الثقافة ( من قبل 5 أعضاء ) قيّم
الثقافة
تدور استعمالات العرب لمادة ( ثقِفَ ) في كلامها على الحِذ ق في إدراك الأمور، وحُسن الفهم ، وجَودة التقويم .
هناك فرق بين تعريف الثقافة في الاصطلاح بين اللفظ المطلق : (ثقافة) ، واللفظ المركَّب : ( ثقافة الأمّة) .
فالثقافة إذا كانت لفظاً مطلقاً ، فإنه يراد بها التعمّق في دراسة عِلمٍ من العلوم ، ولذلك يقولون : تعلّمْ شيئاً عن كل شيء؛ لِتكونَ مثقفاً ، وتعلَّمْ كل شيء عن شيء؛ لتكون عالماً .
والصلة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي واضحة ، فالإنسان لا يكون مثقفاً في جملة من العلوم ما لم يكن حاذقاً في إدراكها ، مُجيداً لتقويم ما يطّلع عليه منها .
وقد أدرك المسلمون أهمية وضع عِلمٍ يُعطي قارئه اِطّلاعاً جيداً في العلوم المختلفة ، والعلمُ الذي وضعوه لهذا الغرض هو عِلم الأدب .
وأطلق الأدب عند أهل اللسان العربي – كما يقول ابن خلدون – على الثمرة المرجوة من علم الأدب ، وهي " الإجادة في فنَّيْ المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناهجهم " . " ثم أرادوا به حِفظ أشعار العرب وأخبارها ، والأخذ من كل علم بطرف".
إذا أنعمتَ النظر في قوله : " الأخذ من كل علم بطرف " تَرَى أنّ (علم الأدب) قديماً استعمل في مرحلة من المراحل بالمعنى الذي تُراد به الثقافة حال إطلاقها . [ شمل في العصر الأموي الثقافة العربية كلها ، بل شمل حيناً آخَر الثقافات الأجنبية والفنون والصناعات ، ثم عاد إلى الضيق ، فوقف عند حدود اللغة العربية ].
إنك إذا تصفحتَ الموضوعات التي تناولتها كتب الأدب ، كصُبح الأعشى للقلقشندي ، ونهاية الأرب للنوَيري ، فإنك تجدها تُطلع قارئها على جملة جيدة في كل عِلْم من العلوم التي لا بد منها لِمَن نعدّه اليوم مثقفاً. وهذه الكتب وضعت في الأصل لتثقيف الذين يقومون على ديوان الإنشاء ، وهو الجهاز الذي كان يخاطب الحاكمُ من خلاله الشعبَ والولاة وحكام الدول الأخرى . وما لم يكن موظفو هذا الديوان ملِمّين بالعلوم التي توسّع آفاقهم ، وتقوِّم ألسنتهم ، وتزيد معارفهم ، وتكشف لهم عن طبائع الذين يخاطبونهم ، فإنهم لن يستطيعوا القيام بالمهمة المناطة بهم . واقرأ معي ما قاله القلقشندي في ( صُبح الأعشى) : " اِعلَمْ أنّ كاتب الإنشاء ، وإن كان يحتاج إلى التعلق بجميع العلوم ، والخوض في سائر الفنون ، فليس احتياجه إلى ذلك على حَدٍّ سواء".
· نَعَمْ ، إنّ كاتب الإنشاء ينبغي أن يكون آخذاً من كل علم بطرف ،
· وإنّ حاجته إلى هذه العلوم متفاوتة ، وأهم هذه العلوم لكاتب الإنشاء علم اللغة.
وقد أصبحت كتب الأدب – في تلك العصور – محل عناية الفئة المثقفة من أبناء المسلمين خاصةً ، أولئك الذين يطمحون في الوصول إلى ديوان الإنشاء ، ولا يستغني عنه طالب علم يريد تهذيب نفسه وتقويمها ، وتوسيع آفاق فكره .
أما إذا أضيفت الثقافة إلى الأمة ، فإن المراد بها هو تراث تلك الأمة الحضاري والفكري في جميع جوانبه النظرية والعملية الذي تمتاز به الأمة ن وهذا التراث الذي يشكل ثقافة الأمة متداخل مترابط يشكل إطاراً ومحيطاً يحكم الأفراد والأسر والمجتمع في كل أمة .
وثقافة الأمة في جوانبها المختلفة تشكل أسلوبها في الحياة ، فعقيدة الأمة وتاريخها ونظرتها إلى الحياة والفِكَر والنظريات التي تدور في عقول أبنائها ومفكريها ، وتدون في كتبها ودراساتها تشترك جميعاً في تحديد الأسلوب الذي يحكم حياة الأمة ، ويضبِط مسارها ، ولذلك عَرّف بعض الباحثين الثقافة بقوله : "هي أسلوب الحياة السائد في مجتمعٍ من المجتمعات".
|