البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : الفلسفة والموسيقى    قيّم
التقييم :
( من قبل 5 أعضاء )
 ضياء  
22 - يناير - 2009
كان جان بول سارتر يعزف البيانو ، وكذلك نيتشه ، وكذلك بارث . للوهلة الأولى ، تبدو الموسيقى وكأنها نقيض الفلسفة لأنها تتجاهل الوعي وتقطع تواصل الأفكار . عندما يعزف الفيلسوف ، يكون قد ترك العالم ، وتوقف عن وصفه ومراقبته وتحليله . يكون قد تخلى عن مهمته الأسياسية في رصده له لأنه يصبح " مستغرقاً فيه " . تزج الموسيقى بالإنسان داخل العالم ليصبح الإنسان والعالم كتلة واحدة . أو تزجه بالأحرى داخل عالمها الخاص الذي تسيطر عليه بدون منازع . أن تكون موسيقاً فهذا يعني أن تكون عازفاً وأن لا تكتفي فقط بالاستماع إلى الموسيقى ، يعني أن تخرج من الوجود الواقعي بصورة قطعية تشبه حالة الإغماء ، إنما بدون إغماء ، بل على العكس ، لأنه لا يوجد نشاط إنساني يستدعي الحضور البديهي للفكر أعمق وأشد يقظة من عزف الموسيقى .
يبقى السؤال عن المحيط العائلي هام جداً . فالفلاسفة الثلاثة الذين نتحدث عنهم لديهم ما هو مشترك في محيطهم الأسري لأنهم تربوا جميعهم في عالم النساء ، لذلك ، فإنهم لا يتعبون من تفكيك هذا العالم وهم يعزفون الألحان الرومانسية . رصد العالم ووصفه : هو العمل الدؤوب واليومي والضروري ، وهو المزاوجة بين الإنسان وحياته . تفكيكه : هو الغزل والمغامرة والحرية .
 
(هذه الأفكار وما سيليها مستقاة من كتاب لفرنسوا نودلمان François Noudelmann بعنوان : " لمسة الفلاسفة " Le Toucher des philosophes صدر حديثاً عن دار غاليمارد )
 1  2  3  4  5 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
يا للسعادة !    كن أول من يقيّم
 
تعجبت كثيراً لرسالة وصلتني إلى بريدي منذ أيام مكتوبة بريشة شاعر قدير ترافقها مقطوعة موسيقية قصيرة جميلة وجديرة بكل الإعجاب والتقدير ودون أن أعرف في البداية هوية صاحب الرسالة . ثم فرحت وزال عني العجب عندما عرفت بأن الكلام والموسيقى يحملان توقيع صديقنا العزيز الأستاذ محمود الدمنهوري الذي يفاجئنا في كل إطلالة جديدة له بما يثير في نفوسنا ألواناً من الغبطة والدهشة أمام فصاحته وموهبته وطموحه . أشكرك يا أستاذ محمود على استجابتك بالمشاركة في هذا الملف الخاص جداً وأتمنى عليك المتابعة معنا ، فالأستاذ النويهي أخرج من جعبته بعض اليواقيت لينثرها ههنا على دروب الموسيقى وفي طيات صفحاتها . شكري لكما أيها العزيزان وبالتوفيق إن شاء الله .
*ضياء
19 - فبراير - 2009
تريستان وإيزولدة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أسطورة تريستان وإيزولدة ( Tristan et Yseult)

تنتمي هذه الحكاية إلى أساطير السلت أو الكلت ( Celtes ) وهم آريون من مجموعة الشعوب الهندو - أوروبية ، خرجوا من بوهيميا ، في تشيكيا الحالية ( La Bohême) واستوطنوا الشاطىء الغربي  للقارة الأوروبية المطل على المحيط الأطلسي من الشمال الفرنسي وحتى جنوب البرتغال وكذلك إيرلندة واسكتلندا وذلك في الفترة الممتدة بين القرن الثامن والقرن الثالث قبل الميلاد تحتوي هذه الأسطورة على عناصر يُحسب أنها تاريخية واقعية وأخرى خيالية ، وكانت قد راجت رواجاً كبيراً في القرون الوسطى على شكل ملحمة شعرية  وصلتنا  بروايات متعددة تختلف ببعض تفاصيلها ، أهمها ما كان قد كتبه شاعر ان من شعراء القرن الثاني عشر هما  بيرول Béroul النورماندي ، و Thomas D'Angleterre الإنجليزي .
 
ينبغي النظر إلى هذه الحكاية إذن بمفهوم العصر الذي صيغت فيه ، العصر المسكون بخيالات البطولات الخارقة والحب الرومانسي ، والذي كان قد بدأ يشعر بتناقض فكرتي العاطفة والواجب ، وبدأ يسعى لتفسير عاطفة الحب وتحديد مفهوم الواجب وأهمية ومكانة كل منهما في حياة البشر :
 

" تريستان " ابن ملك ، توفيت والدته بعد وضعه بدقائق ولذلك اختارت له اسم " الحزين " " تريستان " لأنها شعرت بدنو أجلها لحظة ولادته ، ولأن حياته ستكون كلها منذورة للتعاسة والشقاء بالرغم من أصله النبيل وجماله الساحر وقوته الخارقة . وقع " تريستان " الطفل تحت رحمة زوجة أبيه التي كانت تكرهه وتسعى للتخلص منه ، فما كان من خاله " مارك " إلا أن خبأه لدى أحد أصدقائه حفاظاً منه على حياته .
 
تعهد " مارك "  ( ملك منطقة البريتاني أرموريكان ) ابن أخته بالرعاية والاهتمام حتى كبر ، فجعله حينذاك ذراعه اليمنى ، وكان يعتمد عليه في المهمات الخطيرة ويعدّه لاستلام الحكم من بعده . لكن بقية أمراء المملكة رفضوا تعيينه كولي للعهد وألحوا على الملك بالزواج بغية إنجاب ولد من نسله المباشر ووقع الخيار على ابنة ملك إيرلندة " إيزولدة " الشقراء ، المعروفة بجمالها وقدرتها على صنع عقاقير لتخليص الجسم من السموم ، لكي تكون الزوجة المنشودة . بعد موافقة ملك إيرلندا ، أرسل " مارك " " تريستان " لإحضار العروس التي كانت قد شعرت بالحزن والخيبة لقبول أبيها تزويجها من ملك كبير السن ، لكن أمها صنعت لها شراباً من وصفة سحرية تعرفها وأوصتها بأن تشربه في ليلة العرس مع زوجها لكي يعقد الحب بين قلبيهما ، وقالت بأن مفعول هذا الشراب سوف يدوم ثلاث سنوات .
 
وبينما هما في طريق العودة ، وعلى ظهر السفينة ، يعطش " تريستان " فيشرب عن غير قصد من ذلك الشراب السحري ويسقي منه " إيزولدة " . للحال يشعر كل منهما بانجذاب خارق نحو الآخر ، وعاطفة جامحة تتملكهما دون أن يتمكنا من لجمها أو كبتها أو السيطرة عليها .
 
عندما يصلان إلى البريتاني ، موطن " تريستان " وخاله العريس ، وفي ليلة العرس ، تضع " إيزولدة " خادمتها مكانها في سرير الزوجية وتهرب مع " تريستان " إلى جهة مجهولة .
 
تثور ثائرة الملك ويتوعد بالانتقام لشرفه وقتل الحبيبين الفارين اللذين لم يجدا لهما من ملجأ على الأرض سوى الكهوف والمغاور والغابات الموحشة . ثم ، ذات ليلة ، وبعد ثلاث سنوات من البحث الدؤوب ، يعثر الملك " مارك " على ابن أخته وزوجته نائمين واحدهما بجانب الآخر في أحد الكهوف البعيدة ، يفصل بينهما سيف " تريستان " الذي كان مغروساً كالرمح في باطن التربة ، فيظن الملك " مارك " بأنها علامة الطهر ، ودليل على أنهما لم يتماسا ، ويندم على حمقه وتسرعه ويقرر العفو عنهما ، ويسارع بانتزاع سيف " تريستان وغرس سيفه مكانه ، ثم يضع خاتمه الخاص في إصبع " إيزولدة " النائمة ويغادر المكان دون أن يوقظهما من رقادهما .
 
عندما يستفيق الحبيبان ويشعران بهول ما حدث يندمان كل الندم على فعلتهما ويقرران الافتراق نهائياً للتكفير عن خطيئتهما وخيانتهما للملك " مارك " ، وتقرر " إيزولدة " العودة إلى زوجها ، وأما " تريستان " فيتزوج أميره من منطقة نائية تدعى " إيزولدة " ذات الأيادي البيضاء تشبه بجمالها " إيزولدة " الشقراء إلا أنها لا تمتلك قدراتها السحرية . وعبثاً حاولت ذات الأيادي البيضاء استمالة قلب " تريستان " الذي ظل مشغولاً بحب " إيزولدة " الشقراء رغم انقضاء مفعول الشراب السحري ومدته .
 
وذات يوم ، وفي إحدى المعارك ، جُرح " تريستان " بسيف مسموم ، ولم يكن بمقدور أحد من البشرعلاجه سوى حبيبته القديمة ، فأرسل يطلب منها أن تلاقيه إلى عرض البحر بينما هو في طريقه إليها ، وبأن تفرد له الأشرعة البيضاء كعلامة يمكنه رؤيتها من بعيد في حال وافقت على طلبه ، وإلا ، فلتفرد الأشرعة السوداء ...  " إيزولدة " الشقراء التي كانت لا تزال على حبه ، كانت قد أبحرت للحال لنجدته ، وبدون إبطاء ، وهي ترفع عالياً أشرعتها البيضاء ، لكن " إيزولدة " ذات الأيادي البيضاء أعلنت لزوجها ، بعد أن أكلت قلبها الغيرة ، بأن الأشرعة القادمة من البعيد مجللة بالسواد . لم يحتمل " تريستان " وقع ذلك الخبر القاتل الذي أوحى إليه بأنه قد فقد حب " إيزولدة " إلى الأبد ، فما كان منه إلا أن غرس السيف في قلبه وقضى على حياته .
 
وتقول الأسطورة بأن " إيزولدة " الشقراء ماتت حزناً بدورها على " تريستان " عندما سمعت بالنبأ ، وبأن الملك " مارك " استعاد جثتي الحبيبين وقام بدفنهما واحدهما بجانب الآخر وبما يليق بمكانتهما للتدليل على أن المجتمع البشري الذي يضيق أحياناً بقصص الحب ولا يستطيع إدخالها دائماً في حساباته المادية إلا أنه يعرف كيف يفتن بها ويقدرها حق قدرها .
 
 
*ضياء
19 - فبراير - 2009
فى نشوة الوصال     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
السيمفونية الكورالية.. للأشهر بيتهوفن ، وخاصةً الحركة الرابعة والتى فيها كان الإعجاز الفنى لبيهوفن والتصاعد النغمى مع الأصوات البشرية المتضرعة ونشيد الفرح ،الذى كان ختاماً فاتناً ورائداً ، للسيمفونية الخالدة .
 
الحركة الرابعة ،وكما أزعم ،هى الحاضة والدافعة والملهمة لفاجنر على التأليف الأوبرالى (شعر وموسيقى ومسرح وغناء) وتلاحم الموسيقى مع الصوت البشرى فى شدو بديع.
 
كانت الأسطورة التى قامت عليها هذه الأوبرا المذهلة  ،والتى قامت بسردها كاملة ،الأستاذة ضياء ،من الأساطير الجميلة والراقية .
 
بل لا أنسى ترجمة الدكتور ثروت عكاشة ..للمشهد الأخير،(المنظر الثالث من الفصل الثالث) .عندما تصل سفينة تحمل الملك مارك ،وكانت وصيفة إيزولدا قد حكت له عن وصفة الحب الذى أدى إلى عشق تريستان وإيزولدا ،وجاء الملك ليعفو عنهما ،غير أنه وجد تريستان قد مات ،وبجواره وقفت إيزولدا تنعيه بحزن شفيف .
 
 
على شفتيه الباسمتين ،
ترف أرق عذوبة،
وغرام جياش يسبح فى عينيه،
أترون معى ؟
أم خفى عليكم ياصحاب؟
إشراق ينجلى ،
يتلألأ،
يلمع تحت بريق النجم،
ويحلّق أعلا ..أعلا..
أترون معى؟
خفقان قلبه يعلو ببسالة،
بجلال يتسامى،
يطفو فوق الصدر.؟
والغبطة ناعمة،
تنحدر من شفته:
أنفاساً عذبة تخفق حانية.
 
ياصحابى القوا نظرة..
ألا ترون؟
ألا تحسّون؟
أم وحدى أسمع ؟
هذا اللحن.
ما اعجب !
ماأحنى ما فيه من الغبطة وهى تئن!
وتبوح بكل الأسرار!
وتوائم فى رقة ،
تطفو من جسده،
لتغوص إلى أعمق أعماقى،
ولتسموعالية،
فى أصداء غرام،
رنان حولى ،
وتعود تدوّى ،
حولى سابحة ،
أتراه أمواجا؟
أم نسمات من ريح عذبة؟
أم غيماً،
من عطر آسر،
ينتشر ويعلو،
ويدمدم حولى؟
أترانى أستنشق؟
أترانى أصغى ؟
أترانى أرشف؟
أم أغرق نفسى
فى الشذى الجذاب،
أتنسم آخر أنفاسى
 وسط الجيشان الصاخب،
فى رجع الصوت،
فى الرحب الممتدالشامل:
أنفاس الكون.
فلأغرق ،
فلأهوى  حتى الأعماق،
بلا وعى ،
فى نشوة الوصال الباهرة..
*عبدالرؤوف النويهى
20 - فبراير - 2009
ريتشارد فاغنر (1)    كن أول من يقيّم
 
ريتشارد فاغنر Richard Wagner ( لايبزغ 1813- البندقية 1883 ).
 
هو أحد عمالقة الموسيقى والمجدد الفعلي لفن الغناء الأوبرالي الذي تحولت الأوبرا تحت تأثيره من لون موسيقي إلى مسرح غنائي يحتوي على كل عناصر البناء المسرحي : الشعر ، الموسيقى ، التمثيل ، الديكور الفني .
 
كانت حياة فاغنر عاصفة وغنية بالتجارب ، انتقل فيها من وطن لأخر ، ومن مدينة لأخرى ، ومن امرأة لأخرى ، ومن قناعة لأخرى ، ومن صداقة لأخرى ، ومن عاطفة مدمرة لأخرى ، وكان كاتباً وشاعراً وفيلسوفاً وموسيقياً وعاشقاً ومناضلاً سياسياً وصديقاً مخلصاً وأباً رحوماً ... ، وكان يقوم بكل هذه الأدوار بإخلاص كبير وعاطفة جياشة قادت حياته منذ بدايتها وحتى نهايتها . وكانت موسيقى فاغنر انعكاساً لكل هذه التنوعات في شخصيته والتجارب التي عاشها في حياته وبحيث ارتبطت مؤلفاته الكثيرة بهذه التجارب وعبرت عنها مرحلة فمرحلة ، وما أوبرا " تريستان وإيزولدة " سوى مثال ساطع تتشابك فيه كل هذه الرغبات والتناقضات ويبدو فيها هذا النسيج العاطفي لشخصيته والذي يعكس رؤيته للحب والحياة والقيم والواجب ويعبر عن سطوة عاطفة الحب الخارقة ، التي لا تستطيع مقاومتها إرادة البشر ،  وبخلودها إلى ما بعد الموت .
 
كان فاغنر الولد الأخير لعائلة من تسعة أولاد ، توفي والده وهو لا يزال في شهره السادس فتزوجت أمه ممثلاً مسرحياً يظن فاغنر بأنه والده الحقيقي ( الغير الشرعي ) أحاطه بالكثير من الرعاية والاهتمام وغرس في نفسه حبه للمسرح . في البداية ، درس فاغنر الموسيقى والبيانو على مضض لأنه عكس نيتشه ، كان يحلم بأن يكون كاتباً كبيراً كشكسبير وليس موسيقياً . ثم درس الفلسفة وعلم الجماليات في الجامعة . في العام 1833 حصل على أول وظيفة له وهي المدير الفني لأوبرا مدينة فورتسبورغ وتزوج من الممثلة المسرحية مينا بلانر وكان زواجاً فاشلاً وعاصفاً على الصعيدين المادي والشخصي هاجر بعدها إلى لندن ومن ثم باريس هرباً من مدينيه وللبحث عن عمل ، وأثناء هربه وفي إلى لندن هبت عليهم عاصفة قوية وهم في عرض البحر ألهمته أوبريت " السفينة الشبح " أول عام هام في حياته على الصعيد الفني .
 
بعدها عاد إلى دريسدن عاصمة مقاطعة الساكس الألمانية (1840 ) حيث شغل منصب مدير الأوركسترا هناك وعقد صلات وثيقة مع " الفوضويين " وهم مجموعة ثورية كانت تنادي بالحريات السياسية المدنية وبوحدة الأمة الألمانية ، ثم اضطر لمغادرتها بعد اندلاع الثورة هناك وفشلها وسجن صديقه " باكونين " .
 
 
 
*ضياء
22 - فبراير - 2009
ريتشارد فاغنر (2 )    كن أول من يقيّم
 
النضوج في المنفى :
 
كانت فترة المنفى من أقسى الفترات التي عاشها في حياته حيث تراكمت عليه الديون وعانى من حالة زوجته ( الغير راضية عن أعماله ) التي أصيبت بانهيار عصبي حاد ، وعانى هو نفسه من طفح جلدي واضطر للتنقل عدة مرات بين باريس وزوريخ ولندن ، كما عانى من غربته عن الوسط الموسيقي الألماني . وكانت فترة من التشاؤم الكبير كان لقراءته لفيورباخ وشوبنهاور خلالها تأثيراً كبيراً على مجرى حياته ، لكن أفكاره كانت قد بدأت بالتبلور والنضوج ، كتب خلالها الدراسة النظرية التي سوف يؤسس عليها مجمل مدرسته الفنية والتي تنتقد الإضافات الصوتية الزخرفية والدور الكبير للفرقة الموسيقية في الأوبرا الإيطالية وتصفها بالاصطناعية ، والتي تسعى لإقامة وحدة صوتية متناغمة تنصهر فيها الموسيقى مع الكلام المغنّى ، الصوت مع آلة العزف ، في موضوع واحد وفكرة واحدة قائدة لروح العمل . ويحدد فاغنر بأن العمل الدرامي هو لقاء روحي بين الفنان والشعب الذي هو مصدر كل إلهام ، تماماً كما كان يحصل في اليونان القديمة حيث كان الشاعر يعبر عن ضمير الجماعة من خلال الصور والرموز ، وأن هذا التحالف الضمني الحميم بين الفنان وجمهوره هو ما يخلق الأعمال الخالدة .
 
وجد فاغنر في المسرح مثالاً يجمع بين الفنون المختلفة ( الشعر ، الموسيقى ، الغناء ، التمثيل ، الرسم والديكور ... ) بطريقة حميمة شديدة الالتصاق ، وبحيث أننا نستطيع استخدامه للتعبير عن أفعال إنسانية ، وبطريقة رمزية ، وبحيث تكون هذه الوسيلة صدى لصراع الإنسان مع قدره . وكان مؤلفه الشهير " حلقة نوبلنغ " ( L'Anneau de Nibelung) الذي استلهمه من أحد الأساطير الجرمانية ليتحدث من خلاله عن فاغنر الإنسان الذي هو أحياناً إشتراكياً ومرة فوضوياً ، وعن فاغنر المسيحي والآخر الوثني ، عن فاغنر المتشائم وفاغنر المتفائل ... وليصنع من هذه الملحمة ( مجموعة من أربع أوبريت ) وحدة متكاملة بالاعتماد على العودة إلى لازمة موحدة ( Refrain - Leitmitov ) تستعيد الفكرة باستمرار وتؤلف بين أجزاء العمل .
 
*ضياء
22 - فبراير - 2009
ريتشارد فاغنر (3 )    كن أول من يقيّم
 
الحب المستحيل :
 
 كان فاغنر قد التقى أثناء إقامته في زوريخ  بالزوجين وزندونك ، الزوجة المثقفة الكاتبة والشاعرة والزوج الثري المعجب أشد الإعجاب بموهبته الفنية والذي وضع تحت تصرفه منزلاً كان يملكه هناك . خلال تلك الفترة ، وقع فاغنر في حب الزوجة " ماتيلدا " التي كانت تبادله مشاعره تلك لكنها أبت أن تتخلى عن رباط الزوجية وحرصت على أن تكون علاقتها به " أفلاطونية " أي دون دنس . في غمرة هذه العاطفة المتوقدة والمستحيلة التي هزته في الصميم ، ( من 1852 وحتى 1858 ) وبالنظر إلى حكاية طفولته وحب والدته لزوجها الثاني الذي يظن بأنه ابنه الطبيعي وحياته الحزينة التي لا تعرف الاستقرار ، ولدت أوبرا " تريستان وإيزولدة " تلك الحكاية الخلابة ذات الأبعاد الرومانسية والعاطفة القوية والمواقف البطولية والدرامية التي لا تكف عن التصعد بوتيرة عالية تحبس الأنفاس ودون أن يكون هناك من حل واقعي ممكن إلا الموت . وليس فاغنر سوى تريستان نفسه من المهد إلى اللحد ، ينتقل من تناقض إلى آخر ، ومن تنافر إلى ضد . وكان قد ألف في تلك الفترة مجموعة من الألحان لأشعار من نظم ماتيلدا ، وهو لا زال متزوجاً من مينا فدب الخلاف بينهما من جديد ، ومن جديد ترك البيت مغادرا إلى البندقية ومن ثم إلى باريس ثم عاد إلى ألمانيا ، وهكذا حتى افترق عن زوجته نهائياً في العام 1862 لكنه ظل يساندها مادياً حتى موتها في العام 1866 . 
 
كان العام 1864 منعطفاً جديداً في حياة فاغنر حيث اعتلى الملك لويس الثاني البالغ من العمر ثمانية عشر ربيعاً عرش بافاريا وكان من أشد المعجبين بموسيقى فاغنر فأرسل يستدعيه إلى ميونخ بعد أن سدد عنه ديونه ووضع تحت تصرفه كل الإمكانيات المطلوبة التي تمكنه من تحقيق مسرحياته الغنائية ، وعين فون بولو Von BÜLOW مديراً فنياً للمسرح وهو زوج ابنة صديقه الذي ساعده كثيراً الموسيقار الشهير فرانز ليست . ومرة أخرى يقع فاغنر في غرام كوزيما ابنة Liszt وزوجة بولو والتي تصغره بأربع وعشرين سنة . تمخضت هذه العلاقة عن ولادة طفلة غير شرعية أسمياها " إيزولدة " واضطرته لأن يغادر ميونخ تحت ضغط الفضيحة وأعدائه السياسيين حتى أن الملك كان قد فكر بالتخلي عن العرش تحت ضغط الفضيحة ليحافظ على بقاء فاغنر في ميونخ ، لكن هذا الأخير ثناه عن عزمه ولم يرض بهذه التضحية . وبعد فترة جديدة من التشرد ، استقر في سويسرا ، ثم تبعته كوزيما إلى هناك بعد أن حصلت على الطلاق من زوجها ليتزوجا ولكي يعيش ولأول مرة ، حياة مستقرة وتنجب له بعدها بنتاً أخرى وولداً أسمياه " سيغفريد " كما الأوبرا التي تحمل اسمه (1870 ) والتي تعبر عن سنوات السعادة تلك .
 
*ضياء
23 - فبراير - 2009
موسيقىٌ لايسمع!!    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
قد لا أكون مبالغاً ..إذا رددتُ مايردده المؤرخون الموسيقيون ،أن لودفيج فان بيتهوفن (1770م-1827م) هو أعظم شخصية فى تاريخ الموسيقى .
 
لكن هذه الشخصية الإنعزالية ،قد تركت للعالم ،تراثاً موسيقياً رفيعاً،مازلنا ننهل منه ونستمتع به .
ما يغرينى بالحديث عن بيتهوفن ..أنه صار "الملطشة "لملحنى الأغاتى العربية ،أو من يُطلق عليهم اعتباطا "موسيقار".ولمجرد تلحين كلمات ..يُسمى الموسيقار فلان!!!
 
كان الموسيقار (محمد عبدالوهاب ) أول من قام "بلطش "الكثير من موسيقى بيتهوفن ،ونسبها لنفسه.وفى حينها ،أشار الدكتور /حسين فوزى،إلى هذه السرقات .
وتبعه الآخرون "الملحنون" فى هذ السبيل، بلاحياء أو خجل ،مادام هناك من يجهلون ،أفلا نأخذ من هنا وهناك ونصبح عباقرة!!أقصد  مساقرة جمع موسيقار ..وهذه من عندياتى .
 
الإنطوائية والإنعزالية التى سيطرت على حياة وشخصية بيتهوفن ،أفلح علماء النفس فى بحثها وإلقاء الضوء عليها ،وانتهوا إلى أنه شخص غير إجتماعى ،وسيىء التكيف ،وربما كانت طفولته الأولى، قد فرضت عليه هذا المنحى الإنعزالى الإنطوائى ،بل أنه لم يمد حبل التعامل مع الناس ،قليل الكلام ،دائم الترقب ،دقيق الملاحظة ،فلم يعرالآخرين إهتماماً ،ولم يسلك فى الحياة ،مسلك البشر العاديين .
كان منفرداً بذاته ،متفرداً بشخصيته ،وساءت علاقته النسائية ،ربما لغلاظة تصرفاته وجلافة طباعه  وحدة لسانه ،فباءت كل علاقته الغرامية بالفشل الذريع ، وعاش حياته وحيداً متعبداً فى صومعة إبداعه وفنه.
ولكننى أزعم أن عزلته هذه،كانت إعتزازاً بالإنسان الذى بداخله واحترامه لذاته وتقديراً لفنه. وربما الحادثة التى سبق أن رويتها فى حديث سابق تؤكد ذلك  ،بل فى تعنيفه لجوته وعدم التوقف لحين مرور الأسرة المالكة ..بل يقال أنه عنف جوته تعنيفاً قاسياً.. وقال له  :"لقد انتظرتك لأنى أمجدك وأحترمك على قدر ماتستحق.أما أنت فقد أضفيت على هؤلاء الآخرين من التكريم أكثر مما يستحقون."
 
ولم تكن إنعزاليته فى شبابه إلا جزءً استكملته الحياة بإصابته بالصمم فى وقت مبكر من نبوغه ،ففرضت عليه عزلة أشد وأقسى لرجل  كل إبداعه فى أُذنه وعقله وأصابعه.وبلغت ذروة الصمم ..فى 1802م.
 
وأذكر سطوراً من كتاب "بيتهوفن" لريتشارد فاجنر "موسيقىٌ لا يسمع! أيستطيع أحد أن يتصور رساماً أعمى؟ لقد سمعنا عن أعمى انكشف عنه الحجاب ،هو ترزياس الذى أتاح له إنعزاله عن عالم الظواهر أن يرى،بعين الباطن ،أساس الخلق كله.
وما أشبهه فى ذلك بالموسيقى الأصم ،الذى لم يعد ضجيج الحياة يعكر صفوه،فأصبح لا يستمع إلا إلى الإنسجام الباطن فيه،ويتحدث من الأعماق وحدها إلى عالم لم يعد لديه ما يقوله له بلسانه.وهكذا تتحرر العبقرية من كل القيود الخارجة عنها..........
إنه بيتهوفن عالم يمشى بين الناس ،إنه وجه العالم وماهيته،ساعياً فى الأرض على صورة إنسان!"
*عبدالرؤوف النويهى
23 - فبراير - 2009
ريتشارد فاغنر (4)    كن أول من يقيّم
 
خلاصة :
 
إذا كانت أفكار فاغنر الفلسفية قد راكمت تناقضات لم يتورع نيتشه عن إبرازها فلأنها كانت قد تطورت من عدمية مطلقة  (nihilisme ) إلى مرحلة التأكيد على إيمان عميق يشبه الإيمان المسيحي ، حتى ولو بقيت تحتفي بالملذات الأرضية ولذة الإرادة والامتناع الذاتي ، وذلك لأنها انعكاس لرحلة حياة غنية جداً ولتجربة عميقة على المستوى الذاتي الوجداني . وإذا كان فاغنر ، وبعد أن انتقد الأنظمة العسكرية والرأسمالية انتقل إلى انتقاد رجال الكهنوت والفلسفات المادية وأكد على خطر الخلط بين الأعراق ( التي تختلط بنتيجتها القيم ) وحيَّا نقاء العنصر الجرماني الذي سوف ينبعث من صلبه الإنسان الجديد ، مطوَّع الإنسانية ، فلأن كل هذه الأفكار ليست سوى صدى لعصره الذي عاش فيه . كان لكل هذا قد اتهم بالعنصرية والعداء للسامية اليهودية ، وكانت الإيديولوجيا النازية قد جعلت من هذه الأفكار الفلسفية  ومن موسيقى فاغنر التي كان جيش هتلر يمشي على إيقاعها واحدة من أهم ركائزها الدعائية . هذا كله يتجاوزه من بعيد لأن كل ما كان يطمح إليه من حيث شكل هذه الأفكار الانتقائية هو التبشير بعظمة الإنسان القادم ومحاولة انتزاعه من براثن التقليد ومن الظلم ومن تسلط الرأسمال ومن الكبرياء الفارغة .
 
لكن مشروعه الأكبر وما حققه خلال حياته كان بناء مسرح كبير استطاع أن يقدم فيه مسرحيته المعرفة لدى الفرنسيين باسم Tétralogie : وهي مجموعة أوبريت من تأليفه الكتابي استوحاها من أسطورة جرمانية قديمة هي L'Anneau Du Nibelung ألف موسيقاها بكاملها في بايروت Bayreuth وقدمها في العام 1876  مركبة ومصممة حول مجموعة من اللوازم الموسيقية التي ترتبط كل منها بشخصية من الشخصيات التي تتألف منها المسرحية وحيث تلعب الأوركسترا فيها دوراً مميزاً . وكان له المسرح الذي أراده بدعم وتشجيع الملك لويس الثاني والبارونة ماري فون شلينتز وبحيث تم جمع التبرعات من مختلف أنحاء الإمبراطورية لإتمام بناء ذلك المسرح الضخم الذي تم افتتاحه بحضور الإمبراطور غليوم الأول . كان ذلك المسرح واسعاً كما أراد فاغنر ، ولا بفصل بينه وبين الجمهور أية هوة وبحيث أن الأوركسترا كانت مخفية تماماً تحت المسرح .
 
من الناحية التقنية ، يبقى فاغنر من أكبر المصلحين في عالم الموسيقى لأنه خلق المسرح الغنائي بشكله الكامل والمعروف حالياً والذي هو عملية دمج بين عدة فنون ، كما أسلفنا ، وبحيث تشكل كل العناصر التي يتألف منها وحدة متكاملة تتوالى بدون تقطيع ، وبحيث أن الجمل الغنائية تبتعد نهائياً عن الأوبرا الكلاسيكية لأن المؤلف الواحد ( المسرحية الغنائية ) أصبحت دورة متكاملة وكأنها سمفونية عملاقة . للوصول إلى هذه الغاية قاد فاغنر مسألة التناغم والتوافق بين الكلام المغنى واللحن والعزف إلى حدوده القصوى وأعطى لللازمة بعداً جديداً كما وسَّع من حدود الإيقاع والأدوات الموسيقية  فبدا وكأنه قد اخترع لغة موسيقية خاصة به . كان فاغنر يطمح لبناء علاقة صلبة بين قناعاته وفنه ، كأنه الكاهن الجديد لدين جديد ، وقد عرضه هذا الطموح للكثير من الانتقادات ، لكنه جعله في الوقت نفسه واحداً من ممثلي الرومانسية الكبار . 
*ضياء
2 - مارس - 2009
سوناتا "ضوء القمر" لبيتهوفن:بيانو وليام كيمبف    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
سوناتا "ضوء القمر" لبيتهوفن:بيانو وليام كيمبف

الحركة الأولى


  
 
   

الحركة الثانية


   
 
 

الحركة الثالثة
*abdelhafid
16 - مارس - 2009
بين موسيقانا والموسيقى الغربية (1)    كن أول من يقيّم
 
 
أريد ، وقبل كل شيء ، أن أشكر الأستاذ عبد الحفيظ لإدراجه هذا العزف الرائع والمميز لسوناتا بيتهوفن في هذا الملف لأنه جعلنا على اتصال حسي مباشر وواقعي مع الموضوع الذي نتحدث عنه
 
كان الأستاذ ياسين الشيخ سليمان قد طرح في بداية مشوارنا مع هذا الموضوع السؤال التالي :
 
 
السلم الموسيقي ، هذا الذي يبدو وكأنه نشأ مع نشأة المخلوقات ، ما الذي جعله يختلف بين شرق وغرب؟ أهو تباين الفلسفات العقلية ، أم هو تباين العواطف والمشاعر والأحاسيس؟ أم هو كلاهما؟.
وسؤال أخير خطر لي ؛ لأن المشاركات تتحدث عن موسيقات موسيقيين غربيين : ما الذي يجعل من موسيقى شعب من الشعوب تنتشر وتعم لتصبح عالمية؟ ولماذا اشتهرت الموسيقى الأوروبية أو الغربية عموما بأنها عالمية ، في الوقت الذي ما زالت الموسيقى العربية ، مثلا ، تراوح مكانها؟ هل الشكل الفني للموسيقى هو السبب أم أن السبب تباين الثقافات والفلسفات بين العرب وغيرهم ، وهل هناك أسباب أخر؟ وشكرا لكم .
 
وكنت قد عثرت على بحث هام في مجلة حوار التي كانت تصدر في بيروت ( العدد السادس 1963كتبه الأستاذ : أحمد الجندي ، يخدم غرض هذا الملف تماماً ، رغم قدمه ، ويجيب على بعض هذه الأسئلة أقتطع منه الفقرات التالية :
 
بين موسيقانا والموسيقى الغربية
 
نحن كعرب نعيش اليوم في أزمة موسيقية : التاريخ الموسيقي الذي نضمه مشوش لأن مصادره الحديثة مشوشة مضطربة ، والتاريخ الذي ورثناه أيضاً مختلط مبعثر لو رجعنا إلى أساسه لأعجزنا إيجاده كاملاً . أما تاريخنا الحديث فينبع مما ينتجه عبد الوهاب صاحب المدرسة المصرية الحديثة ، وفي سوريا ولبنان يسيطر اللون الفيروزي الذي يقدمه لنا الأخوان رجباني ويلتقي معهما فيه وديع الصافي وغيره .

لا تصح المقارنة بين الموسيقى العربية والغربية من وجهة التطور ، لقد شرعنا مؤخراً في عملية التطوير على حين أن التطور قد تناول الموسيقى الغربية منذ عصر النهضة أو منذ باخ على وجه التحديد .
 
منشأ الموسيقى الغربية :
 
لقد تناول العلماء والفلاسفة الغربيون الموسيقى بالبحث واشهر من بحث في فلسفة الموسيقى هو شوبنهاور فكان أكثر العلماء والفلاسفة توفيقاً في تحليل فلسفة الموسيقى والكشف عن أسرارها الغامضة والتعمق في أغوارها لإدراك كنهها ومصادرها ، كما توفق لربط الفنون الجميلة كلها والموسيقى خاصة بالإرادة : أي إرادة الحياة .
 
يجعل شوبنهاور فلسفة العالم مرتبطة بالإرادة كما يجعل العقل والمنطق مرتبطين بها ، لأن العقل والمنطق وسيلتان تستخدمهما الإرادة في تنفيذ غايتها .والتعبير الفني سواء عن طريق الموسيقى أو اللغة هو توضيح عن إرادتنا ، ولن يستطيع هذا التعبير إلا الفن . ولكن الفنان يستعين من أجل التعبير بأشياء خارجة عن ذاته إلا في الموسيقى ، لأن أداة التعبير الموسيقي مادتها النغمة ، وهي داخلة في صلب الموسيقى وليست خارجة عنها . إن فنان البناء يستعين بالقواعد الهندسية والحجارة والشاعر يلجأ إلى الكلمات والأوزان ، لكن للموسيقى كما يرى شوبنهاور تفرداً واستفلالاً هو : عدم الاستعانة بما هو خارج عنها . ولذا سمى شوبنهاور الموسيقى بفن الفنون لأن الفنون الأخرى برأيه تعبر عن ظلال الإرادة أما الموسيقى فيجىء تعبيرها عن الأصل فوراً .
 
والموسيقى عند شوبنهاور وأصحاب الاختصاص جميعاً تتألف من عنصرين أساسيين هما : عنصر الهارموني أو التوافق وعنصر الميلودي أو اللحن . فالهارموني إنماهو عزف عدة أصوات في وقت واحد ولكن الأذن لا تسمع من هذه الأصوات المتعددة إلا صوتاً واحداً مركباً . هده الأصوات المركبة في صوت واحد ، أو هذه الطبقات اللحنية تبدأ بصوت فرعي هو أغلظ صوت ، ثم ترق وتصبح رفيعة شيئاً فشيئاً إلى أن تنتهي إلى أعلى وأرق الأصوات . فالصوت الأول الغليظ هو صوت الباص والصوت الرفيع الأخير العالي هو الميلودي . وقد أمكن لعلم الموسيقى ان يحصر الأصوات الفرعية بين الباص والميلودي ويحددها باثني عشر صوتاً ، بين كل صوت وآخر مسافة محدودة معلومة .
 
والمهم فيما تقدم أن شوبنهاور قد طبق المعنى الموسيقي الهارموني على نظرية التطور فجعل بدء الخليقة هو بدء النغمة أي الباص لأن الباص هو أصل التآلف الموسيقي ومبدؤه . وأعلى الأصوات الميلودي يمكن أن نقارنه بنهاية مرحلة التطور في الحياة ، أي الإنسان .
 
إن هذا العالم الموسيقي الذي يبدأ بالباص وينتهي بالميلودي يشتمل في داخله على أصوات جزئية هي أشبه عند شوبنهاور بهذه المخلوقات الثانوية التي تقع ما بين الأرض والإنسان . فهنالك الكتلة الأرضية ثم المعدن ثم النبات ثم الإنسان : وكذلك في العالم الموسيقي فإن الطبيعة تبدأ بطبقة الباص الصوتية ثم " التينور" ثم "الألطو" ثم "السوبرانو "، وهذا هو السلم الطبيعي للمادة الموسيقية .
 
 ويتبين أن رأي شوبنهاور فيه شيء من تكلف الفلاسفة ، إلا أنه مع هذا يعطينا فكرة صحيحة عن التدرج الصوتي للسلم الموسيقي الطبيعي ، وهو بالوقت نفسه يتضمن معنى التطور الذي يتناول كل شيء في الطبيعة .
 
*ضياء
17 - مارس - 2009
 1  2  3  4  5