البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : الثقافة .    قيّم
التقييم :
( من قبل 4 أعضاء )
 د يحيى 
1 - ديسمبر - 2008
 
 
ما تعريف الثقافة ؟ وهل ثقافات الأمم متساوية ؟ وما الفرق بين الثقافة والعِلم؟ وما الفرق بين الثقافة والحضارة ؟ وهل هناك تغير ثقافي ؟ وما أسبابه ؟وهل ثقافات الأمم متساوية، غير قابلة للنقد والتقويم؟
أعزائي سراة الوراق : هل لكم إلى مشاركة ؟.
 تحياتي لكم ، وكلّ عام وأنتم بخير.
( يحيى مصري) .
 3  4  5  6  7 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
المرأة ( 3)    كن أول من يقيّم
 
 
تعدد الزوجات وحقيقته
من باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات ، ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن الآخرون ، فعن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم ) : « اختر منهن أربعًا » (1) . من هذا الحديث يظهر لنا أن الإسلام نص على الحد من كثرة عدد الزوجات ، وفي المقابل لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى ؛ وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته ، وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة .
فلم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه ، فالله عز وجل قال : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) [النساء :3] ، فالذين فسروا الآية الكريمة ، أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي يفسرونها بمعزل عن السبب الرئيس الذي أُنْزِلَت لأجله ، وهو وجود اليتامى والأرامل ؛ إذ إن التعدد ورد مقرونًا باليتامى ؛ حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى : "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ) دون القول السابق ، والذي صيغ بأسلوب الشرط ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى ) وكذلك دون القول اللاحق ، والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل حيث قال : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) .
فمن ذهب إلى القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها ، ومن ذهب إلى السنة فسيجد أن الإسلام نهى عن التعدد بأكثر من أربع نساء ، وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد حتى أربع نساء ، وبين أن يكون نهى عن الجمع بين أكثر من أربع نساء .
فإنَّ نظام تعدُّد الزوجات كان شائعًا قبل الإسلام بين العرب ، وكذلك بين اليهود والفرس ، والتاريخ يحدِّثنا عن الملوك والسلاطين بأنِّهم كانوا يبنون بيوتًا كبيرة تسع أحيانًا لأكثر من ألف شخص ، لسكن نسائهم من الجواري ، وفي بعض الأحيان يقومون بتقديمهن كهدايا إلى ملوك آخرين ، ويأتون بنساء جديدات ، كما أنه في شريعة اليهود وفي قوانينهم - حتى الآن- يبيحون تعدد الزوجات ، ولا يجرؤ أحد أن يهاجمهم في عقيدتهم ودينهم وشرعهم .
والغريب أن الذين يحاربون نظام الإسلام في السماح للرجل بالزواج مرة أخرى في ظروف معينة يعانون من تفكك أسري ، وانتشار الفاحشة ، وإباحة تعدد الخليلات ( العشيقات ) بلا عدد ولا حد ، فالخليلة لا تتمتع بحقوق الزوجة ، فضلاً عما يترتب على الأمر من خيانة الزوجة ، وإسقاط حقوقها ، وعدم الاعتراف بها وبأولادها . فهي وحدَها التي تتحمل ثمن أجرة الإجهاض أو تعيش غير متزوجة ( الأم العازبة ) لترعى طفلها غير الشرعي ( فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون )  [الأنعام :81] .
التعدد المباح في الغرب هو التعدد في غير إطار ، وهو التعدد الذي لا يكفُل للمرأة أي حق ، بل يستعبدها الرجل ، ويقيم معها علاقة غير رسمية ويسلب زهرة حياتها ، ثم يرمي بها خارج قلبه وحياته ، وقد يتسبب لأسرته في أمراض جنسية خطيرة إلى جانب أطفال السفاح الذين لا يعترف بهم في أكثر الأحيان ، ولكثرة الأرقام وكثرة الإحصائيات نكتفي بأخذ نموذج من الدول الغربية ، وليكن الولايات المتحدة الأمريكية ولندع الأرقام تتحدث :
* في سنة 1980م (1.553000) حالة إجهاض ، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عامًا من أعمارهن ، وقالت الشرطة : إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك .
* في سنة 1982 م (80%) من المتزوجات منذ 15 سنة أصبحن مطلقات .
* وفي سنة 1984م (8 ملايين) امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن دون أية مساعدة خارجية .
* وفي سنة 1986م (27%) من المواطنين يعيشون على حساب النساء .
* وفي سنة 1982م (65) حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة .
* وفي سنة1995م (82) ألف جريمة اغتصاب ؛ 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء ، على حين تقول الشرطة : إن الرقم الحقيقي 35 ضعفًا .
* وفي سنة 1997م بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة : اغتصبت امرأة كل 3 ثوان ، على حين ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه ، والرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان !
* 74% من العجائز الفقراء هم من النساء ؛ 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد .
* ومن 1979 إلى 1985: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية ، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر ، وذلك دون علمهن .
* ومن سنة 1980 إلى سنة 1990م : كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء .
* وفي سنة 1995: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار (2) .
كل هذه الأرقام هي نتائج طبيعية لأن نستبدل بنظام الزواج واحترام المرأة في الشريعة الإسلامية ، نظام الانفلات وتعدد الصديقات والعشيقات عند من يهاجم التشريع الإسلامي .
ولننظر آراء المنصفين من الغربيين في تلك القضية :
تقول إحداهن : « لقد كثرت الشاردات من بناتنا ، وعمَّ البلاء ، ودل الباحثون عن أسباب ذلك ؛ وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات ، وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحبًّا ، وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني ووجعي وتفجعي ، وإن شاركني فيه الناس جميعًا ؛ إذ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة . ويرى العالم ( توس ) ، أن الدواء الكافل للشفاء من هذا الداء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة ، وتصبح بناتنا ربات بيوت ، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة ، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال ، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة . أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاًّ وعالةً وعارًا في المجتمع الإنساني فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان ، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن . فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار ، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل ، وعليه ما ليس عليها ، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين » (3) .
وعن كاتبة أخرى تقول : « َلأَنْ تشتغلَ بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خيرٌ وأخفُّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل ، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة حيث الخادمةُ والرقيق ينعَمان بأرغد عيش ، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمَس الأعراض بسوء . نعم إنه لعارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، فما بالُنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها » (4) .
وهذا الفيلسوف الألماني الشهير « شوبنهور » يقول : « إن قوانين الزواج في أوربة فاسدة المبنى ، بمساواتها المرأة بالرجل ؛ فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة فأفقدتنا نصف حقوقنا ، وضاعفت علينا واجباتنا . . . إلى أن قال : ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجًا يتكفل بشؤونها ، والمتزوجات عندنا قليل ، وغيرهن لا يحصين عددًا ، تَرَاهُن بغير كفيل : بين بكر من الطبقات العليا قد شاخت وهي هائمة متحسرة ، ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السفلى ، يتجشمن الصعاب ، ويتحملن مشاق الأعمال ، وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار ، ففي مدينة لندن وحدها ثمانون ألفَ بنتٍ عمومية ، سفك دم شرفهن على مذبح الزواج ، ضحية الاقتصار على زوجة واحدة ، ونتيجة تعنت السيدة الأوربية ، وما تدّعيه لنفسها من الأباطيل ، أما آن لنا أن نعُدَّ بعد ذلك تعددَ الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره » (5) .
وقالت « أني بيزانت » زعيمة التيصوفية العالمية في كتابها « الأديان المنتشرة في الهند " : " ومتى وزنَّا الأمور بقسطاس العدل المستقيم ، ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي - الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء - أرجح وزنًا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته ، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره " .
قال غوستاف لوبون : « إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه ، ويزيد الأسر ارتباطًا ، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تجدهما في أوروبا " .
ما سبق يؤكد لنا أن نظام تعدد الزوجات أو إباحة التزوج بأكثر من واحدة للظروف والأوضاع التي نصَّ عليها الشرع الإسلامي ليس منقوضًا عند كل المفكرين الغربيين ، وقد رأينا شهادة المنصفين منهم .
وفي الختام نؤكد أن : الإسلام أباح للرجل بأن يتزوج بأكثر من واحدة لكل هذه الفوائد التي ذكرناها وجاءت تلك الإباحة مقيدة في القرآن ، قال تعالى : " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " [النساء :3] كما أشار سبحانه إلى صعوبة العدل بين النساء ، فقال تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) [النساء :129] .
ورأينا كذلك في السنّة النبوية الغراء أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) لم يأمر في حديث من أحاديثه من تزوج بواحدة أن يتزوج مرة أخرى ، وإنما جاءت السنّة بعكس ذلك ، وهي أن من تزوج بنساء كثيرات أن يطلق عنه حتى يبقى عددًا محصورًا كما ذكرنا في حديث سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي  (صلى الله عليه وسلم ) : « اختر منهن أربعًا » (6) .
وأرى أن الأمر قد اتضح ، والشبهة قد زالت ، وتبين أن الزواج بأكثر من واحدة من خلال النظام التشريعي الإسلامي هو في الحقيقة تكريم للمرأة ؛ لأن الإنسان لابد أن تكون نظرته متكاملة ؛ فالنظر للمرأة التي يتزوج الرجل عليها وحدَه ليس إنصافًا ، فإن الذي سوف يتزوجها الرجل هي امرأة كذلك ، وكرّمها الشرع بأن سمح للرجل أن يتزوج منها لعلاج ما يعانيه المجتمع من مشكلات اجتماعية واقتصادية . نسأل الله أن يبصرنا بأمور دنيانا وديننا ، والله من وراء القصد .
********************************************
(1) رواه أحمد في المسند ( ج2 ص 13 ) وابن ماجه في سننه ( ج1 ص 628 ) .
(2) التقرير السنوي المسمى بـ " قاموس المرأة " صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد .
(3) المنار ( ج4 ص 485 ) منه نقلاً عن جريدة ( لندن ثرو ) بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصاً .
(4) المنار ( ج4 ص 362 ) منه نقلاً عن جريدة ( لندن ثرو ) بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصاً .
(5) الإسلام روح المدينة لمصطفى الغلاييني ( ص 224 ) وهذا الرقم الذي ذكره شوبنهور كان في عهده حيث توفي سنة 1860 م .
(6) رواه أحمد في المسند ( ج2 ص 13 ) وابن ماجه في سننه ( ج1 ص 628 ) .
 
*د يحيى
31 - ديسمبر - 2008
المرأة ( 4)    كن أول من يقيّم
 
 
حقوق المرأة السياسية
لم يعرف المسلمون في تاريخهم قضية اسمها : " قضية المرأة " لا من ناحية عملها ولا من ناحية مشاركتها السياسية ولا من أي ناحية ، سواء أكان ذلك في شدة مجد الأمة الإسلامية ، أم في أزمنة ضعفها ؛ وعندما نقل الغرب أمراضه ومعاناته على البشر جميعاً - بمن فيهم المسلمون- ، ظهر ما يسمى بـ " قضية المرأة " ، حيث لا قضية ، ونُودي بتحريرها - وهي أصلا محررة - في معظم مجتمعات المسلمين ، وأرادوا أن ينقلوا المفاهيم الغربية الحديثة - التي كانت رد فعلٍ لعصور الظلام التي عاشتها أوربة - إلينا ، ويحاكموننا على أساسها ، وأرادوا فرض المفهوم العلماني الغربي للتحرير .
هناك إجماع بين علماء الأصول والتفسير والفقه والحديث على أن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء ، بل قالوا إن النصوص الشرعية التي يوجه فيها الخطاب للرجال هي في الوقت نفسه موجهة للنساء أيضاً ، في كل الأحكام والتكاليف والعظات ، ما لم يأتِ ما يقيد الخطاب مما يتعلق بالخصائص التكوينية للرجال أو للنساء ، ومما لم يصرح به الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء أو العكس .
ولعل أم سلمة ( رضي الله عنها ) تعدّ مثالاً واضحاً لهذا الفهم ، فعن عبد الله بن رافع قال : كانت أم سلمة تحدث أنها سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم )يقول على المنبر وهي تمتشط : " أيها الناس " فقالت للجارية : استأخري عني . قالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء ، فقالت : إني من الناس (1) .
وبالنسبة إلى القانون المصري - مثالاً لقانون إحدى الدول الإسلامية - تعد الحقوق السياسية فيه هي تلك الحقوق التي يقرها القانون ، ويعترف بها للشخص على أساس الانتماء الوطني . ويربط المشرع غالبًا بين التمتع بهذه الحقوق ، وشرط الجنسية . بمعنى أن هذه الحقوق لا تقرر إلا للوطني دون الأجنبي . ومثال ذلك نص المادة الأولى من قانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر رقم 73 لسنة 1957 والتي تنص على : " أن كل مصري وكل مصرية بلغ ثماني عشْرةَ سنةً ميلادية يباشر بنفسه الحقوق السياسية " كما تنص المادة الخامسة من قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 المعدة بالقانون رقم 109 لسنة 1976 والمادة السادسة من قانون مجلس الشورى رقم 120 لسنة 1980 والمادة 75 من قانون الحكم المحلي 43 لسنة 1979 على " أن يشترط للترشيخ أو للتعين في هذه المجالس أن يكون الشخص متمتعًا بالجنسية المصرية " كما ينص الدستور الحالي في مادته الخامسة والسبعين على " أنه يشترط في من ينتخب رئيسًا للجمهورية أن يكون جنسية والديه مصرية " .
ويمكن إجمال مظاهر الحقوق السياسية للمجتمع المسلم عامة فيما يلي :
1) اختيار الحاكم والرضا به وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي " بالبيعة " .
2) المشاركة العامة في القضايا التي تخص عامة الأمة ، وهو مبدأ الشورى الذي حث عليه الإسلام .
3) تولي المناصب السياسية في الحكومة أو مؤسسات الدولة .
4) نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .
فلم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة في كل هذه الحقوق المذكورة وبيان ذلك ما يلي :
أولا : اختيار الحاكم والرضا به وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي " بالبيعة " :
ذكر الله البيعة عامة دون تخصيص الرجال والنساء في غيرموضع، فقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) [الفتح :10] ، كما ذكر الله أمر النساء في البيعة فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [الممتحنة :12] ، فأثبت القرآن الكريم حق المرأة في مبايعة الحكم كالرجال تماماً، واعتبار صوتها بصوت الرجل دون تمييز بينهما .
ثانيًا : المشاركة العامة في القضايا التي تخص عامة الأمة ، وهو مبدأ الشورى :
وقد حث الإسلام على مبدأ الشورى بين الحاكم والرعية ، ولم يفرق بين الرجل والمرأة في ذلك ، وقد أرشد إليها ربنا في القرآن الكريم في غير موضع ، فقال تعالى في ذكر محاسن المسلمين : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) [الشورى :38] ، وقال تعالى في أمره لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) والذي يمثل ولي أمر المسلمين وقتها :  ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) [آل عمران :159] .
واستشار النبي ( صلي الله عليه وسلم ) زوجته أم سلمة رضي الله عنه في موقف عصيب ، في صلح الحديبية بعدما كتب معاهدة الصلح مع المشركين ، وبعدها أمر المسلمين بأن يقوموا بنحر هديهم ، ُثم يحلقوا ؛ فإنهم لا يذهبون إلى مكة في هذا العام ، فلم يقم منهم أحد ، فيروي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك فيقول : « فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه : " قوموا فانحروا ثم احلقوا " . قال : فوالله ما قام منهم رجل . حتى قال ( صلى الله عليه وسلم )  ذلك ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد دخل ( صلى الله عليه وسلم ) على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس . قالت له أم سلمة رضي الله عنها : يا نبي الله ، أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضًا » (2)
وفي عصرنا الحديث لم يعترض علماء الإسلام على ترشيح المرأة في المجالس النيابية ، وتمثيل فئة عريضة من الشعب والمشاركة في سن القوانين التنظيمية ، ولقد أصدرت دار الإفتاء المصرية الفتوى رقم 852 لسنة 1997 عن حكم جواز أن تكون المرأة عضوًا بمجلس النواب أو الشعب خلصت فيها بأنه : لا مانع شرعًا من أن تكون المرأة عضوًا بالمجالس النيابية والشعبية إذا رضي الناس أن تكون نائبة عنهم تمثلهم في تلك المجالس وتكون مواصفات هذه المجالس تتفق وطبيعتها التي ميزها الله بها وأن تكون فيها ملتزمة بحدود الله وشرعه كما بين الله وأمر في شريعة الإسلام .
ثالثاً : تولي المناصب المهمة في الحكومة ومؤسسات الدولة :
جاءت آثار في تولي المرأة السلطة التنفيذية ، أو الشرطة ، أو ما تسمى في التراث الفقهي الإسلامي " الحسبة " ، وكان ذلك في القرن الأول ، وعلى خلفية هذه الآثار أجاز بعض علماء المسلمين تولي المرأة هذا المنصب القيادي الحساس في الدولة الإسلامية ، حيث جاء في الموسوعة الفقهية ما نصه : " وأجاز توليتها آخرون لما ثبت من أن سمراء بنت نهيك (3) الأسدية كانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتنهى الناس عن ذلك بسوط معها » (4)
وخبر سمراء رواه أبو بلج يحيى بن أبي سليم قال : " رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر" ( 5) .
كما يجوز للمرأة أن تتولى القضاء على قول بعض أهل العلم من علماء المسلمين المعتبرين ، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه : يجوز أن تلي النساء القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه وحدَهن أو مع الرجال ؛ لأن في الشهادة معنى الولاية ، وقد ذكر ابن حجَر ذلك فقال : " والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور وأجازه الطبري ، وهي رواية عن مالك ، وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء " (6) .
فما مر يبين وضع تولي المرأة مناصب مهمة في الحكومة في الواقع الفعلي للمسلمين ، وفي التراث الفقهي لهم ، أما في عصرنا هذا فتشارك المرأة الرجل - في أغلب الدول الإسلامية والعربية - في جميع وظائف الدولة والحياة السياسية والعلمية ، فالمرأة سفيرة ووزيرة وأستاذة جامعية وقاضية منذ سنوات كثيرة ، وهي تتساوى مع الرجل من ناحية الأجر والمسمى الوظيفي لكل تلك الوظائف .
رابعاً : نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر :
بدأ نصح النساء لولي الأمر وقول الحق عنده مبكراً ، في القرن الأول في تلك القرون الخيرة ؛ ففي خلافة عمر رضي الله عنه يروي لنا قتادة ذلك فيقول : " خرج عمر من المسجد ومعه الجارود العبدي ، فإذا بامرأة برزت على ظهر ، فسلّم عليها عمر فردت عليه السلام ، وقالت : هيهات يا عمر ، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قرُب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي عليه الفوت " ((7) .
وعن أبي نوفل قال: . . . دخل الحجاج بن يوسف الثقفي بعد مقتل عبد الله بن الزبير على أسماء بنت أبي بكر فقال : « كيف رأيتني صنعت بعدو الله ، قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك ؛ أما إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا ، فأما الكذاب فرأيناه و أما المبير فلا أخالك إلا إياه . قال : فقام عنها ولم يراجعها » . (8)
هذه نماذج قليلة والتاريخ الإسلامي ممتلئ بالكثير من الصور كهذه ، أما الآن فالمرأة يتاح لها هذا الحق كالرجل من خلال القنوات المشروعة ، كالصحافة ، أو عضوية مجلس الشعب ، أو غيره من القنوات المشروعة لنصح الحكومة وإنكار الأخطاء في تصرفاتها وإقرار الصواب فيها .
ولعلنا في تلك العناصر الأربعة نكون قد أوضحنا في إيجاز غير مخل حقوق المرأة السياسية وأن متساوية مع الرجل فيها ، والله ولي التوفيق .
*****************************
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ( ج4 ص 1795 ) .
(2) رواه أحمد في مسنده ( ج4 ص 330 ) والبخاري في صحيحه ( ج2 ص 978 ) .
(3) والصواب " سمراء بنت نهيك "
(4) الموسوعة الفقهية الكويتية ( ج17 ص 241 ) حرف الحاء حسبة .
(5) رواه الطبراني في المعجم الكبير ( ج24 ص 211 ) وذكر أن رجاله كلهم ثقات وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب ( ج4 ص 1863 ) والهيثمي في مجمع الزوائد ( ج9 ص 264 ) .
(6) فتح الباري لابن حجر العسقلاني ( ج8 ص 128 ) .
(7) الاستيعاب لابن عبد البر ( ج4 ص 1831 ) والإصابة لابن حجر ( ج7 ص 620 ) .
(8) أخرجه مسلم في صحيحه ( ج4 ص 1971 ) .
 
*د يحيى
31 - ديسمبر - 2008
المرأة ( 5)    كن أول من يقيّم
 
 
             نساء حاكمات
لا نقصد بحكم النساء للبلاد أن يكن لهن التأثير والنفوذ وتسيير الأمور عن طريق زوجها الحاكم أو ابنها أو سيدها ، فهذا الشكل لا يحصى وقد كثر في الدولة العباسية خاصة بشكل كبير بدايةً من الخيزران (1) بنت عطاء زوجة المهدي العباسي وأم بنيه الهادي وهارون وقد توفيت عام 173 هـ ؛ مرورًا بقبيحة أم المعتز بالله (2) (ت 264) ، وفاطمة القهرمانة (3)  (ت 299) ، وأم موسى الهاشمية قهرمانة دار المقتدر بالله (4) ، وأم المقتدر بالله شغب (5) (ت 321) . . . وغيرهن الكثير مما لا يحصى ولا يعد ، إنما نعني مَن حكمن البلاد وبعض الأقطار الإسلامية بطريقة مباشرة وواضحة .
فلقد حكم النساء بعض الأقطار الإسلامية في أزمنة مختلفة ، وإن كانت لم تلقب امرأة في الإسلام بلقب: "الخليفة " ، ولكنها لقبت بألقاب دون ذلك منها : السلطانة ، والملكة ، والحرة ، وخاتون .
**
ويذكر التاريخ الإسلامي أن هناك أكثرَ من خمسين امرأة حكمن الأقطار الإسلامية على مر التاريخ بداية من ست الملك إحدى ملكات الفاطميين بمصر ، والتي حكمت في بداية القرن الخامس الهجري ؛ مرورًا بالملكة أسماء والملكة أروى اللتين حكمتا صنعاء في نهاية القرن الخامس الهجري ، وزينب النفزاوية في الأندلس ، والسلطانة رضية التي تولت الحكم بدلهي في منتصف القرن السابع الهجري ، وشجرة الدر التي تولت حكم مصر في القرن السابع كذلك ، وعائشة الحرة في الأندلس ، وست العرب ، وست العجم ، وست الوزراء ، والشريفة الفاطمية ، والغالية الوهابية ، والخاتون ختلع تاركان ، والخاتون بادشاه ، وغزالة الشبيبة ، وغيرهن كثير .
وحتى لا نطيل ثم نتخير نماذج من النساء اللاتي حكمن البلاد ، نتكلم عنهن بشكل أكثر تفصيلاً ، ولنبدأ بست الملك :
1- ست الملك ملكة الفاطميين :
إحدى ملكات الفاطميين بمصر ست الملك ( ولدت عام 359هـ ) ، وقد استحوذت على السلطة بعد أن نظمت عملية ( اختفاء ) أخيها الحاكم بأمر الله ، الخليفة الفاطمي السادس عام 411هـ ، ويذكر أنه قتله قال الذهبي : " وتحالفت مع الأمير ابن دواس فذهبت إليه سرًّا فقبل قدمها ، فقالت : جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك قال : أنا مملوكك ، قالت : أنت ونحن على خطر من هذا ، وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا وزاد به جنونه وعمل ما لا يصبر عليه مسلم ، وأنا خائفة أن يقتل فنقتل وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء ، قال : صدقت ، فما الرأي ؟ قالت : تحلف لي ، وأحلف لك على الكتمان فتعاقدا على قتله (6) .
وكانت لها دوافعها إلى ذلك ؛ إذ إن تجاوزات أخيها فاقت الحد ، فبعد أن كان يسلط قهره على الضعاف والكلاب التي قرر القضاء عليها ، والنساء اللائي منعهن من الخروج ، فحرق القاهرة ومنع سكانها من العمل في النهار، وأمرهم بالعمل في الليل حتى يخرج بموكبه إلى الشوارع ليلاً فيراها تضج بالحركة ، استفاق ذات يوم ليعلن ألوهيته ويطالب جماهير القاهرة وضمنهم ست الملك بعبادته .
2- الملكة أروى ملكة صنعاء :
هي أروى بنت أحمد بن جعفر الصليحية ملكة حازمة مدبرة يمانية ، ولدت في حراز باليمن عام 440 هـ ، ونشأت في حجر أسماء بنت شهاب الصليحية .
وقد لعبت دوراً كبيراً في نشر المذهب الفاطمي في آسيا ، وخاصة في بومباي بالهند ، عن طريق الدعاة الفاطميين الذين انطلقوا من اليمن في فترة حكمها .
فبعد وفاة الملكة أسماء (1087 م/480هـ ) عهد ابنها الملك المشلول إدارة البلاد رسميًّا إلى زوجته أروى ، التي استطاعت تأمين استمرار السلطة بأيدي الصليحيين في اليمن ، وبعد استتباب الأمن والاستقرار ، قررت الانتقام من سعيد الزبيدي قاتل عمها ، فنقلت عاصمتها إلى جبالة المحصنة بالجبال ، وأخذت تضيق الخناق على سعيد الزبيدي . وبعد أن تحالفت مع البلدان الأخرى استطاعت سحق جيش سعيد وقتله ، وأخذ زوجته أسيرة.
وقامت بتدبير المملكة والحروب إلى أن مات المكرم عام 484 هـ ، وخلفه ابن عمه سبأ بن أحمد ، فاستمرت في الحكم ترفع إليها الرقاع ويجتمع عندها الوزراء ، وتحكم من وراء حجاب ، وكان يدعى لها على منابر اليمن ، فيخطب أولاً للمستنصر ، ثم للصليحي ، ثم للحرة ، ومات سبأ عام 492 هـ وضعف ملك الصليحيين ، فتحصنت بذي جبلة واستولت على ما حوله من الأعمال والحصون ، وأقامت لها وزراء وعمالاً ، وامتدت أيامها بعد ذلك أربعين سنة ، توفيت عام 532 هـ بذي جبلة ودفنت في جامعها. ولها مآثر وسبل وأوقاف كثيرة ، وهي آخر ملوك الصليحيين (7) .
3- تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت خاجنكش زوجة السلطان تكش بن آيل رسلان ، كانت ذات مهابة ورأي ، تحكمت في البلاد عام 628 وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان ، وتنتصف للمظلومة من الظالم ، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل ، ولها خيرات ومسبلات ومبرّات في أنحاء بلادها ، وكان لها من كتاب الإنشاء سبعةٌ من مشاهير الفضلاء وسادات الأكابر ، وإذا ورد عنها وعن السلطان توقيعان مختلفان في قضية واحدة لم تنظر إلى في التاريخ فيعمل بالتوقيع الأخير بالأقاليم كافةً ، وكان توقيعها " عصمة الدنيا والدين تركان ملكة نساء العالمين"  وعلامتها " اعتصمت بالله وحدَه " ، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزوّر علامتها (8) .
4- رضية بنت التمش سلطانة الهند :
رضية الدنيا والدين تتحدر السلطانة رضية من أسرة تركية من المماليك . تولت السلطة في دلهي سنة (1236م الموافق عام 634هـ ) بعد وفاة والدها السلطان إيلتوتمش خان ، وهو أحد القادة العسكريين الذين أرسَوا دعائم الدولة الإسلامية في الهند . كان والدها السلطان قد اختارها بدل أخويها ؛ لذكائها وقوتها ومواهبها في إدارة شؤون البلاد ، وعدم قدرة أخويها ، وكان أول قرار ملكي أصدرته : سك النقود باسمها واختيار لقبٍ لها هو ( رضية الدنيا والدين ) . وعندما حاول أمراء الحاشية والجيش إبعادها عن العرش ، مترافقاً مع قيام أخيها الأكبر بقتل أخيها الأصغر ، باءت محاولاتهم بالفشل، حيث اعتمدت على الشعب الذي ثار ضد أخيها وأمرت بقتله .
فهي ملكة من ملوك الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة ، استقلت بالحكم أربع سنين ، وقتلت في 25 ربيع الأول عام 637، وقبرها على شاطئ نهر جمن بالقرب من دلهي (9) .
5- شجرة الدر ملكة مصر والشام :
وهي من شهيرات الملكات في الإسلام ، ذات إدارة وحزم وعقل ودهاء وبر وإحسان ، ملكها الملك الصالح في أيام والده ، واستولدها ولده خليل ثم تزوجها ، وصحبته ببلاد الشرق ثم قدمت معه إلى مصر، فعظم أمرها في الدولة الصالحية ، وصار إليها غالب التدبير في أيام زوجها ثم في مرضه ، وكانت تكتب خطاً يشبه خط الملك الصالح فتعلم على التواقيع ، ولقد باشرت الحكم ، وأخذت توقع عن السلطان مراسيم الدولة إلى أن وصل تورانشاه إلى المنصورة ، فأرسل إليها يهددها ويطالبها بالأموال ، فعملت على قتله فقتل في 7 محرم 648 هـ ، ولما قتل وقع الاتفاق على تولية شجرة الدر السلطنة فتولتها ، وقبل لها الأمراء الأرض من وراء الحجاب ، فكانت تاسع من تولى السلطنة بمصر من جماعة أيوب، وكان ذلك في 2 صفر عام 648 ، وجعلوا عز الدين أيبك الصالحي التركماني أتابك عسكرها ، وساست الرعية أحسن سياسة ، فرضي الناس عن حكمها خير رضىً ، وكانت تصدر المراسيم وعليها توقيع شجرة الدر بخطها باسم والدة خليل ، وخطب في أيام الجمع باسمها على منابر مصر والشام ، وضرب السكة باسمها ونقش عليها : "السكة المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل " ، وما إن جلست شجرة الدر على عرش الحكم حتى قبضت على زمام الأمور ، وأحكمت إدارة شؤون البلاد ، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد ، وإدارة مفاوضات معه ، انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة على تسليم دمياط ، وإخلاء سبيله وسبيل مَن معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثماني مِئة ألف دينار ، يدفع نصفها قبل رحيله ، والباقي بعد وصوله إلى عكا ، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل الإسلام مرة أخرى ، وكانت خيّرة متدَيِّنة ، رئيسة عظيمة في النفوس ، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البر ، معروفة بها وقد قتلت في نهاية ربيع الأول عام 655 هـ (10) .
6- السلطانة خديجة سلطانة الهند :
هي السلطانة خديجة بنت عمر بن صلاح الدين البنجالي من سلطانات الهند ، نشأت وترعرت في بلاط أبيها ، وتلقت من العلم والثقافة ما جعلها من أندر نساء زمانها أدبًا وكمالاً ومعرفة ، ولما توفي والدها خلفه في السلطنة أخوها شهاب الدين فكان سيىء السيرة فخلعه الشعب عام 740 هـ ونادى بأخته خديجة سلطانة على عرش أبيها ، وولى زوجها خطيب الدولة جمال الدين الوزارة فاعتمد عليه السلطانة في مهام الأمور وراقبت شؤون الدولة مراقبة الخبير ، وتوفيت عام 770 هـ (11) .
------------------------------
(1) تاريخ الطبري ( ج4 ص 623 ج8 ص 234 ) تاريخ بغداد ( ج 14 ص 430 ) .
(2) تاريخ الطبري ( ج5 ص 514 ) أعلام النساء 
 ( ج 4  ص 184 ) .
(3) البداية والنهاية ( ج11 ص 118 ) أعلام النساء (ج 4  ص 91 ) .
(4) أعلام النساء (ج5 ص 123 ) .
(5) البداية والنهاية ( ج11 ص 175 ) أعلام النساء (ج5 ص 67 ) .
(6) سِيَر أعلام النبلاء للذهبي ( ج15 ص 181 ) .
(7) الأعلام للزركلي ( ج1 ص 289 ) أعلام النساء
 ( ج1 ص 27  ، 253 ) .
(8) أعلام النساء ( ج1 ص 169 ) .
(9) الإعلام بما في الهند من الأعلام ( ج1 ص 99 ) أعلام النساء ( ج1 ص 449 ) .
(10) النجوم الزاهرة ( ج6 ص 333)، أعلام النساء
 ( ج2 ص 286 ) .
(11) رحلة ابن بطوطة (ج2 ص 661 ) أعلام النساء
 ( ج1 ص 338 )
 
 
*د يحيى
31 - ديسمبر - 2008
المرأة (6)    كن أول من يقيّم
 
 
                           نساء قاضيات
رغم أن فقهاء المسلمين اختلفوا في حكم تولي المرأةِ القضاءَ ، وذهب الجمهور إلى عدم جواز توليها القضاء مطلقاً ، وذهب الأحناف إلى جواز توليها القضاءَ فيما تصِح شهادتها فيه من الأحكام ، وذهب آخرون إلى الإباحة المطلقة لقضاء المرأة في جميع الأحكام وهم: الإمام محمد بن جرير الطبري ، وابن حزم الظاهري، وابن طراز الشافعي، وابن القاسم، ورواية عن الإمام مالك .
إلا أن المصادر التاريخية لم تسجل لنا إلا حالة واحدة تولت فيه القضاءَ امرأةٌ ، وهي ثمل قهرمانة شغب أم المقتدر
.
** ثمل القهرمانة القاضية :
وكانت من ربات النفوذ والسلطان في الدولة العباسية أيام المقتدر ، فكانت الساعد الأيمن لأم المقتدر ، تلي شؤون الدولة وسياستها ، وبلغ من اعتماد أم المقتدر على ثمل أن أمرتها تجلس بالرصافةعام 306 هـ للمظالم ، وتنظر في كتب الناس يومًا في كل جمعة ، فأنكر الناس ذلك واستبشعوه، وكثر عيبهم له والطعن فيه ، فجلست أول يوم فلم يكن لها فيه طائل ، ثم جلست في اليوم الثاني وأحضرت القاضي أبا الحسن ابن الأشناني فحسن أمرها وأصلح عليها ، وخرجت التوقيعات وعليها خطها على سداد ، فانتفع بذلك المظلومون ، وسكن الناس إلى ما كانوا نافروه من قعودها ونظرها ، وكان يحضر في مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان ، توفيت عام 317 (1) .
وهكذا لم يسجل غير تلك الحالة في النساء اللواتي تولين القضاء ، وإن كان حالات تولي السلطة العليا والحكم والملك أعلى من القضاء ، وقد كانت بعض تلك الملكات تقضي بين الناس في المظالم كذلك، مثل تركان خاتون السلطان ، وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان ، وتنتصف للمظلوم من الظالم ، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل ، وكان توقيعها " عصمة الدنيا والدين تركان ملكة نساء العالمين " وعلامتها " اعتصمت بالله وحدَه " ، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزور علامتها (2)
-----------------------------
(1) البداية والنهاية ( ج11 ص 129 ) المنتظم ( ج6 ص 148 ) شذرات الذهب ( ج1 ص 247 ) .
(2) أعلام النساء ( ج1 ص 169 ) .
 
*د يحيى
31 - ديسمبر - 2008
المرأة 7)    كن أول من يقيّم
 
 
نساء محاربات وقائدات جيوش
بدأ دور المرأة في الجهاد في نفس الوقت الذي بدأ فيه دور الرجل ، بل إن دور المرأة الفعلي سابق له ، فأول من استشهد في سبيل الله كان امرأة هي السيدة سيمة زوج ياسر ، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أولى الفدائيات التي أمنت وصول الطعام إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصاحبه أبي بكر الصديق ، كما أنها تلقت الأذى من أبي جهل في سبيل كتمان خبرهما .
فإن الدين الإسلامي طلب من المرأة الدفاع عن وطنها ، وأرضها ، وشعبها ، كما طلب ذلك من الرجل ، وقد أقر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مشاركة النساء في الجهاد والغزوات ، بل غزت المرأة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كأم سليم بن ملحان ، وأم حرام بنت ملحان ، وأم الحارث الأنصارية ، والربيع بنت معوذ عفراء ، وأم سنان الأسلمية ، وأم سليط ، ليلى الغفارية ، كعيبة بنت سعيد الأسلمية ، وحمنة بنت جحش ، ورفيدة الأنصارية ، وأم زياد الأشجعية .
1- أم سليم بنت ملحان الأنصارية :
الغميصاء (1) ، ويقال : الرميصاء ، ويقال : سهلة ، ويقال : أنيفة ، ويقال : رميثة ، بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية ، أم خادم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنس بن مالك .
مات زوجها مالك بن النضر ، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، فولدت له أبا عمير ، وعبد الله ، شهدت أحُد وأبلت فيها بلاءً حسنًا ، وشهدت حُنيناً مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومعها خنجر فقال أبو طلحة : يا رسول الله ، هذه أم سليم ، معها خنجر . فقالت : يا رسول الله ، أتخذه إذا دنا مني أحَدٌ من المشركين بقَرتُ به بطنه فتبسم رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) (2) .
2- أم حرام بنت ملحان :
أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، الأنصارية ، النجارية ، المدنية ، أخت أم سليم ، وخالة أنس بن مالك ، وزوجة عبادة بن الصامت ، حديثها في جميع الدواوين سوى جامع أبي عيسى الترمذي، كانت من عِلية النساء ، حدث عنها أنس بن مالك وغيره .
قال( من القيلولة) في بيتها يوماَ فاستيقظ وهو يضحك فقلت يا رسول الله ما أضحكك ؟ قال : عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسِرّة، قلت : يا رسول الله، اُدعُ الله أن يجعلني منهم. قال : أنت من الأولين. فتزوجها عبادة بن الصامت، فغزا بها في البحر، فحملها معه، فلما رجَعوا، قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فدقت عنقها فماتت رضي الله عنها، قلت يقال هذه غزوة قبرص في خلافة عثمان رضي الله عنه (3) . فنالت الشهادة وغزت في سبيل الله رضي الله عنها.
3- الربيع بنت معوذ :
هي الربيع بنت معوذبن عفراء الأنصارية ، من بني النجار ، . . . وقد زارها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) صبيحة عرسها ؛ صلةً لرحمها ، عُمِّرت دهرًا وروت أحاديث ، حدث عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وعبادة بن الوليد بن عبادة ، وعمرو بن شعيب ، وخالد بن ذكوان ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وآخرون .
وأبوها من كبار البدريين ، قتل أبا جهل . توفيت في خلافة عبد الملك عام بضعة وسبعين رضي الله عنها (4) .
بايعت النبي وهي من الصحابيات الجليلات وجاهدت مع المجاهدين ، وخطبها إياس بن البكير الليثي ، ثم خرج هو وأخواه ، وبعد بدر تزوجت الربيع من إياس فجاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فدخل عليها غداة بنى بها . فجملت جويرات لها يضرِبن بالدُّف ويندبن من قتل مِن آبائها يوم بدر ، شهدت الربيع أحُداً مع أم عمارة وعائشة رضي الله عنهن .
4- أم سنان الأسلمية :
صحابية جليلة ، روت عن النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ، وروى عنها ابن عباس ، وروت عنها ابنتها ثُبيتة بنت حنظلة الأسلميَّة .
كانت من الصحابيات المجاهدات ، حيث تتصف بالشجاعة والهِمة العالية . أتت رسولَ الله ( صلى الله عليه وسلم ) عندما أراد التوجّه إلى خيبر ، وقالت له : يا رسول الله ،أحِب أن أخرج معك ، أخرز السقاء ، وأداوي الجرحى ، وأنصر المجاهدين ، وأحفظ لهم أمتعتهم ، وأسقي عطاشهم ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها : " تعالي معنا وكوني مع اُم سلمة " ، حيث كانت أكثر أوقاتها معه ( صلى الله عليه وسلم ) (5) .
5- ليلى الغفارية :
وهي صحابية جليلة من فُضلَيات الصحابيات ، كانت تغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (6) ، قالت : كنت أغزو مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأداوي الجرحى وأقوم على المرضى فلما خرج علي إلى البصرة خرجت معه (7) . وتوفيت عام 40 هـ رضي الله عنها .
6- كعيبة بنت سعيد الأسلمية :
من كريمات النساء ، وفضليات الصاحبيات المجاهدات ، شهدت خيبر مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسهم لها سهمَ رجلٍ فيما رواه الواقدي (8) .
7- رفيدة الأنصارية :
قال عنها ابن حَجَر : « رفيدة الأنصارية ، أو الأسلمية ، ذكرها ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ لما أصابه بالخندق ، فقال : رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب " ، وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على رحمة من كانت به ضيعة من المسلمين
(9) .
وظلت المرأة منذ العهد الأول تشارك في الحروب ، وتقوم بدورها في حماية الأمة الإسلامية والدفاع عن الحق والأوطان ، وقد تطورت تطلعات المرأة إلى أن وصلت إلى قيادة الجيش المسلم الذي يقاتل في سبيل الله ، ونذكر من ذلك هذه المرأة التي قادت جيشًا مسلمًا .
قائدة الجيش تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت طغراج الملكة الجلالية صاحبة أصبهان ، زوجة السلطان ملكشاه ، وهي سيدة جليلة من ربات العقل والرأي والدين والصلاح والنفوذ والسلطان ، من نسل أفراسياب ملك الفرس ، شاركت زوجها في الملك ، وبعد وفاته دبرت الأمور فاتخذت المستشارين والوزراء ، وقادت الجيوش ، وحفظت أموال التجّار ، وأثرت تأثيرًا عظيمًا في بلاد فارس ، فأصحلت كثيرًا من عادات البلاد وأخلاق أهلها ، فبذلت لهم العطايا والإقطاعات ، فأحبتها الأمراء والرعية ، وصاهرت الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله حيث تزوج بابنتها ، وماتت رحمها الله عام 487 هـ (10) .
ما ذكِر قليلٌ من كثير من إسهامات المرأة في الحروب والجيوش المسلمة ، ولكنه يُعدُّ سابقة حضارية على الاعتراف بدور المرأة في كل نواحي الحياة ، بل يُعد أمرًا فريدًا لم يحققه الغرب -بعدُ- الذي يتغنى بالحريات والديمقراطية .
---------------------------
(1) سِيَر أعلام النبلاء ( ج2 ص 304 ) .
(2) الاستيعاب ( ج4 ص 1940 ) وطبقات ابن سعد ( ج8 ص 425 ) وأعلام النساء ( ج2 ص256 ) .
(3) سير أعلام النبلاء ( ج2 ص 316 ، 317 ) .
(4) سير أعلام النبلاء ( ج3 ص 198 ) .
(5) أسد الغابة ( 5 : 592 ) الإصابة
 ( 4 : 462 ) .
(6) الثقات لابن حبّان ( ج3 ص 61 ) .
(7) الإصابة لابن حجر ( ج8 ص 106 ) .
(8) الاستيعاب لابن عبد البر ( ج4 ص 1907 ) .
(9) الإصابة لابن حجر ( ج7 ص 646 ) .
(10) أعلام النساء ( ج1 ص 169 )
 
*د يحيى
31 - ديسمبر - 2008
المرأة (8).    كن أول من يقيّم
 
 
نساء مفتيات وعالمات
نبغ في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلافُ من العالمات المبرزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية الإسلامية ، وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" ، لثلاث وأربعين وخَمسِ مِئة وألف امرأة ، منهن الفقيهات والمحدّثات والأديبات . وذكر كل من الإمام النووي في كتابه: " تهذيب الأسماء واللغات " ، والخطيب البغدادي في كتابه :  "تاريخ بغداد " ، والسخاوي في كتابه: " الضوء اللامع لأهل القرن التاسع " ، وعمر رضا كحالة في " معجم أعلام النساء " ، وغيرهم ممن صنف كتب الطبقات والتراجم ، تراجم مستفيضة لنساء عالمات في الحديث والفقه والتفسير وأديبات وشاعرات .
ولقد تفوقت المرأة المسلمة على الرجل في جوانبَ  كثيرةٍ في علوم الحضارة الإسلامية ، ولاسيما في جانب علم الحديث ومعرفة رواته ، ويسجل تلك الشهادةَ أئمةُ علمِ الحديث والمصطلح ، فيقول الإمام الذهبي : " وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها " (1) . ويؤكد هذا الحكم على تزكية النساء في علم الحديث الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث يقول : " لا أعلم في النساء من اتهمت ولا تركت " (2) .
وكان حرص النساء على طلب العلم الشرعي والاهتمام به منذ عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم )  ، فقد روى أبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة رضي الله عنهما أن النساء قلن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « اجعل لنا يومًا كما جعلته للرجال قال : فجاء إلى النساء فوعظهن وعلمهن » (3).
وقد كان عطاء بن رباح، رحمه الله، يقول عن السيدة عائشة رضي الله عنها : " كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس ،  وأحسن الناس رأياً " (4).
وكذلك كل أمهات المؤمنين - رضوان الله عليهن - جميعًا ، وأغلب نساء الصحابة أيضًا ، فتلك الأعداد الهائلة من النساء اللواتي ساهمن في الحركة العلمية في الحضارة الإسلامية ليس بوسعنا أن نستوعبها جميعها في ذلك الكتاب ، ويمكن للمستزيد الرجوع إلى تلك الكتب ، وإنما سوف نذكر نماذج قليلة وتراجم يسيرة عليها ، من النساء العالمات من بعد عهد الصحابة رضوان الله عنهم .
1- نفيسة العلم :
قال الذهبي عنها : السيدة المكرمة ، الصالحة ، ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد بن السيد ، سبط النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الحسن بن علي رضي الله عنهما ، العلوية الحسنية ، صاحبة المشهد الكبير المعمول بين مصر والقاهرة . ولي أبوها المدينة للمنصور ، ثم عزله وسجنه مدة ، فلما ولي المهدي أطلقه وأكرمه ورد عليه أمواله ، وحج معه . . .
وتحولت هي من المدينة إلى مصر مع زوجها الشريف إسحاق بن جعفر بن محمد الصادق فيما قيل ، توفيت بمصر في شهر رمضان عام ثمانية ومئتين ، ولم يبلغنا كبير شيء من أخبارها . . . وقيل كانت من الصالحات العوابد ، والدعاء مستجاب عند قبرها (5) .
وقد ولدت يوم الأربعاء 11 ربيع الأول عام145هـ بمكة المكرمة، وبقيت بها حتى بلغت خمسة أعوام ، درجت فيها محاطة بالعزة والكرامة ، حتى صحبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة ؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه ، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه ، حتى حصلت على لقب:  "نفيسة العلم " قبل أن تصل إلى سن الزواج ، ولما وصلته رغب فيها شباب آل البيت ، فكان أبوها يردهم ردًا جميلاً إلى أن أتاها " إسحاق المؤتمن" ابن جعفر الصادق، رضي الله عنه ، وتزوجا في بيت أبيه ، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحسين ، وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارين ، وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم .
كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدها المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانت زاهدة دون مبالغة ، فلم تكن تقاطع الحياة ، وإنما كان هجرها للدنيا واقعًا على كل ما يعوق عن العبادة والتزود ، وكانت الآخرة نصب عينيها ، حتى إنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها ، وكانت تحفظ القرآن وتفسره ويؤمها الناس ليسمعوا تفسيرها ، وكانت تدعو الله قائلة : " إلهي يسر لي زيارة قبر خليلك إبراهيم"  فاستجاب الله لها ، وزارت هي وزوجها " إسحاق المؤتمن " قبر الخليل .
ثم رحلا إلى مصر في رمضان عام 193  في عهد هارون الرشيد ، وفي العريش -بأقصى شمال مصر الشرقي- استقبلها أهل مصر بالتكبير والتهليل، وخرجت الهوادج والخيول تحوطها وزوجها ، حتى نزلا بدار كبير التجار وقتها " جمال الدين عبد الله الجصاص " .
وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت 26 رمضان عام 193  قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات ، ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى " أم هانئ " وكانت دارًا رحيبة ، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم ، حتى ازدحم وقتها ، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات ، فخرجت على الناس قائلة : " إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم ، غير أني امرأة ضعيفة ، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي ، وجمع زاد معادي ، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى "، ففزع الناس لقولها ، وأبَوا عليها رحيلها ، حتى تدخَّل الوالي " السري بن الحكم " وقال لها : " يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشكين منه " ووهبها دارًا واسعة ، ثم حدد موعدًا -يومين أسبوعيًّا- يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة ، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع ، فرضيت وبقيت .
وكان الأمراء يعرفون قدْرها وقدرتها على توجيه عامة الناس ، بل دفعهم للثورة في الحق إن احتاج الأمر ، حتى إن أحد الأمراء قبض أعوانه على رجل من العامة ليعذبوه فبينما هو سائر معهم ، مرَّ بدار السيدة نفيسة فصاح مستجيرًا بها ، فدعت له بالخلاص قائلة :"حجب الله عنك أبصار الظالمين " ولما وصل الأعوان بالرجل بين يدي الأمير ، قالوا له : إنه مرَّ بالسيدة نفيسة ، فاستجار بها وسألها الدعاء فدعت ، له بخلاصه ، فقال الأمير: " أو بلغ من ظلمي هذا يا رب ، إني تائب إليك واستغفرك ؛ وصرف الأمير الرجل ، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على الفقراء والمساكين " .
ويذكر القرماني في تاريخه ويؤيده في روايته صاحب الغرر وصاحب المستطرف -وهما من رواة التاريخ الثقات - أن السيدة نفيسة -رضي الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه ، وكتبت ورقة فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه ، فلما رآها نزل عن فرسه ، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها : " ملكتم فأسرتم ، وقدرتم فقهرتم ، وخولتم ففسقتم ، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم ، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة لا سيّما من قلوبٍ أوجعتموها ، وأكباد جوعتموها ، وأجساد عريتموها ، فمُحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم ، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون " !
يقول القرماني : فعدل من بعدها ابن طولون لوقته ! . ولمَّا وفد الإمام الشافعي -رضي الله عنه- إلى مصر ، وتوثقت صلته بالسيدة نفيسة ، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط ، وفي طريق عودته إلى داره ، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان ، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء ، حتى إذا مرض كان يرسل إليها من يُقرئها السلام ويقول لها : " إن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء " . وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته ، فمرت الجنازة بدارها ، حين وفاته عام 204  وصلًَّت عليها إنفاذًا لوصيته .
كانت كثيرة البكاء ، تديم قيام الليل وصيام النهار ، ولا تأكل إلاّ في كل ثلاث ليال أكلة واحدة ، ولا تأكل من غير زوجها شيئاً . حجَّت ثلاثين حجَّة ، وكانت تبكي بكاءً شديداً وتتعلَّق بأستار الكعبة وتقول :
إلهي وسيدي ومولاي متعني وفرحني برضاك عني .
وقالت زينب بنت يحيى المتوج : خدمتُ عمتي نفيسة أربعين عاماً ، فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت بنهار ، فقلت لها : أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسي وقُدّامي عقباتٌ لا يقطعها الفائزون .
ومرضت نفيسة بعد أن أقامت بمصر سبع سنين ، فكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً ، وحفرت قبرها بيدها في بيتها ، فكانت تنزل فيه وتصلّي كثيرًا ، فقرأت فيه مئة وتسعين ختمة ، وما برحت تنزل فيه وتصلِّي كثيرًا وتقرأ وكثيرًا وتبكي بكاءً عظيمَا ، حتى احتضرت عام 208هـ وهي صائمة فألزموها بالإفطار وألحوا وأبرموا ، فقالت : واعجبًا منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت سورة الأنعام وكان الليل قد هدأ ، فلمَّا وصلت إلى قوله تعالى : " لَهُم دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعمَلُونُ " [ الأنعام : 127 ] غشي عليها ثم شهدت شهادة الحق وقُبضت إلى رحمة الله .
2- كريمة راوية البخاري :
الشيخة ، العالمة ، الفاضلة ، المسندة ، أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية ، المجاورة بحرم الله .
سمعت من أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري ، وسمعتْ من زاهر بن أحمد السرخسي ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني . وكانت إذا روت قابلت بأصلها ، ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد .
روت "الصحيح" مرات كثيرة : مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم ، وماتت بكرًا لم تتزوج أبدًا . حدث عنها : الخطيب ، وأبو الغنائم النرسي ، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي ، ومحمد بن بركات السعيدي ، وعلي ابن الحسين الفراء ، وعبد الله بن محمد بن صدقة بن الغزال ، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب ، وأبو المظفر منصور بن السمعاني ، وآخرون .
قال أبو الغنائم النرسي : أخرجت كريمة إلي النسخة  "بالصحيح"  ، فقعدت بحذائها  ، وكتبت سبع أوراق  ، وقرأتها ، وكنت أريد أن أعارض وحدي  ، فقالت : لا ، حتى تعارض معي . فعارضت معها .
قال : وقرأت عليها من حديث زاهر .
وقال أبو بكر بن منصور السمعاني : سمعت الوالد يذكر كريمة ، ويقول : وهل رأى إنسان مثل كريمة .
قال أبو بكر : وسمعت بنت أخي كريمة تقول : لم تتزوج كريمة قط ، وكان أبوها من كشميهن ، وأمها من أولاد السياري ، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس ، وعاد بها إلى مكة ، وكانت قد بلغت المِئة .
قال ابن نقطة : نقلت وفاتها من خط ابن ناصر عام خمسة وستين وأربع مئة .
قلت : الصحيح موتها في عام ثلاثة وستين .
قال هبة الله بن الأكفاني عام ثلاثة.. ، حدثني عبد العزيز بن علي الصوفي قال : سمعت بمكة من مخبر بأن كريمة توفيت في شهور هذا العام .
وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني : حججت عام ثلاثة وستين فنعيت إلينا كريمة في الطريق ، ولم أدركها (6) .
3- أمة الواحد :
هي ستيتة بنت الحسين بن إسماعيل المحاملي ، العالمة الفقهية المفتية ، تفقهت بأبيها وروت عنه ، وحفظت القرآن والفقه للشافعي ، وأتقنت الفرائض ومسائل العربية وغير ذلك ، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة ، وهي والدة القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي ، توفيت في رضمان عام 377 هـ (7) .
4- شهدة الأبري :
بنت المحدِّث أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري ، ثم البغدادي الإبري الجهة ، المعمرة ، الكاتبة ، مسندة العراق ، فخر النساء . ولدت بعد الثمانين وأربع مِئة .
وسمعت من : أبي الفوارس طراد الزينبي ، وابن طلحة النعالي ، وأبي الحسن بن أيوب ، وأبي الخطاب بن البطر ، وعبد الواحد بن علوان ، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي ، وثابت ابن بندار ، ومنصور بن حيد ، وجعفر السراج ، وعدة . ولها مشيخة سمعناها .
حدث عنها : ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي ، وعبد الغني ، وعبد القادر الرهاوي ، وابن الأخضر ، والشيخ الموفق ، والشيخ العماد ، والشهاب بن راجح ، والبهاء عبد الرحمن ، والناصح ، والفخر الإربلي ، وتاج الدين عبد الله ابن حمويه ، وأعز بن العليق ، وإبراهيم بن الخير ، وبهاء الدين بن الجميزي ، ومحمد بن المني ، وأبو القاسم بن قميرة ، وخلق كثير .
قال ابن الجوزي : قرأت عليها ، وكان لها خط حسن ، وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة ، وخالطت الدور والعلماء ، ولها بر وخير ، وعُمِّرت حتى قاربت المئة ، توفيت في رابع عشر المحرم عام أربعة وسبعين وخمس مئة وحضرها خلق كثير وعامة العلماء .
وقال الشيخ الموفق : انتهى إليها إسناد بغداد ، وعمرت حتى ألحقت الصغار بالكبار ، وكانت تكتب خطًّا جيداً ، لكنه تغير؛ لكبرها. 
ومات معها أحمد بن علي بن الناعم الوكيل ، وأسعد بن بلدرك بن أبي اللقاء البواب ، والأمير شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد بن صيفي الشاعر الحَيْص بَيْص ، وأبو صالح سعد الله بن نجاد بن الوادي الدلال ، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني ، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف ، وعمر بن محمد العليمي ، وأبو عبد الله بن المجاهد الإشبيلي الزاهد ، ومحمد بن نسيم العيشوني .
5- زين العرب بنت عبد الرحمن :
هي زين العرب بنت عبد الرحمن بن عمر بن الحسين المعروفة ببنت الخزيراني ، محدثة ، تولت مشيخة رباط بنت السقلاطوني ، جاورت مكة وتقلدت مشيخة رباط الحرمين في أواخر أيامها ، توفيت في أوائل عام 704 هـ  ولها بضعة وسبعون عاماً (8) .
6- دهماء بنت يحيى :
هي دهماء بنت يحيى بن المرتضى الشريفة ، العاملة الفاضلة ، أخذت العلم عن أخيها الإمام المهدي ، وبرعت في النحو والأصول والمنطق والنجوم والرمل والسيمياء والشعر ، فألفت شرحا للأزهار في أربع مجلدات ، وشرحًا لمنظومة الكوفي في الفقه والفرائض ، وشرحًا لمختصر المنتهى ، وأخذ عنها الطلبة بمدينة تلا ، وتوفيت بمدينة تلا في ذي القعدة 837 هـ (9) .
 7- فاطمة بنت أحمد :
هي فاطمة بنت أحمد بن يحيى ، عالمة فاضلة متفقهة ، كانت تستنبط الأحكام الشرعية وتتباحث مع والدها في مسائل فقهية مشهورة بالعلم ، ولها مع والدها مراجعات في مسائل كمسألة الخضاب بالعصفر ، فإنه قال : إن فاطمة ترجع إلى نفسها في استنباط الأحكام وهذه المقالة تدل على أنها كانت مبرزة في العلم ، فإن الإمام لا يقول مثل هذه المقالة إلا لمن هو حقيق بها ، وكان زوجها الإمام المطهر يرجع إليها فيما يشكل عليه من مسائل وإذا ضايقه التلامذة في بحث دخل إليها فتفيده الصواب ، فيخرج بذلك إليهم فيقولون : ليس هذا منك ، هو من خلف الحجاب ، وماتت قبل والدها رحمهما الله سنة 840 هـ (10) .
8- أسماء المهروانيّة :
أسماء بنت عبد الله بن محمد المهروانيّة ، محدّثة ، كاتبة ، ذات دين وصلاح . سمعت على الكمال محمد بن محمد بن نصر بن النحَّاس ، والشهاب أحمد بن عبد الغالب بن محمد الماكسيني رواية الآباء عن الأبناء للخطيب .
أجازها ستة وعشرون شيخًا ؛ منهم : رسلان الذهني ، وأبوبكر بن محمد المزي ، وخرج لها الشهاب بن الليودي في مشيخته ، وقرأ عليها السخاوي .
ماتت بدمشق في صفرعام 867هـ ، ودفنت بمقبرة باب توما بالقرب من تربة الشيخ رسلان (11) .
9- زاهدة الطاهري :
زاهدة بنت محمد بن عبد الله الطاهري . محدثة ، أجازها ابن الجميزي ، والشاوي ، وغيرهما . وسمعت من إبراهيم بن خليل ، وحدثت، وخرج لها المقاتلي مشيخته ، وقرأ عليها الواني . توفيت في القرن الثامن للهجرة (12) .
10- زينب الجرجانية :
زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني ، تعرف بابنة الشعرى ، وتدعى حرة . عالمة ، فاضلة ، محدثة ، جليلة .
ولدت بنيسابور عام 524 هـ  ، فأدركت جماعة من أعيان العلماء ، فأخذت عنهم الرواية والإجازة .
سمعت من أبي محمد إسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر النيسابوري القارئ وأبي القاسم زاهر ، وأبي المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازان القشيري ، وأبي الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياضي ، وأبي البركات محمد بن الفضل الفزاري ، وغيرهم .
أجازها الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي ، والعلاَّمة الخُرقي ، وغيره من الحفَّاظ والعلماء .
أخبر عنها علي المقدسي ، وسمع عنها الحسن ابن محمد بن محمد البكري جزءًا فيه أحاديث أبي عمر وإسماعيل بن محمد بن أحمد السلمي ، وعثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح .
وسمع عنها جميع الجزء الثالث من كتاب الزهد لوكيع بن الجراح ، وكتاب الأربعين بروايتها عن فاطمة بنت البغدادي سماعًا ، وعن الصاعدين إجازةً ، والجزء العاشر من فوائد الحاكم محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري بروايتها ، وسماعها من أبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي . وقُرئ عليها جميع الجزء الأول والثاني من حديث علي بن حرب بالإجازة . توفيت بنيسابور في جمادى الآخرة عام615هـ (13) .
----------------------
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي ( ج7 ص 465 ) .
(2) لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني ( ج7 ص 522 ) .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه ( ج1 ص 421 ) .
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ( ج4 ص 15 ) والذهبي في سير أعلام النبلاء ( ج2 ص 185 ) .
(5) سير أعلام النبلاء للذهبي ( ج10 ص 106 ، 107 ) .
(6) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (ج18 ص 233 ) .
(7) تاريخ بغداد ( ج14 ص 442 ) وسير أعلام النبلاء ( ج15 ص 264 ) .
(8) الدرر الكامنة ( ج2 ص 247 ) وأعلام النساء ( ج2 ص 44 ) .
(9) البدر الطالع للشوكاني ( ج1 ص 248 )و أعلام النساء ( ج1 ص 420 ) .
(10) البدر الطالع ( ج2 ص 24 )و أعلام النساء ( ج4 ص 31 ) .
(11) الضوء اللامع ( 606 ) وأعلام النساء ( ج1 ص 56 ) .
(12) الدرر الكامنة لابن حجر ( 2 : 112 ) .
(13) أعلام النساء ( 2 : 75 )
.
 
*د يحيى
31 - ديسمبر - 2008
المرأة (9).    كن أول من يقيّم
 
لماذا يُلجا للصدمة الكهربائية ؟
 
               
ضرب المرأة في الإسلام
ورد ضرب النساء في القرآن في موضع واحد في قوله تعالى : ( وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) [النساء :34] ، والنشوز هو مخالفة اجتماعية وأخلاقية ، حيث تمتنع المرأة عن أداء واجباتها ، وتلك الواجبات هي حقوق الزوج ، كما أن واجبات الزوج تعد حقوقًا للزوجة .
وفي تلك المخالفة الاجتماعية والأخلاقية أرشد الله الرجال لتقويم نسائهن بالوعظ ، وهو لين الكلام وتذكيرها بالله وحقه الذي طلبه الله منها ، ثم أباح له أن يهجرها في الفراش في محاولة منه للضغط عليها للقيام بواجباتها ، وأباح الله له إظهار عدم رضاه وغضبه بأن يضربها ضربة خفيفة لا تترك أثرًا ، وكأنه يقول لها :  "إني غاضب " ولم يلزم الرجل بذلك ، ولكنه أباح تلك الضربة الخفيفة في هذه الحالة ، وأمر كل الفقهاء أن يُبتعد عن الضرب قدْرَ الإمكان ويحاول إظهار غضبه بأي شكل آخر.
كما أن الرجل يُضرب ويُؤدب كذلك إذا أخطأ في حق المرأة ، ولنضرِبْ مثالاً يضرب فيه الرجل ؛لأنه أخطأ في أداء وظيفته مع المرأة ، فإذا قام الرجل بإزالة بكارة زوجته بأصبعه فقد قال الفقهاء : " وإزالة البكارة بالأصبع حرام ، ويؤدب الزوج عليه " .
وعندما ضرب كثير من الرجال نساءهم في زمن النبي ذهبن للشكوى إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، فعنف النبي (صلى الله عليه وسلم ) أصحابه ، وغضب منهم ، وقال لهم : " لقد طاف بآل محمد نساءٌ كثيرٌ يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم » (1) .
فسنة النبي (صلى الله عليه وسلم ) التي نحث المسلمين عليها ، هي عدم الضرب ، فلم يضرب النبي (صلى الله عليه وسلم ) نساءه قط ؛ وإنما أبيح الضرب بالسواك (كفرشاة الأسنان) ؛ ليظهر لها غضبه ، وعدم الرضا بإصرارها على ترك واجباتها ، وفي بعض البيئات الثقافية التي تحتاج المرأة إلى ذلك وتراه بنفسها دلالة على رجولة زوجها ، وهذه البيئات الثقافية لا يعرفها الغرب ، ولم يطلع عليها ، ولكن القرآن جاء لكل البشر ، ولكل زمان ومكان ، ولكل الأشخاص إلى يوم الدين ، فشملت خصائصه كل أنواع البيئات والثقافات المختلفة التي إذا لم تراع أدى إلى اختلال ميزان الاستقرار في الأسرة ، وهدد بفشلها وانهيارها ، فكان هذا للتقويم والإصلاح .
ونحن الآن لسنا بصدد قضية نظرية بقدر ما هي واقعية ، فلو كانت المصادر التشريعية للمسلمين تحثهم وتدعوهم لضرب النساء وظلمهن لظهر ذلك في واقعهم ، وإن كانت المصادر التشريعية تحثهم للرحمة والمودة لظهر ذلك أيضًا يقول الله تعالى : " وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا " [الأعراف :58] ، ودعونا نتذكر قول المسيح عليه السلام حينما يقول :
" من ثمارهم تعرفهم ، هل تجني من الشوك عنبًا ، أم من العوسج تينًا " ، إذا وقفنا عند قضية " ضرب النساء بالسواك إظهارًا لعدم الرضا " ، فلننظر في المجتمعات الإسلامية مدى وجود شكوى العنف ضد النساء ، أو التعذيب ضدهن أو ضربهن ، فلو وجدنا ذلك لوجدناه في حالات معدودة وقليلة ناتجة عن عدم التزام تلك الحالات بتعاليم دينهم الحنيف . فأغلب الرجال في المجتمعات الإسلامية لا يمارسون العنف والضرب والتعذيب ضد النساء ، ويصون الرجال النساء في تلك المجتمعات ويحافظون عليهن .
وفي المقابل إذا أردنا أن نقرأ واقع الغرب وضرب النساء الظالم الشائع فيه نجد الإحصائيات الموثقة من المصادر الغربية نفسها تشهد بما يلي :
* 79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربًا يؤدي إلى عاهة .
* 17% منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة . . . والذي كتب ذلك هو الدكتور ( جون بيريه ) أستاذ مساعد في مادة علم النفس في جامعة (كارولاينا) .
* حسب تقرير الوكالة المركزية الأمريكية للفحص والتحقيق FPT
هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا .
* كتبت صحيفة أمريكية أن امرأة من كل 10 نساء يضربها زوجها ، فعقبت عليها صحيفة Family Relation
إن امرأة من كل امرأتين يضربها زوجها وتتعرض للظلم والعدوان (2)
* أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة معرضة للضرب سنويًا . . . أمينة سر الدولة لحقوق المرأة ( ميشيل اندريه ) قالت : حتى الحيوانات تعامل أحيانًا أفضل من النساء ، فلو ضرب أحدٌ كلبًا في الشارع لتقدم شخص ما يشكو لجمعية الرفق بالحيوان ، لكن إذا ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد في فرنسا .
* 92% من عمليات الضرب تقع في المدن ، و 60% من الشكاوى الليلية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس هي استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.
* في بريطانيا يفيد تقرير أن 77% من الأزواج يضربون زوجاتهن من دون سبب.
* وفي بريطانيا فإن أكثر من 50% من القتيلات كنّ ضحايا الزوج أو الشريك . وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال سنة واحدة إلى نهاية آذار/ مارس 1992، كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قِبل أزواجهن أو شركائهن . وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويًا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات ، ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف سنة منذ بداية زواجها ، وقالت: لو قلت له شيئًا إثر ضربي لعاد ثانية لذا أبقى صامتة ، وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب بل يمارس جميع أنواع الضرب من اللطمات واللكمات ، والركلات ، والرفسات ، وضرب الرأس بعرض الحائط ولا يبالي إن وقعت ضرباته في مواقع حساسة من الجسد . وأحيانًا قد يصل الأمر ببعضهم إلى حد إطفاء السجائر على جسدها ، أو تكبيلها بالسلاسل والأغلال ثم إغلاق الباب عليها وتركها على هذه الحال ساعات طويلة .
إن مفهوم الضرب بهذه الصفة لا شك أنه مصيبة يجب على جميع البشر الوقوف ضدها ، وفقهاء المسلمين يقفون ضد هذا الضرب ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يبين أن العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على المودة والرحمة، وهذا يتنافى مع الضرب والإيذاء ؛ ولذلك يستنكر النبي (صلى الله عليه وسلم ) ذلك استنكارًا شديدًا فيقول (صلى الله عليه وسلم ) :  "أيضرب أحدكم امرأته كما يُضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم ؟ " (3) ، فذلك الرد على من زعم أن الإسلام أهان المرأة بإباحة الرجل ضربها .
-----------------------
(1) رواه أبو داود في سننه ( ج2 ص 245 ) والدارمي في سننه
( ج2 ص 198 ) .
(2) ومن شاء المزيد فليرجِع إلى تقرير لَجنة الكونجرس الأمريكية لتحقيق جرائم الأحداث في أمريكا تحت عنوان: ( أخلاق المجتمع الأمريكي المنهارة ) . المجتمع العاري بالوثائق والأرقام، ص 11 ) .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه ( ج5 ص 1997 )، والبيهقي في سننه الكبرى ( ج7 ص 305 )، واللفظ له .
 
 
 
*د يحيى
31 - ديسمبر - 2008
السعادة : ما هي ؟    كن أول من يقيّم
 
كلٌّ منا يَنشُد السعادة و يبحث عنها، والسؤال: ما السّعادة؟  
أهي الغِنى بعد الفَقر، أم الصِّحة بعد المرض ، أم هي الجمعُ بين الحياتين ، وتغليبُ الآخرة على الدنيا ؟
ولستُ أرى السعادة جمْعَ مالٍ*** ولكنّ التقيّ هو السعيدُ
هل السعادة نِسيان الله، وعدم تأدية ما فرضه من صلاة وصيام و زكاة وحج ؟ أو أنْ يعيش الإنسان حراً طليقاً من دون قيود، يفعل ما يحلو له،... والاقتراب من فلسفته في حياته خط أحمر؟
لاريب في أنّ الإنسان الكريم يسعَد بكرمه، و المجتهد يسعَد باجتهاده، ... ، ولكنْ هل هذا هو نهاية حلمِ الإنسان ؟
إنه لا بُدّ مِن وصْل الإنسان بربّه، والاطمئنانِ إليه، والأنسِ بعبوديته له، وأنه معه يحفظه ويرشده.
عندما وصل عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، إلى الخلافة تاقت نفسه إلى شيء سمين، قال: " ...ولم يبق إلاّ الجنة".
 إنه مهما عمِل الإنسان ومهما سعِد، فإن الدنيا فيها آلام وأحزان وهموم يعجِز عن تحمُّلها، فإذا عمل للآخرة ، واعتمر ، وحج ، وصلّى، وصام، وقام ، وقرأ القرآن، وعمل الصالحات في الدنيا بأن أعان الناس، وبذل الغالي في إنقاذ الجرحى ، واستعان بالرقيب الحنّان المنّان ، ودعا على الظالمين، أجابه المُجيب ، واطمأنّ قلبه، وانشرح صدره ، وغدتْ همومه لا تعدل عنده جناح بعوضة.... ، وليس هنالك طريق آخر.
إن الثقة بالله هي التي تعطي الإنسان صفاءً في النفس وهدوءاً في البال، ؛ فلا يفرح كثيراً بما حظِي، ولا يحزن كثيراً لِما فَقَدَ؛ فإنّ عُمر الإنسان محتوم ، ورزقه
مقسوم ، وقدره كائن....كل أولئك قد كُتِب على المرء وهو في رحم أمه...
قال تعالى : " فاتقوا الله ويُعلّمكم الله " .
*د يحيى
3 - يناير - 2009
الاستغفار مَجلبةٌ لكل خير .    كن أول من يقيّم
 
الحمد لله المعطي بلا امتنان، نحمده على نعمه، ونشكره على فضله وجوده، يعطي من سأله, ويجيب من دعاه, ويسقي من استسقاه، سبحانه ما أحلمه على عباده وأكرمه، شرهم إليه صاعد، وخيره إليهم نازل، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه،
فإن القحط الذي يُصيب الناس في أي زمن من الأزمان، أو أي بلد من البلدان؛ إنما هو بسبب الذنوب والعصيان، فكثرة الذنوب - وما أكثرها - تمنع القطر من السماء، وينزل بسببها العقاب من رب الأرض والسماء، يصدق هذا ما جاء في الأثر عن ابن عباس - رضي الله عنه -: "لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يُكشف إلا بتوبة"، وهذا رغم أن الله - عز وجل - لا يؤاخذ الناس بذنوبهم كلها دفعة واحدة في الحياة الدنيا " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ "، وإنما ببعض ما كسبوا: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِِعُونَ"([1]).
وكما أن الذنب سببٌ في القحط؛ فإن التوبة سبب في رفع القحط عن العباد؛ لأن التائب يقلع عن الذنوب، ويندم على فعلها؛ فيكسب رضا الله، ويغدق عليه الله من رحماته، وينزل عليه من بركاته، فإرسال السماء بالغيث من الله – عز وجل - مرتبط بالتوبة والاستغفار قال الله – تعالى -: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً" [2]) يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: "أي: ارجِعوا إليه، وارجعوا عما أنتم فيه، وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك، ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية، وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه صعِد المنبر ليستسقيَ، فلم يزد على الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار ومنها هذه الآية " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً "، ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي ستنزل بها المطر"([3]).
فالتوبة والاستغفار، والرجوع إلى الله وترك الذنوب؛ سبب في إرسال القطر من السماء، يقول الإمام الطبري - رحمه الله -: "فإنكم إن آمنتم بالله، وتبتم من كفركم به؛ أرسل قَطْر السماء عليكم يدرَّ لكم الغيثَ في وقت حاجتكم إليه، وتحَيَا بلادكم من الجدب والقَحط"([4])، ويقول الشوكاني - رحمه الله -: "فيه استحباب الاستكثار من الاستغفار؛ لأن منع القطر متسبب عن المعاصي والاستغفار يمحوها فيزول بزوالها المانع من القطر"([5]).
فالاستغفار يستنزل به المطر للآية السابقة، ويُمحى به الذنوب كما روى حُذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الاستغفار ممحاة للذنوب)([6]).
قال الأوزاعي - رحمه الله -: "خرج الناس يستسقون؛ فقام فيهم بلال بن سعد فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: ((مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)) وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟! اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا! فرفع يديه، ورفعوا أيديهم، فسقوا([7]).
وهكذا كلما تاب العباد وأنابوا إلى ربهم، ورجعوا إليه بصدق وإخلاص؛ أعطاهم الله ما سألوا، واستجاب لهم دعاءهم، يقول سيد قطب - رحمه الله - بعد أن ذكر الآيات في سورة نوح: "وقد ربط بين الاستغفار وهذه الأرزاق، وفي القرآن مواضع متكررة فيها هذا الارتباط بين صلاح القلوب واستقامتها على هدى الله؛ وبين تيسير الأرزاق، وعموم الرخاء، جاء في موضع: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))، وجاء في موضع: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ..))، وجاء في موضع: ((أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ...)) وهذه القاعدة التي يقررها القرآن في مواضع متفرقة تقوم على أسبابها من وعد الله، ومن سنة الحياة؛ كما أن الواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون.
والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد، وما من أمة قام فيها شرع الله، واتجهت اتجاهاً حقيقياً لله بالعمل الصالح؛ والاستغفار المنبئ عن خشية الله، ما من أمة اتقت الله وعبدته، وأقامت شريعته، فحققت العدل والأمن للناس جميعاً؛ إلا فاضت فيها الخيرات، ومكن الله لها في الأرض، واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء"([8]).
فالاستغفار والإكثار منه سبب رئيسي في جلب الخيرات، ونزول البركات، وهذه سنة الله، فمن تاب إليه واستغفره ورجع وأناب؛ أرسل عليه بركاتٍ السماء، وأخرج له خيراتِ الأرض.
إنّ دعاء الله – عز وجل – واستسقاءَه، وطلبَ السُقيا منه؛ أمرٌ مشروع فقد كان النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا أجدبت الأرض، وعمّ القحط؛ رفع يديه إلى السماء يستسقي، فعن أنس – رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة، فقام الناس فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله! قحط المطر، واحمرّ الشجر، وهلكت البهائم فادع الله أن يسقينا، فقال: " اللهم اسقنا .. اللهم اسقنا "، قال: وايم الله ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فأنشأت سحابة فانتشرت، ثم أمطرت، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى وانصرف، فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب صاحوا فقالوا: يا رسول الله! تهدمت البيوت، وانقطعت السبل فادع الله أن يحبسها عنا، فتبسم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فتقشعت عن المدينة، فجعلت تمطر حولها وما تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة كأنها لفي مثل الإكليل"([9])، وجاء عن سالم بن عمر عن أبيه قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب فاذكر قول الشاعر:
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه                  ثمال اليتامى عصمة للأرامل ([10])
فالإقلاع عن المعاصي، والتوبة إلى الله ينبغي أن تكونا في مَن يَدْعون الله، ويطلبونه السُقيا؛ فقد جاء عن شهر بن حوشب: «أن عيسى بن مريم - عليهما السلام - خرج يستسقي وخرج بالناس، فقال لهم: من كان منكم أذنب ذنباً فليرجِِع، فجعل الناس يرجِعون حتى لم يبق معه إلا رجل أعْوَرُ، فقال له عيسى - عليه السلام -: أما أذنبت قطُّ، فقال: نظرت بعيني هذه مرةً واحدة إلى ما لا يحِل لي ففقأتها، فقال له عيسى - عليه السلام -: ادعُ الله - عز وجل - وأنا أؤمِّن، فدعا وأمَّن عيسى - عليه السلام - فسقاهم الله - عز وجل -»([11]).
وعن حدير بن كريب، أن عبد الملك بن مروان أرسل إلى روح بن زنباع: " كيف تقول إذا قحطت السماء؟ قال: يقولون: اللهم الذنب الذي حبستَ عنا به القطرَ فإنا نستغفرك منه، فاغفر لنا، واسقِنا الغيثَ( ثلاث مرات) ".اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسِل السماء علينا مِدراراً، اللهم أغِثنا يا مغيث، اللهم أغثنا يا مغيث، غيثَ الإيمان في قلوبنا، وغيث الرحمة في أوطاننا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً، غدقاً مجللاً، سحاً طبقاً، دائماً عاماً، نافعاً غير ضار، اللهم لتسقي به العباد، وتغيث به البلاد.
_________________________________________

[1]- (الروم:41).
[2]- (نوح:10-111).
[3]- تفسير ابن كثير (ج 8 / ص 232) بتصرف يسير.
[4]- تفسير الطبري (ج 15 / ص 358).
[5]- نيل الأوطار (ج 6 / ص 76).
[6]- رواه الديلمي وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة.
[7]- تفسير القرطبي (ج 18/ ص 302).
[8]- في ظلال القرآن (ج 7 / ص 346).
[9]- رواه البخاري.
[10]- السنن الكبرى للبيهقي (ج 3/ص 352).
[11]- المطر والرعد والبرق (ج 1 / ص 86).
 
جزى الله خيراً كاتبها وقارئها وموصلها.
 
*د يحيى
3 - يناير - 2009
دلالة الكلمة في كتاب الله .    كن أول من يقيّم
 
مـن المشتـرك اللفظـي في القـرآن كلمـة ( الـذكـر )

وقـد وردت علـى عشـريـن وجهًـا: ( عـن الإتقـان للسيـوطـي )

1ـ ذكر اللسان: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ ﴾ [البقرة:200].

2 ـ ذكر القلب: ﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران:135].

3 ـ الحفظ: ﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾ [البقرة:63].

4 ـ الطاعة والجزاء: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة:152]، أي أطيعوني أجزكم.

5 ـ الصلوات الخمس: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة:239].

6 ـ العظة: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [الأنعام: 44].

7 ـ البيان: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الأعـراف:63، 69].

8 ـ الحديث: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾ [يوسف:42].

9 ـ القرآن: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طـه:144]، ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنبياء:2].

10 ـ التوارة: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7].

11 ـ الخبر: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ [الكهف: 83].

12 ـ العيب: ﴿ أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ ﴾ [الأنبياء: 36].

13 ـ اللوح المحفوظ: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء:105].

14 ـ الشرف: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [الزخرف:44].

15 ـ الثناء: ﴿ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الشعراء:227].

16 ـ الوحي: ﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴾ [الصافات: 3]، والمراد الملائكة تتلو كتاب الله.

17 ـ الرسول: ﴿ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴿10﴾ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ ﴾ [الطلاق:10].

18 ـ الصلاة: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45].

19 ـ صلاة الجمعة: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9].

20 ـ صلاة العصر: ﴿ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾ [صاد: 32].
*د يحيى
3 - يناير - 2009
 3  4  5  6  7