خواطر حول إبادة الأخطاء كن أول من يقيّم
كل عام وانتم بخير يا دكتور محمد ، وكذلك الدكتور يحيى ، أود الحديث عن الأخطاء التي قال عنها أخي ، د. محمد ، أنها يجب أن تباد ، فاتناولها من جهة أخرى : كان قدماء اليونان يعتقدون أن الضبع خنثى ، وخلال الزمن ما بين العصر المسيحي الأول إلى نهاية العصور الوسطى ، كان الناس يظنون ان الضباع تغير جنسها سنويا ، وأنها تنبش القبور، لتنهش جثث الموتى . ويبدو أن الدميري في كتابه عن حياة الحيوان قد تاثر عصره بتلك المعلومة ؛ فظنها صحيحة . ولعل التشابه في الأعضاء التناسلية لدى الضباع في برهة نموها أدى إلى ذلك الظن الخاطيء . قال الدميري : " ومن عجيب أمرها ( أي الضبع)، أنها كالأرنب، تكون سنة ذكراً وسنة أنثى فتلقح في حال الذكورة، وتلد في حال الأنوثة، نقله الجاحظ والزمخشري في ربيع الأبرار، والقزويني في عجائب المخلوقات، وفي كتابه مفيد العلوم ومبيد الهموم، وابن الصلاح في رحلته عن ارسطالطاليس وغيرهم..." ( حياة الحيوان الكبرى ) . إن هذه المعلومة وما يشبهها ، يمكن اعتبارها معلومة تاريخية تبين ما كان عليه فكر الناس في القديم ، ويصعب أن نجد اليوم من يعتبرها صحيحة ؛ لذا ، فلا أظن أن ضررا ما يقع علينا نتيجة اطلاعنا عليها والإبقاء عليها مدونة كما هي في الكتب القديمة ، أما التنبيه إلى فسادها فأمر مستحب نفهمه الناشئة في بداية تعلمهم . وكذلك ظن القدماء ، كما نعلم ، ان الأرض ، مثلا ، تستقر على ظهر البهموت او اليهموت ، وهو الحوت الذي سماه بعضهم بلهوثاً أوبلهوثياء ، كما ورد في تفسير الخازن على ما أذكر . وفي مقدمة مقدمة ابن خلدون نجد ذكر اليهموت في قوله : " ...والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبي العربي المكتوب في التوراة والإنجيل المنعوت ، الذي تمخض لفصاله الكون قبل أن تتعاقب الآحاد والسبوت ، ويتباينَ زحل واليهموت..." ، ولن نقوم ، بطبيعة الحال ، بإبادة هذه الفقرة من مقدمة ابن خلدون لمجرد ذكر اليهموت الذي كان يُظن ان الأرض عليه ، بل إن ابن خلدون نفسه ربما كان يعلم خطأ تلك المقولة ، ولكنه ربما ذكرها ؛ جريا على عادة من سبقوه . أما ما ذكره الفيروز آبادي في قاموسه ، فقد ذكرني بشاعرية علي محمود طه الفذة ، وذكرني بقصيدته " الجندول "، ومنها : قلت والنشوة تسري في لساني= هاجت الذكرى فأين الهرمان أين وادي السحر صداح المغاني = أين ماء النيل أين الضفتان آه لو كنت معي نختال عبره = بشراع تسبح الأنجم إثره حيث يروي الموج في أرخم نبرة = حلم ليل من ليالي كليوباتره وأنساني جمال هذه الأبيات الشعرية ، في ذات الوقت ، أمر الهرمين ومن بناهما ، إلا ما قالوه : " لحفظ العلوم فيهما عن الطوفان " . هذا القول ، وربما كان منبعه أسطوريا ، جلب انتباهي لما فيه من تقدير للحفاظ على العلوم والتراث الإنساني عموما . ولقد ذكرتني أبيات علي محمود طه بالذي لحنها وغناها ، ألا وهو عبد الوهاب . لقد غنى عبد الوهاب هذا البيت : ذهبي الشعر شرقي السمات = مرح الأعطاف حلو اللفتات فمرة قال مغنيا : ذهبي الشِّعر ، ومرة قال : ذهبي الشَّعر . ولا أدري هل كان ذلك منه متعمدا ، أم انه أخطا في الأولى ، ثم عاد ليصيب في الثانية . بقي أمر أبي عروة : الليلة البارحة ، أو التي قبلها ، شاهدت على شاشة التلفاز كيف الضجيج يفجر كأسا زجاجية ، فيجعلها تتناثر قطعا صغيرة . وكان الضجيج صادرا من مجموعة من عازفي الموسيقى الأجنبية الحافلة بدقات الطبول وأصوات الغيتارات والآلات الموسيقية النحاسية وغيرها ، والتي يندلع ضجيجها عبر مضخمات الصوت ، التي يستخدمها أولئك العازفون . فما خطر ببالي ساعتها إلا الصيحة التي أخذت ثمود ، ثم النفخ يوم القيامة في الصور.. ولما طالعت موضوعك أيها الأخ العزيز ، عن أبي عروة ، الذي كانت قلوب الأسود تنخلع من مواضعها من صيحته المدوية ؛ قلت في نفسي : ربما كان أبوعروة لا وجود له ، أو كان موجودا فعلا ؛ ولكن تأثير الصياح على الأجسام يبدو لا ريب فيه . ثم خطرت لي الآن وأنا أكتب مشاركتي هذه ما كنا نطالعه من زمان عن صفة مشية مجموعات من الجند كيف تكون عند مرورهم من فوق جسر ؛ حفاظا عليه من الانهيار . إنني من الذين يفضلون إبقاء الشيء على ما هو عليه مع التنبيه إلى فساده إن وجد ذلك الفساد . وإن كنا مبيدين قولا بين البهتان ، او قصة كاذبة تضر ضررا كبيرا بعقول بعضنا ، فإن الأولى بنا ان نبيد الفهم الخاطيء لذلك القول ، وذلك بالتوعية المستمرة ، والتركيز على الضرر من اين يكون ، وكيف يكون تلافيه . وأخيرا ، لن أخفي على أخي العزيز د. محمد كالو أنني أستفيد من مواضيعه عموما فائدة كبيرة ؛ فشكرا له ، ولا اقول ما اقول تحببا ؛ وإنما هي حقيقة لا شك فيها لدي . وأوجه كلامي الآن لأخي العزيز ، د.يحيى ، الذي أفيد كثيرا من تصحيحه اللغة ، ومن تعليقاته المفيدة الملونة الزاهية ، لأسأله عن قوله : فمثلاً قول بعضهم : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك قول مبهرج لا معنى له ، فليس بصحيح أن السيف إن لم تقطعه قطعك... " إن لم تقطعه ، قطعك " ، هل تعود إلى السيف أم إلى الوقت؟ وأين محل البهرجة والتكذيب ؟ ويشتري كلامك بالألماس هل هو الألماس أم الماس ، أم ان الوجهين جائزان؟ الذي أعلمه أن هناك شكا في نسبة كثير من الأشعار إلى سيدنا علي (رض) ، فما قولكم دام فضلكم؟ مبارك عيدكم ، أعاده الله عليكم وعلى الجميع بالخير والبركة . |