البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : الفرق بين التفسير والتأويل    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 محمد 
13 - ديسمبر - 2008
ذكر الذهبي فروقاً بين التفسير والتأويل وهي:

1ً- قال أبو عبيدة وطائفة معه: التفسير والتأويل بمعنى واحد فهما مترادفان ، وهذا هو الشائع عند المتقدمين من علماء التفسير .

2ً- قال الراغب: التفسير أعم من التأويل ، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ والتأويل في المعاني.

3ً- قال الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع .

4ً- قال الثعلبي: التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، والتأويل تفسير باطن اللفظ .

5ً- التفسير ما يتعلق بالرواية ، والتأويل ما يتعلق بالدراية .

6ً- التفسير هو بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة والتأويل هو بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة ).اهـ التفسير والمفسرون للذهبي ج1 ص22 .

والنسبة بين هذه الأقوال الأربعة الأخيرة هي التباين.

رجح الإمام الزركشي أن هناك فرقاً بين التأويل والتفسير وأنهما ليسا بمعنى واحد فقال: الصحيح تغايرهما.اهـ انظر : البرهان ج2 ص14.

قال الذهبي:

والذي تميل إليه النفس من هذه الأقوال هو أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية ، وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان ، والكشف عن مراد الله تعالى لا يجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع وخالطوا رسول الله ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم .

وأما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل ، والترجيح يعتمد على الاجتهاد ويتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب واستنباط المعاني من كل ذلك.
 
قال أبو هلال العسكري في كتابه ( الفروق في اللغة ) بعد ذكره لجميع هذه الأقوال :

أقول: لا يخفى أن غاية ما يتحصل من هذه الاقاويل يتخلص من هذه التفاصيل أن:

التأويل له مزية زائدة على التفسير، ويرشد إليه قوله تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " حيث حصر سبحانه علم التأويل في جنابه تعالى ومن رسخ في العلم قدمه واستضاء في طريق التحقيق علمه، ووقع على عجائب ما أودع فيه من الاسرار، وأطلع على تفاصيل ما اشتمل عليه من الاحكام والآثار.

وقد دعا النبي صلى الله عليه وآله لابن عباس وقال : " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل ".فلو لم يكن للتأويل مزيد فضل لم يكن لتخصيص ابن عباس بذلك مع جلالة قدره، وعظيم شأنه ، مزيد فائدة .اهـ


سبب الاصطلاح في التفرقة بين التأويل والتفسير:

قال الزركشي:

وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير والتأويل التمييز بين المنقول والمستنبط ، ليحمل على الاعتماد في المنقول وعلى النظر في المستنبط.اهـ البرهان ج2 ص172 .

ويبدو من خلال ما ذكرنا أن التفسير ما كانت دلالته قطعية، وأن التأويل ما كانت دلالته ظنية.

وهنا ينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة في الموضوع هي: أن التأويل إذا كان صادراً عن المعصوم فيعود التأويل تفسيراً لأنه يكشف عن مراد الله تعالى في كتابه، وتكون دلالته في هذا الملحظ بالذات دلالة قطعية.


ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه في الآونة الأخيرة خرج إلينا كتاب منسوب لمحمد أمين شيخو(1)، جمعه عبد القادر يحيى الشهير بالديراني ، وأسماه ( تأويل جزء عمَّ ) حوى هذا الكتاب على أغلاط وأخطاء كثيرة ومثيرة ، يغلب عليه التأويل الرمزي، يخالف فيه الأحكام الشرعية والمصطلحات ، ويخالف قواعد اللغة العربية، ومناهج المفسرين وضوابط التفسير .

هؤلاء الناس يحذرون أيضاً من كلمة ( التفسير ) ويتعجبون من الذي أدخل في عقول المفسرين كلمة ( التفسير ) لأن هذا يناقض قول رسول الله حينما دعا لابن عباس رضي الله عنهما : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل .

ويقولون :
حذار من التفسير لأنه يعني أن القرآن غامض مبهم، فكلمة فسّر معناها اللغوي كان مبهماً غامضاً فوضحه وأبانه ، والقرآن ليس بمبهم ولا غامض، بل ظاهر بين .

ويقولون : التفسير فقط للكافرين لأنه من الرواية والروايات مبنية على الدسوس، أما التأويل فللمؤمنين.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ محمد أمين شيخو ( 1890م ـ 1964م ) : عاش طفولته يتيماً ، فتولت الحكومة العثمانية تربيته ، فدرس على نفقة الحكومة العثمانية ، إلى أن تخرج ضابطاً من الأكاديمية العسكرية التركية ، وعمل كضابط شرطة للعثمانيين، وبعد خروج العثمانيين من سوريا ودخول المستعمر الفرنسي ، عمل ضابطاً عند الفرنسيين ، وعند جلاء الفرنسيين عن سوريا ترك محمد أمين السلك العسكري ، وأصبح يهتم بشكل أساسي بالأمور الدينية ، لم يكتب لأفكاره الانتشار إلا بعد وفاته ، حيث قام بصياغتها وإظهارها كل من : عبد الهادي الباني ، وعبد القادر الديراني ، اللذين كانا تلميذين لمحمد أمين شيخو .اهـ
انظر : أهكذا يكون فهم الإسلام ،دراسة علمية نقدية لأهم أفكار محمد أمين شيخو على ضوء العلم والقرآن ، أحمد إسماعيل راغب ، دار العصماء ، دمشق ، الطبعة الأولى 1423هـ 2002م:8.
 
 2  3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
التفسير والتأويل مرة اخرى    كن أول من يقيّم
 
 
شاكرا الدكتور الفاضل يحيى المصري على جهوده الخيرة ؛ أتقدم بهذه المشاركة التي سببها مشاركة الدكتورالفاضل محمد كالو :
الآيات الكريمة التي ذكرها الدكتور الفاضل محمد كالو وقال إن اول ما يتبادر إلى الذهن حال الاطلاع عليها هو ان القرءان الكريم جلي لا أثر للغموض فيه ، وهو بهذا لا يحتاج قارئوه  إلى تفسير يفسره ، لكمال وضوحه ، وأنه لا يسلم أبدا بأن وصف القرءان الكريم بالبيان والتبيين يقتضي عدم حاجة شيء منه إلى شرح وتأويل ... هذه الآيات وما ذكره حولها الدكتور محمد كالو جعلني أتناول معناها من جهة أخرى ؛ قاصدا إلى القول أن ليس هناك من تعارض آيات مع آيات أخرى  ، وأن لا غموض في هذا الأمر ، وان التفسير المعروف لا تخصه معاني الإبانة في الآيات السابقة .
فالذي يعاود النظر في الآيات القرءانية الكريمة ، التي تتضمن كلمة مبين ، او لتبين للناس ، أو آيات بينات ، او آيات مبينات ، إلى مثل هذه الألفاظ التي تحمل معنى التبيين ، يجد أنها لا تعني التفسير الذي نعرفه على الإطلاق ؛ وإنما تعني إظهار ما كان خافيا على الناس من امور العقيدة وأصول الدين وما يتبع ذلك من أمور؛ لذا فلا يحتج بها على ان القرءان الكريم مع انه مبين وبلسان عربي ، ليس بحاجة إلى تفسير . فالإبانة في الآيات المذكورة غير الفسر أو التفسير . قال تعالى : " قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا" ، وقال : " يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم " ، وقال : " قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " ، وقال : " قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب " ، وقال سبحانه آيات كثيرة أخرى بهذا المعنى . وبين الله سبحانه لنبيه أمورا طواها التاريخ ولم يكن النبي ولا قومه يعلمونها العلم الحق قبل ان ينزل القرءان . إن الذكر الحكيم لما أنزله الله تعالى على رسوله حفل بالآيات البينات او المبينات : في أمر العقيدة وان التوحيد هو الاعتقاد الحق ، وفي أمر المباح وأمر المحرم ، وفي المندوب والمكروه ، وفي الحث على التقوى وفضائل الأعمال ، وفي كل ما تحتاجه البشرية التي اعتراها الضلال من هداية وإصلاح . كل هذا صار ، بنزول القرءان ، واضحا للناس وبينا ، بعد ان كان اعترته الأوهام والضلالات  ، وتلقفته الأهواء ؛ فبدلت حقيقته وجعلتها وفقا لما تحب هي وتشتهي . وقام بذلك أفراد وجماعات ضلوا وأضلوا ، فصار الناس على جاهلية لا أقبح ولا أسوا . وتبعثرت الحقيقة إلى فتات هنا وهناك ؛ يقتات عليه قلة ممن حاولوا ان يظلوا على ملة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام . ثم أوحى الله ، بفضله ورحمته ، إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ، ونزل عليه القرءان بلسان عربي مبين ، ليرد الحق إلى نصابه ؛ فيبين للناس مثلا ان هذه الأصنام التي يعبدونها ما هي إلا حجارة لا تضر ولا تنفع ، وان الله سبحانه وحده هو ربهم ونافعهم وهاديهم ؛ فكان القرءان الكريم مبيّنا ومفصلا كل ما يحتاجه الناس في دينهم ، وفي دنياهم مما هي بحاجة إليه من نظم وقوانين تستقيم بها ، بعد ان كان خفي عليهم الصواب ، وعمّيت عليهم الحقيقة . من هذا المعنى الذي ذكرته كان القرءان الكريم مبينا ، وقام الرسول الأكرم بتبليغ الرسالة وتبيينها للناس على أتم وجه وأكمله . أما التفسير ، فله شان آخر :
في عهد المسلمين الأول، كان الصحابة رضوان الله عليهم ، كما هو معلوم ، ربما يشكل عليهم فهم آية ، ويعوز بعضهم حسن التبين ، فيلجؤون إلى النبي عليه الصلاة والسلام حتى يفسر معناها . ولم يكن الإشكال في العادة يتعلق بالمعنى اللغوي أكثر مما يتعلق بالمعنى المستخلص من الآية عموما . ولما نزلت " ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " من سورة الأنعام ، فقال بعض الصحابة : أينا لم يظلم نفسه! ففسر النبي عليه السلام الظلم بالشرك ؛ مستدلا على ذلك بقول الله تعالى : " إن الشرك لظلم عظيم " ( هذه الفقرة اقتبستها بتصرف من " مباحث في علوم القرءان " للدكتور صبحي الصالح رحمه الله . الطبعة العاشرة ، دارالعلم للملايين ، بيروت ) .
وفي العصور التي تلت ، صار الناس بحاجة أكثر إلى فهم معاني الآيات لغويا وبيانيا ، لدخول العجمة والبعد عن طبائع العرب الأوَل ، وتطلب ذلك ظهور من لديه القدرة على فهم معاني الألفاظ ،  واستنباط المعاني المستخلصة من النصوص ، وبهذا نشأ علم التفسير . أقول ذلك لحضرتك حتى تعلم أني لا أنكر ان بعض الآيات الكريمة يحتاج مطالعها إلى تفسيرها .
أما الحديث الوارد في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم وفي غيرهما من كتب الحديث ، والذي ذكرته يا دكتور ، فهو فعلا يدل على ان الصحابي الذي احضر عقالين اسود وابيض وأخذ يديم النظر إليهما في العتمة ؛ منتظرا الوقت الذي يتمكن فيه من التفريق بين لونيهما ، ليمسك عن طعامه ويبدأ صيام يومه ، لم يكن يحسن فهم معنى الآية ، مما حدا بالنبي عليه السلام إلى أن يصفه بعريض القفا ، او إن وساده لعريض، ثم أفهمه ان المعنى ذهاب الليل ومجيء النهار .مثل هذا التنبيه من النبي الأكرم يمكن عده تفسيرا لمعنى الآية لمن خفي عليه المعنى ، ولم يتمكن بنفسه من استبانته لسبب او لآخر ، ولكن مثل هذا كان في عصر النبي قليل الحدوث .
أما التأويل الوارد ذكره في القرءان الكريم ، فهو غير التفسير حتما ، ولا يجوز لأحد سوى الرسول صلى الله عليه وسلم او أي عبد اجتباه الله وأطلعه على الحقيقة ان يدعي القدرة على التأويل وانه يصيب كبد الحقيقة في تأويله . وبناء على هذا ، فإن الإمام النسفي مثلا ، لما سمى كتابه بحقائق التأويل ، فإن هذه التسمية غير سليمة إذا آمنا ان التأويل لا يعلمه إلا من ذكرنا . وإلى حضرتك فقرة اقتطفتها ونسختها من تفسير الإمام الطبري ( جامع البيان ) تتعلق بالتأويل :
 
(قال أبو جعفر: وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا، من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه، إلا بنصّ بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه، وإن أصاب الحقّ فيه، فمخطئ فيما كان من فعله بقيله فيه برأيه، لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظانّ، والقائل في دين اللّه بالظن قائل على اللّه ما لا يعلم، وقد حرّم اللّه جلّ ثناؤه ذلك، في كتابه على عباده، فقال: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ والإثمَ والبَغْيَ بغَيْرِ الحَقّ وَأنْ تُشْرِكُوا بِاللّه مَا لمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأنْ تَقُولُوا عَلى اللّه ما لا تَعْلَمُونَ} فالقائل في تأويل كتاب اللّه الذي لا يُدرَك علمُه إلا ببيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذي جعل اللّه إليه بيانه، قائل بما لا يعلم، وإن وافق قيله ذلك في تأويله ما أراد اللّه به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم، قائل على اللّه ما لا علم له به.
وهذا هو معنى الخبر، الذي حدثنا به العباس بن عبد العظيم العنبري، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا سهيل بن أبي حزم، قال: حدثنا أبو عمران الجويني، عن جندب، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ قالَ في القُرآنِ برأيهِ فأصَابَ، فَقَدْ أخْطَأ .) يعني صلى اللّه عليه وسلم، أنه أخطأ في فعله، بقيله فيه برأيه، وإن وافق قيله ذلك عين الصواب عند اللّه، لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حقّ وصواب، فهو قائل على اللّه ما لا يعلم...) أ.هـ.
أما التفسير ، وإن تفاوت المفسرون في المقدرة عليه ، واختلفت اقوالهم في معاني بعض الآيات وما امكنهم استنباطه منها، فيظل غير التاويل . وإن المعاني اللغوية والمعاني الاصطلاحية لمسمى ما ربما تأخذنا بعيدا إن لم نفرق بينها . وبناء على هذا ، فإنني لما كتبت عن التأويل كتبت ما فهمته عنه من القرءان الكريم . وكان ما كتبته يدور ايضا حول نفي الترادف المزعوم بين كلمتي التفسير والتأويل ، وليس ما كتبته بجديد لم أسبق إليه .
 
*ياسين الشيخ سليمان
19 - ديسمبر - 2008
تفسير الآية (145) من سورة الأنعام    كن أول من يقيّم
 
تحية طيبة أساتذتي الكرام: أردت أن أشارك في هذا الملف بما أوضح به معنى التفسير،  فالمعنى العام للتفسير هو شرح الكلام لمن لا يفهم بعضه بعبارة يفهمها، وأما تفسير القرآن فيتخلله بيان ما رواه أئمة الحديث في تاريخ الآية هل هي مكية أم مدنية، وما رووه من التفسير المأثور فيها، وقراءات الصحابة لها، ثم بيان أقوال الفقهاء في الآية، هل هي ناسخة أم منسوخة، وعامة أم مخصصة، ومطلقة أم مقيدة. ولو كان تفسير القرآن هو فهم ظاهر الآيات لكان كل متقن للغة العرب مفسرا للقرآن.
وأضرب على ذلك مثلا بالآية (145) من سورة الأنعام (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
فظاهر الآية لا يحتاج إلى تفسير، فتعالوا معي لنقرا هذه الصفحات، وهي تفسير القرطبي لهذه الأية، قال:
أعلم الله عز وجل في هذه الآية بما حرم. والمعنى: قل يا محمد لا أجد فيما أوحي إلي محرما إلا هذه الأشياء، لا ما تحرمونه بشهوتكم. والآية مكية.
ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة "المائدة" بالمدينة. وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة والخمر وغير ذلك. وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال:
الأول: ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية، وكل محرم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جاء في الكتاب مضموم إليها؛ فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام. على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر، والفقه والأثر.
 ونظيره نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله: "وأحل لكم ما وراء ذلكم" (النساء: 24) وكحكمه باليمين مع الشاهد مع قوله: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان" (البقرة: 282). وقد تقدم.
وقد قيل: إنها منسوخة بقوله عليه السلام (أكل كل ذي ناب من السباع حرام) أخرجه مالك، وهو حديث صحيح. وقيل: الآية محكمة ولا يحرم إلا ما فيها وهو قول يروى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة، وروي عنهم خلافه. قال مالك: لا حرام بين إلا ما ذكر في هذه الآية. وقال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية تحليل كل شيء من الحيوان وغيره إلا ما استثني في الآية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير. ولهذا قلنا: إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير مباح.
وقال الكيا الطبري: وعليها بنى الشافعي تحليل كل مسكوت عنه؛ أخذا من هذه الآية، إلا ما دل عليه الدليل. وقيل: إن الآية جواب لمن سأل عن شيء بعينه فوقع الجواب مخصوصا. وهذا مذهب الشافعي. وقد روى الشافعي عن سعيد بن جبير أنه قال: في هذه الآية أشياء سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم عن المحرمات من تلك الأشياء. وقيل: أي لا أجد فيما أوحي إلي أي في هذه الحال حال الوحي ووقت نزوله، ثم لا يمتنع حدوث وحي بعد ذلك بتحريم أشياء أخر.
وزعم ابن العربي أن هذه الآية مدنية وهي مكية في قول الأكثرين، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم نزل عليه "اليوم أكملت لكم دينكم" (المائدة: 3) ولم ينزل بعدها ناسخ فهي محكمة، فلا محرم إلا ما فيها، وإليه أميل. قلت: وهذا ما رأيته قاله غيره. وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر الإجماع في أن سورة "الأنعام" مكية إلا قوله تعالى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" (الأنعام: 151) الثلاث الآيات، وقد نزل بعدها قرآن كثير وسنن جمة. فنزل تحريم الخمر بالمدينة في "المائدة".
وأجمعوا على أن نهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان منه بالمدينة. قال إسماعيل بن إسحاق: وهذا كله يدل على أنه أمر كان بالمدينة بعد نزول قوله: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما" لأن ذلك مكي. قلت: وهذا هو مثار الخلاف بين العلماء. فعدل جماعة عن ظاهر الأحاديث الواردة بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع؛ لأنها متأخرة عنها والحصر فيها ظاهر فالأخذ بها أولى؛ لأنها إما ناسخة لما تقدمها أو راجحة على تلك الأحاديث. وأما القائلون بالتحريم فظهر لهم وثبت عندهم أن سورة "الأنعام" مكية؛ نزلت قبل الهجرة، وأن هذه الآية قصد بها الرد على الجاهلية في تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، ثم بعد ذلك حرم أمورا كثيرة كالحمر الإنسية ولحوم البغال وغيرها، وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. قال أبو عمر: ويلزم على قول من قال: "لا محرم إلا ما فيها" ألا يحرم ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا، وتستحل الخمر المحرمة عند جماعة المسلمين. وفي إجماع المسلمين على تحريم خمر العنب دليل واضح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد فيما أوحي إليه محرما غير ما في سورة "الأنعام" مما قد نزل بعدها من القرآن.
وقد اختلفت الرواية عن مالك في لحوم السباع والحمير والبغال فقال مرة: هي محرمة؛ لما ورد من نهيه عليه السلام عن ذلك، وهو الصحيح من قوله على ما في الموطإ. وقال مرة: هي مكروهة، وهو ظاهر المدونة؛ لظاهر الآية؛ ولما روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة من إباحة أكلها، وهو قول الأوزاعي. روى البخاري من رواية عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية? فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة؛ ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وقرأ "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما". وروي عن ابن عمر أنه سئل عن لحوم السباع فقال: لا بأس بها. فقيل له: حديث أبي ثعلبة الخشني فقال: لا ندع كتاب الله ربنا لحديث أعرابي يبول على ساقيه. وسئل الشعبي عن لحم الفيل والأسد فتلا هذه الآية: وقال القاسم: كانت عائشة تقول لما سمعت الناس يقولون حرم كل ذي ناب من السباع: ذلك حلال، وتتلو هذه الآية "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما" ثم قالت: إن كانت البرمة ليكون ماؤها أصفر من الدم ثم يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحرمها.
والصحيح في هذا الباب ما بدأنا بذكره، وإن ما ورد من المحرمات بعد الآية مضموم إليها معطوف عليها. وقد أشار القاضي أبو بكر بن العربي إلى هذا في قبسه خلاف ما ذكر في أحكامه قال: روي عن ابن عباس أن هذه الآية من آخر ما نزل؛  فقال البغداديون من أصحابنا: إن كل ما عداها حلال، لكنه يكره أكل السباع. وعند فقهاء الأمصار منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وعبد الملك أن أكل كل ذي ناب من السباع حرام، وليس يمتنع أن تقع الزيادة بعد قوله: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما" بما يرد من الدليل فيها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) فذكر الكفر والزنى والقتل. ثم قال علماؤنا: إن أسباب القتل عشرة بما ورد من الأدلة، إذ النبي صلى الله عليه وسلم إنما يخبر بما وصل إليه من العلم عن الباري تعالى؛ وهو يمحو ما يشاء ويثبت وينسخ ويقدر. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أكل كل ذي ناب من السباع حرام) وقد روي أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير. وروى مسلم عن معن عن مالك: "نهي عن أكل كل ذي مخلب من الطير" والأول أصح وتحريم كل ذي ناب من السباع هو صريح المذهب وبه ترجم مالك في الموطإ حين قال: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع. ثم ذكر الحديث وعقبه بعد ذلك بأن قال: وهو الأمر عندنا. فأخبر أن العمل اطرد مع الأثر. قال القشيري: فقول مالك "هذه الآية من أواخر ما نزل" لا يمنعنا من أن نقول: ثبت تحريم بعض هذه الأشياء بعد هذه الآية، وقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن أكل كل ذي مخلب من الطير، ونهى عن لحوم الحمر الأهلية عام خيبر. والذي يدل على صحة هذا التأويل الإجماع على تحريم العذرة والبول والحشرات المستقذرة والحمر مما ليس مذكورا في هذه الآية قوله تعالى: "محرما" قال ابن عطية: لفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور غاية الحظر والمنع، وصالحة أيضا بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهة ونحوها؛ فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع الكل منهم ولم تضطرب فيه ألفاظ الأحاديث وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع، ولحق بالخنزير والميتة والدم، وهذه صفة تحريم الخمر. وما اقترنت به قرينة اضطراب ألفاظ الأحاديث واختلفت الأئمة فيه مع علمهم بالأحاديث كقوله عليه السلام: (أكل كل ذي ناب من السباع حرام). وقد ورد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك، فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهة ونحوها. وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه السلام لحوم الحمر الإنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنه نجس، وتأول بعضهم ذلك لئلا تفنى حمولة الناس، وتأول بعضهم التحريم المحض. وثبت في الأمة الاختلاف في تحريم لحمها؛ فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهة ونحوها بحسب اجتهاده وقياسه. قلت: وهذا عقد حسن في هذا الباب وفي سبب الخلاف على ما تقدم. وقد قيل: إن الحمار لا يؤكل، لأنه أبدى جوهره الخبيث حيث نزا على ذكر وتلوط؛ فسمي رجسا. قال محمد بن سيرين: ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار؛ ذكره الترمذي في نوادر الأصول. روى عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء، فبعث الله نبيه عليه السلام وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه؛ فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، وتلا هذه الآية "قل لا أجد" الآية. يعني ما لم يبين تحريمه فهو مباح بظاهر هذه الآية. وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس أنه قرأ "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما" قال: إنما حرم من الميتة أكلها، ما يؤكل منها وهو اللحم؛ فأما الجلد والعظم والصوف والشعر فحلال. وروى أبو داود عن ملقام بن تلب عن أبيه قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريما. الحشرة: صغار دواب الأرض كاليرابيع والضباب والقنافذ. ونحوها؛ قال الشاعر:
أكلنا الربى يا أم عمرو ومن يكن غـريـبا  لديكم يأكل iiالحشرات
أي ما دب ودرج. والربى جمع ربية وهي الفأرة. قال الخطابي: وليس في قوله "لم أسمع لها تحريما" دليل على أنها مباحة؛ لجواز أن يكون غيره قد سمعه. وقد اختلف الناس في اليربوع والوبر والجمع وبار ونحوهما من الحشرات؛ فرخص في اليربوع عروة وعطاء والشافعي وأبو ثور. قال الشافعي: لا بأس بالوبر وكرهه ابن سيرين والحكم وحماد وأصحاب الرأي. وكره أصحاب الرأي القنفذ. وسئل عنه مالك بن أنس فقال: لا أدري. وحكى أبو عمرو: وقال مالك لا بأس بأكل القنفذ. وكان أبو ثور لا يرى به بأسا؛ وحكاه عن الشافعي. وسئل عنه ابن عمر فتلا "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما" الآية؛ فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (خبيثة من الخبائث). فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال. ذكره أبو داود. وقال مالك: لا بأس بأكل الضب واليربوع والورل. وجائز عنده أكل الحيات إذا ذكيت؛ وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي. وكذلك الأفاعي والعقارب والفأر والعظاية والقنفذ والضفدع. وقال ابن القاسم: ولا بأس بأكل خشاش الأرض وعقاربها ودودها في قول مالك؛ لأنه قال: موته في الماء لا يفسده. وقال مالك: لا بأس بأكل فراخ النحل ودود الجبن والتمر ونحوه. والحجة له حديث ملقام بن تلب، وقول ابن عباس وأبي الدرداء: ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو. وقالت عائشة في الفأرة: ما هي بحرام، وقرأت "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما". ومن علماء أهل المدينة جماعة لا يجيزون أكل كل شيء من خشاش الأرض وهوامها؛ مثل الحيات والأوزاغ والفأر وما أشبهه. وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هؤلاء أكله، ولا تعمل الذكاة عندهم فيه. وهو قول ابن شهاب وعروة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وغيرهم. ولا يؤكل عند مالك وأصحابه شيء من سباع الوحش كلها، ولا الهر الأهلي ولا الوحشي لأنه سبع. وقال: ولا يؤكل الضبع ولا الثعلب، ولا بأس بأكل سباع الطير كلها: الرخم والنسور والعقبان وغيرها، ما أكل الجيف منها وما لم يأكل. وقال الأوزاعي الطير كله حلال، إلا أنهم يكرهون الرخم. وحجة مالك أنه لم يجد أحدا من أهل العلم يكره أكل سباع الطير، وأنكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير). وروي عن أشهب أنه قال: لا بأس بأكل الفيل إذا ذكي؛ وهو قول الشعبي، ومنع منه الشافعي. وكره النعمان وأصحابه أكل الضبع والثعلب. ورخص في ذلك الشافعي، وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضباع. وحجة مالك عموم النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، ولم يخص سبعا من سبع. وليس حديث الضبع الذي خرجه النسائي في إباحة أكلها مما يعارض به حديث النهي؛ لأنه حديث انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار، وليس مشهورا بنقل العلم، ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه. قال أبو عمر: وقد روي النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من طرق متواترة. وروى ذلك جماعة من الأئمة الثقات الأثبات، ومحال أن يعارضوا بمثل حديث ابن أبي عمار. قال أبو عمر: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله، ولا يجوز بيعه لأنه لا منفعة فيه. قال: وما علمت أحدا رخص في أكله إلا ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب. سئل مجاهد عن أكل القرد فقال: ليس من بهيمة الأنعام. قلت: ذكر ابن المنذر أنه قال: روينا عن عطاء أنه سئل عن القرد يقتل في الحرم فقال: يحكم به ذوا عدل. قال: فعلى مذهب عطاء يجوز أكل لحمه؛ لأن الجزاء لا يجب على من قتل غير الصيد. وفي (بحر المذهب) للروياني على مذهب الإمام الشافعي: وقال الشافعي يجوز بيع القرد لأنه يعلم وينتفع به لحفظ المتاع.
وحكى الكشفلي عن ابن شريح يجوز بيعه لأنه ينتفع به. فقيل له: وما وجه الانتفاع به? قال تفرح به الصبيان.
قال أبو عمر: والكلب والفيل وذو الناب كله عندي مثل القرد. والحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في قول غيره.
وقد زعم ناس أنه لم يكن في العرب من يأكل لحم الكلب إلا قوم من فقعس. وروى أبو داود عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها. في رواية: عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها. قال الحليمي أبو عبد الله: فأما الجلالة فهي التي تأكل  العذرة من الدواب والدجاج المخلاة. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحومها. وقال العلماء: كل ما ظهر منها ريح العذرة في لحمه أو طعمه فهو حرام، وما لم يظهر فهو حلال. وقال الخطابي: هذا نهي تنزه وتنظف، وذلك أنها إذا اغتذت الجلة وهي العذرة وجد نتن رائحتها في لحومها، وهذا إذا كان غالب علفها منها؛ فأما إذا رعت الكلأ واعتلفت الحب وكانت تنال مع ذلك شيئا من الجلة فليست بجلالة؛ وإنما هي كالدجاج المخلاة، ونحوها من الحيوان الذي ربما نال الشيء منها وغالب غذائه وعلفه من غيره فلا يكره أكلها. وقال أصحاب الرأي والشافعي وأحمد: لا تؤكل حتى تحبس أياما وتعلف علفا غيرها؛ فإذا طاب لحمها أكلت. وقد روي في الحديث (أن البقر تعلف أربعين يوما ثم يؤكل لحمها). وكان ابن عمر يحبس الدجاج ثلاثا ثم يذبح. وقال إسحاق: لا بأس بأكلها بعد أن يغسل لحمها غسلا جيدا. وكان الحسن لا يرى بأسا بأكل لحم الجلالة؛ وكذلك مالك بن أنس. ومن هذا الباب نهي أن تلقى في الأرض العذرة. روي عن بعضهم قال: كنا نكري أرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط على من يكريها ألا يلقي فيها العذرة. وعن ابن عمر أنه كان يكري أرضه ويشترط ألا تدمن بالعذرة. وروي أن رجل كان يزرع أرضه بالعذرة فقال له عمر: أنت الذي تطعم الناس ما يخرج منهم.
 واختلفوا في أكل الخيل؛ فأباحها الشافعي، وهو الصحيح، وكرهها مالك.
وأما البغل فهو متولد من بين الحمار والفرس، وأحدهما مأكول أو مكروه وهو الفرس، والآخر محرم وهو الحمار؛ فغلب حكم التحريم؛ لأن التحليل والتحريم إذا اجتمعا في عين واحدة غلب حكم التحريم.
وسيأتي بيان هذه المسألة في "النحل" إن شاء الله بأوعب من هذا.
وسيأتي حكم الجراد في "الأعراف".
والجمهور من الخلف والسلف على جواز أكل الأرنب.
وقد حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص تحريمه.
 وعن ابن أبي ليلى كراهته.
قال عبد الله بن عمرو: جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها.
وزعم أنها تحيض. ذكره أبو داود. وروى النسائي مرسلا عن موسى بن طلحة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها رجل وقال: يا رسول الله، إني رأيت بها دما؛ فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأكلها، وقال لمن عنده: (كلوا فإني لو اشتهيتها أكلتها). قلت: وليس في هذا ما يدل على تحريمه، وإنما هو نحو من قوله عليه السلام: (إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه). وقد روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: مررنا بمر الظهران فاستنفجنا أرنبا فسعوا عليه فلغبوا. قال: فسعيت حتى أدركتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، فبعث بوركها وفخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله. أي آكل يأكله.
 
وروي عن ابن عامر أنه قرأ "أوحى" بفتح الهمزة. وقرأ علي بن أبي طالب "يطعمه" مثقل الطاء، أراد يتطعمه فأدغم. وقرأت عائشة ومحمد ابن الحنفية "على طاعم طعمه" بفعل ماض رئ بالياء والتاء؛ أي إلا أن تكون العين أو الجثة أو النفس ميتة. وقرئ "يكون" بالياء "ميتة" بالرفع بمعنى تقع وتحدث ميتة.
 
والمسفوح: الجاري الذي يسيل وهو المحرم. وغيره معفو عنه. وحكى الماوردي أن الدم غير المسفوح أنه إن كان ذا عروق يجمد عليها كالكبد والطحال فهو حلال؛ لقوله عليه السلام: (أحلت لنا ميتتان ودمان) الحديث. وإن كان غير ذي عروق يجمد عليها، وإنما هو مع اللحم ففي تحريمه قولان: أحدهما أنه حرام؛ لأنه من جملة المسفوح أو بعضه. وإنما ذكر المسفوح لاستثناء الكبد والطحال منه. والثاني أنه لا يحرم؛ لتخصيص التحريم بالمسفوح. قلت: وهو الصحيح. قال عمران بن حدير: سألت أبا مجلز عما يتلطخ من اللحم بالدم، وعن القدر تعلوها الحمرة من الدم فقال: لا بأس به، إنما حرم الله المسفوح. وقالت نحوه عائشة وغيرها، وعليه إجماع العلماء. وقال عكرمة: لولا هذه الآية لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع اليهود. وقال إبراهيم النخعي: لا بأس بالدم في عرق أو مخ.
*زهير
20 - ديسمبر - 2008
تفسير الصحابة    كن أول من يقيّم
 
قال ابن القيم في (إعلام الموقعين): أثناء حديثه عن تفسير الصحابة للقرآن:
 فإن قيل: فنحن نجد لبعضهم أقوالاً في التفسير تخالف الأحاديث المرفوعة الصحاح، وهذا كثير، كما فسر ابن مسعود الدخان بأنه الأثر الذي حصل عن الجوع الشديد والقحط، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخان يأتي قبل يوم القيامة يكون من أشراط الساعة مع الدابة والدجال وطلوع الشمس من مغربها، وفسر عمر بن الخطاب قوله تعالى: "أسْكِنُوهُنَّ من حيث سكنتم من وُجْدِكم" الطلاق بأنها للبائنة والرجعية، حتى قال: لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة، مع أن السنة الصحيحة في البائن تخالف هذا التفسير، وفسر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله تعالى: "والذين يُتَوَفَّوْنَ منكم ويَذَرُونَ أزواجاً يتربَّصْنَ بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً" البقرة أنها عامة في الحامل والحائل، فقال: تعتد أبعد الأجلين، والسنة الصحيحة بخلافه، وفسر ابن مسعود قوله تعالى: "وأمهات نسائكم ورَبَائبكم اللاتي في حُجُوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن" النساء بأن الصفة لنسائكم الأولى والثانية؛ فلا تحرم أم المرأة حتى يدخل بها، والصحيح خلاف قوله، وأن أم المرأة تحرم بمجرد العقد على ابنتها، والصفة راجحة إلى قوله: "وَرَبَائبكم اللاتي في حُجُوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن" النساء وهو قول جمهور الصحابة. وفسر ابن عباس السجل بأنه كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يسمى السجل، وذلك وهم وإنما السجل الصحيفة المكتوبة، واللام مثلها في قوله تعالى؛ "وَتَلّهُ للجبين" الصافات، وفي قول الشاعر:
فخر صريعا لليدين وللفم ...
.أي يطوي السماء كما يطوي السجل على ما فيه من الكتاب، وهذا كثير جداً، فكيف يكون تفسير الصحابي حجة في حكم المرفوع ?
قيل: الكلام في تفسيرالصحابي كالكلام في فتواه سواء، وصورة المسألة هنا كصورتها هناك سواء بسواء، وصورتها أن لا يكون في المسألة نص يخالفه، ويقول في الآية قولاً لا يخالفه فيه أحد من الصحابة، سواء علم لاشتهاره أو لم يعلم، وما ذكر من هذه الأمثلة فقد فقد فيه الأمران، وهو نظير ما روي عن بعضهم من الفتاوى التي تخالف النص وهم مختلفون فيها سواء.
فإن قيل: لو كان قوله حجة بنفسه لما أخطأ، ولكان معصوماً؛ لتقوم الحجة بقوله، فإذا كان يفتي بالصواب تارة وبغيره أخرى، وكذلك تفسيره فمن أين لكم أن هذه الفتى المعينة والتفسير المعين من قسم الصواب ? إذ صورة المسألة أنه لم يقم على المسألة دليل غير قوله، وقوله ينقسم، فما الدليل على أن هذا القول المعين من أحد القسمين ولا بد ? قيل: الأدلة المتقدمة تدل على انحصار الصواب في قوله في الصورة المفروضة الواقعة، وهو أن الممتنع أن يقولوا في كتاب الله الخطأ المحض ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به، وهذه الصورة المذكورة وأمثالها قد تكلم فيها غيرهم بالصواب، والمحظور إنما هو خلو عصرهم عن ناطق بالصواب واشتماله على ناطق بغيره فقط؛ فهذا هو المحال.
وبهذا خرج الجواب عن قولكم: لو كان قول الواحد منهم حجة لما جاز عليه الخطأ، فإن قوله لم يكن بمجرده حجة، بل بما انضاف إليه مما تقدم ذكره من القرائن.
*زهير
20 - ديسمبر - 2008
تحية طيبة    كن أول من يقيّم
 
شكر الله لأستاذنا الغالي زهير اهتمامه بموضوع التفسير ، وعسى أن يكون هذا الاهتمام مما تثقل به موازينه عند ربه بإذنه تعالى .
ولما كان أصل الموضوع الذي قدمه الأخ العزيز الدكتورمحمد كالو قد عرض بشكل نقاط محددة وموجزة ؛ فلم نتعرض في مشاركاتنا إلى تعريف لعلم تفسير القرءان ، واقتصر معنى التفسير على المتبادر إلى الذهن في العادة من المعنى المقتصر على شرح اللغة وإيضاحها لمن لا يفهمها أو يعجز عن استخلاص كامل المعنى منها، وان التأويل أمر آخر ، وهذا ما اهتممت له أنا في مشاركاتي ، والتي اقتصرت فيها على ان التفسير والتأويل ليسا بنفس المعنى .
*ياسين الشيخ سليمان
21 - ديسمبر - 2008
التأنيث والتذكير(1)    كن أول من يقيّم
 
تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث
قال تعالى: (ولا تكونوا كالذين جاءهم البينات)، وقال تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت)، وقال تعالى: (قد كان لكن فيهم أسوة حسنة). هناك خط بلاغي في القرآن الكريم حول هذا الموضوع وقد أُثير في عديد من الأسئلة خلال الحلقات، ونذكر منها ما جاء في تذكير وتأنيث الفعل مع كلمة الضلالة والعاقبة وكذلك مع كلمة الملائكة وكذلك مع كلمة البيّنات. وقلنا باختصار إنه:
      تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب، وأكثر من خط في القرآن الكريم. فإذا قصدنا باللفظ االمؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره ،وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى. وقد جاء في قوله تعالى عن الضلالة (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الأعراف)، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36): النحل). ونرى أنه في كل مرة يذكر فيها الضلالة بالتذكير تكون الضلالة بمعنى العذاب؛ لأن الكلام في الآخرة :(كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29): الأعراف) وليس في الآخرة ضلالة بمعناها؛ لأن الأمور كلها تنكشف في الآخرة. وعندما تكون الضلالة بالتأنيث يكون الكلام في الدنيا فلمّا كانت الضلالة بمعناها هي يؤنّث الفعل.
      وكذلك كلمة العاقبة أيضاً تأتي بالتذكير مرة وبالتأنيث مرة أخرى ، وعندما تأتي بالتذكير تكون بمعنى العذاب، وقد وردت في القرآن الكريم اثنتي عشْرة مرة بمعنى العذاب ؛أي بالتذكير والأمثلة في القرآن كثيرة، منها قوله تعالى في سورة الأنعام: (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {11}) وسورة يونس: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) و(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84): الأعراف) و(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73): الصافّات). المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً. وعندما تأتي بالتأنيث لا تكون إلا بمعنى الجنّة، كما في قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) :القصص) وقوله تعالى في سورة  الأنعام:
(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}).
      تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة: قال تعالى في سورة البقرة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {48}‏) وقال في نفس السورة :(وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {123}).جاءت الآية الأولى بتذكير فعل (يقبل) مع الشفاعة على حين جاء الفعل (تنفعها) مؤنثاً مع كلمة الشفاعة نفسها. الحقيقة أن الفعل (يقبل) لم يُذكّر مع الشفاعة إلا في الآية 123 من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع، بمعنى أنه لن يُقبل ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة. أما في الآية الثانية فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفع وليس الكلام عن الشفيع. وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القرآن الكريم في آيات أخرى، منها في سورة ياسين: (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ {23}) وسورة النجم: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى {26}).
      وكذلك كلمة البيّنات فإذا كانت بمعنى العلامات الدالة على المعجزات أنّث الفعل، وإذا كانت بمعنى الأمر والنهي وحدّ الله والدين ذكّر الفعل هناك حكم نحْوي مُفاده أنه يجوز أن يأتيَ الفعل مذكّراً والفاعل مؤنثاً. وكلمة البيّنات ليست مؤنثاً حقيقياً لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها. والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات؛ لأن هذا جائز كما قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر (جاءهم البيّنات) مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث (جاءتهم البيّنات)؟
جاءتهم البيّنات بالتأنيث: يؤنّث الفعل مع البيّنات إذا كانت الآيات تدلّ على النبوءات، فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثاً كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {209}) والآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {213}) و (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {253})، وقوله في سورة النساء :(يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً {153}).
      أما جاءهم البيّنات بالتذكير: فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران: (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86}) و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105}) وفي سورة غافر: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {66}).
      . وقد يكون التأنيث للكثرة والتذكير للقلة، كما في قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا)، وقوله تعالى: (وقال نِسوةٌ في المدينة). ونقول: إن هذا الأمر جائز من حيث الجوازُ اللغويُّ وليس في هذا شيءٌ، لكن السؤال يبقى: لماذا اختار تعالى التذكير في موضع والتأنيث في موضع آخر؟ ونأخذ قوله تعالى: (جاءكم رسول) بتذكير فعل جاءكم، وقوله تعالى: (جاءت رسل ربنا) بتأنيث فعل جاءت. ونلاحظ أنه في الآية الأولى كان الكلام عن جميع الرسل في جميع الأمم من آدم إلى أن تقوم الساعة وهذا يدل على الكثرة فجاء بالفعل مؤنّثاً للدلالة على الكثرة. أما في الآية الثانية فالخطاب لبني إسرائيل ولزمرةٍ منهم وفي حالة معينة أيضاً، وهذا يدل على القِلة فجاء بالفعل مذكّراً.
*د يحيى
21 - ديسمبر - 2008
التأنيث والتذكير(2)    كن أول من يقيّم
 
مثال آخر قوله تعالى: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35): الأنفال) والمكاء والتصدية هما التصفيق والصفير وكلاهما مذكّر وجاء الفعل مع كلمة الصلاة مذكراً؛ لأن المراد بالصلاة هنا التصفيق والصفير وكلاهما مذكر. والصلاة عندهم كانت تفيد الطواف والطواف مذكّر أيضاً (صلاتهم كانوا يطوفون حول الكعبة ويصفقون ويصفرون). إذن الطواف والتصفيق والصفير كلّها مذكّر، فجاء الفعل مع كلمة الصلاة المقصود بمعناها المذكر جاء مذكراً.
 قال تعالى :(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31): الأحزاب) هذه الآية ليست من باب التذكير والتأنيث أصلاً وتذكير الفعل والفاعل وإنما هي من باب استعمال (من). والسؤال هو لماذا استعمل (من) في الآية؟ (مِن): أصلاً في اللغة تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع وطبيعة الأكثر في كلام العرب  والقرآنالكريم حتى لو كان الخطاب للإناث أو الجمع يأتي أول مرة بـ (من) بصيغة المفرد المذكر ثم يعقبه ما يوضح المعنى. ومهما كانت حالة (من) سواء أكانت اسمَ موصولٍ أم نكرة تامة بمعنى شخص أم ذات أم كانت اسمَ شرطٍ، يؤتى بها بصيغة المفرد المذكر أول مرة ثم يُعاد عليها بمعناها في المرة الثانية، كقوله تعالى: (ومِن الناس مَن يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بؤمنين)، وهذا هو خط القرآن، وهو الأكثر في كلام العرب، وهذا هو الأصل. وكقوله تعالى: (ومنهم َمن يقول ائذن لي ).والآية موضع السؤال (مَن يأت منكن) تدخل في هذه القاعدة جاء بـ (مِن) بما يدل على الإفراد والتذكير، ثم جاء فيما بعد بما يدل على المعنى. وإذا خرج  عن هذا الأمر، كما في قوله تعالى: (ومنهم من ينظر إليك ومنهم من يستمعون إليك) جاء في الأولى بالإفراد والثانية جمع لماذا؟ نسأل أيهما أكثر الذين ينظرون إلى الشخص أم الذين يستمعون إليه؟ الجواب الذين يستمعون، ولهذا عبّر عنهم بالجمع؛ لأنهم أكثر. ولهذا عندما يخالف القاعدة فإنه يخالف بما يقتضيه السياق والمعنى.
مثال آخر قوله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13): آل عمران) وفي آية أخرى (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ
(4) :الأنعام) وقوله تعالى (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124): الأنعام) نقول إنه من حيث الحكمُ النحْويُّ يجوز تذكير وتأنيث الفعل، لكنْ يبقى السِّر البياني لهذا التذكير والتأنيث. ونقول إنه عندما تكون كلمة آية بمعنى الدليل والبرهان، تكون بمعنى مذكّر، فيأتي الفعل بالتذكير، وإذا كانت كلمة الآية بمعنى الآية القرآنية أنّث الفعل (وإذا جاءتهم آية).
مثال آخر قوله تعالى في سورة الممتحنة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)) وفي نفس السورة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)) وفي سورة الأحزاب: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) ونقول إنه من الناحية النحْوية إذا كثرت الفواصل فالتذكير أفضل. في الآية الأولى الفاصل بين الفعل وكلمة أسوة ( لكم )، أما في الآية الثانية فالفاصل (لكم فيهم)، وفي الثالثة (لكم في رسول الله) فعندما تكون الفاصلة أكثر يقتضي التذكير. وهناك أمرٌ آخرُ، وهو أن التذكير في العبادات أفضل وأهمّ من التأنيث كما جاء في سورة مريم: (وكانت من القانتين) ؛لأن الذين كملوا في التذكير أكثر. وكذلك عندما يتحدث عن عبادة الملائكة يذكّر؛ أي العبادات أكثر في هذه الآيات؟ في الأولى الأسوة كانت في القول في أمر واحد إلا (إلا قول ابراهيم) جادله قومه والاستثناء هو قول إبراهيم، أما في الثانية (فيكم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) هذه عامة، وهي أهمّ ولذلك أكّدها باللام: (لقد كان لكم) وجاء بأمرين بتذكير العبادة، كما جاء باللام في جواب القسم المقدّر، وكذلك في آية سورة الأحزاب الآية عامة ولم يخصص بشيء، ولهذا ذكّر وخصص باللام الواقعة في جواب القسم، أما في الأولى فجاء بـ (قد) وأنّث الفعل. فعندما اتسعت العبادة وصارت أعمّ وأوسع من الأولى ذكّر، وجاء باللام وهذا هو الأمر البياني بالإضافة إلى الأمر النحْوي الذي تحدثنا عنه.
التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم : قال تعالى في سورة صاد: (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {73}) وجاءت الملائكة هنا بالتذكير، وفي سورة آل عمران: (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39}) جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحْوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و(قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.
اللمسة البيانية: أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر، فهو لأنّ في الآيات خطوطاً تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة. وهذه الخطوط هي:
 في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير (اسجدوا، أنبئوني، فقعوا له ساجدين)
كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير أيضاً كما في قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) و(الملائكة يشهدون) (الملائكة يسبحون بحمد ربهم)
 كل وصف اسمي للملائكة يأتي بالتذكير (الملائكة المقرّبون) (الملائكة باسطوا أيديهم) (مسوّمين، مردفين، منزلين)
كل فعل عبادة يأتي بالتذكير (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) (لا يعصون الله ما أمرهم)؛ لأن المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى، ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
 كل أمر فيه شِدّة وقوة حتى لو كان عذابين، أحدهما أشدّ من الآخر، فالأشدّ يأتي بالتذكير: (ولو ترى إذا يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) (يتوفى) جاءت بالتذكير لأن العذاب أشد (وذوقوا عذاب الحريق)، أما في قوله تعالى :(فكيف إذا توفتهم الملائكة يضرِبون وجوههم وأدبارهم) (تتوفاهم) جاءت بالتأنيث؛ لأن العذاب أخفّ من الآية السابقة. وكذلك في قوله تعالى :(ونزّل الملائكة تنزيلاً) بالتذكير، وقوله تعالى: (تتنزّل عليهم الملائكة) بالتأنيث، وقوله: (تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر) بالتأنيث.
 لم تأت بشرى بصيغة التذكير بتةً في القرآن الكريم، فكل بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التأنيث ،كما في قوله تعالى: (فنادته الملائكة) و(قالت الملائكة).
قال تعالى: (إذا جاءكم المؤمنات) هذه تندرج أيضاً في سياق الكَثرة والقِلة وفي سياق زيادة الفواصل أيضاً.
*د يحيى
21 - ديسمبر - 2008
ماسبق بيانه منقول    كن أول من يقيّم
 
جزى الله خير الجزاء صاحب موضوع تأنيث الفعل وتذكيره .
د/ يحيى مصري الحلبي .
 
*د يحيى
21 - ديسمبر - 2008
وأحلت لكم بهيمة الأنعام    كن أول من يقيّم
 
كل الشكر لكم أستاذنا ياسين الشيخ سليمان وسلامنا على شيخنا الدكتور يحيى :
والحقيقة فإني نشرت تفسير القرطبي للآية آنفا لأنني غير مقتنع بما حكاه، ولابد أن تكون المسألة مبينة في غير تفسيره من تفاسير المسلمين، لأن الله يقول: (وأحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) فهل الحمير والخيل والبغال والسباع والضباع والقردة والفيلة والدببة من بهيمة الأنعام ؟.
 أما الشيخ رشيد فذهب إلى أنها كلها  تجري مجرى بهيمة الأنعام، ولم ير شيئا محرما في الإسلام إلا  ما صرحت به الآية   145 من سورة الأنعام (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
قال السيوطي في (الإتقان)  : وقوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) فسره قوله (حرمت عليكم الميتة ...)
وصراحة فإن هذه المسألة الشائكة من أولى المسائل بالتحقيق والبحث والدراسة، فإن الشيعة مثلا لا يمكن أن تستبيح أكل لحم الأرنب، وأذكر هنا أن أحد أصدقائي في قرى دمشق وهو صديقي (مأمون الغرة) دعاني مرة على الإفطار في رمضان، فلبيته، ووصلت البيت بعد صلاة العصر وإذ به يسلخ ثعلبا، فاشمأزت نفسي، ورأى في وجهي الإنكار، فسارع إلى الاعتذار مني، وفهمت أنهم في قريتهم (حفير) إذا أرادوا إكرام الضيف ذبحوا له ثعلبا، وأهدوه جلده (ذكرى) واتصل من فوره بالمرحوم الشيخ أحمد كناكري ودعاه للإفطار عنده، وأخبره أن الوليمة ثعلب، فما هي غير أن رأيت الشيخ قد حضر متهللا فرحا بهذه الدعوة المكرمة، ولم أجد بدا من الاعتذار، لأنني لم أتمكن من البقاء في البيت ورائحة لحم الثعلب تنتشر في كل مكان، وذهب بي إلي بيت أبيه حيث أفطرنا على مائدة أبيه.
أما الشيخ رشيد رضا فذكر في المنار من يأكل الضباب والسحالي والجراذان والفئران والكلاب والقطط ويستسيغها، ولم ير في ذلك بأسا. وهذا غاية العجب. وذكر أن توسع الإسلام في ذلك وعدم تضييقه على المسلمين هو ما ميز الإسلام عن اليهودية التي نص القرآن على أن الله حرم عليهم الكثير من الطيبات عقوبة لهم
ومع كل ما تقدم أعود فأقول لو أن لكلمة الأنعام مدلولا أعم من مدلولها، عند الفقهاء لكان في ذلك مخرج حسن. لأن الله كما قال (وأحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) قال في وصف النبي (ص) (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وحبذا أن نجمع أهم ما يقال عن الأنعام في كتب التفسير واللغة والتاريخ، كقول أبي هلال العسكري في الفروق، تحت عنوان (الفرق بين الانعام والنعم): (قال الحريرى في "درة الغواص": قد فرقت بينهما العرب، فجعلت النعم اسما للابل خاصة، والماشية التي فيها الابل، وجعلت الانعام: اسما لانواع المواشي من الابل، والبقر، والغنم، حتى إن بعضهم أدخل فيها الظباء، وحمر الوحشي، متعلقا بقوله تعالى: "أحلت لكم بهيمة الانعام".
وفي التاريخ الكبير للبخاري:
 قال عمار بن ياسر يا حنظلة "أحلت لكم بهيمة الأنعام" إنما أنزلت فيما أبهم عليه الرحم إذا تم خلقه ونبت شعره فذكاته ذكاة أمه قاله عبد الله بن رجاء عن محمد بن مسلم.
وفي (التوقيف) للمناوي: (البهيمة ما لا نطق له لما في صوته من الإبهام لكن خص في التعارف بما عدا السباع لقوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام)
وفي الحيوان للجاحظ:
وسئل الشَّعبيُّ عن أكل لحمِ الفيل، فقال: ليس هو من بهيمة الأنعام.
وفي الكشاف للزمخشري:
وقيل: بهيمة الأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوها كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار وعدم الأنياب، فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه
*زهير
22 - ديسمبر - 2008
أسنان الأنعام    كن أول من يقيّم
 
 
تمتاز الأنعام عن غيرها من الحيوانات بخلو الفك العلوي من القواطع ،  ورأيت صورا واضحة لفكي الخاروف على هذا الرابط:
وفيه:
يمكن تحديد العمر بواسطة الأسنان أو السجلات
والأسنان تكون في الفك السفلي فقط بينما الضروس تكون في الفكين معا
وتولد بثلاث أزواج من الأسنان اللبنية ويظهر الزوج الرابع عند ثلاث أسابيع من العمر
وتدوم هذه الأسنان اللبنية حتى عمر 8 شهور من بعد الولادة وتكون متباعدة وبيضاء ويسمى(جذع)
كما في الصورة التالية :
وحول أسنان الماعز:
 

يمكن تحديد العمر بواسطة الأسنان والأسنان تكون في الفك السفلي فقط بينما الضروس تكون في الفكين معا ويولد الماعز بثلاث أزواج من الأسنان اللبنية ويظهر الزوج الرابع عند ثلاث أسابيع من العمر وتدوم هذه الأسنان اللبنية حتى عمر 8 شهور من بعد الولادة يبدل الزوج الأول الأمامي من عمر 1 - 2 عام بأسنان تسمى الأسنان الدائمة والزوج الثاني في عمر 2 - 2.5 عام والزوج الثالث في عمر 3 أعوام والزوج الرابع في عمر 4 أعوام وتأخذ هذه الأسنان في التآكل تدريجيا مع زيادة العمر بنفس الترتيب السابق(laterals , centrals , medians , corners)
 
وعلى موقع آخر:
ولا تمضغ الماعز طعامها إلا قليلاً، ونجد في مقدمة فكها العلوي وسادة صلبة بدلاً من القواطع (أسنان العض). وتقوم الثمانية قواطع الموجودة في مقدمة الفك السفلي بمساعدة الوسادة الصلبة على الفك العلوي على تقطيع الطعام. وتمضغ الماعز الطعام بضروسها؛ فلها 12 ضرساً من الضروس الطاحنة على مؤخرتي كل فك. وتنقسم معدة الماعز إلى أربعة تجاويف (غرف) لهضم الطعام. فبعد ابتلاع الطعام الممضوغ جزئيًا، يُختزن مؤقتاً في التجويف الأول من المعدة، ثم يمرر بعد قليل إلى التجويف الثاني حيث يليَّن ويتشكل في صورة شبه كروية تعرف باسم الجرة التي تعود للفم. وبعد مضغ الجرة، واجترارها ثم بلعها، تذهب للتجويفين الأخيرين، ثم إلى الأمعاء لإتمام هضمها. وتسمى الحيوانات التي تهضم طعامها بهذه الصورة حيوانات مجترة. انظر: المجتر، الحيوان.
 
والماعز الشامي على هذا الرابط:
 
والفك السفلي متقدم للأمام عن الفك العلوي بمقدار 1/2 سم فقط وإذا زاد البعد عن 1/2 سم يسمى كزمة وهذا يعيقها عن تناول العلف والرعي بشكل جيد
طريقة تحديد عمر العنزة عن طريق الأسنان:
1.     العمر (0-10) شهور ، الأسنان لبنية رفيعة وغير مبدلة.
2.     العمر حوالي سنة : العنزة بدلت الزوج المركز الأول (القواطع) بحيث تكون القواطع المبدلة قوية والأسنان المجانبة لها مباشرة لبنية نحيفة وأقصر قليلاً من القواطع المبدلة.
3.     العمر حوالي سنتين: العنزة بدلت زوجين من الأسنان الواقعين بجانب القواطع وتظهر القواطع والأسنان المجانبة لها مباشرة قوية أما الأسنان التي تليها فتكون لبنية أي نحيفة وأقصر من القواطع والأسنان المجانبة لها .
4.     العمر حوالي 3 سنوات : العنزة بدلت ثلاثة أزواج
5.     العمر حوالي 4 سنوات : العنزة بدلت أربعة أزواج
6.     العمر حوالي 5 سنوات : الأزواج الأربعة مكتملة ومتساوية الحجم.
7.     العمر أكثر من 5 سنوات : يبدأ الاحتكاك والتآكل في الأسنان
 
 
 
وحول أسنان الإبل على هذا الرابط:
 
للإبل أسنان قوية تعمل على قطع العلف ومضغه بكفاءة تمهيدا لبلعه. وتتميز مقدمة الفك العلوي بخلوها من الأسنان ( القواطع الوسطى)، وهي عبارة عن وسادة لحمية قوية. إن مهمة القواطع هنا قطع الأعشاب، أما الأنياب البارزة فتكمن أهميتها في قطع الأغصان. بينما تقوم الأضراس والرحى في طحن الغذاء المأكول. ويلاحظ أن الحنك المبطن للفم يغلفه غشاء يحتوي على حليمات قمعية الشكل داكنة صلبة بطول 1.5 سم تتجه نحو الخلف. وتساعد طبقة الخد الداخلية هذه على منع الأجزاء الشوكية للنبات من الالتصاق بالخد خلال الأكل والاجترار. كما ان سقف تجويف الفم يتميز بالطول وينتهي بلهاة حمراء بارزة تنتفخ وتخرج للخارج على أحد جانبي الفم مثل البالون في الفحول  في موسم الهياج الجنسي، أي في موسم التناسل، بينما في بقية الحيوانات الزراعية تكون صغيرة ولا تخرج. وتعتبر هذه القدرة على نفخ اللهاة (أو ما يسمى الدّلة او الدلاع) من وسائل الدفاع الغريزية التى تستخدمها الفحول لإبعاد الجمال الأخرى من حدود منطقتها أثناء الموسم التناسلي.
والفك السفلي في الإبل أقل حجما من الفك العلوي ولهذا يقوم الجمل بتناوب المضغ على أحد الجانبين، أي تارة يمضغ آكله على الجانب الأيمن وتارة أخرى على الجانب الأيسر من الفم، ليتم تلامس الأسنان المتقابلة لكل جهة. ويتم المضغ عدة مرات على جانب واحد قبل ان يتحول إلى الجانب الآخر. بينما في حالة الاجترار الذي يتم في وسط النهار وخلال الليل، فإن المضغ يتم على الجانبين بالتناوب. وكل جرة تمضغ من 40-50 مرة، وقد يصل عدد مرات المضغ إلى 70 مرة، مدة كل منها ثانية.
 
وحول أسنان البقر على هذا الموقع:
 
تختلف أسنان الأبقار عن أسنان الإنسان ، ويمكن القول أن لها أسناناً خاصة
لأكل العشب والتبن واجترار كتل الطعام .
يوجد في مقدمة الفك العلوي للبقرة طبقة سميكة من الجلد بدلاً من الأسنان .
أما مقدمة فكها السفلي فتحتوي على ( 8 ) أسنان تسمى القواطع .
ويُوجد ( 6 ) أضراس على كل جانب من جانبي الفكين العلوي والسفلي
أي أن للبقرة ( 6 × 4 = 24 ضرساً ) قوياً تقوم بطحن الطعام .
وبذا يكون مجموع أسنان البقرة ( 32 ) سناً.
( 8
قواطع + 24 ضرس = 32 سناً ) .
 
 
*زهير
22 - ديسمبر - 2008
البهيمة ما لا عقل له    كن أول من يقيّم
 
 البهيمة : من ذوات الأرواح ما لا عقل له مطلقاً، وسمي بهيمة لعدم تمييزه وإبهام الأمر عليه.
 
وقيل : أن سبب تسمية البهائم بهائم ليس إلا لكون أمر كلامها وأحوالها أبهم على غالب الخلق لا أن الأمر أبهم عليها.
 
وقيل : البهيمة اسم لكل ذي أربع من دواب البر والبحر، وإضافتها إلى الأنعام للبيان كثوب خز أي أحل لكم أكل البهيمة من الأنعام، وهي الأزواج الثمانية المذكورة في سورتها.
 
فإن قيل : البهيمة اسم جنس، والأنعام نوع منه، فإضافتها إليه كإضافة حيوان إنسان وهي مستقبحة؟
 
أقول : بأن إضافة العام إلى الخاص إذا صدرت من بليغ وقصد بذكره فائدة فحسنة ـ كمدينة بغداد ـ فإن لفظ بغداد لما كان غير عربـي لم يعهد معناه أضيف إليه مدينة لبيان مسماه وتوضيحه ـ وكشجر الأراك ـ فإنه لما كان الأراك يطلق على قضبانه أضيف لبيان المراد وهكذا وإلا فلغو زائد مستهجن، وهنا لما كان الأنعام قد يختص بالإبل إذ هو أصل معناه على ما قيل، ولذا لا يقال: النَّعم إلا لها أضيف إليه بهيمة إشارة إلى ما قصد به.
 
وذكر البهيمة وإفرادها لإرادة الجنس، وجمع الأنعام ليشمل أنواعها وألحق بهما الظباء وبقر الوحش، وقيل: هما المراد بالبهيمة ونحوهما مما يماثل الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب.
 
وإضافتها إلى الأنعام حينئذ لملابسة المشابهة بينهما ، وفائدة هذه الإضافة هنا الإشعار بعلة الحكم المشتركة بين المتضايفين كأنه قيل: أحلت لكم البهيمة المشبهة بالأنعام التي بين إحلالها فيما سبق لكم المماثلة لها في مناط الحكم.
 
وقيل: المراد ببهيمة الأنعام ما يخرج من بطونها من الأجنة بعد ذكاتها ؛ وهي ميتة.
 
*محمد
22 - ديسمبر - 2008
 2  3  4  5  6