قسوة الأحداث أفظع من أن نتحدث عن الأمن الإنساني...فمتى ستتوافر فرصة في أرض فلسطين ولأهل فلسطين ليعيش كن أول من يقيّم
مقال للأمير الحسن بن طلال حول أحداث غزة لم تكن أحداث غزة مفاجئة، ولكنها كانت صدمة قوية حين طالعتنا المحطات التلفزيونية بما جرح قلبي، وأدمى مشاعر ملايين الناس حول العالم. ليس سهلا أن تقرر مشاعرك، وأن تحدد أفكارك وأنت تقف أمام هذه المشاهد، وكثرة الضحايا، وأكداس أشلاء القتلى من المدنيين المحاصرين في غزة. أنا ومثلي الملايين ندعو إلى الوقف الفوري لهذا العنف غير المسوَّغ، ولآلة الحرب التي تُزجّ في هذا المشهد الدامي. وأحسب أنني لا أتكلم نيابة عن عرب أو مسلمين أو مسيحيين، وإنما أتكلم بلسان كل من يحمل مشاعر إنسانية، ورغبة في مستقبل أفضل لهذا العالم. إن استعمال القوة المفرطة والأسلحة الفتاكة بعد حصار طويل لقطاع غزة بسكانه جميعا، من مدنيين رجال ونساء وأطفال، لن يُفضي إلى حلّ، ولن يعطي صورة مخيفة رادعة. وفي مقابل ذلك فإنه سيستدعي ردود فعل متطرفة ليست في صالح أحد. وأحسب أن أمن إسرائيل يتأثر بكل اهتزازة في المشهد. إن ضربة مثل هذه لقطاع غزة قد توظّف لغايات سياسية مؤقتة، ولكنها لا تُخفي تبعاتها السلبية الأوسع على المستويات جميعها، وهي تأخذ عملية السلام إلى نقطة مجهولة، كلّما تضاعف عدد الضحايا، بين قتلى وجرحى ويتامى وأيامى، علماً بأن مبادرة السلام لا يمكن أن تقوم باستقطاب متعمّد للكراهية باسم الدين والقومية، أياً كانت وأينما كانت. وإذا كنا نؤمن بقسمة الضرر على طرفي المعادلة من فلسطينيين وإسرائيليين، فإن ذلك ينسحب على كل فريق وكل مجموعة داخل كل طرف، فالخسارات تتوزع على الجميع، ولا ينأى أحد بنفسه عن آلامها. وبالنظر إلى شركائنا في الإنسانية عبر هذا العالم، فإن أسئلةً ستطفو على سطح أفكارنا حول مدى استمرارية العالم في تقبّل أنصاف الحقائق وازدواجية المعايير، وحول قدرته على المحافظة على الحياد تجاه المدنيين والأبرياء وهم يُقتلون. وإن التفريق بين الفعل ورد الفعل في هذه القضية ليس ذا أهمية، وبخاصة حين تكون معادلة القوة غير متساوية، فالأفعال ينبغي أن تضع في اعتبارها أنها تتعاطى مع البشر، وردود الأفعال ينبغي أن تكون مناسبة لما تترتب عليه. وأرغب في أن أشير هنا إلى أن المشكلة ليست في من يحكم في غزة، فهنالك مدنيون يتعرضون للاستهداف بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة، وذلك أمر مستهجن في عُرف الإنسانية والشرعية الدولية منذ عقود، وهذا يستدعي عندي ألا أنسى التزامي الأساسي بفكرة الأمن الإنساني، ولكنّ قسوة الأحداث أفظع من أن نتحدث عن الأمن الإنساني، إلا في حدود ما يخصّالخطر المحدق بحياة مئات الآلاف من الناس في غزة. وختاماً فإننا بين عيدين لمسيحيي العالم ومسلميه، وهي فرصة لنفكر في استلهام أصداء السلام في أرض حملت رسالة السلام إلى العالم كله، فمتى ستتوافر فرصة في أرض فلسطين ولأهل فلسطين ليعيشوا أعياداً بلا دماء؟ ___________________ رئيس شرف منظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام 6254F9DF2753.htm |