تابع ... كن أول من يقيّم
*جهوده الأدبية واللغوية: امتاز الشافعي بالشعر كما امتاز بالفقه واللغة، وله أشعار كثيرة قد جُمعت في ديوان سُمّي بديوان الإمام الشافعي، وكان يكتب شعرًا في الرسائل التي كان يرسلها إلى أصدقائه، ومن أشعاره في بيان فضل القرآن والحديث وعلوم الدين: كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدّثنا وما سوى ذلك وساوس الشياطين وللشافعي نظم كثيرة تحتوي على الحكمة والمواعظ، وله أيضـًا كلام في الحقيقة، ومعادن دقيقة، فمن ذلك ما رواه سويد ـ رحمه الله ـ قال:"كان الشافعي جالسًا في مدينة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ دخل عليه رجل فقال:إني خائف من ذنوبي أن أقدِمَ على ربي، وليس لي عمل غير التوحيد. فقال له: يا مؤمن، لو أراد الله عز وجل أن يؤيّسك من المسامحة لديه، لما أحالك في مغفرة الذنوب عليه، حيث يقول: (ومن يغفر الذنوب إلا الله) ولو أراد عقوبتك في جهنم وتخليدك لما ألهمك معرفتك به وتوحيدك، ثم أنشد: إنْ كنتَ تغـدو في الذنــوبِ جَلــيدا وتخافُ في يوم ِالمَعادِ وَعيدا فلقدْ أتاكَ مــــن المهيــمن ِعفـــوُه وأباحَ مِن نِعَم ٍعلــيكَ مَـــزيدا لا تيأسنْ مِن لطفِ ربك في الحشى في بطــن أمـك مضغة ٌووليدا فبكى الرجل وأقبل على العبادة". وقال أيضـًا: تعصي الإلهَ وأنتَ تـُظهرُ حبَّه هذا مُحالٌ في القياس بديعُ لو كان حبُّك صادقـًا لأطعْـتـَه إن المحبَّ لمن يحبُّ مُطيعُ في كل يوم ٍ يَـبْـتـَديك بنعمةٍ منه وأنت لشكرِ ذاك مضيعُ وقد ألف كتبًا كثيرة منها: كتاب الأم المشهور، والرسالة، واختلاف الحديث، وجماع العلم، وإبطال الاستحسان، وأحكام القرآن، وبيان الفروض، وفضائل قريش، وغير ذلك. *من نصائحه: وله ـ رضي الله عنه ـ كلام كثير في الحكم منها قوله: خير الدنيا والآخرة في خمس خصال: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولباس التقوى، والثقة بالله تعالى في كل حال. * وفاته: دخل المزني على الشافعي في مرض موته، فقال له:" كيف أصبحتَ يا أستاذ؟". قال:"أصبحتُ من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقـًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله واردًا، ولسوء عملي ملاقيًا". ثم رمى بطرفه إلى السماء، واستعبر، وأنشد: إليك إلهَ الخلق ِأرفعُ رغبتي وإن كنتُ يا ذا المَنِّ والجود مُجرما و لما قسا قلبي وضاقت مذاهبـي جعلت الرجا مني لعفـوك سُلمـا تعاظمَني ذنبي فلما قرَنـْـتـُه بعفوك ربي صار عفوك أعظما وما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزلْ تجود وتعفو مِنـَّة وتكرّما ولولاك ما يقوى بإبليـس عابـدٌ فكيف و قد أغوى صفيك آدمـا؟ فيا ليت شعري هل أصير لجنـةٍ فأهنـا و إمـا للسعيـرِ فأندمـا و إني لآتي الذنب أعـرف قـدره وأعلـم أن الله يعفـو ويرحـمـا فإن تعف عنَّي تعف عن متمـردٍ ظلومٍ غشومٍ مـا يزايـل مأثمـا وإن تنتقـم منـي فلسـت بآيـسٍ ولو أدخلتُ نفسي بجرمي جهنمـا فجُرمي عظيمٌ من قديمٍ و حـادثٍ وعفوك يا ذا العفو أعلى وأجسمـا عسا من له الإحسان يغفر زلتـي ويستر أوزاري ومـا قـد تقدمـا وقد توفي ليلة الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومئتين، وعن أربع وخمسين سنة، وكانت وفاته بمصرَ، وفيها دُفن ـ رضي الله عنه، وأكرم مثواه ـ ، وقال محمد بن دريد في رثائه: ألم ترَ آثارَ ابن ِإدريسَ بعدَه دلائلها في المشكلاتِ لوامعُ طيب الله ثراه.. ----------------------------------------------------------------------------- (الخاتمة) من خلال بحثي بين ثنايا الكتب في أول تقرير أكتبه في حياتي، عرفتُ كم كان الشافعي إنسانـًا يهدف من وراء علمه وأدبه إلى إرضاء ربه، وأنه قد دخل قلوب الناس لما عُرف عنه من حسن الخلق، و ابتغاء وجه ربه في كل عمل يقوم به؛ لذا أحب أن أقتدي به، وأستحضر مراقبة ربي في كل قول وفعل، وهذه التجربة قد أفادتني كثيرًا في ديني ودنياي، وأتمنى أن تفيد كلَّ من يطلع على نتاجها من عبارات وأبيات، وأن ترضي القراء.. ------------------------------------------------------------------------- (المصادر والمراجع) الكتب: أ/ كتاب الروض الفائق في المواعظ والرقائق، للعلامة الشيخ شعيب بن سعد بن عبد الكافي، دار النشر: دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان، طـُبع سنة: 1417هـ ـ 1997م. ب/ ديوان الإمام الشافعي، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: سعد كريم الفقي، دار النشر: دار اليقين للنشر والتوزيع، طـُبع سنة: 1421هـ ـ 2000م. حـ/ كتاب طريقة المتقين(الجزء الثاني)، للشيخ عبد الرحمن بن محمد حافظ الأنصاري الشافعي، دار النشر: دار الغرير للطباعة والنشر، طـُبع سنة: 1358هـ . |