هديتي إلى أهالي شهداء غزة العزة. كن أول من يقيّم (البقرة2/154) * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) هذا مِثْل قوله تعالى في الآية الأخرى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169]، وهناك يأتي الكلام في الشهداء وأحكامهم، إن شاء الله تعالى. وإذا كان الله تعالى يحييهم بعد الموت ليرزقهم ـ على ما يأتي ـ فيجوز أن يحيي الكفار ليعذبهم، ويكون فيه دليل على عذاب القبر. والشهداء أحياء كما قال الله تعالى، وليس معناه أنهم سَيَحيوْن؛ إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرقٌ إذ كل أحد سَيَحْيَا. ويدل على هذا قوله تعالى: ( وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) والمؤمنون يشعرون أنهم سيحيوْن. وٱرتفع «أموات» على إضمار مبتدأ، وكذلك «بل أحياء» أي هم أموات وهم أحياء، ولا يصِح إعمالُ القول فيه ؛لأنه ليس بينه وبينه تناسب؛ كما يصح في قولك: قلت كلاماً وحجة. * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) اعلم أن هذه الآية نظيرة قوله في آل عمران: { بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ }[آل عمران:169] ووجه تعلق الآية بما قبلها كأنه قيل: استعينوا بالصبر والصلاة في إقامة ديني، فإن احتجتم في تلك الإقامة إلى مجاهدة عدوي بأموالكم وأبدانكم ففعلتم ذلك فتلفت نفوسكم فلا تحسبوا أنكم ضيعتم أنفسكم، بل اعلموا أن قتلاكم أحياء عندي ...قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت الآية في قتلى بدر، وقُتل من المسلمين يومئذ أربعةَ عشرَ رجلاً، ستةٌ من المهاجرين وثمانيةٌ من الأنصار، فمن المهاجرين: عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب، وعمر بن أبي وقاص، وذو الشمالين، وعمرو بن نفيلة، وعامر بن بكر، ومهجع بن عبد الله. ومن الأنصار: سعيد ابن خيثمة، وقيس بن عبد المنذر، وزيد بن الحرث، وتميم بن الهمام، ورافع بن المعلى، وحارثة بن سراقة، ومعوذ بن عفراء، وعوف بن عفراء، وكانوا يقولون: مات فلان ومات فلان، فنهى الله تعالى أن يقال فيهم إنهم ماتوا. وعن آخرين أن الكفار والمنافقين قالوا: إن الناس يقتلون أنفسهم؛ طلباً لمرضاة محمد من غير فائدة فنزلت هذه الآية. * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) " تمام النعمة دخول الجنة " ...عن الحسن: أنّ الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشياً، فيصل إليهم الوجع. وعن مجاهد: يرزقون ثمر الجنة ويجدون ريحها وليسوا فيها. وقالوا: يجوز أن يجمع الله من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم وإن كانت في حجم الذّرة. وقيل: نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعةَ عشرَ. * تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون، كما جاء في صحيح مسلم: " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك اطلاعة، فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا وأي شيء نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا، فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى؛ لما يرون من ثواب الشهادة، فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضاً وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر في القرآن تشريفاً وتكريماً وتعظيماً. * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) وقوله تعالى: { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } الآية، سببها أن الناس قالوا في من قتل ببدر وأحُد: مات فلان ومات فلان، فكره الله أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم، فنزلت هذه الآية، وأيضاً: فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم، تعظم منزلة الشهداء، وتخبر عن حقيقة حالهم، فصاروا مغبوطين لا محزوناً لهم، ويبين ذلك من حديث أم حارثة في السير، والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق، وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة، وروي أنهم في قبة خضراء، وروي أنهم في قناديل من ذهب، إلى كثير من هذا، ولا محالة أنها أحوال لطوائف أو للجميع في أوقات متغايرة، وجمهور العلماء على أنهم في الجنة، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حارثة: إنه في الفردوس، وقال مجاهد: هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها، و{ أموات } رفع بإضمار الابتداء والتقدير هم أموات، ولا يجوز إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب كما يصح في قولك قلت كلاماً وحجة. * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) سبب نزولها أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وأُحد: مات فلان ببدر، مات فلان بأحد، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. ورفع الأموات بإضمار مكنى من أسمائهم، أي: لا تقولوا: هم أموات، ذكر نحوه الفراء. فإن قيل: فنحن نراهم موتى، فما وجه النهي؟ فالجواب أن المعنى: لا تقولوا: هم أموات لا تصل أرواحهم إلى الجنات، ولا تنال من تحف الله ما لا يناله الأحياء، بل هم أحياء، أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، فهم أحياء من هذه الجهة، وإن كانوا أمواتاً من جهة خروج الأرواح، ذكره ابن الأنباري. فان قيل: أليس جميع المؤمنين منعّمين بعد موتهم؟ فلم خصصتم الشهداء؟ فالجواب: أن الشهداء فضلوا على غيرهم بأنهم مرزوقون من مطاعم الجنة ومآكلها، وغيرهم منعم بما دون ذلك، ذكره ابن جرير الطبري. * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) { أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ } النفوس عند الله ـ تعالى ـ منعمو الأجسام وإن كانت أجسامهم كأجسام الموتى أو ليسوا أمواتاً بالضلال بل أحياء بالهدى. نزلت لما قالوا في قتلى بدر وأُحُد مات فلان وفلان. * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) نزلت في من قتل ببدر من المسلمين وكانوا أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وهم: عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب وعمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أخو سعد بن أبي وقاص وذو الشمالين واسمه عمير بن عبد عمرو بن العاص بن نضلة بن عمرو بن خزاعة ثم بني غبشان وعاقل بن البكير من بني سعد بن ليث بن كنانة ومهجع مولى لعمر بن الخطاب، وصفوان بن بيضاء من بني الحارث بن فهر ومن الأنصار ثمانية، وهم سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد بن المنذر، ويزيد بن الحارث بن قيس بن فسحم وعمير بن الحمام ورافع بن المعلى وحارثة بن سراقة، وعوف ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد وهما ابنا عفراء وهي أمهما، كان الناس يقولون لمن قتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذاتها فأنزل الله تعالى هذا الآية، وقيل: إن الكفار والمنافقين قالوا: إن الناس يقتلون أنفسهم ظلماً لمرضاة محمد من غير فائدة فنزلت هذه الآية وأخبر أن من قتل في سبيل الله فإنه حي بقوله تعالى: { بل أحياء } وإنما أحياهم الله عز وجل في الوقت لإيصال الثواب إليهم. وعن الحسن أن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم، ويصل إليهم الروح والريحان والفرح كما تعرض النار عى أرواح آل فرعون غدوة وعشياً فيصل إليهم، الألم والوجع ففيه دليل على أن المطيعين لله يصل إليهم ثوابهم وهم في قبورهم في البرزخ وكذا العصاة يعذبون في قبورهم. فإن قلت: نحن نراهم موتى فما معنى قوله بل أحياء وما وجه النهي، في قوله ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات. قلت: معناه لا تقولوا أموات بمنزلة غيرهم من الأموات بل هم أحياء تصل أرواحهم إلى الجنان كما ورد، " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة " فهم أحياء من هذه الجهة، وإن كانوا أمواتاً من جهة خروج الروح من أجسادهم، وجواب آخر وهو أنهم أحياء عند الله تعالى في عالم الغيب، لأنهم صاروا إلى الآخرة فنحن لا نشاهدهم كذلك ويدل على ذلك قوله تعالى: { ولكن لا تشعرون }؛ أي لا ترونهم أحياء فتعلموا ذلك حقيقة، وإنما تعلمون ذلك بإخباري إياكم به. * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) المعنى: لما أمر الله سبحانه بالصبر والصلاة للازدياد في القوة بهما على الجهاد قال { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } فنهى أن يسمّى من قتل في الجهاد أمواتاً { بل أحياء }؛ أي بل هم أحياء وقيل فيه أقوال أحدها: وهو الصحيح أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة وهو قول ابن عباس وقتادة ومجاهد وإليه ذهب الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء واختاره الجبائي والرماني وجميع المفسرين. والثاني: أن المشركين كانوا يقولون إن أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير سبب ثم يموتون فيذهبون، فأعلمهم الله أنه ليس الأمر على ما قالوه وأنهم سيُحيون يوم القيامة ويُثابون عن البلخي، ولم يذكر ذلك غيره والثالث: معناه لا تقولوا هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة والهدى ومثله قولـه سبحانه: { أو من كان ميتاً فأحييناه } [الأنعام: 122] فجعل الضلال موتاً والهداية حياة عن الأصم والرابع: أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قولـه: هلك خُزّان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة. |