد تطور تحت تأثير الإسلام ، فإن هذا التطور محدود ، وكل العناصر الإسلامية التي نجدها في شعر الشعراء في صدر الإسلام ، أو في العصر الأموي ما تلبث أن تختفي ، وهي بعد لم تكن العناصر التي حولت الشعراء عن الوقوف عند الجمال الحسي ، إلى الانطلاق إلى آفاق نفسية بعيدة ، وشاعر الصحراء ذو الرمة قد امتلأ شعره بعناصر إسلامية ، لكن ليس لهذه العناصر؛ أي دخل في تصوره لجمال الصحراء ، ولا في انفعاله به ، فنزعته فردية بحتة ، وليست ظاهرة عامة . " ( 42 )
وقد انحصر تأثر العذريين بالإسلام في مجموعة ألفاظ وتراكيب وصور لم تشكل جزءاً من نسيج التجربة الشعرية عندهم ، كان تأثرهم به ظاهريا ، لم يشمل الفكر وأبعاد العلاقات بين الرجل والمرأة .
يقول جميل :
أصلي فأبكي في الصلاة لذكرها     لي الويل مما يكتب الملكان ( 43 )
فهو يتذكرها حين تصلي ، فيبكي ، لكنه متخوف مما يكتبه الملكان عليه من ذنوب ، وهي إشارة إلى تقواه وصلاحه ، لكن البيت أتى في سياق مقطوعة عدد أبياتها سبعة ، يتحدث فيها جميل عن مدى حبه لبثينة ، وأنه يضمن لها ألا يهيم بغيرها ، إلى آخر هذه المعاني الغزلية ، وهي معان جعلته شديد الخضوع لها ، شديدة التأثير عليه .
ويقول أيضاً :
حلفت برب الراقصات إلى منى         هوي القطا تجتزن بطن دفين ( 44 )
والقسم هنا عادي لا يدل على قوة اعتقاد خاص عند جميل ، ومثله :
فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي    وأنت التي إن شئت أنعمت باليا    ( 45 )
ويقول قيس بن ذريح :
وإني لمشتاق إلى ريح جيبها        كما اشتاق إدريس إلى جنة الخلد ( 46 )
يشير إلى قصة النبي إدريس عليه السلام في اشتياقه إلى الجنة ، لكن هذه الإشارة محصول ثقافي لا علاقة للعقيدة بها .
ويقول أيضاً :
لقد فضلت لبنى على الناس مثلما      على ألف شهر فضلت ليلة القدر ( 47 )
هنا نجد أثر القرآن في هذا التشبيه ، فالشاعر يفاضل في تشبيهه التمثيلي بين موقف لبنى من الناس ،  وموقف ليلة القدر التي فضلت على ألف شهر .
ويقول أيضاً :
فليس لأمر حاول الله جمعه         مشت ولا ما فرق الله جامع (48 )
نفس الفكرة في بيت جميل السابق ، نجدها عند قيس بن ذريح ، قدرة الله على الخلق ، وإرادته التي لا مرد لها ، لكن سياق القصيدة أيضا سياق يزخر بالابتهال إلى لبنى ، واستعطافها أن تعود إليه ، ورجائها بالعفو عنه ، وأما هذا البيت ، فإنه نوع من الاستسلام اليائس لقدر لا فكاك منه ، ولا قدرة عليه .
ويقول المجنون :
فحبك أنساني الشراب وبرده    وحبك أبكاني بكل مكان
وحبك أنساني الصلاة فلم أقم    لربي بتسبيح ولا بقران ( 49 )
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (12)    كن أول من يقيّم
 
يعترف المجنون بخطيئته ، وبأنه لم يقم للصلاة ، ولم يسبح بحمد الله ، ولم يقرأ القرأن ، وهي إشارات دينية قوية ، ولعل اعتراف المجنون هنا دل على قوة اعتقاده ، ومدى إيمانه ، فيتذكر هذا الموقف الذي يناجي فيه ليلى أن حبها قد أنساه فروض ربه .
لكن الديوان يروي رواية مناقضة لهذا الموقف ، يقول " روي بسط سامع المسامر : لقيه ابن عم له ، فقال : يا أخي اتق الله في نفسك ، فإن هذا من عمل الشيطان ، فازجره عنك ، فأنشأ يقول :
يا حبذا عمل الشيطان من عمل       إن كان من عمل حبيها
منيتها النفس حتى قد أضر بها        وأحدثت خلفا مما أمنيها (50)
والرواية تناقض ما سبق عند المجنون ، وهي جرأة غريبة منه أن يعلن هذا الموقف تجاه الدين ، بل يرضى بعمل الشيطان إن كان الشيطان سيجعله يحب ليلى ، والأغلب أن قيساً – إن صدقت هذه الأبيات – قالها تحت تأثير انفعالي معين ، لكن الإشارة الواضحة فيها ، واللفتة النفسية تدلان على فقدان التوازن بين قوة إيمانه ، وقوة حبه لليلى ، وأن هذا التوازن يميل إلى صالح ليلى ، تؤكده هذه الرواية ، ويؤكده أكثر استقراء الروح العامة لشعر قيس ، والشعر العذري بأكمله .
هكذا كان تأثير الإسلام في الغزل العذري ، لم يكن تأثيراً قوياً يدخل في نسيج التجربة الشعرية ، والرؤية العاطفية للعلاقة بين الرجل والمرأة ، والنفاذ إلى جوهر الشعر ذاته ، فيحيل قضية الحب في الشعر إلى رؤية إسلامية واضحة ، ليست منشورة فيما يجب أو لا يجب أن يكون ، وإنما إيحاء وتصوير وجمال ، كان الإسلام في الشعر العذري ألفاظاً تقال ، وإشارات إلى القصص القرآني ، وتعبيرات قرآنية لا تدل على قوة اعتقاد ، كما لم يمثل الإسلام من جهة أخرى ثقافة مهمة في الشعر العذري ، بل إنه ظل أميناً للبيئة التي خرج منها .
قد نجد في دواوين العذريين وأشعارهم المتناثرة في كتب الأدب القديم كثيراً من الألفاظ الإسلامية ، إلا أنها تظل بعد هذا دخيلة على نسيج التجربة الشعرية العذرية ، وتظل أيضا مجرد أثر يضاف إلى الشعر العذري كأثر الشعر الجاهلي ، وأثر البيئة العربية ، أما جوهر الشعر ، وأما هذا التغير الحادث في النفوس الذي يشكل الإنسان ، فينظر إلى الكون وعلاقاته المتعددة ، فلم يقترب الشعر العذري من هذا ، ومن أجل هذا لا نستطيع الادّعاء أن الإسلام هو الذي ميز التجربة العذرية عن غزل الحسيين مثلاً ، وعن غيرهم من الشعراء .
*د يحيى
30 - يناير - 2009
خاتمة المقدمة الطللية    كن أول من يقيّم
 
ونُصَّ الحديثَ إلى أهلهِ ** فإنّ الوثيقة في نصهِ
 
المرجع : أحد مواقع الشبكة العنكبوتية.
*د يحيى
30 - يناير - 2009
بداية التجديد والتغييرفي القصيدة الطللية في العصر العباسي    كن أول من يقيّم
 
بداية التجديد والتغييرفي القصيدة الطللية في العصر العباسي
 
 
       أن الشعر العربي ظل محافظا في شكله ومضمونه حتى نهاية العصر الأموي على الرغم من انتشار الإسلام في بقاع كثيرة من العالم ، واختلاط العرب بالأمم الأخرى ، وكأن هذا الشعر ظل محظورا على الآخرين لعائق عجمة اللسان ، ولما آل الأمر إلى الخلافة العباسية ،انتقل العرب الفاتحون من طور التأثير في الآخرين بنشر العقيدة الإسلامية وشريعته في البلاد المفتوحة إلى طور الانفتاح والتأثر بما يملكه الآخرين مما دخلو في الاسلام من تراث عريق ومنوع ، لأجل البناء الحضاري المأمول ، كما أحس الآخرين من دورهم في العهد الجديد ، وأن لايكونوا على الهامش ، فلا بدَ من الاندماج التام في هذا المجتمع العباسي المتعدد الأعراق و الثقافات ، منتسبا إلى الإسلام عقيدة وعملا ، متخذا اللسان العربي لغة مشتــركة جامعة ، وصار المجال مفتوحا للعربي وللآخر على قدم المساواة لأجل التنافس في استيعاب الموروث العربي والإسلامي السابق ، وتراث اليونان والفرس والهنود المترجم إلى العربية من فلسفة والعلوم والأداب، ثم الانتقال إلى مرحلة الإضافة والابتكار والإبداع.
     انطلق الشاعر العربي والاخرون  الشعراءمن الموالي في الابداع الشعري مرتكزين على ثقافة العصر ومتطلباته ، غير مقتصرين على الموروث الشعري القديم .
     احتاج الشاعر الآخر من الموالي في هذه المرحلة الى اثبات وجوده وتمكنه الشعري وذلك لقناعة قرَت لدى العرب أن الشعر صناعة عربية خالصة غير قابلة للتقليد ، فهذا بشار بن برد يستهين به أحد الأعراب ، فيسأل الجالسين عند مجزأة بن نور السنوسي عن بشار وعليه بزة الشعراء :"من الرجل؟" فقالوا: رجل شاعر ، فقال : أمولى هو أم عربي ؟ فقالوا : بل مولى .. فقال الأعرابي : وما للمولى وللشعر ! ، فغضب بشار لكرامته ولمكانته ، فينشئ مفتخرا بانتمائه الفارسي ، ومزريا بالأعراب وعيشتهم القاسية في القفار ، فيقول :
أعاذل لا أنام على اقتســـار   ولا ألقى على مولى وجار
            سأخبر فاخر الأعراب عني   وعنه حين بارز للفخـــــار
وأيضا كما يرد بشار على عقبة بن رؤبة بن العجاج ،الذي كان يفتخر بأنه شاعر ابن شاعر ابن شاعر وأنه هو وأوابوه فتحا للناس باب الغريب وباب الرجز . فقال بشار:
يا طلل الحي بذات الصمد   بالله حدث: كيف كنت بعدي
الحر يوصى والعصا للعبد   وليس للملحف مثـــــل الرد
     لذلك انتقل الشعراء الموالي من مرحلة التقليد إلى التجديد وإلى التحدي الشعري للتقاليد الشعرية القديمة . فأطل أبو النواس الحسن بن هانئ(ت199هـ)وأعلن للناس أنه غير تقليدهم واتباعهم للأقدمين ، وأن التقليد لا يلبي حاجات العصر ، وأن اتباع القصيدة التقليدية القديمة بمقدمتها الطللية وغرضها لم يعد يتلاءم مع الحياة الجديدة ، وأصبح الوقوف على الطلل، والحديث عن الناقة والوحوش في الصحراء ، نغمة نشازا وسط القيان ومجالس اللهو والشراب ، بل صار هذا التقليد قيدا على الشعراء بعد عليهم انفاسهم ،ويجردهم من ذاتيتهم .. فدعا إلى التحرر من الاتباع الفني للشعر الجاهلي فقال :
صفة الطلول بلاغة القــــدم   فاجعل صفاتك لابنة الكـرم
وصديقة الروح التي حجبت   عن ناظريك ، وقيم الجسم
حتى ان بعض النقاد قالوا: ان الخمر حلَ مكان الطلل عند بعض الشعراء العباسيين ، فقال أبو النواس :
أثن على الخمر بألائــــــها   وسمها أحسن أسمــــائها
دارت فأحيت غير مذمومة   نفوس حسراها وأنضائها
     لكن الغيورين من العلماء والخلفاء على تعليم الاسلام وقفوا أمام في وجه هذا التيار الجارف المسمى بالشعوبية الفارسية المناوئة للعرب ، واتهموا كل من يحذو نهج ابي النواس بالزندقة ، لذلك أراد الخلفاء العباسيون أن ينافسوا الخلفاء الأمويين قبلهم في حفظ الشعر القديم ، وتقريب روائه ومحبيه من الشعراء ، فقد قرب الخليفة أبو جعفر المنصور المفضل الضبي وعهد إليه بتأديب ولي عهده المهدي  (ت 169هـ) كما جعل الخليفة هارون الرشيد (ت193هـ)الأصمعي في صحبته ،وهذا الصمعي الذي قدم توجيهاته إلى من أراد أن يبرز في الشعر من معاصريه الشعراء المحدثين ، قال: " لا يصير الشاعر في قريض الشعر فحلا حتى يروي أشعار العرب ويسمع الأخبار ويعرف المعاني وتدور في مسمعه الألفاظ وأول ذلك أن يعلم العروض ليكون ميزانا له على قوله، والنحو ليصلح به لسانه وليقيم به إعرابه، والنسب وأيام العرب ، ليستعين بذلك على معرفة المناقب والمثالب ، وذكرها بمدح وذم"
ومن هنا بدأ التجديد والتغيير في القصيدة الطللية عند المحدتين أمثال أبي النواس والبحتري والمتنبي وأبي تمام وابي فراس الحمداني وغيرهم الكثير...
*ابو هشام
30 - يناير - 2009
 1  2