البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : الى متخصصي الادب رجاء    كن أول من يقيّم
 مشاعل 
28 - يناير - 2009
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
اتمنى الحصول على موضوع مع كتابة مراجعه عن تطور القدمه الطلليه الى قصيده مستقله في العصر الاندلسي
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
المقدمة الطللية    كن أول من يقيّم
 
القصيدة الطللية في العصر العباسي
 
بدأالعصر العباسي بظهور اتجاهين متباينين :الاول ينهج نهج القدماء ويسلك طريقهم والثاني يحاول الظهور بنهج شعري جديد مختلف يعبر عن عصره ، فالاتجاه القديم أي المحافظة على طريقة القدماء في كتابة القصيدة،والذي شجع على ذلك علماء اللغة في العصر العباسي ، وذلك لمنحى ديني حتى لايبعد المحدثين والذين دخلوا الاسلام حديثا عن الفاظ القرآن الكريم ، كما ان علماء اللغة هم معلمو الخلفاء العباسيين ،فالشاعر عندما يريد ان بمدح الخليفة ويكون بحضور علماء اللغة فيرضيهم الشاعر بما يريدون من نهج قديم حتى يجزل الخليفة عليهم بالعطاء ، وقسم آخر من الشعراء قدم من البادية فلم تؤثر فيهم الحضارة ، مثل ابن الدُميَة، وابن ميَادة ، وابن حية النميري وغيرهم.
يقول ابن الدمية في قصيدة يحن فيها الى موطنه نجد:
الا يا صبا نجد متى هجت من نجد   لقد زادني سراك وجدا على وجد
إن هتفت ورقاء في رونق الضحى   على فنن غضالنبات من الرند
 بكيت كما يبكي الوليد ولم نكن   جليدا وابديت الذي لم نكن نبدي
وحنَت قلوصي من عدان إلى نجد   ولم ينسها أو طانها قدم العهد
إذا سئت لاقيت القلاص ولا ارى   لقدومي اشباها فيألفهم ودي
بشلر بن برد فهو من دعاة التجديد لكنه يتكلف الاسلوب القديم في مدح الخليفة فمقدمته طللية يتذكر فيها ديار الاحبة ، ويصف ناقته التي يقطع بها الصحراء ويشبهها بالحمار، الوحشي وهذا على طريقة القدماء، فبقول:
وليل دجوجي تنام بنائه   وأبناؤه من هوله وربائبه
وكذالك سار على نهجه ابو النواس ، وبن الرومي وغيرهم مع انهم حاولوا نبذ القديم ودعوا للتجديد في الشعر تأثرا بالحضارة وجمال الطبيعة
من الأشعار التي لازالت تتمسّك بالموروث الطللي، قول علي بن الجهم في مدح المعتصم :
قفوا حيوا الديار فإنّ حقاً ... علينا أن نحيي بالسلام
حرام أن تخطاها المطايا .. ولم نذرف من الدمع السجام
تطور المقدمة الطللية:
التطور من الناحية الموضوعية :
1-  لم تعد أوعية لسكب الدموع حسرة على المنازل وعهود الحب الضائعة، بل أصبحت عند البعض إلى منابر يعلنون آرائهم في الحياة، فكلّ شئ صائرٌ إلى الفناء فما الدّاعي من الحزن والأسى ؟ّ!
بشار يمدح عقبة بن سلم :
يادار بين الفرع والجناب ... عفا عليها عقب الأحقاب
قد ذهبت والعيش للذهاب ... لما عرفناها عن الخراب .
فانقلبت والدهر ذو انقلاب .. ما أقرب العامر للخراب
2-  إهمال وصف الأطلال والناقة والرحلة، والإستعاضة بالعزل،
مدح مراون لـ معن بن زائدة :
طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها
قادت فؤادك فاستقاد ومثلها ... قاد القلوب إلى الصبا فأمالها
- عدم الإلتفات للأطلال وجمال الحبيبة والتغزل بها، وجعل الخمرة فاتحة لقصيدته،
مسلم بن الوليد يمدح هارون الرشيد :
هات استقني طال بها الحبس ... من قهوةٍ بائعها وكس
زقية الدار رصافية ... أغلى بها الشماس والقس
كأنها في الكأس ياقوتة .. وهيّ إذا مامزجت ورسُ
في مجلسِ للقصفِ ريحانهُ ... عين المها والبقر اللعس
-ومنهم من ترك الأطلال ليعبر عن حالته النفسية أو عن شئ يقلقه ويزعجه،
منصور النمري يمدح هارون :
يازائرينا من الخيام ... حياكما الله بالسلام
لم تطرقاني وبي حراك .. إلى حلال ولاحرام
5-التألم والشكاية من الضعف والهزال، واشتعال الشيب والجزع من الحياة ولوم الدهر،
قال أشجع السلمي :
غلب الرقاد على جفون المسعد ... وغرقت في سهر وليل سرمد
قد جد بي سهر فلم أرقد له ... والنوم يلعب في جفون الرقد
ولطالما سهرت بحبي أعينٌ ... أهدي السهاد لها ولما أسهد
الاستنتاج:
        أ‌-        أن أسلوب القصيدة المدحية أصبح يتراوح بين الجزالة والسهولة والقوة والليونة .
     ب‌-     اصبحت الأوزان ( قصيرها وطويلها ) قوالب لهذا الفن،
     ت‌-     طول البحر الشعري ليتلائم مع جزالة الألفاظ وفخامة التعبير .
     ث‌-     المبالغة المفرطة في المديح، يصل إلى حد الإستهجان .
قال الحسين الأسدي عن المهدي :
لو يعبد الناس يامهدي أفضلهم ... ماكان في الناس إلا أنت ..
*ابو هشام
29 - يناير - 2009
المراحل التي مرت بها المقدمة الطللية:    كن أول من يقيّم
 
المراحل التي مرت بها المقدمة الطللية:
·       مدح المدن، وبيان محاسنها، وتعداد فضائلها ومآثرها، ومافيها من ساحات وأبنية وجوامع وأنهار وبساتين .
وقد حصلت بغداد على نصيب الأسد في المدح، قال عمارة بن عقيل :
أعابنتَ في طول من الأرض والعرض .. كبغداد داراً إنها جنة الأرض
صفا العيش في بغداد وخضر عوده ... وعيش سواها غير صاف ولا غض .
·       شاع بين العباد والزهاد والمتصوفة مدح الله عز شأنه، قال عبدالخالق الأنصاري:
امتدحت الغني عن مدح الناس .. بصدق المديح والإحكام
بكلام أشاد إعظامه الناس ... وقالوا : قل ياصادوق الكلامِ
·       وبرز أيضاً المديح النبوي، حيث قال النعمان بن ثابت :
ياسيد السادات جئتك قاصداً ... أرجو رضاك واحتمي بحماكا
وقد ظهر أدخل الشعراء في المديح أمثالاً وحكماً كثيرة، ترسيخاً لأقوالهم وتوطيداً لتعليلاتهم، يقول أبي تمام في مدح أبي دؤاد :
·       وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
·       لو لا اشتعال النار فيما جاورت ... ماكان يعرف طيب عرف العودِ
الهجاء : فن أدبي قديم، كان أول أمره – قبل الإسلام -  يدور على التعبير بوضاعة النسب والبخل، والفقر والقعود عن الغزو، والتقصير في حماية الجار والعجز عن أخذ الثار، والإنهزام في الحرب، والإستسلام للأعداء، واستساغة الظلم .
بعد الإسلام : قبّح الإسلام الهجاء، وعده إثماً، ومن ذلك قول الرسول
فأخذ هذا الفن بالأفول، في العصر الأموي أخذ بالإنتشار والتوسع، فأخذ يتناول المعايب والمثالب والنقائص باحترام .
اخذتِ القبائل تحتشد في المربد والكناسة يستمعون إلى هجاء الشعراء، كأنهُ لهوٌ يفرح القلب،
ثم بعد ذلك قل الإقبال على النقائض في العصر العباسي الاول، واخذ يقتصر على شعراء قلائل
o     كثرت وتنوعت موضوعات الهجاء في العصر العباسي واختلفت اتجاهاته، والكثير منه كان شخصياً يدفعه الحقد والغضب والحسدوالإنتقام،
منه هجاء عجرد لبشار بن برد :
وأعمى يشبه القرد ... إذا ماعمي القرد
دنئ لم يرح يوماً ... إلى مجد ولم يغدُ
هو الكلبُ إذا مامات ... لم يوجد له فقدُ
o     ان روح السخرية، والكراهية والحسد يؤدي إلى عواقب وخيمة، فقد قال أبان اللاحقي في هجاء جاره بعدما تزوج من ثرية :
لما رأيت البز والشارة .. والفرش قد  ضاقت به الحارة
واللوز والسكر يرمى به .. من فوق ذي الدار وذي الداره
وأحضروا الملهين لم يتركوا ... طبلاً ولاصاحب زمّارة
قللت : لماذا ؟ قيل أعجوبة ...  محمد زوج عمار
لاعمر الله بها بيته ... ولا رأته مدركاً ثاره .
o     ومنهُ هجاء حماد بن هجرد على لسانِ إياس، بهذه الأبيات مستفزاً خليليته :
ألا ياظبية الوادي ... وذات الجسدِ الرادِ
وزين المصر والدار .. وزين الحي والنادي
وذات المبسم العذب .. وذات الميسم البادي
أما بالله تتستحيين ... من خلة حماد
فحماد فتى ليس بذي عز فتنقادي
فتوبي واتقي الله ... وبتي الحبل جرّاد
o     يأخذ الهجاء تارة طابع المزاح والظرف، ومنه قول الضحاك في مغنية قد عبث بها، فاستخفت به يوماً، فأراد إضحاك الآخرين عليها قائلاً :
لها في وجهها عكنٌ ... وثلثا وجهها ذقن
وأسنانٌ كريشٍ البط ... بين أصولها عفن .
o     من الهجاء الغريب، هجاء النفس والغير كما عرفنا، إما تعابثاً أو تظرفاً جرياً وراء النادرة المسلية، أو الإنتقام لأنفسهم،
أبو دلامة يهجو نفسه ليضحك المهدي :
ألا أبلغ إليك أبو دلامة .. فليس من الكرامِ ولاكرامه
إذاً لبس العمامة كان قرداً ... وخنزيراً إذا نزع العمامة
جمعتَ دمامةً وجمعت لؤماً ... كذاك اللؤم تتبعهُ الدمامة
o     هناك من هجى الخلفاء وأخفى أسمه كالأبيات التالية :
أضاع الخلافة غش الوزير .. وفسق الإمام وجهل المشير
ففضلٌ وزيرٌ وبكر مشير ... يريدان مافيه حتف الأمير
وما ذاك إلاّ طريق غرور ... وشر المسالك طرق الغرور
وأعجب من ذا وذا أننا .. نبايع للطفل فينا الصغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع:
1ـ مذكرات مطبوعة للدكتور :عبد الكريم الهيتي.
2ـ كتاب اللغة العربية/المرحلة الثانوية للمملكة العربية السعودية.
*ابو هشام
29 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (1)    كن أول من يقيّم
 
المقدمــة الطللــية :
ارتبط الغزل في الشعر بالحديث إلى الأطلال ارتباط تلازم ، فالشاعر الجاهلي ما كان ليقف على الأطلال إلا ليتذكر ديار محبوبته التي خلت من سكانها ، ويتذكر أيام أنسه ولهوه .
المقدمة الطللية كانت تمثل دائماً انعكاساً لحالة من الحزن والأسى على فراق المحبوبة ، دخلت هذه المقدمة في نسيج الشعر الجاهلي ، وأصبحت تقليداً من تقاليد القصيدة الجاهلية ، وعلى الرغم من أن كثيراً من قصائد ومقطوعات المفضليات والأصمعيات والحماسة قد خلت من المقدمة الطللية ، فإن معظم القصائد الكبار ولاسيما المعلقات قد بدأت بها ، وسيطر هذا النهج على الشعر العربي بعد ذلك فيما يوضحه ابن قتيبة في نصه الشهير ، يقول: " وسمعت بعض أهل الأدب يذكر أن مقصّد القصيد ، إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدِّمن والآثار ، فبكى وشكا وخاطب الربع ، واستوقف الرفيق ، ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها ، إذا كانت نازلة العمد في الحلول والظعن خلاف نازلة المدر لانتقالهم من ماء إلى ماء وانتجاعهم الكلأ ، وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان ، ثم وصل ذلك بالنسيب ، فشكا شدة الوجد ، وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق ليميل نحوه القلوب ، ويصدف إليه الوجوه ، ويستدعي به إصغاء الأسماع إليه لأن التشبيب قريب من النفوس ، لائط بالقلوب ، لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء ، فليس يكاد أحد يخلو من أن يكون متعلقاً منه بسبب ، وضارباً فيه بسهم حلال أو حرام ، فإذا علم أنه قد استوثق من الإصغاء إليه ، والاستماع له ، عقب بإيجاب الحقوق ، فرحل في شعره ، وشكا شدة التعب والسهر وسرى الليل وحر الهجير وإنضاء الراحلة والبعير ، فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حق الرجاء ، وذمامة التأميل بدأ في المديح ، فبعثه على المكافأة ، وهزه للسماح ، وفضله على الأشباه " ( 2 )
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (2)    كن أول من يقيّم
 
وقد كانت محاولات التجديد بعد ذلك تمثل في أحد جوانبها خروجاً على هذا النهج الذي أوضحه ابن قتيبة ، والذي يعنينا هنا : أولاً مدى الارتباط بين المقدمة الطللية والغزل في الشعر الجاهلي ، ثانياً انتشار هذه المقدمة في الشعر ولاسيما في قصائده الكبار .
مما هو يسترعي الانتباه أن الأطلال لم تمثل موضوعاً مفضلاً للعذريين في العصر الأموي ، وعلى الرغم من أننا نجد في شعرهم بعض هذه المقدمات الطللية ، فإنها لا تمثل ظاهرة فيه ، ونجد عند بحث هذه المقدمة الطللية أن أغلب عناصرها مستمد من الشعر الجاهلي .
يقول جميل :
            ألم تسأل الربع الخلاء فينطق      وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

             بمختلف الأرواح بين سويقة      وأحدب كادت بعد عهدك تخلق

             أضرت بها النكباء يوما وليلة     ونفخ الصبا والوابل المتبعق
            وأنى يرد القول دار كأنها          لطول بلاها والتقادم مهرق
           وقفت بها حتى تجلت عمايتي     ومل الوقوف العنتريس المنوق
          وقال خليلي إن ذا لسفاهة           ألا تزجر القلب اللجوج فتلحق
            تعز وإن كانت عليك كريمة         لعلك من أسباب بثنة تعتق
            فقلت له إن البعاد يشوقني         وبعض بعاد البين والنأي أشوق ( 3 )
فجميل يبدأ بسؤال الربع الخالي الذي لا ينطِق ، وهو يتشكك في قدرته على النطق ، لذلك يطرح هذا التشكك في صيغة تساؤل ، وماذا يسأله ، إن الشاعر لا يقول، والإطلاق في هذا المقام له دلالته ، فالشاعر يسأل الأطلال عن محبوبته ، أين رحلت ؟ ومتى ؟ ثم يذكر بعد ذلك مكان هذه الأطلال التي تتعاورها الرياح ، والتي كادت بعد أن رحلت عنها المحبوبة أن تخلَق ، وفي البيت الثالث يتحدث عن الرياح والأمطار التي تهب عليها ، ثم بعد ذلك يقرر أن هذه الديار لن تردَّ على سؤاله ، هذه الديار التي يصفها هذا الوصف قد وقف بها الشاعر حتى انكشف ما به من ضلال ، وحتى ملّ الجمل الشديد الصلب ، ثم يدخل الشاعر عنصراً جديداً في المقدمة هو الخليل الذي يزجر الشاعر على هذه السفاهة التي يعيش فيها ، والذي يعزيه فيها ، وإن كانت عليه كريمة ، لكن الشاعر يرفض ، ويخبره أن بِعاد بثينة يشوقه ، وكما نرى في هذه المقدمة ، فإن عناصر المقدمة الطللية هي : التساؤل والحديث إلى الربع الخلاء ، الوقوف به ، الرياح والأمطار التي تهب عليها ، الخليل الذي يواسيه ويبعده ، هذه العناصر نفسها هي التي نجدها في مقدمة طللية لامرئ القيس الذي يقول في معلقته :
           قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل        بسقط اللوى بين الدخول فحومل
           فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها       لما نسجتها من جنوب وشمأل
          ترى بعر الآرام في عرصاتها            وقيعانها كأنه حب فلفل
          كأني غداة البين يوم تحملوا             لدى سمرات الحي ناقف حنظل
         وقوفاً بها صحبي على مطيهم            يقولون لا تهلِك أسىً وتجمل
         وإن شفائي عبرة إن سفحتها           وهل عند رسم دارس من معول ( 4 )
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (3)    كن أول من يقيّم
 
هنا نجد مقدمة امرئ القيس الطللية أكثر تماسكاً وترتيباً من مقدمة جميل بثينة ، رغم احتواء المقدمتين على العناصر نفسها ، لكنّ امرأ القيس يرسم صورة الطلل بتفصيل ، فهو يحدد مكانه في البيت الأول ، ثم يتحدث عن رياح الجنوب والشمال التي تهب عليه ، ثم يتحدث عن بعر الآرام التي تجوب أنحاءها ، وهذه الصورة قد أضافت حياة للطلل ، ووازنت بين الفراغ والموت في البيتين السابقين ، ثم الحياة التي تمثلها هذه الآرام في البيت الثالث ، ثم يدخل الشاعر في نسيج المقدمة حين يتحدث عن موقفه حين تحملوا ، وعدم قدرته على تحمل موقف الوداع، ويضيف الشاعر طرفاً آخر في المقدمة هو الصحب الذين يقولون له : لا تهلك أسىً وتجمَّلِ ، وهكذا .
فإذا قارنّا بين هيكل المقدمتين نجد تشابهاً واضحاً بينهما ، فالطلل والرياح والأمطار والصحاب ، ثم موقف هؤلاء الصحب من الشاعرين ، عناصر مشتركة ، لكنّ امرأ القيس كان أكثر تماسكاً في وصفه ، فضلاً عن بعض العناصر الأخرى،من مثل بعر الآرام التي يراها في أنحاء الدار ، أيضاً نجد عند جميل مثل هذه المقدمة في إحدى قصائده :
عرفت مصيف الحي والمتربعا   كما خط في الكف الكتاب المرجعا
           معارف أطلال لبثنة أصبحت        معارفها قفرا من الحي بلقعا ( 5 )
  وتشبيه الآثار التي انمحت بالخط القديم الذي روجع للقراءة فيه مرات كثيرة ، ليس جديداً ، فقد صوره أيضاً امرؤ القيس في قصيدة له ، لكن بتخصيص أكبر ، يقول :
        قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان      ورسم عفت آياته منذ أزمان
         أتت حجج بعدي عليها فأصبحت       لخط زبور في مصاحف رهبان ( 6 )
فالشاعر يمهد لهذا التشبيه في البيت الأول بقوله إن هذا الرسم قد عفت ملامحه منذ فترة طويلة ، وقد مرت عليه السنون من بعده ، فأصبح مثل خط الزبور في مصاحف الرهبان ، وهو خط كان ينمحي من كثرة قراءتهم له ، وامرؤ القيس في هذا التشبيه يحاول إضفاء قداسة على الأطلال بمقارنتها بصحائف الزبور التي يقرؤها الرهبان ، فهل كان (جميل) يقصِد القرآن حين تحدث عن الكتاب ، لا ندري على وجه الدقة دلالة الكتاب هنا .
والصورة نفسها نجدها عند زهير مع اختلاف في طريقة التعبير ، يقول :
       أمن أم أوفى دمنة لم تكلم     كحومانة الدراج فالمتثلم
         ودار لها بالرقمتين كأنها    مراجيع وشم في نواشر معصم ( 7 )
فالديار وبقاياها تماثل بقايا الوشم في المعصم .
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (4)    كن أول من يقيّم
 
ومن أكثر الشعراء الذين وقفوا على الأطلال في شعرهم " كُثيّر " فقد اتصل بالمجتمع السياسي في العصر الأموي ومدح الخلفاء ، لم يتفرغ للغزل مثل المجنون وجميل ، وإنما نجد ديوانه موزعاً بين أغراض متعددة ، يأخذ الغزل فيه جانباً كبيراً إلى جانب المديح والرثاء والوصف والهجاء ، ولعل هذا الاتصال بالحياة السياسية قد أثر على شكل القصيدة عنده ، فجاءت تقليدية في أغلب جوانبها ، ومثل الوقوف على الأطلال أحد هذه الجوانب التي تأثر فيها بالجاهليين ، ويؤكد هذه القضية أن كثيراً من المقدمات الطللية عنده وردت في قصائد مديح أو رثاء ، وهي تمثل القصائد الرسمية في بلاط الخلفاء الأمويين ، وأغلب عناصر هذه المقدمات جاهلية
         لعزة أطلال أبت أن تكلما                تهيج مغانيها الطروب المتيما
          كأن الرياح الذاريات عشية             بأطلالها ينسجن ريطا مسهما
         أبت وأبى وجدي لعزة إذ نأت           على عدواء الدار أن يتصرما
          لكن سقى صوب الربيع إذا أتى      على قلهي الدار والمتخيما
         بعاد من الوسمي لما تصوبت           عثاثين واديه على القعر ديما
         سقى الكدر فاللعباء فالبرق فالحمى    فلوذ الحصى من تعلمين فأظلما
        فأروى جنوب الدونكين فضاجعا         فدر فأبلى صادق الوبل أسحما
        تثج رواياه إذا الرعد زجها                 بشابة فالقهب المزاد المحد لما
        فأصبح من يرعى الحمى وجنوبه        بذي أفق مكاؤه قد ترنما
         ديار عفت من عزة الصيف بعدما       تجد عليهن الوشيع المثمما ( 8 )
الذي يسترعي الانتباه ههنا كثرة الأماكن التي يذكرها كُثير في شعره ،ومحاولته تتبع المطر في هذه الأماكن ،ووصفه له وصفاً مفصلاً ، فإذا علمنا أنها ظاهرة في شعره ، فقد تتبع المطر في إحدى القصائد في ثلاثين مكاناً ، أدركنا أنه أكثر إحساساً بالمكان من غيره من الشعراء العُذريين .
وكُثير عزة يستخدم نفس عناصر المقدمة الطللية من حديث إلى الأطلال التي تأبى أن تتكلم ، والرياح التي تتعاور عليها ، ثم الأمطار التي يفصلها في ستة أبيات ، يتتبعها في أماكن كثيرة ، ويذكر أحوالها المختلفة ، وهذا الولع بالحديث عن المطر عند كثيرٍ ربما لا نجد له مثيلاً في الشعر الجاهلي ، وإن صح هذا ، فإنه يُعد عنصراً جديداً يضيفه كُثير على المقدمة الطللية .
وهو يقول في مقدمة قصيدة أخرى يمدح بها عبد الملك ابن مروان :
         أأطلال دار من سعاد بيلين         وقفت بها وحشا كأن لم تدمن
         إلى تلعات الخرج غير رسمها         همائم هطال من الدلو مدجن
         عرفت لسعدي بعد عشرين حجة      بها درس نؤي في المحلة منحن
         قديم كوقف العاج تثبت حوله         مغارز أوتاد برضم موضن
          فلا تذكراه الحاجبية إنه               متى تذكراه الحاجبية يحزن ( 9 )
وكُثير في هذه المقدمة الطللية يبدو متكلفاً ، يعرِض للأطلال عرضاً تقليدياً ، وفي صورة لا نلمح شخصيته التي تبدت لنا في أماكن أخرى .
ويقول مرة أخرى :
          عفت عيقة من أهلها فجنوبها         فروضة حسنا قاعها فكثيبها
         منازل من أسماء لم يعف رسمها      رياح الثريا خلفة فضريبها
         تلوح بأطراف البضيع كأنها               كتاب زبور خط لونا عسيبها ( 10 )
والبيت الأخير هو تأثر ببيت امرئ القيس :
أتت حجج بعدي عليها فأصبحت   كخط زبور في مصاحف رهبان
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (5)    كن أول من يقيّم
 
أما المجنون وقيس بن ذريح ، فلا نكاد نجد عندهما مقدمات طللية .
هذه النصوص تؤكد هذا التأثر بالشعر الجاهلي ، فالعناصر الطللية مشتركة بينهما ، هذه العناصر المشتركة هي :
1 – وقوف على الأطلال .
2 – استنطاق للربع .
3 – صمت هذا الربع عن الجواب .
4 – خلاء الديار من أهلها .
5 – هبوب الرياح عليها .
6 – سقوط الأمطار .
7 – الخليلان .
8 – البكاء على هذه الأطلال .
لكن الطابع الشخصي هو الذي ماز كل شاعر من غيره ، كما مازهم من الجاهليين ، والطابع الشخصي تمثل في قوة إحساس الشاعر بهذه العناصر ،ومدى مزاوجته بينها وبين مشاعره الداخلية .
والحق أن الجاهليين كانوا أكثر تفصيلاً ودقة في وصف الأطلال عن العذريين ، كما كانوا أكثر إحساساً بالأطلال ، ربما لأنهم الذين أرسوا قواعد هذا الفـن .
ومن الجوانب الأخرى التي تأثر فيها العذريون بالجاهليين رؤيتهم للمرأة ، فالنموذج الجمالي الذي تحدث عنه الجاهليون في شعرهم ظل في عناصره الأساسية هو نموذج العذريين على خلاف في التفصيل والتركيز .
 
النموذج الجمالي للمرأة :
يتفاوت العذريون في وصف المرأة ، فنجد بعضهم يطيل في هذا الوصف ، المجنون وجميل مثلاً ، على حين يختصر آخرون مثل قيس بن ذريح ، وقد نجد عند أغلبهم محاولة للبحث عن الصفات النفسية عند المرأة ، وهو تطوير مهم في الشعر العذري ، قد نجد أصداء له في الشعر الجاهلي ، غير أنه لم يكن بهذا الاتساع والعمق مثلما كان عند العذريين ، وإذا حاولنا تتبع الملامح الجسدية للمرأة في الشعر العذري ، نجد المجنون يصفها بأنها :
         ومفروشة الخدين وردا مضرجا     إذا جمشته العين عاد بنفسجا 
         شكوت إليها طول ليلي بعبرة        فأبدت لنا بالغنج درا مفلجا
         فقلت لها مني علي بقبلة            أداوي بها قلبي فقالت تغنجا
        بليت بردف لست أسطيع حمله        يجاذب أعضائي إذا ما ترجرجا ( 11)
فهو يركز في هذه الأبيات على موضعين في جسد المرأة ، الخدود ، فيصفها بالورد المضرج دلالة شدة الاحمرار ، وقد يكون هذا الوصف مستهلكاً الآن ، لكنّا لا ندري على وجه اليقين مدى جدته في ذلك الزمن ، وأما الموضع الآخر ، فهو الأرداف ، وهي كما يقول ليست تستطيع حملها ، دلالة الثقل الشديد .
ويصفها في مكان آخر بقوله :
        منعمة لو قابل البدر وجهها      لكان له فضل مبين على البدر
       هلالية الأعلى مطلخة الذرا        مرجرجة السفلى مهفهفة الخصر
       مبتلة هيفاء مهضومة الحشا      موردة الخدين واضحة الثغر
        خدلجة الساقين بض بضيضة     مفلجة الأنياب مصقولة العمر ( 12 )
والوصف أكثر تفصيلاً ، وتتبعاً لمظان الجمال في جسد المرأة ، فالوجه مثل البدر ،والخدود مثل الورد ، والثغر واضح دليل الجمال ، وأنيابها مفلجة ؛ أي متباعدة ، وهذا أدعى لجمالها أيضاً ، ثم لحم ما بين أسنانها مصقول ، أما شعرها فأسود فاحم ، وخصرها مهفهف ، وبطنها نحيف ، وساقاها ممتلئتان ، وهي بض بضيضة . وإذا راجعنا الأبيات ، نجد أن المجنون يصف ثلاثة عشر موضعاً في جسدها في أربعة أبيات ، وهو وصف حسي دقيق ، عارضاً رؤيته للنموذج الجمالي الذي يفضله ، وهو نموذج لا يختلف في جوهره عن النموذج الجاهلي ، كما سنرى فيما بعد .
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (6)    كن أول من يقيّم
 
وأما جميل فيقول :
     حلت بثينة من قلبي بمنزلة         بين الجوانج لم ينزل بها أحد
     صادت فؤادي بعينيها ومبتسم      كأنه حين أبدته لنا برد
     عذب كأن ذكي المسك خالطه       والزنجبيل وماء المزن والشهد
     وجيد أدماء تحنوه إلى رشأ         أغن لم يتبعها مثله ولد
     رجراجة رخصة الأطراف ناعمة     تكاد من بدنها في البيت تنخضد
    خدل مخلخلها وعث مؤزرها          هيفاء لم يغدها بؤس ولا وبد
     هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة            تمت فليس يرى في خلقها أود
     نعم لحاف الفتى المقرور يجعلها       شعاره حين يخشى القر والصرد ( 13 )
لا يكاد جميل في هذه الأبيات ينفرد برؤية جمالية خاصة ، فهو يتحدث عن الفم الذي هو مثل البرد ، وعن العينين اللتين تصيدان الفؤاد ،والعنق الذي هو مثل عنق الظبية ، ويصفها بأنها بدينة ناعمة لا تكاد تتحرك في بيتها ، ويصف ساقيها بامتلاء ، ثم يصفها بأنها مرفهة ناعمة ، وهي هيفاء رشيقة حين نراها قادمة ، وهي ممتلئة ضخمة حين نراها مدبرة ، وأن هذا النموذج تام لا يرى في خلقه عوج ، ولنلحظ أن مواضع التركيز عند المجنون وجميل تكادان أن تتفقا ، بل إننا نجد بعض المعاني نفسها تتكرر عند كل منهما ، ولا تكاد رؤيته للمرأة في الأبيات التالية تختلف كثيرا ، يقول :

       وقامت تراءى بعد ما نام صحبتي       لنا وسواد الليل قد كاد يجلح

       بذي أشر كالأقحوان يزينه              ندى الطل إلا أنه هو أملح
        كأن الخزامى عالج في ثيابها          بعيد الكرى أو فأر مسك تذبح
       كأن الذي يبتزها من ثيابها             على رملة من عالج متبطح
      وبالمسك تأتيك الجنوب إذا جرت         لك الخير أم ريا بثينة تنفح
      من الخفرات البيض خود كأنها          إذا ما مشت شبرا من الأرض تنزح
      منعمة لو يدرج الذر بينها               وبين حواشي ثوبها ظل يجرح
      إذا ضربتها الريح في المرط أجفلت      مآكمها والريح في المرط أفضح
      ترى الزل يلعن الرياح إذا جرت         وبثنة إن هبت لها الريح تفرح
       إذا الزل حاذرن الرياح رأيتها            من العجب لولا خشية الله تمرح  (14 )
هناك نجد جميل لا يتحدث عن نفس المواضع التي اختار الحديث عنها في الأبيات السابقة : الأسنان ، الفم ، المسك الذي يخالطها ، امتلاء جسمها ، حياؤها ، هي منعة ، يصيبها الإعياء إذا ما مشت .
وهي عند كثير عزة :

        تبدت فصادته عشية بينها        وقد كشفت منها لبين ستورها

         بجيد كجيد الرئم حال تزينه      غرائر مسترخي العقاص يصورها
         تلوث إزار الخز منها برملة      رواح كساها هائل الترب مورها ( 15 )
فهذه المحبوبة قد صادته ، حين بانت بعنق مثل عنق الظباء ، هذا العنق محلى بزينة تزينه ، وشعر مسترخ يميل منة كثرته ، وهي أيضاً عنده :
       من الخفرات البيض ود جليسها       إذا ما انقضت أحدوثة لو تفيدها
       منعمة لم تلق بؤس معيشة           هي الخلد في الدنيا لمن يستفيدها ( 16 )
وهي أيضا :
       منعمة لو يدرج الذر بينها    وبين حواشي بردها كاد يجرح ( 17 )
وأما قيس بن ذريح ، فيصفها بقوله :
إذا عبتها شبهتها البدر طالعا       وحسبك من عيب لها شبه البدر

       لقد فضلت لبنى على الناس مثلما          على ألف شهر فضلت ليلة القدر

       إذا ما مشت شبرا من الأرض أرجفت       من البهر حتى ما تزيد على شبر
        لها كفل يرتج منها إذا مشت              ومتن كغصن البان مضطمر الخصر ( 18 )
 هذه النصوص ترسم صورة شديدة الوضوح للمرأة التي تغزل فيها العذريون ، وهي صورة تمثل نموذج الجمال كما تصوروه ، ولا يظن أن كل محبوبات الشعراء كن يتصفن بهذه الصفات المتشابهة ، مما نرجح معه أن هذا الوصف هو وصف للنموذج أكثر منه وصفاً واقعياً ، قد يفصل أحدهم أجزاءه ، وقد يجمل آخر ، غير أن المحصلة النهائية  هي هذا النموذج الجمالي ، أهم ملامح المرأة فيه أنها موسومة بالحسن ، بيضاء باكرها النعيم ، موردة الخدين ، واضحة الثغر ، عيناها تصيدان القلوب ، شعرها أسود ، خصرها أهيف ، أنيابها مفلجة ، وأسنانها مثل الأقحوان ، عنقها مثل عنق الظبية ، وهي ثقيلة الأعجاز لا تستطيع المشي بسهولة ، ثيابها معطرة ، وهي شديدة الحياء إن تتكلم تقصد .
صورة المرأة هنا غير مميزة ، تصلح أن تكون نموذجاً ، ليست فيها هذه الفروق النفسية والجسمية أيضتا ، وإنما نجد حشداً من الصفات يتناقله الشعراء في أبياتهم ، فلا تكاد تفرق بين بثينة وعزة ولبنى وليلى وغيرهن ، وربما كان السبب أن شعراءنا جزء من نسيج الشعر العربي الذي كان يحفِل بالمبالغة في الوصف ، المبالغة في الشجاعة والكرم والحب وسائر العلاقات ، والصفات التي وجدنا أصداءها في الشعر .
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (7)    كن أول من يقيّم
 
 ولا نستطيع أن نزعُم هنا أن صورة المرأة هي وجهة نظر الشاعر في حبيبته ، فأهم ما يطلب في وجهة النظر هذه أن تكون مميزة ؛ أي لا تشاكل غيرها ممن وجهات النظر ، فإذا ما وجدنا غير ذلك ، وإذا ما قرأنا الصفة هنا بأبعادها المختلفة ، ووجدناها تتكرر عند آخر ، ثم ثالث ، وهكذا ، فلا بد إذن أن نبحث عن النموذج الذي يربط كل هذه الأجزاء ، ولا بد أن يكون هناك معجم شعري يستقي منه الشعراء صورهم ؛ أي أنهم في هذا الجانب مقلدون يترسمون خطا من قبلهم ، وقد كان الجاهليون هم المعجم الذي أخذ منه العذريون صورهم عن المرأة ، وهي قضية لا يصعب التدليل عليها ، فالنماذج الجاهلية بين أيدينا ، وشعرهم عن المرأة كثير ، ويكفي أن نطالع المفضليات أو الأصمعيات ، أو ديوان الحماسة ، أو دواوين الشعراء الجاهليين لنرى هذا التوافق بين النموذجين ( 19 ) امرؤ القيس مثلاً من أكثر الشعراء الجاهليين تفصيلاً لصورة المرأة ، وصورة المرأة شهيرة في معلقته ، وهو في الجزء الخاص بمغامراته معها ، يفصل ملامح الجمال في المرأة كما يراه تفصيلاً شديداً ، فبعد أن يحكي لنا مغامرته معها ، وانتحاءه بها في مكان ناء ، يبدأ في وصفها ، فهي متعطرة ، يتضوع ريحها الذي هو مثل ريح الصبا ، وهي مهفهفة بيضاء ، ليست عظيمة البطن ، وهو عيب في المرأة ، وهي بِكر يشوب لونها الأبيض صُفرة ، ثم يصف خدها بأنه طويل سهل ، ثم عينيها بأنها مثل عيون البقر الوحشي ، وعنقها مثل عنق الرئم ، وشعرها أسود فاحم ، وخصرها لطيف دقيق ، هكذا كما نرى في بقية الأبيات .
والصورة شديدة الوضوح والتفصيل ، وهي تعبر في كل جوانبها عن نموذج المرأة المفضل لدى الجاهليين ، لأن البحث عن هذا النموذج في شعرهم نجده متوتراً بين الشعراء ، وإذا قارنا هذا النموذج الذي يفضله الجاهليون ، والنموذج الذي وصفه العذريون في البداية ، نجد أنهما يتشابهان في كثير من التفصيلات ، بل إنهما يكادان أن يتطابقا ، لولا اختلافُ التعبير عن هذا النموذج ، ونجد أيضا أبياتاً بنفسها مشتركة بينهما ، فهي عند كعب بن زهير :
هيفاء مقبلة ، عجزاء مدبرة     لا يشتكي قصر منها ولا طول ( 20 )
وعند جميل :
هيفاء مقبلة ، عجزاء مدبرة     تمت فليس يرى في خلقها أود ( 21 )
وجيدها عند امرء القيس :
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش         غذا هي نصته ولا بمعطل ( 22 )
وعند كثير :
بجيد كجيد الرئم حال تزينه       غدائر مستوفي العقاص يصورها ( 23 )
ونجد أن الزوايا التي كان ينظر منها الجاهليون إلى المرأة هي الزوايا نفسُها التي ينظر منها العذريون ، ومناطق الجمال نفسها التي أعجبت الجاهليين هي نفسها التي أعجبت العذريين ، وقد أدرك ذلك د. أحمد الحوفي في كتابه عن الغزل في العصر الجاهلي ، فقال: " صورت نموذج من الجمال من شعر العصر الجاهلي ، وأرى أن أعقبه بتصوير نموذج الجمال من الشعر الإسلامي ، وسيتبين أن النموذج لم يتغير ، وأن النظرة التي رسمت النموذج الأول هي النظرة نفسها التي رسمت الثاني ، وسيتبين أيضاً أن المرأة الجميلة في الإسلام – وقد تحضرت – لم تزد على المرأة في الجاهلية ، وقد آثرت أن أكثر من الاستدلال بشعر عمر ابن أبي ربيعة ، لأنه أستاذ عصره في البصر بجمال النساء . " ( 24 )
وهو وإن استشهد بشعر عمر بن أبي ربيعة ، فلأن عمر من أكثر الشعراء الأمويين وصفاً للمرأة ، لكن ذلك لا ينفي أن العذريين حينما وصفوا المرأة التي أحبوها ، إنما وصفوها بذات الصفات التي وصفها بها عمر ، والتي هي – من ناحية أخرى – امتداد للصفات والصورة والجمال التي رسمها لها الجاهليون .
*د يحيى
30 - يناير - 2009
المقدمة الطللية (8)    كن أول من يقيّم
 
تأثير الجاهليين في الصورة العذرية :
الصورة كانت أحد أهم الجوانب التي تأثر فيها العذريون بالجاهليين ، لا شك في أن الصورة تؤدي دوراً مهماً في البناء الشعري ، وطبيعة تكوينها من عناصر داخلة في هذا التكوين ، وعلاقات بين هذه العناصر ، ثم الأثر الذي تحدثه هذه الصورة ، وما يجاورها من صور تنبئ عن طبيعة العقلية المكونة ، أو عقلية الشاعر في هذا المقام ، ولا نستطيع أن نغفل أثر البيئة والعصر على الصورة الشعرية . فالقول باختلاف الصورة في الشعر الحديث عن الصورة في الشعر الجاهلي هو قول باختلاف البيئة والعصر من ناحية أخرى لا نستطيع أن نغفل أثر العصر في تكوين الصورة ، والعصر هنا يحدد التطور العقلي للإنسان في إطار ، والتطور العقلي يتأثر بثقافات العصر ، ونظرته إلى الكون ، ثم الطابع العام الذي يميز كل عصر عن سابقه ولاحـقه .
لا نستطيع أن نغفل دور التاريخ ، وأثره على الصورة الشعرية ، والتاريخ هنا هو تاريخ الصورة ، أو هو هذا التراث الشعري السابق على العصر ، وهو يمثل الجذور التي تعطي للصورة قوتها وحياتها ، والصورة العذرية كانت أسيرة هذا التاريخ في بعض جوانبها ، فلا شك في أن الصور الجاهلية قد أثرت تأثيراً كبيراً عليها ، وقد لانستطيع دراسة الصور الجاهلية دراسة تفصيلية ، بَيْدَ أن هناك سماتٍ عامةً تسم هذه الصور :
أولاً : الطابَع الحسي لهذه الصور ، والحسية التي نعنيها هنا هي وضوح أطراف الصورة ، واستطاعتنا تمييز هذه الأطراف بحواسنا ، فعندما يشبه الشاعر خد حبيبته بالورد ، نجد أطراف هذا التشبيه واضحة ، كما أننا نجدها ملموسة ، يستطيع الإنسان أن يراها ، ويمسك بها ، ويسمعها ، يقول سَلامة بن جَندل :
وعندنا قينة بيضاء ناعمة      مثل المهاة من الحور الخراعيب ( 25 )
أطراف الصورة هنا هي الأمة المغنية الناعمة ، والبقرة الوحشية الشابة الحسنة القوام الرخصة اللينة ، وهي صورة نستطيع دون مغالاة وسْمَها بالحسية .
ويقول ربيعة بن مقروم :

      بانت سعاد فأمسى القلب معمودا      وأخلفتك ابنة الحر المواعيدا

       كأنها ظبية بكر أطاع لها             من حومل تلعات الجو أو أودا ( 26 )
أطراف الصورة محبوبته " سعاد " و " الظبية البكر " ، و هي أطراف ملموسة مرئية في بيئة الشاعر .
ويقول المرار بن المنقذ :

         وإذا تضحك أبدى ضحكتها        أقحوانا قيدته ذا أشر

          لو تطعمت به شبهته             عسلاً شيب به ثلج خصر ( 27 )
يشبه الشاعر ثغر حبيبته بالعسل المخلوط بالثلج ، وهي أطراف حسية أيضاً .
ثانياً : المقاربة في التشبيه ، وهي نتيجة هذه الحسية التي توسم بها الصورة ، وقد وضع المرزوقي المقاربة في التشبيه باعتبارها أحدَ الأبواب التي يتألف منها عمود الشعر ، يقول: " إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصِحّته ، وجزالة اللفظ واستقامته ، والإصابة في الوصف ، والمقاربة في التشبيه ،  التحام أجزاء النظم والتئامها ، على تخير من لذيذ الوزن ، ومناسبة المستعار للمستعار له ، ومشاكلة اللفظ للمعنى ، وشدة اقتضائهما للقافية ، حتى لا منافرة بينهما ، فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر " ( 28 ) وهي تمثل علاقات أطراف الصورة ، وقد كانت هذه العلاقات قريبة ، بسيطة الإدراك ، وهي أثر من آثار العقلية القريبة قبل الإسلام ، فعندما يشبه الشاعر حبيبته بالبدر أو الشمس أو الدرة أو الرمح ، فإن علاقات هذه العناصر بالأصل واضحة ، وما يريد الشاعر التعبير عنه بهذا التشبيه لا غموض فيه ، وليس من قبيل الاستطراد هنا أن نذكر بصورة أبي تمام عن الخمر حين وصفها بأنها " جهمية الأوصاف " وما أثارته هذه الصورة من تعليقات النقاد القدماء ، وهي تمثل أثر العقلية العربية التي تطورت كثيراً في القرن الثالث والرابع ، أما في الشاعر الجاهلي فقد كان من السابق لأوانه أن تظهر مثل هذه الصورة .
ثالثاً : اعتماد الصور الجاهلية على البلاغة ولاسيما التشبيه ، وقد بلغ من قوة التشبيه أن عد أحد الأغراض التي يتألف منها الشعر بجانب المدح والرثاء والهجاء والنسيب والوصف ( 29 )
*د يحيى
30 - يناير - 2009
 1  2