البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : الفرق بين التفسير والتأويل    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 محمد 
13 - ديسمبر - 2008
ذكر الذهبي فروقاً بين التفسير والتأويل وهي:

1ً- قال أبو عبيدة وطائفة معه: التفسير والتأويل بمعنى واحد فهما مترادفان ، وهذا هو الشائع عند المتقدمين من علماء التفسير .

2ً- قال الراغب: التفسير أعم من التأويل ، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ والتأويل في المعاني.

3ً- قال الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع .

4ً- قال الثعلبي: التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، والتأويل تفسير باطن اللفظ .

5ً- التفسير ما يتعلق بالرواية ، والتأويل ما يتعلق بالدراية .

6ً- التفسير هو بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة والتأويل هو بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة ).اهـ التفسير والمفسرون للذهبي ج1 ص22 .

والنسبة بين هذه الأقوال الأربعة الأخيرة هي التباين.

رجح الإمام الزركشي أن هناك فرقاً بين التأويل والتفسير وأنهما ليسا بمعنى واحد فقال: الصحيح تغايرهما.اهـ انظر : البرهان ج2 ص14.

قال الذهبي:

والذي تميل إليه النفس من هذه الأقوال هو أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية ، وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان ، والكشف عن مراد الله تعالى لا يجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع وخالطوا رسول الله ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم .

وأما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل ، والترجيح يعتمد على الاجتهاد ويتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب واستنباط المعاني من كل ذلك.
 
قال أبو هلال العسكري في كتابه ( الفروق في اللغة ) بعد ذكره لجميع هذه الأقوال :

أقول: لا يخفى أن غاية ما يتحصل من هذه الاقاويل يتخلص من هذه التفاصيل أن:

التأويل له مزية زائدة على التفسير، ويرشد إليه قوله تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " حيث حصر سبحانه علم التأويل في جنابه تعالى ومن رسخ في العلم قدمه واستضاء في طريق التحقيق علمه، ووقع على عجائب ما أودع فيه من الاسرار، وأطلع على تفاصيل ما اشتمل عليه من الاحكام والآثار.

وقد دعا النبي صلى الله عليه وآله لابن عباس وقال : " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل ".فلو لم يكن للتأويل مزيد فضل لم يكن لتخصيص ابن عباس بذلك مع جلالة قدره، وعظيم شأنه ، مزيد فائدة .اهـ


سبب الاصطلاح في التفرقة بين التأويل والتفسير:

قال الزركشي:

وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير والتأويل التمييز بين المنقول والمستنبط ، ليحمل على الاعتماد في المنقول وعلى النظر في المستنبط.اهـ البرهان ج2 ص172 .

ويبدو من خلال ما ذكرنا أن التفسير ما كانت دلالته قطعية، وأن التأويل ما كانت دلالته ظنية.

وهنا ينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة في الموضوع هي: أن التأويل إذا كان صادراً عن المعصوم فيعود التأويل تفسيراً لأنه يكشف عن مراد الله تعالى في كتابه، وتكون دلالته في هذا الملحظ بالذات دلالة قطعية.


ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه في الآونة الأخيرة خرج إلينا كتاب منسوب لمحمد أمين شيخو(1)، جمعه عبد القادر يحيى الشهير بالديراني ، وأسماه ( تأويل جزء عمَّ ) حوى هذا الكتاب على أغلاط وأخطاء كثيرة ومثيرة ، يغلب عليه التأويل الرمزي، يخالف فيه الأحكام الشرعية والمصطلحات ، ويخالف قواعد اللغة العربية، ومناهج المفسرين وضوابط التفسير .

هؤلاء الناس يحذرون أيضاً من كلمة ( التفسير ) ويتعجبون من الذي أدخل في عقول المفسرين كلمة ( التفسير ) لأن هذا يناقض قول رسول الله حينما دعا لابن عباس رضي الله عنهما : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل .

ويقولون :
حذار من التفسير لأنه يعني أن القرآن غامض مبهم، فكلمة فسّر معناها اللغوي كان مبهماً غامضاً فوضحه وأبانه ، والقرآن ليس بمبهم ولا غامض، بل ظاهر بين .

ويقولون : التفسير فقط للكافرين لأنه من الرواية والروايات مبنية على الدسوس، أما التأويل فللمؤمنين.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ محمد أمين شيخو ( 1890م ـ 1964م ) : عاش طفولته يتيماً ، فتولت الحكومة العثمانية تربيته ، فدرس على نفقة الحكومة العثمانية ، إلى أن تخرج ضابطاً من الأكاديمية العسكرية التركية ، وعمل كضابط شرطة للعثمانيين، وبعد خروج العثمانيين من سوريا ودخول المستعمر الفرنسي ، عمل ضابطاً عند الفرنسيين ، وعند جلاء الفرنسيين عن سوريا ترك محمد أمين السلك العسكري ، وأصبح يهتم بشكل أساسي بالأمور الدينية ، لم يكتب لأفكاره الانتشار إلا بعد وفاته ، حيث قام بصياغتها وإظهارها كل من : عبد الهادي الباني ، وعبد القادر الديراني ، اللذين كانا تلميذين لمحمد أمين شيخو .اهـ
انظر : أهكذا يكون فهم الإسلام ،دراسة علمية نقدية لأهم أفكار محمد أمين شيخو على ضوء العلم والقرآن ، أحمد إسماعيل راغب ، دار العصماء ، دمشق ، الطبعة الأولى 1423هـ 2002م:8.
 
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الفرق بين التفسير والتأويل ( 1).    كن أول من يقيّم
 
 
الفرق بين التفسير والتأويل عند أهل السنة
 
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالميـن
" سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم"
(البقرة/  32).

لاحظ أهل السنة ـ ابن تيمية خاصةً ـ أن مشكلة تأويل القرآن الكريم من أخطر المشاكل التي جرت على الأمة كثيراً من الويلات، فهو أولاً حادث في الأمة؛ نتيجة الخلاف والفرقة بين المسلمين عشية مقتل الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان، وهو ما يعرف في التاريخ الإسلامي بالفتنة الكبرى، وبعد ذلك صار التأويل مدخلاً أساسياً للبدع التي حلت بالدين الإسلامي. وفي ذلك يقول ابن تيمية : " إن السلف كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان، فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرقة والاختلاف، صار أهل التفرق والاختلاف شيعاً، صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم عليها، يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسول وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه. فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يُعنَوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى، إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر على غير ذلك، والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع مَن قصد ردّها كيف أمكن، ليس مقصوده أن يفهم مُراد الرسول، بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها "(2).
ولما كانت قضية التأويل بذلك الحجم وبتلكم الخطورة، فقد أولاها ابن تيمية قِسطاً وافياً من الدراسة، متتبعاً هذا المشكل مِن أوله، فلاحظ أن الكلام – عموماً- ينقسم إلى قسمين :
1- إما أن يكون إنشاء وهو ما تضمن أمراً بالفــعل أو الترك .
2- وإما أن يكون إخباراً بأمور قد مضت، كتاريخ وقصص الأمم السابقة، أو بأمور مستقبلية ستحــدث، أو بأمور غيبية استأثر الله بعلمها، ومن ذلك المعاد والبعث والقيامة، والجنة والنار، وغيرها من الأمور الغيبية التي أخبر بها القرآن الكريم .

*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل ( 2).    كن أول من يقيّم
 

وأما الأول فتأويله هو إتيان ما أمر به المشرع والانتهاء عما نهى عنه، ومن ثم كان السلف يقولـون : " إن السنة هو تأويل الأمر. قالت عائشة، رضي الله عنها، كان رسول الله  يقول في ركوعه وسجوده:" سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن " وأما الإخبار " فتأويله عين الأمر المخبر به إذا وقع، ليس تأويله فهم معناه " ، فتأويل الخبر إذن ليس هو إدراك معناه، بل إدراك الحقيقة الخارجية له، وهو ما لا يستطيعه الإنسان، فهو فوق مستوى إدراكه، إذ إنه لا يمتلك تصوراً ذهنياً لحقيقة تلكم الأمور الغيبية على ما هي عليه في واقعها، " فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الأسماء من جهة القدر المشترك بينهما، ولكن لتلك الحقائق خاصية لا ندركها في الدنيا، ولا سبيل إلى إدراكنا لها؛ لعدم إدراك عينها، أو نظيرها من كل وجه، وتلك الحقائق على ما هي عليه هي تأويل ما أخـبر الله به " .
وفضلاً عن ذلك، فهذه الأمور الغيبية قد استأثر الله بعلمها، وحجبها عن الإنسان ـ رحمةً به ـ ولن يدركها على ماهي عليه في واقع أمرها، إلا حين يأتي وقت المشاهدة والمعاينة. والحديث عن أنواع الكلام هو بمثابة مدخل ضروري، وتوطئة لازمة لإبراز أنواع التأويل الممكنة. وقد حصرها في ثلاثة أنواع :
أولاً : مفهوم التأويل في القرآن الكريم :
بيّن ابن تيمية أن لفظ التأويل ورد كثيراً في القرآن الكريم، وقد حاول أن يبين المعنى الذي ينبغي أن يفهم من لفظ التأويل في القرآن، وذلك من خلال تتبعه لاستعمالها في السياقات المختلفة التي وردت فيها مع التركيز على تفسير قوله تعالى : " ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على عِلم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسُوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق " . فالتأويل معناه هنا تحقق هذه الأمور الغيبية التي أخبر بها القرآن الكريم، على ما هي عليه في واقع أمرها، يقول ابن تيمية: ثم قال : " هل ينظرون إلى تأويله " إلى آخر الآية ، إنما ذلك مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها : كالدابة ويأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ومجيء ربك والملك صفاً صفاً، وغير ذلك، فحينئذ يقولون : " قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ".، وهذا القدر الذي أخبر به القرآن من هذه الأمور لا يعلم وقته وقدره وصفته إلا الله ".
فهذه الحقائق الغيبية الكبرى يتعذر على الإنسان إدراكها، ومن ثَم يستحيل تأويل أمثالها مما ورد في القرآن الكريم .

*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل ( 3).    كن أول من يقيّم
 
ثانياً : مفهوم التأويل عند السلف :
وأما التأويل عند السلف فله معنيان : الأول : هو نفس مفهوم التأويل في القرآن الكريم، وأما المعنى الثاني عندهم فهو مرادف للفظ التفسير. وفي ذلك يقول ابن تيمية : "وأما التأويل في لفظ السلف فله معنيان : "أحدهما " تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالفه فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقارباً أو مترادفاً .
وهذا ـ والله أعلم ـ هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله. وابن جرير يقول في تفسيره : القول في تأويل قوله كذا وكذا . واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك ومراده التفسير .
و"المعنى الثاني " في لفظ السلف وهو الثالث من مسمى التأويل مطلقاً : هو نفس المراد بالكلام فإن الكلام إن كان (طلباً) كان تأويله نفس الفعل المطلوب، وإن كان( خبراً) كان تأويله نفس الشيء المخبر به ".
ثالثاً : مفهوم التأويل عند الخَلَف :
"
التأويل في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم، هو صرف اللفظ عن المعنى الراجع إلى المعنى المرجوح لدليل يعترن به، وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف، فإذا قال أحدهم : هذا الحديث أو هذا النص مؤوّل، أو هو محمول على كذا . قال الآخر : هذا نوع تأويل ، والتأويل يحتاج إلى دليل" .
وهذا المعنى للتأويل معنى مبتدَع، وهو يشكّل خطورة كبيرة على عقيدة الأمة الإسلامية، وعلى كيانها وسيادتها، إذ أخذ مطية من طرف الروافض، وملاحدة الفلاسفة وغلاة الصوفية، ولاسيما من طرف موثوري الشعوب الدخيلة - لمحاربة الدين الإسلامي، وزعزعة الأمن والنظام في البلاد الإسلامية، ومن ثَم وجدنا ابن تيمية يرفضه فيقول: " والتأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره ".
*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل ( 4).    كن أول من يقيّم
 
ويعقد ابن تيمية مقارنة بين معنيي التأويل عند السلف، فيبين أن التأويل بمعنى التفسير أو المرادف له هو من باب العلم والشرح والإيضاح، والمتكلم فيه يتحدث عن أشياءَ قد عقلها وأحسها وكوّن عنها تصوراً كافياً يمكّنه من التحدث عنها وهو مطمئن إلى سلامة ما يقول. أما المعنى الثاني للتأويل عند السلف وهو المرادف للحقيقة الخارجية على ما هي عليه في واقعها، فهذا مما لا يستطيع الإنسان إدراكه، إذ لا يمتلك تصوراً ذهنياً كاملاً للموضوع، بل كل ما يعرفه في هذا الأمر هو صفاتها وأحوالها التي أخبره بها المخاطب عن طريق التقريب وضرب المثل : " وبين هذا والذي قبله بَوْن، فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام، كالتفسير والشرح والإيضاح، ويكون وجود التأويل في القلب واللسان له الوجود الذهني واللفظي والرسمي. وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء أكانت ماضية أم مستقبلة، فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا نفس طلوعها، ويكون "التأويل " من باب الوجود العيني الخارجي، فتأويل الكلام هو الحقائق الثابتة في الخارج بما هي عليه من صفاتها وشؤونها وأحوالها، وتلك الحقائق لا تعرف على ما هي عليه بمجرد الكلام والإخبار، إلا أن يكون المستمع قد تصورها أو تصور نظيرها بغير كلام وأخبار، ولكن يعرف من صفاتها وأحوالها قدْر ما أفهمه المخاطب : إما بضرب المثل، وإما بالتقريب، وإما بالقدر المشترك بينها وبين غيرها، وإما بغير ذلك"(1).
وبهذا النص المهم جداً، يضع ابن تيمية أيديَنا على نقطتين مهمتين، ترفعان ما يمكن أن توصم به نظرية أهل السنة في التفسير من تناقض واضطراب، وهما :
1- مرتكزات التفريق بين التفسير والتأويل .
2- الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها.
أولاً : مرتكزات التفريق بين التفسير والتأويل :
بيّن النص السابق أنّ أهل السنة حدّدوا مفهومهم للتفسير والتأويل اعتماداً على مراتب الوجود وهي :
1- علم اليقين : هو ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته مبلغاً عن ربه .
2-عين اليقين : وهو المشاهدة .
3- حق اليقين : وهو الملامسة
.
*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل ( 5).    كن أول من يقيّم
 
فالتفسير يخص النوع الأول من الكلام أي الأمر بفرعيه : الفعل والترك؛ أي ما يصطلح عليه بأحكام القرآن، كما أنه يخص الجانب الأول من المتشابه، وهو ما يتعلق بإدراك الخبر القرآني وحدَه، من دون أن يتعلق الأمر بإدراك عين الحقيقة المخبر بها .
ومن ثَم يمكننا القول: إن التفسير عند أهل السنة يشمل جوانبَ ثلاثةً، وهي :
1- إدراك الأحكام التكليفية العملية .
2- إدراك ما أخبر به الحق سبحانه من أمور غيبية تتعلق بالبعث وأهوال يوم القيامة، ومشاهد الجنة والنار وغيرها من الأمور الغيبية التي وردت بالقرآن الكريم .
3- إدراك ما أثبته الله لنفسه من أسماء وصفات .
وأما التأويل فيتعلق بالجانب الثاني من المتشابه، وهو ما يتعلق بإدراك المخبر به فحسب، وهم يلاحظون أن مَهَمَّة التأويل خارجة عن القدرة الإنسانية في الفهم والإدراك، ذلك بأنه يقوم أساساً على إدراك الحقائق الغيبية على ما هي عليه في عالم المعاينة والمشاهدة، وهذا مما استأثر الله تعالى بعلمه، وهم إذ يفعلون ذلك إنما يتأولون قوله تعـــالى : " ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً ".
" هل ينظرون إلا تأويلَه ".
"  بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله."

فهذه الآيات تفيد أن تأويل الأمور الغيبية -بمعنى إدراك الحقيقة التي هي عليها في واقع أمرها -هو من العلم الذي استأثر الله به، وخص به ذاتَه المقدسة ولم يُطلِعْ عليه أحداً من خَلْقه .
مِمّا سبق يتبين لنا أن التأويل عند أهل السنة لا يخرج عن هذه الأمور الثلاثة :
1- التفسير والبيان، وهو ما درجوا على استعماله في تفاسيرهم، وهو المفهوم من أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم وأقوال الصحابة والتابعين [ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ،للشنقيطي ، 10 أجزاء].
2- إدراك الحقيقة الواقعية، وهذا مما استأثر الله بعلمه، وهم لا يخوضون في القضايا الغيبية على طريقة المتكلمين والفلاسفة والروافض وغلاة الصوفية، بل يوجهون كل جهودهم إلى معرفة هذه الحقائق وتمييز بعضها من بعض، ففي الصفات مثلاً
 لا يحاولون إدراك معنى الصفة على ما هي عليه حقيقة، بل يحاولون التعرف إلى معنى الصفة كما وردت في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف، بحيث يفهمون من صفة القدرة غير ما يفهمونه من صفة الكلام والعلم وهكذا.
*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل (6)..    كن أول من يقيّم
 
3- والمعنى الثالث للتأويل استنبطوه من الحديث الذي روته السيدة عائشة : " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي" بتأول القرآن ، تعني قوله تعالى : " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ".
والتأويل هنا معناه تنفيذ الأمر الرباني، أمراً كان أم نهيأً .
ثانياً : الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها :
للتفريق بين تأويل الآية وفهم معناها، ناقش علماء أهل السنة ما إذا كان في القرآن شيءٌ لا يدرك معناه، ومن ثَم يحرم الخوض فيه.
ومن خلال مراجعتنا آراءَ كلٍ من ابن عطية والطبري، والزركشي، وابن تيمية في هذا الموضوع، تبين لنا أنهم يعترفون بأن في القرآن أشياءَ استأثر الله تعالى بعلمها، وهي من قبيل الغيبيات كأسماء الله وصفاته، والجنة والنار، ونحو ذلك من الأمور الغيبية المستقبلية كخروج الدابة، والنفخ في الصور، وعدد النفخات، ومن ذلك قول الإمام الطبري : " وأن ثمة ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم ، وما أشبه ذلك، فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها؛ لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه .
وعلى هذا المعنى الذي أورده الإمام الطبري حملوا الأحاديث الواردة في النهي عن التفسير القرآني الكريم، يقول الزركشي في  " البرهان " : " ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى : " ولا تقف ما ليس لك به علم " وقوله: " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " . وقوله تعالى: " لتبين للناس ما نزل إليهم " . فأضاف البيان إليهم، وعليه حملوا قوله صلى الله عليه و سلم : " مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ". رواه البيهقي من طرق، من حديث ابن عباس. وقوله صلى الله عليه و سلم : " من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ". أخرجه أبو داود والترمذي والنَّسائي، وقال غريب من حديث ابن جندب .
وقــال البيـهـقي في "شُعَـب الإيـمان" هـذا إن صح، فإنـما أراد ـ والله أعلم ـ الرأيَ الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل ، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به.
وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق، رضي الله عنه، : " أيُّ سماءٍ تظلّني، وأي أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله برأيي".
وهذا الأمر نفسه دفع القرطبي (ت671هـ) في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن" والإمام ابن عطيـة (ت 546هـ) في تفسيره "الجامع المحرر الوجيز" إلى مناقشة الحديث الذي روته السيدة عائشة، رضوان الله عنها، والذي بينت فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفسر من القرآن إلا بضع آيات وبوحي من الله عز وجل، يقول ابن عطية : " روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت : " ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفسّر من كتاب الله إلا آياتٍ بعددِ علمه إياهن جبريل).
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ : " ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من الله تعالى، ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه، ومنها ما يُستقرَى من ألفاظه كعدد النفخات في الصور، وكرتبة خلق السموات والأرض".
*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل (7).    كن أول من يقيّم
 
3- والمعنى الثالث للتأويل استنبطوه من الحديث الذي روته السيدة عائشة : " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي" بتأول القرآن ، تعني قوله تعالى : " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ". والتأويل هنا معناه تنفيذ الأمر الرباني، أمراً كان أم نهيأً .
ثانياً : الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها :
للتفريق بين تأويل الآية وفهم معناها، ناقش علماء أهل السنة ما إذا كان في القرآن شيءٌ لا يدرك معناه، ومن ثَم يحرم الخوض فيه.
ومن خلال مراجعتنا آراءَ كلٍ من ابن عطية والطبري، والزركشي، وابن تيمية في هذا الموضوع، تبين لنا أنهم يعترفون بأن في القرآن أشياءَ استأثر الله تعالى بعلمها، وهي من قبيل الغيبيات كأسماء الله وصفاته، والجنة والنار، ونحو ذلك من الأمور الغيبية المستقبلية كخروج الدابة، والنفخ في الصور، وعدد النفخات، ومن ذلك قول الإمام الطبري : " وأن ثمة ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم ، وما أشبه ذلك، فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها؛ لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه .
وعلى هذا المعنى الذي أورده الإمام الطبري حملوا الأحاديث الواردة في النهي عن التفسير القرآني الكريم، يقول الزركشي في  " البرهان " : " ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى : " ولا تقف ما ليس لك به علم " وقوله: " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " . وقوله تعالى: " لتبين للناس ما نزل إليهم " . فأضاف البيان إليهم، وعليه حملوا قوله صلى الله عليه و سلم : " مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ". رواه البيهقي من طرق، من حديث ابن عباس. وقوله صلى الله عليه و سلم : " من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ". أخرجه أبو داود والترمذي والنَّسائي، وقال غريب من حديث ابن جندب .
وقــال البيـهـقي في "شُعَـب الإيـمان" هـذا إن صح، فإنـما أراد ـ والله أعلم ـ الرأيَ الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل ، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به.
وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق، رضي الله عنه، : " أيُّ سماءٍ تظلّني، وأي أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله برأيي".
وهذا الأمر نفسه دفع القرطبي (ت671هـ) في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن" والإمام ابن عطيـة (ت 546هـ) في تفسيره "الجامع المحرر الوجيز" إلى مناقشة الحديث الذي روته السيدة عائشة، رضوان الله عنها، والذي بينت فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفسر من القرآن إلا بضع آيات وبوحي من الله عز وجل، يقول ابن عطية : " روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت : " ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفسّر من كتاب الله إلا آياتٍ بعددِ علمه إياهن جبريل).
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ : " ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من الله تعالى، ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه، ومنها ما يُستقرَى من ألفاظه كعدد النفخات في الصور، وكرتبة خلق السموات والأرض".
*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل (8).    كن أول من يقيّم
 
ولا يفهم من كلام هؤلاء العلماء أنّ في القرآن ما لا يفهم معناه، بحيث يكون عند ذي العلم باللسان العربي، بمثابة الكلام الأعجمي الذي لا يفقه منه شيئاً، بل يستفاد من أقوالهم أن هناك أموراً أخبر بها القرآن، كصفات الله وأسمائه مثلاً. فهذه فعلاً يستحيل على الإنسان فهمُها على ما هي عليه في واقع أمرها. وبتعبير آخر لا يدرك الإنسان حقيقتها الخارجية، ولكنه يدرك حقيقتها العلمية بحيث يفهم من كل صفة غير ما يفهمه من الصفات الأخرى. وفي ذلك يقول ابن تيمـية ـ مبطِلاً قولَ من جعل أسماء وصفات الله سبحانه من المتشابه الذي لا يفهم معناه ـ : " أما الدليل على بطلان ذلك فإني لا أعلم عن أحدٍ من سلف الأمة، ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل ولا غيره، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا : إن الله ينزل كلاماً لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلماتٍ لها معانٍ صحيحةٌ، قالوا أحاديث الصفات تمر كما جاءت، وينهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه".
وانطلاقاً من هذه النقطة بدأ ابن تيمية يبيّن الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها . وذلك عبر مرحلتين :
**المرحلة الأولى:
ناقش فيها مَن يدّعون أن القرآن يتضمن ما لا يفهم معناه، ومن ثَم يتعين عدمُ الخوض فيه، وذلك حيث يقول : " قال بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله )(2)؛ أي كذبوا بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله. وأن الإحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله ؛ فإن الإحاطة بعلمه معرفة معاني الكلام على التمام، وإتيان التأويل نفس وقوع المخبر به، وفرق بين معرفة الخبر وبين المخبر به، فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن، ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله .
ونكتة ذلك أن الخبر لمعناه صورة علمية وجودها في نفس العالم كذهن الإنسان مثلاً، ولذلك المعنى حقيقة ثابتة في الخارج عن العلم، واللفظ إنما يدل ابتداءً على المعنى الذهني، ثم تتوسط ذلك، أو تدل على الحقيقة الخارجة، فالتأويل هو الحقيقة الخارجة، وأما معرفة تفسيره ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية، وهذا هو الذي بيّناه فيما تقدم أن الله إنما أنزل القرآن ليعلم ويفهم، ويفقه ويتدبر ويتفكر فيه، محكمه ومتشابهه، وإن لم يعلم تأويله ".
وهكذا يبين ابن تيمية أن تأويل الآية هو غير فهم معناها، وبذلك يفنّد رأي من قالوا بعدم الخوض في آيات الصفات؛ لأنها مما استأثر الله بعلمه، وأنها بمثابة قول أعجمي لا يفقه له معنى ، وهم إنما يفعلون ذلك لأحد أمرين :

*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل (9).    كن أول من يقيّم
 
1- انتصاراً للهوى والمذهب، كالمعطّلة وغيرهم من الفِرَق الضالة التي أحدثث في الإسلام أقوالاً، وأفعالاً غريبة عن طبيعته، وشاذة عن هدْيه وصراطه المستقيم، وأما أولئك -كنُفاة الصفات من الجهمية ومَن وافقهم من المعتزلة وغيرهم، وكالفلاسفة -فيجعلون ما ابتدعوه هم برأيهم هو المحكم الذي يجب اتباعه، وإن لم يكن معهم من الأنبياء والكتاب والسنة ما يوافقه، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء وإن كان صريحاً قد يعلم معناه بالضرورة، ويجعلونه من المتشابه، ولهذا كان هؤلاء أعظم مخالفة للأنبياء من جميع أهل البدع ".
2- أو خوفاً مِن أن تتسرّب بعض المفاهيم البعيدة عن الإسلام إليه إذا فتح باب التأويل على مصراعيه، وذهب إلى ذلك بعض علماء أهل السنة .
وإفحاماً لهؤلاء جميعاً، وإقامة للحجة عليهم يبين ابن تيمية أن دعواهم - بأن أسماء الله وصفاته من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله- لا أساس لها من الصحة ولا سند لها، ومن ثَم فهي محض افتراء، وادّعاء باطل، وقول مبتدع، وحادث في الملة : "وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله ... من قال إن هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه، فنقول : أما الدليل على بطلان ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة لا ابن حنبل ولا غيره، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا : إن الله ينزل كلاماً لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلمات لها معانٍ صحيحةٌ، قالوا في أحاديثِ الصفات : تمر كما جاءت ، ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه، كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد، والفضائل، وغــير ذلك ".
*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
الفرق بين التفسير والتأويل (10).    كن أول من يقيّم
 
**المرحلة الثانية :
أما المرحلة الثانية فيردّ فيها على من يزعُمون أن كل ما تضمنه القرآن يمكن تأويله، معتمدين في ذلك على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدعو فيه لابن عباس أن يعلّمه الله تأويل الكتاب . ومن هؤلاء غلاة الشيعة وغلاة الصوفية والملاحدة وغيرهم من الفرق الباطنية . يقول ابن تيمية : "وما أحسن ما يعاد: " اللهم فقهه في الدين" لابن عباس: التأويل إلى القرآن كله فإن قيل : فقد قال  :" وعلمه التأويل " . قيل : أما تأويل الأمر والنهي فذاك يعلمه، و(أل) في( التأويل): عهدية ذهنية ؛أي التأويل المعهود، لم يقل : تأويل كل القرآن. فالتأويل المنفي هو تأويل الأخبار التي لا يعلم حقيقة مخبرها إلا الله. والتأويل المعلوم هو الأمر الذي يعلم العباد تأويله، وهذا كقوله : " هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله " . وقوله : " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتـهم تأويله ". فإن المراد تأويل الخبر الذي أخبر فيه عن المستقبل، فإنه هوالذي " ينتظر" و " يأتي " و" لما يأتهم "، وأما تأويل الأمر والنهي فذاك في الأمر، وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى إن أدخل في التأويل لا ينتظر . والله سبحانه أعلم " .
وأهل السنة يعترفون أن التفسير يعتمد النقل بالأساس، والتأويل يعتمد الاستدلال والاستنباط أساساً، ومِن ثَم راحوا يوضّحون منهجهم في التأويل حتى لا يلتبسَ بمفهوم التأويل عند الفِرَق الضالة التي تلتجىء إليه انتصاراً للرأي والمذهب والهوى .
يقول الزركشي في كتابه "البرهان" : "وكل لفظ احتمل معنيين فصاعداً فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه على ما تقدم بيانه، وكل لفظ احتمل معنيين فهو قسمان :
أحدهما : أن يكون أحدهما أظهر من الآخر، فيجب الحمل على الظاهر، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي دون الجلي فيحمل عليه .
الآخَر : أن يكونا جليين والاستعمال فيهما حقيقة . وهذا على ضربين :
أحدهما: حقيقة لغوية ، وفي الآخر حقيقة شرعية . فالشرعية أولى إلا أن تدل قرينته على إرادة اللغوية نحو قوله تعالى : " وصَلِّ عليهم إن صلاتك سـَـكَنٌ ". وكذلك إذا دار بين اللغوية والعرفية، فالعرفية أولى لطريانها على اللغة، ولو دار بين الشرعية والعرفية، فالشرعية أولى؛ لأن الشرع ألزم " .
وهذا النص المهم يبين لنا عنصرين مهمين من عناصر المنهج السني :
*د يحيى
14 - ديسمبر - 2008
 1  2  3