كتاب الزّهـْرة ؛ لأبي بكر الصبهانيّ هذا البحث كنت قد ألقيته في مؤتمر في دمشق عن مساهمة الأصبهانيين في التراث العربي والإسلامي ، وذلك منذ أكثر من عشرين ، ومن ثمة نشر في اكثر من مجلة عربية ، ومنها مجلة المجمع بالعراق ، وفي اللسان العربي بالمغرب ؛ وأحببت إعادة نشره في منتدانا الحبيب هذا ... ***المؤلــــــف:- v كان يلقب بعصفور الشوك لنحافته، وصفرة لونه. v هو ابن الإمام داود الظاهري الذي ينسب إليه المذهب الظاهري. v قال الصفدي عنه : الإمام ابن الإمام، من أذكياء العالم. ***الكتــــــاب:- v كتاب الزهرة صنفة أبو لكر في شبابه، وجمع فيه أبياتاً في الغزل منها المقطّعات القصار، ومنها الأبيات المختارة من القصائد الطّوال. v في الكتاب مائة باب. كلّ باب منها في حال من أحوال الهوى والعشق. v وفي كلّ باب مائة بيت تتعلّق بكلّ حال من تلك الأحوال. v كتاب الزّهْرة مجموع أدب أتى فيه بكلّ غريبة ونادرة وشعر رائق... ( 1 ) يعد أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الأصبهاني، المعروف بالظاهري من أكابرعلما عصره وفقائهم وأذكيائهم، لعلوه في رتبة الأدب، وتصرّفه في اللغة، وتفننه في موارد المذاهب وقدرته على الإفتاء في سن مبكرة. ويكاد القدامى يجمعون على هذه الخصال، فقد ذكر الخطيب البغداد صفاته فقال : كان عالماً أدبياً، شاعراً ظريفاً، وقال عنه ابن خلكان : كان فقيهاً أديباً شاعراً ظريفاً، وكان يناظر أبا العباس بن سريج. وقال الصفدي : إنه من أذكياء العالم، وقال عنه الذهبي وكان من أذكياء زمانه. حفظ القرآن ملة سبع سنين، وقد أدى جلوسه للفتيا وهو في سن مبكرة إلى استصغاره، وقد حمل ذلك بعض حُساده على أن يدسوا إليه رجلاً يطلب منه أن يسأله عن حد السكر ما هو ؟ فأتاه الرجل فسأله عن حد السكر ومتى يكون الإنسان سكران ؟ فقال محمد : إذا عزبت عنه الهموم، وباح بسره المكتوم، فاستحسن ذلك منه، وعلم موضعه وقد نقلت المصادر التي تحدثت عنه أخباراً كثيرة تدل على قدرته في القضاء، وإحاطته بالعلوم. وقد نعته ابن الرومي الشاعر بفقيه العراق. فقد حكى أبو بكر بن أبي الدنيا أنه حضر مجلس محمد فجاءه رجل فدفع إليه رقعة فأخذها وتأملها طويلاً وظن تلامذته أنها مسألة فقلبها وكتب في ظهرها ودفعها فإذا الرجل علي بن العباس المعروف بابن الرومي الشاعر وإذا في الرقعة مكتوب : يا ابن داود يا فقيه العراق أفْتنـــا في قواتل الأحداق هل عليهنّ في الجروح قصاص أم مباح لهادم العشاق وإذا الجواب : كيف يفتيكم قتيلٌ صريعٌ بسهام الفراق والاشتياق وقتيل القلاق أحسن حالاً عند داود من قتيل الفراق وقد ورد الخبر والأبيات في تاريخ بغداد بشكل آخر واختلاف في ذكر الأبيات. لقد أجمعت المصادر على قدرته على الإفتاء، وتمكنه من المناظرة. وقد اشتهرت مناظراته مع ابن سريج القاضي. وأشار الخطيب إلى أن محمد بن ( 2 ) داود كان خصماً لأبي العباس بن سريج القاضي. وكانا يتناظران ويترادان في الكتب إلا أن هذه الخصومة لم تمنع ابن سريج من حزنه الشديد عند سماعه نبأ وفاة محمد بن داود حيث قال بعد أن نحى مخاده ومشاوره وجلس للتعزية : ما آسى إلا على تراب أكل لسان محمد بن داود، وذكر الصفدي أنه لما مات محمد جلس ابن سريج في عزائه وبكى وجلس على التراب وقال : ما آسى إلا على لسان أكله التراب من أبي بكر، ويحكى أنه لما بلغته وفاته كان يكتب شيئاً فألقى الكراسة من يده وقال : مات من كنت أحث نفسي وأجهدها على الاشتغال لمناظرته ومقاومته. أما اشتغاله في الحديث فقد نقل الخطيب حديثاً واحداً عنه ذكره أبو عبدالله نفطويه النحوي قال : دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه فقلت له : كيف تجدك ؟ فقال : حب من تعلم أورثني ما ترى! فقلت ما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه ؟ فقال : الاستمتاع على وجهين أحدهما النظر المباح، والثاني اللذة المحظورة. فأما النظر المباح فأورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة، فإنه منفي منها ما حدثني به أبي، حدثنا سويد بن سعيد. حدثنا علي بن مسهر عن أ[ي يحي القتات عن مجاهد عن أ[ي عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من عشق كتم وعف وصبر غفر الله له وأخله الجنة )) ووردت فيه بعض الخلافات في الرواية. ومن الغريب أن نجد في حياة هذا الرجل فتى حدثاً من أهل أصبهان كان يهواه ويعشقه حتى أصبح أمره عند معاصريهرمعروفاً. وقد نقلت كتب القدامى أخبار هذا العشق. فقد حدث الخطيب نقلاً عن أبي سعد الماليني عن الحسن بن إبراهيم الليثي قوله : كان محمد بن داود يميل إلى محمد بن جامع الصيدلاني وبسببه عمل كتاب الزهرة. وقال عنه الصفدي : كان محمد يهوىفتى حدثاً من أهل أًبهان يقال له محمد بن جامع، ويقال له ابن زخرف، وكان طاهراً في عشقه عفيفاً. ومن الغريب في حكايته أن محمد بن جامع كان ينفق على محمد بن داود، وما عرف فيما مضى من الزمان كما يقول الخطيب : معشوق ينفق على عاشق إلا هو. وقيل أن اسم هذا المعشوق وهب بن جامع العطار الصيدلاني. ومما يروى عن عفة حبه وطهارته ما رواه الصفدي أنه قال : دخل ابن جامع يوماً إلى الحمام وخرج فنظر في المرآة فأعجبه حسنه فغطى وجهه بمنديل وجاء إلى ( 3 ) محمد بن داود وهو على تلك الحالة فقال : ما هذا ؟ قال : نظرت في المرآة فأعجبني حسني فما أحببت أن يراه أحد قبلك، فغشى عليه، ولم يزل في حبه حتى قتله. ***وفاتــــــه : تنحصر وفاة صاحب ( الزهرة ) بين سنتي (296هـ) ست وتسعين ومائتين هجرية، و (297هـ) سبع وتسعين ومائتين هجرية. وقال الزركلي : توفي في بغداد مقتولاً. وفي تاريخ بغداد، والمنتظم، والسير ما يفيد موت أبي بكر الظاهري حتف أنفه، لا قتلاً ويجمع مترجموه على أن عمره أثنان وأربعون سنة. ***عنوان الكتاب : قال محقق الكتاب الأخ الدكتور الصديق العلاّقة إبراهيم السامرّائي في مقدمته لتحقيق هذا الكتاب 1 / 27 – 28 متحدثاً عن (( عنوان الكتاب )) هل هو بضم الزاي أم فتحها : (( لا بد لنا ونحن نقدم على هذا العمل من أن نشير إلى الاختلاف الذي أثير أو أشيع حول عنوان الكتاب (( الزهرة )) بضم الزاي أم فتحها. اننا لم نشاهد من ضبط اسم الكتاب بالضم ولكننا نستطيع أن نقول أن الفتح أصبح للأسباب التالية : 1. ذكر ياقوت : أن أحمد بن محمد بن فرج الجياني الأندلسي ألف كتابه المعروف بالحدائق للحكم المستنصر عارض فيه كتاب (( الزهرة )) لان داود، وواضح أن بين الكتابين ربطاً كما هو الربط بين الزهرة والحديقة. 2. إن استعمال لفظ الزهرة في الكتب استعمال معروف، وقد وجدنا في إيضاح المكنون أكثر من عشرين كتاباً، وهي تدل على معنى الزهرة بالفتح منها : أ- الزهرة المقطوف من فتح الرؤوف. ب- الزهرة النضير على الحوض المستدير. |