البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : حول الاستغراب ...    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 زين الدين 
13 - ديسمبر - 2008
الإخوة الأكارم ،
تحية طيّبة ،
أخي وصديقي العزيز هشام ، حفظه الله ،
وقعت كلماتكم في خاطري أطيب موقع ، على أنّها أكبر منّي وأفخم ، فأردت أن أجيبكم إلى طلبكم بالحديث عن "الاستغراب" ، على الرغم من علمي أنّ هناك من سراة الوراق من هو أجدر مني بهذا الحديث ...
****
في الفعل " إستغرب " :
في لسان العرب " استغرب في الضحك أي أكثر منه " ، كما في معنى استغرق (تاج العروس) ويأتي غالب استعمال فعل استغرب بمعنى تعجّب واندهش ، أنظر مثلا قول ابن عربي في الفتوحات المكية : " واعلم أن الناس إنما يستغربون الحكمة من الصبيّ الصغير دون الكبير لأنهم ما عهدوا إلا الحكمة الظاهرة عن التفكر والرويّة وليس الصبيّ في العادة بمحل لذلك " ...
وليس هذا محل حديثنا ...
يأتي فعل استغرب على وزن استفعل ، ويجيء بناء استفعل :
"للدلالة على الطلب ، نحو استغفرت الله واستوهبته ، ومنه استخرجته أي لم أزل أتلطف به وأطلبه حتى خرج
أو للدلالة على التحول من حال إلى حال نحو استنوق الجال واستحجر الطين ، وأنّ البغاث بأرضنا تستنسر ،
وللإصابة على صفة نحو استعظمته واستسمنته واستجدته أي أصبته عظيما وسمينا وجيّدا ..."
سوف يلقي هذا "التنوّع الدلالي " بظلاله على الفعل استغرب ، فيأتي أحيانا للدلالة على من تحوّل في هيأته وفكره إلى سمت الرجل الغربي ، أو قد يأتي بمعنى من طلب التعرّف على الغرب وعلى عاداته وثقافته ونحله واجتماعه ... وهذا هو الأمر المقصود من الإستغراب في هذا السياق ... فهو على عكس الاستشراق ، محاولة الآخر الشرقي للتعرف على الغرب ، فهو يقوم ، كما أشار إدوارد سعيد في معرض حديثه عن الاستشراق ، على المسلّمة ذاتها أي الفصل بين الشرق والغرب " فالشرق شرق والغرب غرب " ، وكلّ قائم بذاته ، متوحد بخصائصه ، متميّز بصفاته ، مغاير للآخر ...
****
إشتهرت دعوى الاستغراب على لسان الأستاذ حسن حنفي ، في كتابه " مقدّمات في علم الاستغراب " غير أنّ الدعوى في ذاتها قديمة ، قدم الاحتكاك بالغرب ، إصطداما أو إعجابا ، محاكاة أو مغايرة ، وَلَهاً أو بغضا ....
نعثر في التراث العربي الإسلامي على محاولات عديدة للتعرف على الآخر ، سواء كان هذا الآخر شرقيا (كالبيروني مثلا في كتابه تحقيق ما للهند ...) أو كان غربيا كما هو حال الفلاسفة والرحالة العرب ...
وبينما لم يكن هؤلاء الفرنجة سوى بهائم لا تبشر بأي مشروع حضاري ، ديدنها الغزو والسطو كما يشير إلى ذلك اسامة بن منقذ ، تحوّل هؤلاء في العصر الحديث إلى نموذج أو مرآة يقارن بها تخلّف العالم المسلم وانحطاطه ... وعلى هذا نشط الحديث عن الاستغراب ...
راجع كتابات مالك بن نبي ، و محمد عمارة ، وبرنارد لويس ، ونور الدين أفاية ، وأمين معلوف ... وغيرهم في الحديث عن " اكتشاف " العرب للغرب ...
***
غير أنّه في صدد الحديث غن علاقة الشرق بالغرب من خلال مشروع الاستغراب ، لا يكون الأمر معرفيا بحتا ، بل هو فكري وإيديولوجي بامتياز ... فالمعرفة سلطة بشكل من الأشكال ، وهي في هذا السياق محاولة لقلب الطاولة على فكرة الاستعلاء الغربي ، الذي مارس على الشرق سطوته الاستشراقية منذ زمن ...
راجع مثلا دعوة إريك يونس جوفروا (عالم الإسلاميات بجامعة ستراسبورغ الفرنسية) إلى استغراب إسلامي ...على الموقع oumma.com
****
غير أنّ لهذه الدعوة ، على سحرها ، بعض المثالب :
- فهي تتّخذ من الاستشراق الغربي ، نظيرا لها ، وهي بهذا قد تعيد إنتاج سلبياته ذاتها ، من قبيل النظرة الأحادية ، والقوالب الجامدة ، وفكرة الاستعلاء ، التي قد تنعكس على مضامينه ونتائجه ...
- إنّ وصف الاستغراب بالعلم ، لهو في رأيي متعسّف بعض الشيء ، إذ ما موضوع هذا العلم ؟ إذا قلنا أنّه الغرب ، فما معنى الغرب ؟ كيف يمكن حصر هذا المفهوم ؟ سيما في ظلّ النقاش الحاصل في الغرب ذاته حول هذا الموضوع ...
أنظر مثلا كتابات إيمانويل طود حول اختراع أوربا " L'invention de l'Europe" ، أو حول التمييز بين أوربا وأمريكا داخل الكيان الغربي ذاته (كما عند محمد أركون)...
يبدو لي أنّ الاستغراب هو فضاء ثقافي للتفكير والتأمل والنقد في ظواهر يمكن ربطها بالغرب وبأشكاله
- يحاول الاستغراب إستعمال أدوات التفكير والحداثة الغربية ذاتها لنقد العرب ، ألا يكون هذا شكلا من أشكال " بضاعتنا ردت إلينا " (ولا زيادة في الكيل) ... ذلك ان استعمال هذه الأدوات لا يخلو من التسليم بمقدماتها النظرية ، وهو أمر يتعذّر من بعده نقد هذه المقدّمات ذاتها ...
ولنضرب مثلا على ذلك :
كنت قد قرأت للدكتور حسن حنفي مقالا حول الفلسفة الإسلامية (في مجموعة مقالات صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية) ، يدعو فيها إلى التخلي عن فكرة الله - عز وجل - كفكرة مركزية في الفلسفة الإسلامية ، واستبدالها بمركزية الإنسان ، وهذا الأمر في رأيي استرجاع لمعيارية الفلسفة الغربية ولنظرتها الديكارتية  ... كيف يمكن بعد هذا النظرة إلى الغرب بمنظار آخر ؟ ونحن أسرى مسلماته ، كما نحن أسرى أدواته ...
وللموضع بقية بحول الله
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
المثقفون العرب بين الاستشراق والاستغراب    كن أول من يقيّم
 
المثقفون العرب بين الاستشراق والاستغراب
هاشم صالح ، الشرق الأوسط (20 ديسمر 2007)
*****
كثيراً ما نتحدث عن الاستشراق والمستشرقين، لكن نادراً ما نتحدث عن الاستغراب والمستغربين. والواقع أن علم الاستغراب هو المقابل المضاد لعلم الاستشراق. فإذا كان الاستشراق يعني دراسة الحضارات الشرقية، فإن الاستغراب يعني دراسة الحضارة الأوروبية أو الغربية بشكل عام. لكن ينبغي الاعتراف بأن الاستشراق سبق الاستغراب، كظاهرة وكعلم. فهو كما يقول العارفون قد ظهر في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر، مع حملة نابليون بونابرت على مصر (1798 ـ 1801). صحيح أن هذه الحملة فشلت سياسياً، لكنها نجحت فكرياً وأيديولوجياً. فقد شكلت بداية لتأسيس علم الاستشراق الحديث، وذلك لأن نابليون اصطحب معه أكثر من مائة وسبعة وستين عالماً، وكانوا ينتمون إلى شتى الاختصاصات من مهندسين، وفلكيين، وكيميائيين، وأطباء، وفلاسفة.. هكذا نجد أن إرادة القوة كانت مسنودة من قِبل إرادة المعرفة. لكن هذا لا يعني أن الاستشراق كله استعمار وهيمنة فقط. فهذا خطأ ارتكبه معظم المثقفين العرب للأسف الشديد.فالواقع أن الاستشراق هو علم بالمعنى الحقيقي للكلمة، وقد جمع معلومات كثيرة عن تراثنا ومجتمعاتنا.
فقد ساهم ثلاثمائة باحث في تأليف «وصف مصر»، وهو كتاب ضخم يحتوي على تسعة أجزاء صدرت بين عامي (1809 ـ 1828)، ويعتبر تأسيساً لعلم المصريات أو الحضارة المصرية بقدر ما هو تأسيس لعلم الاستشراق. في الواقع أنه مركز على تاريخ مصر القديمة، أي مصر الفرعونية، أي ما قبل الهيلينية وما قبل البيزنطية، وبالتالي ما قبل الإسلامية، لكنه يرهص أيضا بولادة علم الإسلاميات أو الاستشراق العربي الإسلامي، لأن علماء نابليون كانوا يهتمون أيضاً بدراسة المجتمع المصري في صيغته الحالية.
لقد كثرت رحلات الأوروبيين إلى منطقة الشرق الأوسط (مصر، فلسطين، سورية)، أثناء النصف الأول من القرن التاسع عشر، وساعد على ذلك انفتاح هذه المنطقة على الخارج بعد ضعف الإمبراطورية العثمانية والسياسة الإصلاحية التي انتهجها والي مصر: محمد علي. لكن هؤلاء الرحالة لم يكونوا عبارة عن مستشرقين حقيقيين، إنما كانوا في معظمهم كتاباً يبحثون عن الإلهام في عبق الشرق وأجوائه الساحرة. نذكر من بينهم شاتوبريان، لامارتين، اليكسندر دوما، جيرار دونيرفال، الذي ألف كتاباً ضخماً بعنوان: «رحلة إلى الشرق». كما نذكر أيضا غوبينو، فلوبير.. إلخ. ثم جاء دور كبار المستشرقين الأوروبيين الذين رحلوا إلى الشرق بهدف الدراسة العلمية للغاته، وتراثاته الدينية، وعاداته وتقاليده. نذكر من بينهم الفرنسي ارنست رنيان، والألماني كارل بيكر، والهنغاري الألماني اللغة غولدزيهر، والهولندي هيرغرونجيه. ومنذ تلك الفترة برهن الاستشراق الألماني على حيويته الكبيرة. وقد تركز بشكل أساسي على دراسة النصوص العربية الإسلامية الكلاسيكية وتحقيق المخطوطات بشكل لغوي وتاريخي دقيق. ولم يهتم كثيراً بدراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الإسلامية كما كانت سائدة في تلك الفترة. في الواقع كان هدف الاستشراق الألماني في البداية هو دراسة البيئة التي ظهرت فيها المسيحية أكثر مما هو دراسة الإسلام. وبالتالي فإنه ركز على الدراسات السامية المرتبطة بالدراسات التوراتية والإنجيلية.
لكن الاستشراق لا ينحصر فقط بالدراسات العربية والإسلامية على عكس ما نتوهم. فهناك استشراق متخصص بدراسة الشرق الأقصى وحضاراته وثقافاته. نذكر من بينه الاستشراق المتركز على الدراسات الهندية، أو الصينية، أو اليابانية. صحيح أن الأوروبيين اهتموا بنا قبل غيرنا لأسباب عديدة، ليس أقلها القرب الجغرافي، ثم لأن منطقتنا تحتوي على المقدسات المسيحية التي تشكل الدين الأساسي للغرب، لكنهم بعد أن قويت حضارتهم وازداد غناهم، راحوا يهتمون أيضاً بدراسة الأديان والتراثات غير التوحيدية. وهكذا نجد في أقسام الاستشراق في الجامعات الغربية قسماً مهتماً بدراسة التراث الإسلامي، وقسماً مهتماً بدراسة التراث الهندوسي، وقسماً مهتماً بدراسة البوذية والكونفوشيوسية وتراث الصين، وقسماً مهتماً بدراسة التراث الياباني. هكذا نجد أن الغرب الأوروبي أصبح قادراً على دراسة جميع الحضارات الكبرى التي توالت على البشرية بسبب تفوقه التكنولوجي والعلمي على جميع مناطق العالم بدءاً من القرن التاسع عشر. وعلى هذا النحو ظهر كبار المستشرقين في ألمانيا، وفرنسا، وانجلترا، وهولندا.. الخ. فالمستشرق هو شخص أوروبي اختار أن يكرس حياته لدراسة تراث آخر غريب عن تراثه. وبالتالي فهو وسيط ثقافي بين ثقافته الخاصة والثقافة الشرقية التي يدرسها. فالمستشرق الفرنسي مثلاً، إذ يدرس التراث الإسلامي مضطر لتعلم العربية من أجل فهم المخطوطات والنصوص. وأحياناً يجيء إلى بعض بلداننا أو جامعاتنا من أجل اتقان اللغة بشكل أفضل والتعرف على الثقافة والتراث والشعب.. وفي بعض الأحيان يصل إعجابه بتراثنا وحضارتنا إلى حد اعتناق الدين الإسلامي كما حصل لفانسان مونتيل مثلاً، الذي حول اسمه إلى فانسان منصور مونتيل. وبالتالي فدراسة التراثات الأخرى تمثل عملية تفاعل ثقافي بالمعنى الغني والرائع للكلمة. والانفتاح على ثقافات الآخرين أو على لغاتهم وتراثاتهم الدينية والأدبية والفلسفية، يمثل مغامرة كبيرة حقاً. وهو يؤدي إلى تغيير الشخصية أو إجراء تعديل عليها فتصبح منفتحة أكثر بكثير من السابق.
لكن ماذا عن المستغربين؟ ماذا عن أولئك الذين يمشون في الاتجاه المعاكس، أي الذين يدرسون ثقافة الغرب وحضارته؟. فهؤلاء أيضاً يمثلون وسطاء ثقافيين بين العرب وأوروبا، أو بين الأتراك وأوروبا، أو بين الفرس وأوروبا.. الخ. وإذا كان المستشرقون يدرسون حضارات الشرق من إسلامية أو هندية أو صينية أو يابانية، فإن المستغربين يدرسون حضارة الغرب سواء أكانت فرنسية، أم ألمانية، أم إنجليزية، أم أميركية.. الخ. وقد ابتدأت البعثات تجيء إلى جامعات الغرب كالسربون، وبرلين، واكسفورد، وكمبيردج، وسواها منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر. ثم استمرت على هذا النحو حتى يومنا هذا. وهذه البعثات هي التي شكلت أفواج المثقفين العرب بالمعنى الحديث للكلمة بدءاً من رفاعة رافع الطهطاوي وانتهاء بأساتذة الجامعات المعاصرين، مروراً بأحمد لطفي السيد وطه حسين ومحمد مندور وعشرات غيرهم. فالمستغرب هو ذلك الشخص الذي أمضى قسماً من حياته في دراسة إحدى اللغات الأجنبية كالفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية.. كما أنه شخص مطلع على الثقافة الأوروبية الحديثة وعلى مناهج البحث العلمي من خلال إحدى هذه اللغات أو أكثر من لغة. وبالتالي فهناك علم للاستغراب بقدر ما هناك علم للاستشراق. وعلم الاستغراب ليس محصوراً بالعرب أو بالمسلمين، إنما هو موجود أيضاً لدى اليابانيين، والصينيين، والهنود، وسواهم. فبعد انتصار الحضارة الأوروبية في القرن التاسع عشر وتفوقها علمياً وتكنولوجياً وفلسفياً، أصبحت جميع الشعوب تتطلع نحوها وتريد التعرف عليها لكي تدرك سرّ نجاحها وتفوقها. وهكذا انفتحت اليابان على أوروبا بعد أن كانت منغلقة على نفسها طيلة قرون وقرون. إن تغريب اليابان أو استغرابها ابتدأ مع سلالة «الميجي»، التي حكمت اليابان منذ أواخر الستينات من القرن التاسع عشر. بالطبع فإن محاولات الانفتاح كانت قد سبقت ذلك التاريخ، لكنها كانت متقطعة وجزئية. لقد طرحت سلالة «الميجي» شعار «الانفتاح على الحضارة والتنوير»، لكي تلحق اليابان بركب العالم المتقدم. فقبل عهد «الميجي» كان عدد الطلاب الذين أرسلوا إلى الخارج للدراسة لا يتجاوز الثلاثمائة. وأما بعد ذلك العهد فقد أصبح بالألوف. وطلبت منهم السلالة الحاكمة أن يرجعوا بكل علم الغرب في شتى الاختصاصات من طب، وهندسة، وتكنولوجيا.. الخ. وقد لعب المفكر «فوكوزاوا يوكيشي» (1835 ـ 1901)، دوراً كبيراً في هذا المجال. فبعد أن قام برحلة إلى الغرب، راح يدعو إلى إجراء تغيير عام وشامل على اليابان. وراح يدعو إلى استغراب كامل. ثم ابتدأت أولى الترجمات من اللغات الأوروبية إلى اللغة اليابانية. وهكذا نقلت مؤلفات مونتسكيو، وجان جاك روسو، وجون ستيورات ميل، وسبنسر.. الخ. لكن في اليابان، كما في البلدان العربية وكما في الهند أو الصين، فإن الكتب لم تكن هي وحدها التي تمثل الحداثة، إنما كانت هناك الصحف أيضاً والمجلات. وبدءاً من حلول عهد «الميجي»، فإن المثقفين اليابانيين راحوا يهتمون كثيراً بالصحافة. وقد ظهرت أول جريدة يابانية في مدينة ناغازاكي عام (1861)، وكانت بالإنجليزية. وفي العام التالي ظهرت أول جريدة باللغة اليابانية، وعندئذ اندلع صراع بين تيار يدعو لانفتاح البلاد على الخارج من أجل تحديثها، وتيار يرفض هذا الانفتاح ويدعو إلى طرد البرابرة: أي الأجانب!. فكل من ليس يابانياً كان يعتبر بربرياً أو همجياً في نظر الأصوليين اليابانيين.
هذا يعني أن اليابان شهدت نفس الصراع الداخلي الذي شهدته الحضارات الكبرى تجاه مسألة الاستغراب. وبالتالي فهذه العملية ليست حكراً على المسلمين، أو الهنود، أو الصينيين. في كل أمة هناك تيار يدعو للمحافظة على الأصول والهوية والتراث ويعتبر الانفتاح على الخارج تهديداً لثوابت الأمة وقيمها. لذلك فإني استغرب نعت المسلمين أو العرب فقط بالأصولية، وتبرئة اليابانيين أو الهنود أو الصينيين منها. لا ريب في أن تيار التحديث قد انتصر أخيراً في اليابان، لكنه لم ينتصر إلا بعد أن خاض صراعات مريرة مع التيار الأصولي الذي يقدس شخص الإمبراطور ويعتبر أن عقيدة اليابان هي وحدها العقيدة الصحيحة وكل ما عداها خاطئ وضال.. فتيار الأصولية اليابانية راح يعلن بأن اليابان سوف تفقد روحها إذا ما انفتحت على الحضارة الغربية، وهذا ما يعلنه الأصوليون في كل الحضارات الأخرى. ننتقل الآن إلى الصين. يمكن القول بأن المفكر «ين فو» (1853 ـ 1921)، هو أب الانتلجنسيا الصينية الحديثة، وهو الذي دشن حركة الترجمات الكبرى التي سوف تؤدي لاحقاً إلى تغيير المشهد الثقافي والأيديولوجي للصين. كما أنه أحد آباء الصحافة الصينية الجديدة. وكان قد درس في إنجلترا لمدة سنتين، وبالتالي فهو يعرف الغرب عن كثب وليس فقط من خلال الكتب. وكان من أوائل الصينيين الذين يتقنون التحدث بلغة شكسبير، وقد ترجم بنفسه عدة كتب لمفكرين أوروبيين من أمثال سبنسر، وهكسلي، وآدم سميث، ومونتسكيو.. الخ. كما كتب مباشرة عدة كتب. وكان معجباً بالحضارة الغربية، ويعتقد بتفوقها على الحضارات الأخرى. ولهذا السبب ابتدأ ينقد التراث الصيني التقليدي الذي اتهمه بالجمود. وعندئذ اصطدم بالأصوليين الكونفوشيوسيين، الذين اتهموه بالزندقة والعمالة للغرب!. واشتعلت المعركة بين المثقفين الصينيين التحديثيين والمثقفين الصينيين التقليديين، تماماً كما حصل لدى الهنود، والمسلمين، واليابانيين.. الخ. في الواقع أن الكونفوشيوسية تعتبر عقيدة فلسفية أو مدرسة فكرية بالنسبة لمعظم الصينيين، لكنها ليست ديناً بالمعنى المتعارف عليه في المسيحية أو في الإسلام. فمفهوم الدين كما نعرفه غير موجود في الصين. لكن العقيدة الكونفوشيوسية تتمتع بقداسة لا تنكر، وهي عبارة عن أيديولوجيا رسمية للسلطة، أي نوع من العلم السياسي، بالإضافة إلى كونها عقيدة أخلاقية وروحية لأغلبية الشعب الصيني. وبالتالي فهي تقوم مقام الدين. وتعلّق الصيني التقليدي بها لا يقل قوة عن تعلّق المسيحي أو المسلم بدينه، بل إن بعض الأصوليين الصينيين يقولون إنها العقيدة الوحيدة الصحيحة وينبغي أن تسود العالم كله يوماً ما.
*زين الدين
14 - ديسمبر - 2008
الحداثة كمرجعية عليا للحضارة الغربية    كن أول من يقيّم
 
الحداثة كمرجعية عليا للحضارة الغربية
هاشم صالح ، الشرق الأوسط (17 يناير 2004)
****
...... كان بعض المثقفين العرب (ومن بينهم أحمد الشيخ وحسن حنفي) قد دعوا الى تأسيس علم الاستغراب كمقابل لعلم الاستشراق الذي أسسه الأوروبيون في القرن التاسع عشر أو حتى قبل ذلك، وهي فكرة جيدة ومشروعة بشرط ان نتفق على مفهوم علم الاستغراب وأهدافه. فإذا كان المقصود به التعرف على كيفية تشكل الحضارة الغربية مرحلة فمرحلة منذ عصر النهضة وحتى الآن، فأهلاً به ومرحباً. فنحن كما قلت في بداية هذه المقالة بحاجة ماسة الى ذلك.. واذا كان المقصود به نقد هذه الحداثة أو تلك الحضارة الناتجة عنها وفرز سلبياتها عن ايجابياتها وعدم تقليدها بشكل حرفي أعمى فأهلاً وسهلاً ايضاً. ولكن اذا كان المقصود به دحض الغرب لمجرد انه غرب والقول ان كل ما نتج عنه خاطئ وشرير أو امبريالي استعماري رأسمالي، فلا أعتقد أن المشروع سيفيدنا كثيراً او سينقذنا من ورطتنا. على العكس ربما ساهم بتقوية الآيديولوجيا المحافظة والمواقع الأكثر تخلفاً وانغلاقاً في ثقافتنا وفكرنا. بل انه سيساهم في عودتنا الى الوراء أو مراوحتنا مكاننا في أحسن الاحوال. وعندئذ يتحول علم الاستغراب الى علم الاستلاب الماضوي بامتياز. وهكذا يؤدي الى عكس النتيجة المتوخاة منه....
*زين الدين
14 - ديسمبر - 2008
في شروط نشأة الاستغراب ...    كن أول من يقيّم
 
تعقيبا على المقال الأول ، الذي أشرت فيه إلى دعوة إريك يونس جوفروا إلى " الإستغراب " باعتباره دعوة إلى التعرّف على الغرب ونقده ، أنقل ترجمة للفقرة الأولى من مقال منشور على موقع oumma.com وكذا على موقع الأستاذ جوفروا الشخصي http://www.eric-geoffroy.net بعنوان " نظرة بعض المفكرين المسلمين للاستشراق الفرنسي " :
"لماذا لا يمارس الشرقيون ، وعلى الخصوص العرب والمسلمون ، بدورهم ، الإستغراب ردا على الاستشراق ؟ هذا التساؤل يطرحه في العديد من المرات أحمد الشيخ ، مفكّر مصري معاصر ، في كتابه ، الذي سنتعرض له لاحقا ...
لم تتكوّن لدى الشرقيين عادة الدراسة النقدية للغرب ، وذلك يعود إلى الأسباب نفسها التي أسهمت في نشأة الاستشراق ، متمثلة في السيطرة التي مارسها الغرب على الشرق منذ القرن الثامن عشر .
غير أن الوضع قد تغيّر ، ظاهريا على الأقل ، إذ أصبح هذا الاستشراق الكلاسيكي ينظر إليه من قبل المسلمين باعتباره توأم الاستعمار ، حتى أصبح الباحثون الفرنسيون المعاصرين للعالم العربي والإسلامي ينأون بأنفسهم عن تسمية " مستشرقين " نتيجة هذا الارتباط التاريخي بين المعرفة والسياسة ، ومن جهة أخرى ، إنتظم الرد ، في أرض الإسلام ، وعلى الرغم من طابعه المندفع وغير المتعقّل أحيانا ، غير أنّ بعض المفكرين المسلمين استطاعوا أن يصلوا إلى مرحلة الحوار البناء ، بفضل ثقة ومعرفة أفضل بالآخر ... "
يضع صاحب المقال أصبعه على الجرح ، فالمعرفة هي منتج اجتماعي وتاريخي ، لها مقتضيات وهي في حاجة إلى شروط لنموّها وازدهارها ، وكذا أفولها ، فالحديث عن الاستشراق ، لا يكون سوى في إطار رصد الفعالية الحضارية الغربية ، بدءاَ من ترجمة القرآن الكريم في دير كلوني ، مرورا بالاهتمام بجمع المخطوطات العربية (دو بوستال) وصولا إلى الدراسات اللغوية (الفيلولوحيا) وكذا إلى الدراسات المتخصصة في العالم العربي و الإسلامي، فضلا عن إحتضان المؤسسة لهذه الفعالبة (القرار البابوي بإنشاء كراسي اللغات العربية والعبرية ... سنة 1312 وكذا تأسيس جامعة باريس) ، وصولا إلى الجمعيات العلمية وعلاقاتها الملتبسة مع مؤسسات السيطرة والتوسع الإستعماري ...
وعلى هذا ، فإنّ الدعوة إلى علم استغراب ، أو إلى تعرّف جدّي بالآخر الغربي ، وهي معرفة ضرورية ، لا يمكن أن تنشأ بمعزل عن عاملين :
الأوّل حضاري وثقافي ، يحشد فاعلية منتجي المعرفة ، على جميع الأصعدة ؛
الثاني مؤسسي ، وهو في وضعنا الحالي ، يكاد يكون ميؤوسا منه ، سوى من بعض المبادرات (أنظر مثلا تجربة مركز المدينة المنورة لبخوث الاستشراق) ...
*زين الدين
14 - ديسمبر - 2008
حول (علم الاستغراب)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أخي زين الدين، تحية طيبة وبعد :
أشكرك على هذه الإضاءات اللغوية والفكرية والإحالات التي سأطلع عليها مستقبلا.لأني اطلعت لتوي على تعليقك، سأحتاج إلى وقت للقراءة وإضافة بعض التعليقات التي أذكر منها مايلي :
إن الاستغراب ، حسب حسن حنفي، ولا نقوّل الرجل ما لم يقل، يعود إلى العصور القديمة أين درس الشرق بمفهومه الواسع الغرب القديم، والعرب والمسلمون جزء من الشرق الكبير (غير الأوسط) درسوا الغرب - اليونان- كما درسوا الشرق - الهند- وبرعوا في تحليل غلقلية الآخر - الغرب - أما الآن، ومع بدايات عصر النهضة العربية، حاول المصلحون - أشار إليها حسن حنفي بالمشاريع الثلاثة - أن يتقدموا أن يصلحوا شأن أمتهم، لكنهم ،وفي محاولاتهم تلك، وقعوا في المحظور، إذ بدل أن يجعلوا الغرب كموضوع للدراسة، كما يدعو إليه حسن حنفي، استعملوا نفس آلياته من أجل إبداء موقف الرافض للثقافة الغربية أو للمتبع لها شبرا بشبر وذراعا بذراع، يقول حسن حنفي : إن الاستغراب بديل عن الاغتراب، في مواجهة الاستشراق.
سأحاول أخي زين الدين أن أعطيك ملخصا عن الفصل الأول لكتاب حسن حنفي : مقدمة في علم الاستغراب.
 
hichem
15 - ديسمبر - 2008
لماذا نخاف الغرب    كن أول من يقيّم
 
أثارني النقاش الذي يدور حول الإستغراب، أو الإستشراق،  ولاحظت أن بعض الإخوة المفكرين يخشون الغرب، ويحاولون أن يستنجدوا بهذا المفكر أو ذاك من القديم والحديث وكأن الأمر يحتاج إلى كل هؤلاء الأساطين لينقذوننا من الغرب الذي يهاجمنا، ويحاول أن يطعن في هويتنا..وعلينا أن نحذره، فهو المتربص بثقافتنا، وثراثنا، وما إلى ذالك..ما العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اطلب العلم ولو في الصين" دون أن يكون لديه حرج في أن يتعلم أبناء ملته علوم وثقافة الغير، ويبدو لي أن إشكاليتنا لها جذور نفسية عميقة تتمثل من هروبنا من مواجهة الأمر الواقع وهم أننا متخلفون ، وعلينا أن نتعلم من الآخرين كما تعلم أجدادنا، فقد كان المشرفون على بيت الحكمة في عهد المأمون من غير العرب، ولم يقل أحد حينئذ أنهم يسممون ثقافتنا العربية الإسلامية، بل ترجموا علوما عقلية ساهمت في ازدهار الحركة العلمية العربية الإسلامية، تماما كما فعل نابليون عندما دخل مصر مع الفارق بطبيعة الحال، فقد كانت الأمة الإسلامية سياسيا وعسكريا في العصور القديمة قوية، وكان الإسلام في أوجه، والأمة العربية في قمة عزها. وأعتقد أن المشكلة ليست لدى المفكر العربي، أو الإنسان العربي البسيط، فالمفكر يملك من الوسائل الدفاعية ما يكفيه ليبقى محافضا على خصوصيته، والإنسان العادي لا يزال يحافض على عاداته ، وتقاليد، ولم يستطع الغرب أن يمحوها من ذاكرته، أو من سلوكاته. المشكلة إذا عند السياسي، هو الذي يخاف من أن يتأصل الفكر الحر في المجتمع العربي، الفكر الذي ينادي بالتعددية، والإيمان بالإختلاف، وحق الأم العربية عندما تنجب أن تحلم بطفلها في يوم ما رئيسا في الدولة التي تعيش فيها، بناء على هذا فلا يجب أن ننظر إلى الغرب من زاوية السلبيات فحسب، بل علينا أن نثمن إيجابياته، ونأخذ عنه كل ما يخدم مصالحنا، وينمي مدارك أبنائنا ليساهموا بدورهم في بناء الحضارة الإنسانية..وأنا متيقن بأن عقيدتنا محمية بما فيه الكفاية لتدافع عن نفسها، بل لتقنع الآخر برسالتها النبيلة، وهي الرسالة المبنية على التسامح، والحوار الهادء الذي يتوخى الإقناع بما هو أحسن. ولعل المعضلة التي يواجهها الإنسان العربي المسلم هي سيطرة الفكر العقلاني/ (التكنولويا) على مساحة واسعة من حياتنا اليومية، هذه السيطرة تخيف العديد من الناس الذين ارتاحوا ومنذ سنين إلى التفسيرات الخرافية، والأسطورية لظواهر الكون والطبيعة، أصبح الفكر الديكارتي ( نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي ديكارت ) يزعج نومتهم، ويقلق سكونهم، ويفقدهم البوصلة التي يستهدون بها، مما يحتم عليهم مراجعة الكثير من المعتقدات التي تعلموها في طفولتهم من آباء لم تسعفهم ظروفهم للتعلم، أو معلمين لم يتواصلوا بما فيه الكفاية مع الفكر الإنساني والكوني. أو لأنهم تكونوا في مراكز ذات توجه خاص حتمت عليهم أن يتشكلوا وفق التوجهات التي أراتها هذه المراكز، وبالتالي انخرطوا في أيديولوجيتها، وتوجهاتها العامة. وقد واجه فقهاؤنا ومبشرينا نفس المعضلة في القرون الأولى للفتوحات الإسلامية، وكان السؤال هو: كيف نقنع الأخر الذي لا يتكلم اللغة العربية، ولا يفهمها بإعجاز القرآن الذي تجلى في فصاحته، وعجز العرب على أن يحاكوا ألفاظه، ومعانيه، وأساليبه، وأعتقد أن من قام بهذه المهمة التاريخية هم المفكرون الذين استعملوا العقل في الجدال، والحوار، والمناضرات... هؤلاء، كالمعتزلة مثلا، هم من أقنع العديد من الأمم التي دخلت الإسلام بصدق النبوة، وجلال الرسالة السماوية، مثل هؤلاء هم الذين يحتاجهم شبابنا في الجامعات، والمعاهد، وغيرها من المؤسسات، فمن الصعب اليوم أن تقنع الشباب الذي يتعاملون مع أحدث وسائل الإتصال، ويشاهدون آلاف القنوات، أن العالم تسكنه الأشباح التي كانت تسكن "ودي عبقر" وغيرها من وديان الأراضي العربية الإسلامية. سلاحنا المهم في مواجهة الأخر هو أن نتعلم أصول الفكر الحر، وأن نعلمه لأجيالنا.
المصطفى
17 - ديسمبر - 2008
مالي أرى الهمزة حيرى ؟    كن أول من يقيّم
 
1- أمر = الأمر
2- أكرم = الإكرام
3- اتّصل = الاتّصال
4- استغرب = الاستغراب
الفعل الذي عدّته ثلاثة أحرف ،أو أربعة : همزته قطع ، هو ومصدره .
والفعل الذي عدد أحرفه خمسة ، أو ستة : همزته وصل ، هو ومصدره .
أمّا : ( وبالتّالي) فالعِوَض منه : ومِن ثََمّ-بفتح الثاء-
وأمّا : ( بينما) فالبدل عنه : على حين ، في حين.
أعتذر إلى أسيادي سراة الوراق ؛ لأن عَدوى الأخوين أحمد وياسين في تقويم اللسان والقلم ، قد ذكّرتْني ببيت ابن الكوفة... وحلب الشهباء ، وهو يصف الحُمّى :
وزائرتي كأنّ بها حياءً** فليس تزور إلا في الظلام
بسطتُ لها المطارف والحشايا** فعافتها وباتت في عظامي
لله درك يابحر الوافر ، [ جينا الدار نسأل علْحبايب* لقينا الدارْ تبكي علّي غايب]، [ سكابا يا دموع العين سكابا* تَعي وحدِكْ لَتْجيبي حدابا].
أرجوكم أن تمضغوها ، وألا تؤاخذوني ( بنهفتي) هذه، فقد كلّل رأسي ثلجُ الشتاء، ودبّتْ في أوصالي بُرودةُ الفناء. لكم حُبِّي.
*د يحيى
18 - ديسمبر - 2008