البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : انتحار : قصة قصيرة    كن أول من يقيّم
التقييم :

رأي الوراق :

 صبيحة  
18 - نوفمبر - 2008
انتحار
 
مازال  ذلك المنظر ماثلا في ذهني  ، رغم محاولاتي العديدة لقلعه من ذاكرتي المجهدة ،  كل الصور تغرس في عقلي ، ولا املك حيالها نسيانا ، أصغي الى حديثها المتكرر ، وأجهد مرات عديدة أن اقلع تلك النبتة  الحنظلية ، التي تطارد سكينتي الداخلية باستمرار ، ماذا يفيدني التذكر ؟ ماسي كثيرة جلبت لحياتي أياما سودا ، مستمرة بظلالها المقيتة ، ضاغطة على أنفاسي ، سالبة مني حلاوة الأيام ، وطعما فاترا بالجميل المباغت الذي يهل علينا قليلا ، ثم يرحل ويذوب في عتمة  أيامنا المظلمة وليالينا البائسة.
صعدت إلى غرفته الصغيرة كعادتي كل صباح ، كان الأحب إلي  والأقرب إلى نفسي الموجعة ، التي أنهكتها المتاعب ، وتركتها خائرة القوى.
ورغم أن كلهم أعزاء ، الا أنني وجدت في كلماته القليلة  ،التي كان يلقيها محاولا الدفاع عني ، ضد عمليات اعتداء مدروسة ، تقام لسلب الأمان من روحي المعذبة ، والقضاء على الطمأنينة المسلوبة.
حياتي بائسة ، لم أجد ما  ترنو إليه الفتاة عادة ، من صدر حنون ، كانت كلماته القاسية ، تستقبلني في مقدم صباحي ، وتودعني إذا ما أظلمت الدنيا ،وودعت ضياء النهار ، وذهب كل مخلوق إلى حضن حبيبه ، يستدر منه الرأفة والحنان الذبيح ، ورغم أن الله قد منّ علي بصفات الحسان ، لا إنني كنت اختلف  ،عن  المحظوظات ببعض النعيم ، حياتي سارت خائبة ، مترعة بالمرارة وحافلة  بالحرمان.
لماذا تكون الحياة نحوي  بهذا البخل الأصم ؟ ولماذا أجد غيري ،  يغدق عليهم الأحباب ، كؤوسا من  بهجة وحبور ؟ ولماذا تمر أيامي كالحة الظلمة ، عسيرة على الاحتمال؟.
ولدي ذاك كان الحبيب ، والأخ والرفيق ، بعد إن ادلهمت أيامي ، وزاد بؤسها ، وثقل علي ، ان ألفي حياتي علقما لا يستساغ
 صعدت درجات السلم الطويلة ، وأنا احلم بان أمتع عيني  برؤية عزيز أثير ، ولكن حلمي  تبدد ضائعا ، كغيره من الأحلام التي ما فتئت تسكن قلبي المعنى ، منتظرة فرصتها لملامسة النور.
 كثرت الخصومات بيننا في الآونة الأخيرة ، ورغم ان أيامي لم تذق طعم السرور ، ولا جربت التوافق ، ولا لمست حلاوة اللمسات ، التي تنعش الفؤاد ، وترعش القلب ، وتجعل البدن مرتويا ، والعقل هادئا ونسمات من الحبور ، تهب على المخلوق ،  بل كانت الرتابة تخنق الأنفاس ، وارتفاع الصوت ، يهدد  بالويل والثبور ، يئد كل ما  ما حلمت به من جمال
ارتفع زعيقه كالعادة :
-        يا لهذا الجمال الآسر ، إنها جارتنا حسناء ، رائحتها تنعش النفس وتسبي الكيان . ، ولا تبعث منها روائح البصل والثوم
 لم اجب أنا ، إنها عادة له ، يجري خلف الحسناوات ، وأنا اكدح ،للمحافظة على سلامة المنزل ، الذي اخترقته السهام ، وكأنه أحب أن يزيد ناري اشتعالا  ، أضاف:
-        الا تشعرين ، إنها أنثى ، هل تدركين ، معنى أن تكون المخلوقة أنثى وبهذا الجمال ؟
 كيف أجيب ؟ وقد جعل حياتي جحيما ، لا يطاق ، وسرق البسمة من أيامي ، المترعة بالخنوع ، و أرغمني على رؤية النجوم ، في سماء الظهيرة الملتهبة ؟
-        أنت : يا من يمتزج الثوم والبصل ، برائحتها النتنة ، الا تفهمين ؟
 لم اقو على الجواب ، ولقد فقدت من كثرة لسعاته  ،ما حملته في قلبي من عطف في سالف الأيام ، عزت علي نفسي ، وصعبت حالتي وأنا أناضل من اجل لاشيء ، وأقدم التضحيات عبثا.
أسمع صوت ولدي:
-        رحمة بأمي ، إنها تشقى طول النهار ، وتقدم لنا المال والطعام ، وكل ما نريد.
-        اخرس ، يا ولد ، لقد أفسدتك أمك بتدليلها.
 فرحت في  البداية من دفاع ابني ، ولكن  مالبثت الغمة أن استوطنت قلبي ، حين فكرت بالأمر جليا ،  كان أبوه معروفا بلؤم  الانتقام.
   ارتقى ولدي درجات السلم ، فشعرت ببعض الاطمئنان الذي زال سريعا:
-        ابنك هذا بحاجة إلى تربية.
 قضيت ليلة ليلاء مسهدة  ، تمضّني الأفكار ، وتتلاعب بفؤادي المنغصات ، أحاول أن  أهديء غليان نفسي ، ثم تغلبني المخاوف ، وأمضي الى تهدئتها من جديد :
-        انه ولده أيضا
 استيقظ  في صباح كل يوم ، راغبة في الاستماع ، إلى كلمات ولد بار عزيز ،  ولكن ذلك اليوم لم أجده في سريره ، ، بحثت في كل مكان اعتاد ، اذ يذهب اليه ، ثم عدت الى غرفته مجددا ،  كان معلقا بحبل على الجدار ، وقد أبعد الكرسي الصغير.
 
 
 
 
                                                صبيحة شبر
                                             21 حزيران 2008
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
قصة    كن أول من يقيّم
 
قصة رائعة تستحق التقدير
abdeltwab
20 - نوفمبر - 2008
مرور حول قصة الانتحار    كن أول من يقيّم
 
تحية طيبة .. بعد انقطاع طويل.. اود ان اقول لاياس مع الحياة القصة رائعة بمدلولها  وذات اسلوب بسيط شكرا اختي العزيزة على هذه القصة ونتمنى المزيد
 اخوكم محمد عبد الله
محمد عبد الله دالي ا
26 - نوفمبر - 2008
قصة فيها عبرة وأية عبرة    كن أول من يقيّم
 
   في هذه القصة القصيرة المؤثرة ، التي تفضلت بإنشائها الأستاذة صبيحة ، عبرة للآباء أية عبرة! فالأبناء ، والصغار منهم على وجه الخصوص ، كثيرا ما تسودهم الأحزان ، وتعتريهم أشد الآلام النفسية وهم يرون الأمهات يقاسين غلظة الآباء وسوء معاملتهم إياهن . أقول ذلك من تجربة مررت بها طفلا :
   كان والداي ، رحمهما الله ، مثالا للمودة والتراحم ؛ لكن المودة بين الزوجين لا تعدم أن تنقلب إلى شيء من المشاحنة أحيانا ، وقد عرفت هذا لما ازددت بما حولي وعيا . ولا زلت أذكر دموع أمي وهي تنهمر مع شيء من النشيج الخافت ، تأثرًا من غلظة في الخطاب بدرت من والدي ، وكنت أيامها ابن سبع من السنين ؛ فآلمني مرأى تلك الدموع المنهمرة  أشد الإيلام  ، وأحزنتني حال أمي حزنا شديدا صاحبه استغراب من فعل والدي أشد ، واعترتني دهشة المفاجأة من الحدث ؛ فانزويت إلى نفسي أناجيها نجوى خفية : كيف لأبي ، وهو الأب المستقيم الخلق الحسن التعامل ، أن يفعل ما فعل! وكيف لي أن أحول بين ما حدث وبين أن يحدث مرة أخرى ؟ وتجيبني نفسي بهمس أشد خفاءً ، وأدنى إلى الكتمان ؛ احتراما لوالدي ، وخشية من أقع في استغابتي إياه ، إضافة إلى رهبتي من غضبه ؛ فالبوح له بما في نفسي لم يكن بمقدوري في تلك السن الصغيرة وفي تلك الحال المفاجئة .
ولعلكم ، يا من تطالعون كلماتي هذه ، أن تسألوا عن ماذا أجابتني نفسي ؟ لقد  اقترحت عليّ التمني بأن أتخلص من الحياة ، وكأنني كنت أعرف قول المعري :
تعب كلها الحياة ، فما أعجب إلا من راغب في ازدياد!
ولولا تعلقي الشديد بأمي ، ولولا ما كان رباني عليه أبي من لزوم طاعة الله ورسوله ، لفكرت في تحويل التمني إلى واقع .
   إن لنا في الذي خطته الأستاذة صبيحة لعبرة : للآباء فيها النصيب الأكبر ، وللشباب ، الآباء غدا ، فتيانا وفتيات ، نفس النصيب ، وللأطفال ، حماهم الله ، فيها موعظة نتلوها عليهم ؛ لنقيهم مما يمكن أن يخالط أفكارهم الناشئة على السذاجة من سوء ، ونقي عواطفهم الغضة البريئة الصادقة  مما يمكن أن يشوبها من عفن الحياة وما فيها من منغصات . وكان الله في عون النساء اللواتي ابتلين بأزواج مثل ذلك الزوج المذكور في قصة الأستاذة ، ذلك الزوج الخصيم البيّن الخصام .
 
  
*ياسين الشيخ سليمان
27 - نوفمبر - 2008