ألف باء كن أول من يقيّم
كتاب ( ألف باء ) للبلوي موسوعة معرفية ضخمة وهو أشبه بالمعجم وأثبت فيه مؤلفه أن اللسان العربي عجب من عجائب الله . وقد وضع كتابه هذا لابنه ومن قام مقامه ليكون ذخرا له بعد وفاته ؛ فالخلق للموت وإن طال العمر. والتأليف عند البلوي لا يعدو جمعَ المفرَّق واختصارَ المطوَّل وترتيبَ المنثور وإضافة الجديد، وكان يرى نفسه دون مستوى التأليف ويجعل همه جمع المعرفة وحسب ، ولكنه اكتشف فداحة وهمه فقال لابنه وهو يعظه : " إنه من حكى قول الناس فما عليه من باس ، وقد كنت أظن أن التأليف يصعب فإذا هو أسهل شيء وأقرب ، خذ كلام الناس من هنا وضعه هنا وقل مؤلفه أنا " فكان أن ألف الكتاب ، وأخذ الكتاب شكل القصص فقد التزم البلوي نقل القصص وتحرَّر في الإضافة عليها والزيادة في معانيها وحبس أنفاس القارئ عند مواقف يتلهف القارئ لمعرفة ما بعدها ، كما كانت شهرزاد - نديمة ألف ليلة وليلة - تسكت في الصباح عن الكلام المباح وتترك قصتها ناقصة لتشويق شهريارالمتلقي لحكاياتها ، كذلك ترك البلوي قصصه في ألف باء مبتورة ليكملها في كتابه " التكميل " . والكتاب نفسه ولد من قصتين : القصة الأولى بطلها الصبي النهم للعلم الذي يجلس في حلقة الدرس صامتا يجمع العلم ويرى نفسه دون مستوى التأليف ، والقصة الثانية بطلها الشيخ الذي يمضي به العمر، فأراد مبادرة الفناء بإخراج كنـزه المعرفي إلى النور . لقد كان البلوي إذن واسطة حاكمة بين ابنه والمعرفة ، كما كان واعياً للفروق بين الأنواع المختلفة للقصص فتميز أسلوبه بنهج التأريخ في سرد الحكايات والأخبار. وإذا كان للقصص غاية ، فإن غاية كتاب (الف باء ) النصح والتوجيه لجيل الأبناء في كل عصر وليس في عصر البلوي وحده . وبالله التوفيق . |