دولة الإمارات العربية المتحــدة وزراة التربية والتعليم والشباب منطقـة الشـارقـة التعـليـميــــــة تقرير لمادة اللغة العربية بعنوان: "مدرسة الشعر الجديد(الحر) في الإمارات" (الفصل الدراسي الثاني) كاتب التقرير: طماح الذؤابة الصف: الثاني عشر العلمي/2 السنة الدراسية :2006ـ2007م (المقدمة) قرأتُ ودُرِّستُ الشعر الانجليزي والشعر العربي. اطلعتُ على المدارس الشعرية و خصائصها، ولا يمكنني إنكار انبهاري بمدرسة الشعر الجديد وبقالبها المختلف عن الشعر العمودي والتقليدي، والتي ظهرتْ عقب المدرسة الرومانسية ، حيث كان من روادها: نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وآخرون، فحدق فضولي في القريب وإليه مد القضيب، ألا وهو الشعر الجديد في الإمارات، حيث لم يسبقْ لي أن قراتُ شعرًا حرًّا إماراتيًّا، كذلك زاد من فضولي قول الكاتب الفرنسي ألبيريس: "الشعر لا يسعى إلى تجميل الحس السليم المشترك بين البشر، بل إلى التغلغل في أسرار العالم المعجز، الفائق الطبيعة والفائق الواقعية". فألفيتُ أنه علي الاتجاه إلى البحث والتنقيب. فتطرقتُ في هذا التقري المتواضع إلى ذكر مفهوم الشعر الجديد، نشأته، مميزاته، رواده، وأمثلة عليه. _____________________________ *مفهومه: في مجال تطور موسيقى الشعر نلتقي بموجة جديدة في ركب الحداثة هي "موجة الشعر الجديد"، الذي لم يقتصر همّه على إعادة توزيع كمّ التفاعيل توزيعًا يخالف التوزيع التراثي، وإيجاد علاقات موسيقية للتفعيلة والقافية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى المضمون الذي يوظف الأساطير من أجل معالجة الواقع مهما كان منبت هذه الأساطير، ويتعامل مع الصورة والرموز، وإحياء دلالات الألفاظ وإيحاءاتها، والإيهام الملحمي، وتعدُّد الأصوات في جو درامي، والتوظيف البلاغي الحديث، وتعدد الرموز الدينية والشعبية والتاريخية، حيث يُعَد الشعر العربي الحر انعطافة شعرية لم يعرف الشعر العربي مثيلا لها في مسيرته من قبل ؛ ذلك أنه لم يتغيَّر على مستوى المضمون فحسب، بل على مستوى الشكل أيضـًا. وهذا ما لم يستطع الشعر العربي الرومانسي تحقيقه وإن مهَّد له. وهذا ما يدفع إلى اختيار هذا البحث الموسوم بـ (مفهوم الشعر عند رواد الشعر العربي الحر)،وهو مفهوم خلافي لأنه مرتبط بالإبداع والإبداع في تغيُّر مستمر. ولكل شاعر مفهومه الخاص الذي يختلف عن غيره. فليس هناك مقاييس ثابتة تحدد الشعر تحديدًا نهائيًّا ، فلكل فترة شعرها الخاص، ولكل بيئة شعرها المتميز، بل كل قصيدة تختلف عن غيرها لدى الشاعر الواحد. ومن ثم يبقى مفهوم الشعر نسبيًّا باختلاف المنطلقات والتصورات، فبعضهم يعرّفه انطلاقـًا من مصدره، وآخر انطلاقـًا من وظيفته ، وثالث من طبيعته، وقد يختلف اثنان في تحديد الشعر مع اتفاق المنطلق، ويقول شكلوفسكي: "إن عملا أدبيًّا يمكن أن يُعتـَبر نثرًا بالنسبة لكاتب بينما هو نص شعري بالنسبة لكاتب آخر" وهذا يعني أن البحث في هذا الباب لا ينتهي؛ ذلك أن المناهج تختلف من باحث إلى آخر، وكذلك زاوية النظر وفهم المادة. *نشأته: إن الشعر كواحد من الفنون الأدبية لا يمكن أن يكون في كل أحواله في منأى عن المتغيرات الحياتية، رغم الجدل القائم حول طبيعة الصلة بينهما. وهو ليس في واقعه سوى جدل حول الموقف الذي يعبر عنه الشاعر، والذي قد يتحدد من خلال وزن الأثر الفني الذي لا يكون ناجحًا إلا إذا عبر عن موقف له وزنه وقيمته. والموقف هو: الحالة الانفعالية الناتجة عن الجدل القائم بين الذات والموضوع، أي خلاصة معاناة الشاعرالوجدانية نتيجة معايشة الواقع المحيط به، فيحصل التفاعل بينه وبين المجتمع. وكذلك فالبعض يرى أن الحركة التجديدية التي بدأتْ في أعقاب الحرب العالمية الأولى حتى بداية الخمسينيات لم تتخلص من ترداد المعاني القديمة، فإذا استثنينا بعض شعراء الإمارات، كمبارك العقيلي ـ أحد شعراء دبي ـ لقلنا إن معظمه ترداد لمعنى واحد. وظل الشعر الخليجي على هذا النمط التقليدي ـ ولا يزال إلى الآن معظمه ـ حتى الخمسينيات من هذا القرن، ففي هذه المرحلة أخذت ملامح الهزة التجديدية تومض فيه، وتتألف فيه خجولة، تطالعنا في نتاج بعض الشعراء الشباب المنشورة في مختلف الصحف، حيث انطلق بعض الشعراء الشباب في طبع مجموعاتهم الشعرية، فتلقاها المتأدبون في الخليج والأقطار العربية بالترحيب والتقدير،لكن هذا الشعر الجديد أخذ يتأرجح بين الشكل القديم والجديد، وتكاد تكون الشكلية القديمة غالبة عليه. وعلينا أن لا نتردد عن القول بأن الهزة التجديدية التي نلمح مظاهرها في شعرنا الخليجي، قد تسربت عن طريق الترجمة، وعن طريق البعوث إلى الخارج. ولعل أول ديوان صدر في الإمارات فيما يختص بالشعر الجديد شكلا ومضمونـًا، هو ديوان "اغتراب في زمن مسلول" للشاعر عبد الله صقر أحمد سنة1973أو1974م. *عوامل ظهوره: ويتخذ التجديد الشعري أسبابه من اشتباك أصحابه بروح المعاصرة التي اكتسبوها من تعايشهم كتجار لؤلؤ مع فئات اجتماعية متنوعة، واكتسابهم ثقافة واسعة، وتنقـُّلهم بين البلاد العربية والأجنبية، وحضورهم المنتديات الأدبية، فنرى سلطان العويس ـ من خلال شعره ـ شاعرًا جوّالا يمتد أفق ترحاله من البرازيل إلى لبنان إلى البندقية، فالخليج. كذلك استجابة هؤلاء لأحداث العصر؛ فقد طرأت تغيرات على العالم بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص تتمثل في الصراع الذي كان قائمًا بين الشرق والغرب، والذي أدى إلى قيام حركات التحرير ، فأصبح الكثيرون يعجزون عن التعبير بالشكل الكلاسيكي في الشعر مما يجعلهم يتخذون منه موقفـًا معاديًا. *خصائصه ومميزاته: وربما قال البعض: إن شعر الإمارات يفقد الخصيصة التي تميزه عن غيره من شعر البيئة الخليجية، وإلى غياب الخصوصية المميزة لإبداع الإمارات الشعري بعد دراسة لكتاب"قصائد من الإمارات " الذي يمثـّل معظم الأصوات الموجودة. غير أنه سلـّم مبدئيًّا أن شعر الإمارات جزء من الشعر الخليجي؛ حيث أصبح رؤية إنسانية، وأصبح الشاعر إنسانـًا ذا رؤية فنية عالية تعززه خلفية ثقافية جامعة بين قديم الأدب وحديثه، وتياراته الفكرية. ويقول محمد العبد الله عن جماعة الحيرة: "فالقصيدة الإماراتية، وإن حافظتْ على الشكل العمودي، فقد رققت جماعة الحيرة هذا الشكل، وهذّبتْ ألفاظه، وخـَصّصت موضوعاته، وخلعتْ عليها الصبغة الذاتية الوجدانية لدرجة كادت معها تنشقّ عن هذا الشكل الرقيق إلى "قصيدة التفعيلة الجديدة". كذلك فإن القصيدة المعتمدة على التفعيلة تحتل المكانة الأسمى؛ لما للإيقاع من دور حيوي في بناء القصيدة، وبما يُبرز التلاحم العضوي بين معمارية القصيدة وشكلها البنائي اللغوي؛ فالكلمة في الشعر الجديد لا تقتصر على المعنى اللغوي أو التعبيري، بل تمثل وسيلة للتأثيرات الموسيقية، والإيقاعات الانسيابية السلسة التي تكثـّف الدَّلالة اللغوية وتعمّق الصلة بين الشاعر والقارئ. وثمة من يقول:"إن هناك ميزة أخرى نلاحظها في شعر شبابنا في الخليج، وهي أن قصائدهم لا يجمعها اتجاه أدبي معين، ولا تربطها روح واحدة، فهناك لمسات خفيفة من الرومانتيكية، والواقعية، والرمزية، وأخرى إنسانية، فهذه الاتجاهات أصداء لم يتأثر بها الشعراء، وما يزالون في دور الاستيعاب، والمطالعة، والتمثل لمدارس الفن ومذاهبه، فهي ليست من القوة و البروز بما يتيح لنا إظهارها في مذهب واحد". والغاية الآن الوقوف على بعض مظاهر البيئة، وقضايا المجتمع محليًّا، وتلمُّس البيئة الساحلية والغوصية، مع شيء من قضايا المجتمع وملامح همومه. |