البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : أصوات من العالم

 موضوع النقاش : مشروع حضاري    قيّم
التقييم :
( من قبل 8 أعضاء )
 د يحيى 
18 - يناير - 2009
مِن القِبلة
مَنْ أجدر  بمكة أن تكون لها هذه الكلمة كل عام، وهي التي تحتضن أعظم وأقدم وأخلد مؤتمر سنوي عالمي، يتوافد إليه الناس من كل جنس وعرق ولون؛ رجالاً وعلى كل ضامر، يأتين من كل فج عميق، منذ أذَّن فيهم بالحج إليها أبو الأنبياء إبراهيم، عليه السلام، " لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى" [الحج:28] ومَنْ غير مكة تستحق أن تكون القلب، وهي التي تضم أول بيت وضع للناس مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات،جعله الله حراماً ليكون للناس قياماً،
 
وليكون لهم مثابة وأمناً،يقيمون فيه مؤتمرهم السنويَّ،مخبتين إلى الله، متّحدين تحت لواء أصلهم الإنساني الواحد، متبرئين من كل ما يمكن أن يفرق بينهم من لون أو عرق أو لسان أو مال أو لباس، أو رياش؟!
ومَنْ غير المسلم يملك خطاباً إنسانياً شاملاً، مرتكزاً إلى قيم ربانيةٍ تهفو إليه الفِطر الإنسانية السليمة، لا يصدر عن شخصٍ مهما علت مكانته الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، ولا عن هيئة أو حزب أو سلطة مهما كانت صفتها محلية أو إقليمية أو دولية، إنما يصدر عن مؤتمر شعبي عالمي عريق راسخ لا يخضعُ لشيء من مؤثرات الزمان والمكان؟‍
حلم ما يزال يراودني منذ حجي الأول في سبعينات القرن الماضي، وسؤال عريض يلح عليّ كلما حلَّ موسم للحج وارتحل :
لمَ لا يحتل نبأ الحج الأكبر في وسائل الإعلام العالمية مساحة أكبر من خبر أداء أي طائفة منعزلة في العالم لطقوسها الدينية التقليدية؟‍!
وهل يحتشد ثلاثة ملايين مسلم كل عام في مكة، يُهرَعون إليها من كل أنحاء الأرض يتكبدون لها المشاق والمتاعب والنفقات، لأداء طقوسٍ تخصهم فقط، بمعزل عن القضايا الإنسانية الكبرى؟‍!
أهكذا كان حج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم خطب الناس فحرم دماءهم وأموالهم، ووضع عنهم ربا الجاهلية، وأوصاهم بالنساء خيراً، فتناولت خطبته أخطر جوانب حياتهم التشريعية والاقتصادية والاجتماعية؟‍
أليس في تجاهل المشكلات التي تعاني منها البشرية – ما كان منها متعلقاً مباشرة بالمسلمين، وما لم يكن له بهم علاقة مباشرة- بعداً عن مقاصد الحج التي قدم الله تعالى فيها شهود المنافع على ذكر اسمه، ونكوصاً عن أداء المَهَمة التي أناطها الله تعالى بالمسلمين، إذ جعلهم أمة وسطاً وأشهد عليهم الرسول ،صلى الله عليه وسلم؛ ليكونوا شهداء على الناس.
وهل تضاءلت المعاني الكبيرة للحج، والمثل العليا التي ينطوي عليها، والرموز السامية الرفيعة التي يحفل بها، لتقتصر على خبر عابر لا يحرك في المشهد الدولي ساكناً، ولا يبلِّغ رسالة الإسلام جاهلاً، ولا يصحح من ضلالات الإعلام العالمي خطأ، ولا يحقق للإسلام والمسلمين في المحافل الدولية حضوراً؟‍
وتتوالى مواسم الحج عاماً بعد عام، وتنفتح الثقافات الإنسانية على بعضها إثر ثورة الاتصالات العارمة التي أخذت تغمر العالم بالمعلومات، وتضعنا أحداث سبتمبر على تماس مباشر مع هذه الثقافات.. فيكبر السؤال:
ألم يأنِ أن يكون لنا منبرٌ نبلّغ منه رسالتنا ونوضّح قضيتنا، ونُصحّح المفاهيم المغلوطة عن ديننا؟‍
وهل غير الحج الأكبر يصلح لأن يكون هذا المنبر؟‍
يملؤني الشعور بأن أوان تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم أجمع – مَن أسلم نفسه منه لله ومن لم يسلم – قد آن، وأن هذه الندوة ،إن شاء الله تعالى ، ستكون المنبر، وأن موضوعها السنوي المتخذ- بشيء من التطوير- سيكون الرسالة.
لا شك في أن تحقيق هذا الحلم الطموح تعترضه صعوبات جمة.
فالناس المخاطبون، تختلف ألسنتهم وألوانهم وأمزجتهم ودياناتهم، ومستوياتهم العلمية، واهتماماتهم الثقافية، وخصائصهم البيئية..
لكن هذا الاختلاف لم يمنع الإسلام من أن يتوجه بخطابه إليهم جميعاً، وعّد هذا الاختلاف آية من آيات الله، ونعمة منَّ الله تعالى بها على عباده؛ وسيلة للتعارف والحوار والتفاعل والتكامل بين الأمم والثقافات، وطريقاً إجبارياً لنمو الفِكَر وارتقائها؛ تلبية لنهم الإنسان إلى الاستزادة من العلم والمعرفة، وبحثه الحثيث عن الحقيقة التي لا تنقدح بوارقها إلا بتعدد الفِكَر واحتكاك بعضها ببعض.
ولعل قدرة الخطاب القرآني الفذ على مخاطبة هذا التنوع الكبير أحد أسرار إعجازه، وسموه وارتفاعه فوق خصوصيات المكان والزمان والجنس واللسان.
وهكذا يجد المسلم نفسه ممتلكاً لأكثر أنواع الخطاب قدرة على النفاذ إلى قلوب جميع الناس، واستنهاض فِطَرهم السليمة، للقيام بسعي إنساني مشترك من أجل إقامة العدل ورفع الظلم وتحرير الإنسان من ربقة شهواته وأثرته، وذلك لباب واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أناطه الله تعالى بخير أمة أخرجت للناس.
و الحاج عندما يعود إلى بلده، بعد أدائه فريضةَ الحج، ونجاحه في أعمال دورته التدريبية المكثفة، يمنحه مجتمعه لقب (الحاج)، وهو درجة اجتماعية رفيعة، ترتب عليه التزامات أخلاقية كبيرة، فقد أصبح بعدها مسلماً ملتزماً مؤهلاً لا يليق به أن يغش أو يكذب أو يخلف الوعد أو يرتكب أياً من الموبقات بذريعة الجهل.
ومن تقاليد هذه الدرجة أن تُمنح للحاج فور عودته في استقبال حافل تنصب له الزينات وتضاءُ الأنوار، وتقدم الهدايا، وينصت الناس فيه إلى الحاج يحدثهم عن مشاهداته ومشاعره وما استفاده من دروس الحج، ويطلبون منه الدعاء لهم بالمغفرة والهداية.
فإذا عرفنا أن كل حاج يستقبل وسطياً مئة زائر في الأيام الأولى التالية لعودته، فضلاً عمن يلتقيهم طوال العام، وأن حجم الحجيج البالغ حالياً حوالي المليونين مرشح للزيادة أضعافاً،ذلك بأن الحج فريضة على كل مسلم مستطيع من المسلمين الذي جاوز عددهم المليار، يؤديها مرة في العمر على الأقل، بمعنى أن المستطيعين من هذا المليار، عليهم أن يؤدوا هذه الفريضة خلال فترة استطاعتهم ولتكن خمسين سنة.. عرفنا أي منبر نرتقيه، وأي جمهور نخاطب، وأي عدد يمكن أن نبلغه رسالة الحج بالبلاغ المباشر الحي عن طريق الحجاج، وبالبلاغ المنقول في الأثير عبر أجهزة الإعلام المتنوعة..
وعرفنا بعد ذلك أي تفريط بحق هذا المنبر نرتكبه في عدم توظيفه التوظيف الأمثل والأجدى..
وعرفنا كذلك أي مسؤولية نتحملها جراء تقصيرنا في تبليغ رسالة الله تعالى إلى الإنسانية الظمأى إليها، التي لم تكن في يوم من الأيام أحوج إليها من أيامها هذه التي تغرق فيها في بحر الأنانية المادية الشهوانية وضلالاتها، التي ابتعدت بها عن طريق الله، وأبطأت بها عن وتيرة الكدح الإنساني المرسوم للإنسان في سعيه للتحرر من الفساد وسفك الدماء {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق 84/6].
ونتحملها كذلك كتماناً للشهادة التي ائتُمنا عليها { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [ البقرة 2/283].
ونتحملها صمتاً مطبقاً إزاء الحملات الإعلامية المغرضة التي يشنها أعداء الإسلام عليه، يلبسون بها الحق بالباطل، ويستهدفون تشويه تعاليمه السمحة، وطمس حقائقه الناصعة؛{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [ الصف 61/8]. و { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [ النساء 4/148].
****
وبهذا المستوى من الشعور المشترك بمسؤولية الرسالة وأداء الأمانة ، أقترح على رابطة العالم الإسلامي مشروعاً ؛لتوظيف هذه الشعيرة الكبرى في خدمة الدعوة الإسلامية وقضايا المسلمين:
1- تختار الرابطة موضوع الحج السنوي، من القيم الإنسانية التي يتوجه بها الخطاب القرآني إلى الناس كافة، مما تجده ذا صلة وثيقة بأحداث العالم الجارية، وتشعر بحاجة الإنسانية للإصغاء إليه والتنبه له، وما أكثرَ هذه القيم التي يزخر بها الكتاب والسنة كالعدل والحرية والمساواة والسلم والأمن والمودة وحسن الجوار ورفع الظلم ومساعدة الضعيف وإطعام المسكين وعدم الإكراه في الدين والوفاء بالعهود وحرمة الدم والمال والوسطية والرشد والشورى، وما لا ينفَدُ من كلمات الله في كتابه المبين الذي لا تنقضي عجائبه ولا يَخْلَق من كثرة الرد، ولا يكف عن تزويد البشرية بكل الحلول لمشكلاتها المستجدة والمتجددة إلى قيام الساعة.
2- وتستنبط منه شعاراً رشيقاً يسهل على الناس حفظه.
3- وتستقي منه عنوانات لبحوث وندوات ومقالات وقصائد تستنفر لها العلماء والأدباء والمفكرين والشعراء.
4- وتنظم لها مسابقات، وتخصص لها جوائز لأفضل بحث، وأفضل قصيدة، وأفضل عمل فني مبتكر يجسّد الشعار المختار ويوضح فكرته.
5- ويعمَّم الموضوع والشعار على وسائل الإعلام وخطباء المساجد والملحقين الثقافيين؛ ليكون شغلهم الشاغل ومحور نشاطهم الثقافي والدعوي، يولِّدون منه الفِكَر وينمونه ويعمقونه.
6- وتكتب الرابطة إلى التجار والصناع تشجعهم على استخدامه وإبرازه على بضائعهم التي يعود بها الحجاج هدايا إلى بلدانهم..
7- ثم تصوغ الرابطة منه في كل عام رسالة توجهها بلغات مختلفة إلى العالم كله عبر وسائل الإعلام، باسم مؤتمر الحج الأكبر، تتضمن الموضوع المختار والشعار المنبثق عنه وتطبيقاته المرجوّة، وحرصَ المسلمين على المشاركة في معالجة الهموم الإنسانية، والإسهام في بناء الحضارة العالمية على تقوى من الله ورضوان؛ مما يمكن أن يشكل لهم حضوراً فعالاً في المنتدى الدولي، ويدفع بالإسلام إلى مرتبته التي يستحقها في المجال الدعوي.
8-كما تصوغ من الموضوع السنوي ذاتِه رسالة إلى الحجاج، تتسم بالبساطة حتى يفهمها أدناهم، وبالعمق حتى تستقر في ضمائرهم، وباليسر حتى يمكنهم تبليغها وتمثلها وتطبيقها. توجهها إليهم بكل لغاتهم؛ مسموعةً ومطبوعةً، وبكل الوسائل التي تجعل منها رسالة يعودون بها إلى أهليهم، يُطلب منهم تبليغها، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم،" فرب مبلَّغ أوعى من سامع"، وتكون مادة لحديثهم مع مستقبليهم متى عادوا إلى بلدانهم. وأغلب ظني أنها ستصبح حدثاً يؤرخ به الحاج حجه، فيقول: قد أديت حجي عام المساواة أو عام العدل أو عام الوفاء.
9-وتشكَّل في الرابطة دائرة للمتابعة، تؤجج الموضوع المختار في الداخل والخارج بكل الوسائل، لتجعله حياً طوال العام، حاضراً في ذاكرة العالم. أسوة بالموضوعات التي تتبناها سنوياً هيئة الأمم المتحدة فتجعل منها عاماً للمرأة وعاماً للطفل وعاماً للسياحة، وأعواماً أخرَ لأغراض شتى.
***وأخيراً، إذا قدر لاقتراحي هذا أن يلقى القبول ولو في حدوده الدنيا، وأن يأخذ طريقه إلى حيّز التطبيق ولو بالتدريج، على هيئة فسيلة تُتَعهَّد وتُنَمّى ، أو فلزة تشذَّب وتهذَّب وتُنقىّ وتصقل وتُعدَّل، فإني أطمع أن تكون سنة يكتب الله تعالى لي ولكم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وإن تكن الأخرى، فإني أسأل الله تعالى أن يقيض للمسلمين من يبتكر لهم خططاً أجدى وأكثر قابلية للتطبيق، تخرجهم من حالة العجز والكلالة والعيِّ التي يعانونها، وتبوئهم مكانتهم التي أعدهم الله تعالى لها ليكونوا " خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ".(آل عمران3/110).
وتعيد لمؤتمر الحج الأكبر هيبته العالمية، وجدارته بأن تُلقى من فوق منبره الفريد في العالم كلمة الملايين من المؤتمرين.
 
**** جزى الله خير الجزاء من اقترح.....
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
عــــامٌ للـــــعــــــــــــــدالـــــــــة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
بارك الله مسعاك دكتور يحيى
وإنّها لأفكارٌ نيِّرة، تستحقّ أنْ تُشَكَّلَ لها لجنة لدراستها وتطويرها والعمل على تنفيذها، وفي اقتراحك إشارة للهيئة التي تستطيع تبنّي هذه الأفكار، ولديها الحقّ في ذلك بحكم كونها المجمَع الذي يضم الدول الإسلامية،
تحية لك ولكل مفكر يسعى لخدمة هذه الأمة،
التي أُسِّسَتْ على التقوى من أول يوم، ولْيَكن العام المقبل عامًا للدعوة إلى إقامة (القِسْطِ أي العَدَالة) كما أرادها الله سبحانه وتعالى، عامًا لإنصاف كلِّ مظلوم، والتَّطَهُّـر من الجور على مستوى الأفراد والجماعات والأمة، وإعطاء كلّ ذي حق حقه، ومن ذلك الحرية والشورى والرعاية الواجبة للفقراء والمحتاجين من أموال الزكاة ومدخرات الدول والصدقات.. لنرى المحبة والترابط الاجتماعي..  قال الله تعالى: 
{لقد أرسلنا رسلنا بالبَيِّنَاتِ وأنزلنا معهم
الكِتَابَ والْمِيـزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بالقِسْطِ
وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله لقوي عزيز} 
 
*عبدالله الحذيفي
25 - يناير - 2009
أخي الفاضل الدكتور الحذيفي    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
أبا فائز العزيز : تحياتي لك واحترامي......
إن الثناء عليك نابع من فكرك ومفرداتك......
أشكر ( الوراق) الوارف الظلال الذي شرفني بك أخاً واعياً ، يسترعي انتباهه كل ما يخص أمته العربية الإسلامية.....
شرح الله صدرك ، ويسّر أمرك ، وبارك الله في بلدك وأهله ، وأكثر من نسلك وأمثالك ....
أخوك أبو بشار: يحيى مصري الحلبي.
*د يحيى
27 - يناير - 2009
أخي    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
بوركتم أخي اقتراحات رائعة أرجو أن تجد صداها لدى أصحاب القرار.
أمين
27 - مارس - 2009
الدين النصيحة : نصيحة طبيب إلى حافظ القرآن الكريم    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
                                             
                       بين الفقه والطب
    
          
            رسالة من الطبيب الدكتور: حسان شمسي باشا إلى طالب طب ..
 
 بعث إليّ طالب في السنة الأولى من كلية الطب يقول فيها " إنه يشعر بالفتور ويتهيب دراسة الطب وهو الذي حفظ القرآن كاملاً ؟! فقلت له :
لقد رضي الله عنك يا بنيّ إذ أدخلك كلية الطب ... ولقد منّ عليك بمهنة من أشرف المهن في الوجود
يقول الإمام الشافعي : " لولا اشتغالي بالفقه  وحاجة الناس لي فيه ، لاشتغلت بالطب " ..
فلماذا تشعر بالفتور والوجل ؟
يا بنيّ ، والله لو أنني متّ ألف مرة ، وعدت إلى الحياة ألف مرة ، وخيّرت بين كليات العالم أجمع .. لما اخترت سوى كلية الطب !!
فبسمة ترسمها على وجه مريض خير لك من الدنيا وما فيها ...
ولأن تصغي إلى مريض يبثك شكواه .. ثم تصف له العلاج الناجع بإذن الله تعالى ، لهو خير لك من مال الدنيا ونعيمها..
ولربّ دعوة في ظهر الغيب يرسلها إليك مريض – شفي بإذن الله تعالى على يديك – لأجدر بالإجابة من ملايين الدعوات ..
يا بنيّ .. لا تقل إن الطريق طويل .. وأنا ما زلت أحبو في أوله ..!!
ولا تقل إن الطب خضم عميق .. وأنا أتعثر على شاطئه .!!
فإذا دخلت مخابر كلية الطب فسبّح الله ..
وإذا سمعت عن آيات الله في جسم الإنسان فوحّد الله ..
وإذا نظرت إلى تكوين الإنسان فمجّد الله ..
وإذا قلّبت النظر في علوم التشريح والنسيج والجراثيم وغيرها ، فتذكر صنعة الخالق العظيم ..
فالطب محراب كوني بديع .. كل شيء في الوجود يسبح الله ... فكيف بهذا الإنسان الذي يقول عنه ربنا في محكم كتابه : " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " ؟.
وما هي إلا سنتان أو ثلاث حتى تدخل المستشفى طالباً.. يشكوالمرضى إلى الله ثم إليك أوجاعهم .. تسمع إليهم  تخفف عنهم ..تتبسم في وجوههم .. تمنحهم الأمل بالشفاء بإذن الله تعالى .. وفي كل ذلك خيرٌ عظيمٌ... تسمع دعوات المرضى تنهال عليك بالرضا والثناء من كل مكان ..وتسمع دعواتهم لوالديك .. فتزداد سعادة وحبوراً ..
  لقد قلت يوم أن كرّمتني الإثنينية قبل أكثر من عشر سنوات . " ووالله ما وصلت إلى ما أنا فيه إلا بثلاث : بتوفيق الله عز وجل أولاً .. وبرِضا الوالدين ثانياً .. وبدعوات المرضى لي ثالثاً " ..!!
فلماذا الفتور والوجَل يا بنيّ ؟
أتريد أن تهيم على وجهك فتعيشَ بين الحُفَر ؟ ألم تسمع قول الشاعر :
        ومَن يتهيَّبْ صعودَ الجبال**يعِش أبدَ الدهر بين الحفر
  وكيف تتهيب دراسة الطب .. وأنت قد حفظت القرآن كاملاً ؟ فمن  يحفظ القرآن في ريعان الشباب قادر بإذن الله تعالى على حفظ منهج الطب عن ظهر قلب ..!
ثم ألا تعلم أنك على ثغر من ثغور الإسلام ؟ ففي كل حرف تقرؤه في الطب ، وتنوي به مساعدة مريض على الشفاء بإذن الله تعالى أجر عظيم ..
ألم يقل مولانا جلّ في علاه : " ومَن أحياها فكأنما أحيا الناسَ جميعاً " ؟
فمن أنقذ مريضاً بإذن الله من المرض.. فكأنما أحيا ستة مليارات من البشر ..!!
ثم تقول لي إن دراسة الطب ليس فيها مزاح ؟!!
أقول : نعم .. وهل كتب على أمة الإسلام أن تعيش حياتها في التهريج والتمثيل والفن الهابط ؟
أجل يا بنيّ .. إن الأمة المسلمة لا تعرف العبث الماجن ولا المزاح الساخر .. ولا الفن الهابط ..
وهي لن ترقى إلا بشباب مثلك حفظوا القرآن ووعوه ، وطبقوا مااستطاعوا إليه سبيلاً.
ودرسوا الطب وبرّزوا فيه ..
حملوا القرآن بيد .. ومبضع الجراح .. أو سماعة الطبيب باليد الأخرى
فكانوا فرسان الطب في النهار ، عبّاداً لله في الليل والنهار ..!!
فسِر يا بنيّ على بركة الله .. استعذ بالله من وساوس الشيطان .. وانوِ في كل حرف تقرؤه في كلية الطب وجهَ الله تعالى ..
أخلِص النية في كل عمل ..وأتقِن كل ماتعمل .. تنقلبْ دراستك إلى عبادة خالصة لوجه الله تعالى .
أسأل الله العظيم أن يحفظك ويحفظ شباب المسلمين .. وأن يجعلك طبيباً مخلصاً لله تعالى في كل عمل .. وأن يتقبل منا خالص الأعمال .. والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.
 
 
 
 
*د يحيى
19 - أبريل - 2009