إبدال الهمزة في لهجة الإمارات يعد الإبدال أحد أوجه التغيرات اللغوية التي تصيب الكلمة العربية،وهو"إقامة حرف مكان حرف في موضعه،أو اتفاق الكلمتين في جميع الحروف عدا واحد ، مع تناسب المعنى بين اللفظتين، مثل:مدح ومده،وجذا وجثا، وأَرقت وهرقت"(1).وله شروط معينة وحالات ذكرها علماء اللغة وألفوا فيها كتبا عديدة..والإبدال-شأنه شأن الظواهر اللغوية الأخرى-يعتري لهجة الإمارات باعتبارها امتدادا للهجات العربية التي كانت سائدة في هذه الأنحاء قديما مثل لهجات قبائل الأزد وعبد القيس وتميم وبكر وتغلب وعقيل وغيرهم، ومن أوجه الإبدال ما يعتري الهمزة في لهجة الإمارات: أولا:إبدال الهمزة ألفا: أبدل العوام الهمزة ألفا في كلمات جاءت بها الهمزة متوسطة مثل:رأْس، فأل، كأس، بأس، فأس، سَوْأَة، فقالوا:راس،فال،كاس،باس،فاس،سْوَا.وهو موجود في لهجات العرب.(2) ثانيا: إبدال الهمزة عينا: هي ظاهرة لغوية قديمة تعرف بالعَنْعَنَة،وتنسب لقبيلة تميم، وكانوا من سكان ساحل الخليج العربي قديما،خاصة بني سعد بن زيد مناة بن تميم،وسوف نتحدث عنها بعد أن نورد بعضا من أمثلتها اللهجية،ونجد مثل هذه الأمثلة في حديث كبار السن من العوام، وهي ليست مقتصرة على لهجة معينة ،بل هي في أكثر اللهجات الموجودة، عدا بعض اللهجات التي لا تنطق فيها حرف العين مثل لهجات الشحوح والحبوس والظهوريين وأهل الرمس،فينطق بعض كبار السن الهمزة عينا في بعض الألفاظ،مثل:مسؤول:مسعول،قرآن:قرعان،أرنب:عرنب، من ذلك قولهم أيضا :عَيِل، وأصلها:أجَل،ثم أبدلوا الألف عينا فقالوا:عَجَل، وهي كذلك تَنطق في بعض لهجات الجزيرة العربية وبادية الشام،ثم نُطقت في الخليج العربي:عَيل،بإبدال الجيم ياء.(3)وفي البادية العربيةيقولون:جراعة ودناعة وفجعة ومسعلة وهيعة ،بدلا من جراءة ودناءة وفجأة ومسعلة وهيئة، وبعض القبائل تقول:أرع،وهو فعل أمر يقابل في الفصحى فعل الأمر"رِ" بمعنى :انظر(4)،ولا يزال بعض أهل الصعيد في مصر يقولون:لَعْ بدلا من لا، ومسعلة بدلا من مسألة(5)،كما يوجد مثل ذلك في شمال المغرب،فيقولون:تُخَبَّع ونشاع الله، أي:تخبّأ وإنشاء الله(6)، ويوجد مثل ذلك في بعض اللغات السامية كالتجرية،إحدى اللغات الحبشية ،فيقولون:عَربع بدلا من أربع(7)،ويقولون:حبع،عوضا عن:حبء أي:خبء.(8) وهي ظاهرة عُرفت عن العرب بالعنَعَنة، أي نطق"أن":عن.وهي نطق"أَن" المفتوحة الهمزة عينا سواء أكانت النون مشددة أم مخففة،يقول أبو زكريا الفراء أحد علماء النحو واللغة في الكوفة:"لغة قريش ومن جاورهم :أَنّ، وتميم وقيس وأسد ومن جاورهم يجعلون ألف أَنّ إذا كانت مفتوحة عينا،يقولون:أشهد عَنّك رسول الله.فإذا كسروا رجعوا إلى الألف".(9) وقد اختلف اللغويون في ضيق العنعنة واتساعها، فمنهم من ذهب إلى أنها كل همزة كيفما كان موقعها وضبطها، ومنهم من ذهب إلى أنها الهمزة المتحركة، ومنهم من ذهب إلى أنها الهمزة المبدوءة بها مفتوحة كانت أو مكسورة، ومنهم من ذهب إلى أنها همزة أنَّ وأنْ المفتوحتين.(10) وتفسير هذه الظاهرة الصوتية أن الانتقال من الهمزة إلى العين أو العكس يسوغه قرب مخرجيهما، فهما-كما يرى القدماء-صوتان حلقيان، الهمزة من أقصى الحلق،والعين من الحيّز الذي يليه وهو وسط الحلق(11)،وإن كان المحدثون يرون أن مخرج الهمزة هو الحنجرة، فحدث بينهما التبادل لقرب المخرج(12). ثالثا:إبدال الهمزة هاء: هي ظاهرة لغوية قديمة، غير مرتبطة بقبيلة عينها كالعنعنة، توجد في لهجة الإمارات في استعمالات عديدة،كما في قولهم على سبيل الاغراء او التحذير"هاالله هاالله" أي" آلله آلله"، وقولهم "هَمْبوْ" و"أمبو" أي" هنبو" و"أنبو" وهو اسم يطلق على نوعين من الفاكهة ، الأول ذوقشرة رقيقة خضراء حامضة الطعم لها نواة صلبة كبيرة مدورة، تصفرّ قشرتها ويتكون بها سائل حامض بين القشرة والنواة، يطلق عليها محليا "همبو أبو الحصا" ويكثر في المنطقة الشرقية،ويعرف بفاكهة الجاو، والنوع الثاني يطلق عليه في الساحل الغربي" همبو أبو الروان" وفي الساحل الشرقي" همبو أبو الزرار"، وهو فاكهة ذات نواة تشبه نواة المشمش تحت قشرتها سائل شديد اللزوجة ؛ إذا يبست قشرته طبخت وصفيت وشُرب ماؤها نفع من السعال المزمن، ويطلق عليها همبو في الشارقة وما جاورها ودبا وما جاورها، ويطلق عليها" امبو" في العين وما جاورها وضدنا وما جاورها، ومثل ذلك فاكهة المانجو التي هي في الأصل"أَنْبا" فتحولت إلى "هنبا" أو"همبا" وهي كذلك في أكثر لهجات الإمارات عدا العين التي لازالت فيها باقية على نفس الاسم "أمبا" ، ويطلق عليها البعض هناك أيضا:همبا،علما ان النون فيها قد تحولت إلى ميم .كما يقولون: هَمس، بدلا من: أَمس.كما يقولون"هيه"بدلا من"إيه" بمعنى:نعم. وفي لهجة الظهوريين فيأداة الاستفهام عن العاقل "مَنْ" يقولون"هُمَن" ، والهاء مبدلة من الألف الموجودة في لهجة ضدنا في الاستفهام نفسه"أَمَنْ" والتي حُذفت فصارت"مَنْ" في الفصحى.ومن قول بدو المنطقة الوسطى"هْياك" بدلا من"إيّاك" أي معك(13) وكما ذكرنا فهي ظاهرة عربية قديمة عرفها علماء اللغة، قال أبو الفتح عثمان بن جني، عالم اللغة المعروف في كتابه :سر صناعة الإعراب"قد أبدلت الهمزة من الهاء على ضربين، أحدهما أصل والآخر زائد، فالأصل نحو قولهم في إياك:هِياك...وأما إبدال الهاء من الهمزة الزائدة فقولهم في:أَرَقت:هَرقت.وفي: أَنَرت التراب:هَنرت(أي جعلت له علما)،وفي :أَرحت الدابة:هَرحت الدابة"(14). رابعا: إبدال الهمزة واوا: وهو عام في كل اللهجات العربية تقريبا لأنها تميل إلى التسهيل في نطق الهمزة،إلا في حالات قليلة مثل ورودها في أول الكلمة في اسم مشهور مثلا مثل:أحمد، أو مفردة مشهورة مثل:إسلام، إلا أن هذا لم يمنع أن تبدل في كلمات كثيرة وهي لهجة من لهجات العرب، ولم ينسبوها إلى قوم بعينهم، وفي لهجة الإمارات كلمات عديدة تندرج تحت هذه الظاهرة اللغوية، مثل" وكّد" اي " أكّد" و"ونّ" بدلا من "أنّ" من الأنين.و" ودّى " بدلا من "أدى" اذا استعملت لإيصال الشيء ، أما من أداء الحقوق فإنها تبقى على حالها.وكذلك توجد هذه الظاهرة في أغلب لهجات الجزيرة العربية كقولهم:واخيت، بدلا من:آخيت.وفي دولة الإمارات وبعض المناطق الأخرى تنطق بالقلب والإبدال معا، فيقال:خاويت، مقلوبة من:واخيت، المبدلة من: آخيت،ومن ذلك قولهم"وْياك" بعنى معك، وأصلها:إياك، أي أنت الذي أعني فكأنني معك بموافقتي رأيك(15).قال أبو الفتح عثمان بن جني"ومن ذلك قولهم:آخيتُ زيداً :واخيته. فهذه الواو بدلا من الهمزة لا محالة،ولا يجوز أن يكونا أصلين، مثل:أكّدتُ، و:وَكّدتُ ، وأَرّختُ ، و:وَرختُ، وذلك لأن لام الفعل من:واخيت، في الأصل إنما هي واو،لقولك:أخَوان وإخوة، وإنما انقلبت في :واخيت، كما انقلبت في:غازيت"(16). خامسا:إبدال الهمزة ياء: وهذا في باب تسهيل الهمزة كقولهم "سايل" بدلا من "سائل"، وقولهم في نبات الآس"ياس"، وذيب، بدلا من ذِئب.كما تُبدل الهمزة في آخر الفعل المضارع ياء مثل قولهم:يقري ويبدي، ويتوضي،بدلا من: يقرأ ويبدأ ويتوضأ.كما تبدل الهمزة في آخر الفعل الماضي المتصل بتاء الفاعل، فيقولون:بديت وقريت وتوضيت، بدلا من:بدأت وقرأت وتوضأت.وذلك له أمثلة في الفصحى، قال ابن جني"اعلم أن كل همزة سكنت وانكسر ما قبلها وأردتَ تخفيفها ،قلبتها ياء خالصة، تقول في ذِئْب:ذيب، وفي:بِئْر:بير...وقد أبدلوا الهمزة ياء لغير علة إلا طلبا للتخفيف، وذلك في قولهم: قرأْت:قريْت،وفي :بدأْت:بديت،وفي:توضّأت:توضيت"(17) (1)د.علي البواب:ظاهرة الإبدال اللغوي11. (2)ابن جني:سر صناعة الإعراب2/665. (3)ينظر:أحمد عبيد:لهجات الإمارات..مقدمات ودراسات165. (4)سلطان بن عبد الهادي السهلي:ظواهر في لهجات العرب الأواخر 191.شفيق الكمالي:الشعر عند البدو120. (5)د.ضاحي عبدالباقي:لغة تميم..دراسة تاريخية وصفية2006. (6)د.عبد المنعم سيد عبد العال:لهجة شمال المغرب..تطوان وما حولها73. (7)د.ضاحي عبد الباقي:لغة تميم 97. (8)غالب فاضل المطلبي:لهجة قبيلة تميم89. (9)ابن منظور:لسان العرب"عنن". (10)ينظر:د.ضاحي عبد الباقي:لغة تميم86-95. (11)سيبويه:كتاب سيبويه4/433.ابن جني:سر صناعة الإعراب1/46 ،47. (12)د.محمود السعران:علم اللغة171. (13)ينظر: أحمد عبيد: لهجات الإمارات 165 ،166. (14)ابن جني:سر صناعة الإعراب2/551، 554. (15)أحمد عبيد:لهجات الإمارات166. (16)ابن جني:سر صناعة الإعراب2/574. (17)المصدر نفسه2/738، 739. |