 | تعليقات | الكاتب | تاريخ النشر |  | عرض للكتــــاب ... كن أول من يقيّم عرض/بدر محمد بدر كتاب "رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمر" هو خلاصة دسمة لمسيرة حياة المفكر الموسوعي الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري الذي كتب في مجالات كثيرة, لكنه تخصص في دراسة اليهود والصهيونية, وأبرز مؤلفاته هي الموسوعة الشهيرة التي صدرت في العام 1999 بعنوان: "اليهود واليهودية والصهيونية". الكتاب الذي بين أيدينا هو لون جديد من ألوان الكتابة عن رحلة الحياة, لا ينتمي لفن المذكرات الشخصية التي تتناول مراحل حياة المؤلف بشكل مفصل, بل هي مذكرات فكرية موضوعية مخلوطة بقضايا وأفكار ومواقف شخصية, في إطار تكاملي تحليلي جديد, يقول عنه المؤلف في مقدمته "الصفحات التالية هي قصة حياتي, أو رحلتي الفكرية كمثقف عربي مصري, ترصد تحولاتي الفردية في الفكر والمنهج, ولكنها تؤرخ في الوقت نفسه لجيلي أو لقطاع منه, كما أن الجزء الثاني هو محاولة لعرض بعض أفكاري الأساسية, كما تتمثل في معظم أعمالي". والكتاب مكون من جزأين وعشرة فصول, يتحدث الدكتور المسيري في بدايتها عن البيئة التي ولد ونشأ فيها، حين ولد عام 1938 في مدينة دمنهور, عاصمة محافظة البحيرة شمال الدلتا, وهي تبعد عن مدينة الإسكندرية بنحو 60 كلم, وكيف أن عبق التاريخ في هذه المدينة كان يملأ عليه نفسه وترك أثرا عميقا فيه بعد ذلك. ويمر المؤلف سريعا على مشاركته، وهو تلميذ صغير في المظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزي, ثم انضمامه لحزب "مصر الفتاة" الذي كان يقوده الزعيم أحمد حسين في أوائل الخمسينيات. ثم انتقل المؤلف إلى جماعة الإخوان المسلمين لمدة عامين, لكنه أيضا تركها مع بداية ثورة يوليو/ تموز 1952, وانضم للحرس الوطني وهيئة التحرير, وفي العام 1955 انضم للحزب الشيوعي المصري, حتى تركه كذلك عام 1959, وهو العام الذي تخرج فيه, حاملا درجة الليسانس في كلية الآداب جامعة الإسكندرية قسم اللغة الانجليزية, وتم تعيينه معيدا بها.  | - الكتاب: رحلتي الفكرية - المؤلف: عبد الوهاب المسيري - عدد الصفحات :726 - الناشر: دار الشروق, القاهرة - الطبعة: الأولى 2006 | | | حضارة أكثر دفئا ويستفيض المؤلف في وصف بلدته دمنهور, وهدوئها والدفء العائلي بين أسرها, والقيم والمبادئ التي تحكم حركتها الاجتماعية والإنسانية, ومدى أهمية التراث الثقافي والاجتماعي في تلبية احتياجات الحياة فيها, بل وتمازج الأفراد والعائلات على اختلاف وضعها الاجتماعي أو الديني أو الثقافي, مما تفتقده الحياة الحديثة الآن بدرجة كبيرة. ويوجز رؤيته الاجتماعية لهذه المرحلة في العبارة التالية "هل يمكن أن ندخل العصر الحديث, دون أن نضيع تلك العناصر الإيجابية التي يتسم بها المجتمع التقليدي؟ وهل يمكن أن ندخل المستقبل ومعنا ماضينا, نحمله هوية وذاتا تحررنا من اللحظة المباشرة, وتحفظ خصوصيتنا, وتساعدنا على أن نجد اتجاهنا, لا كعبء يثقل كاهلنا؟". إنه هنا لا يدعو إلى العودة إلى الماضي، فهذا مستحيل بالطبع، لكنه ينبه إلى أن المجتمعات التقليدية كانت تحوي منظومات قيمية وجمالية, لم يؤد تدميرها وتقويضها بالضرورة إلى مزيد من السعادة, كما أن الأشكال الحضارية الحديثة (المستوردة عادة) ليست هي الأشكال الحضارية الوحيدة, بل هناك أشكال أخرى قد تكون أكثر ثراء وأكثر دفئا, والأهم أنها قد تكون أكثر تجذرا, وضياع مثل هذه الأشكال خسارة حقيقية. وفي الفصل الثاني يتحدث الدكتور المسيري عن بداية انفصاله الفكري عن حياة أسرته التي امتهنت التجارة, وعاشت حياة مادية ميسورة, ويلقي الضوء على تجربته المادية والماركسية, التي بدأت مع دراسته للفلسفة في المرحلة الثانوية. والسؤال الذي حار في إجابته عن أصل الشر في العالم, والحكمة من وجوده, حتى قرر ألا يصلي أو يصوم حتى يجد إجابة تريحه عن هذه الأسئلة التي باتت تشغله. ثم بدأ يقرأ عن الماركسية والمادية, حتى انضم للحزب الشيوعي, لكنه لم يصل، كما يقول، إلى الإلحاد, وعندما انخرط في صفوف الحزب سرعان ما اكتشف أن السلوك الشخصي للرفاق كان متناقضا مع أي نوع من أنواع المثاليات الدينية أو الإنسانية, وأن كمية النرجسية عند بعضهم كانت ضخمة للغاية, وأن ماركسية بعضهم كانت تنبع من حقد طبقي أعمى, لا من إيمان بضرورة إقامة العدل في الأرض, لهذا قدم استقالته, وطلق ماركسيته طلاقا بائنا. " التقدم الغربي هو ثمرة نهب العالم الثالث, والحداثة الغربية لا يمكن فصلها عن عملية النهب هذه, ونهضة الغرب تمت على حساب العالم بأسره, لكل هذا لم أعد أتحدث عن التراكم الرأسمالي, وإنما عن التراكم الإمبريالي " | الذئاب الثلاثة وينتقل بنا المؤلف في الفصل الثالث إلى الولايات المتحدة الأميركية, عندما ذهب إليها لدراسة الماجستير والدكتوراه في الأدب الإنجليزي, في جامعة كولومبيا بولاية نيويورك عام 1963, وكيف أنه فشل فشلا ذريعا في امتحان قياس المهارة الثقافية واللغوية على النمط الأميركي (صح وخطأ), لكنه حصل على أعلى درجة عندما تجاوب مع هذا النظام الذي يصفه بالسذاجة والأحادية والخيلاء. ويتناول المؤلف الكثير من المواقف بين دراسته وعلاقته بالمجتمع الأميركي الذي تجسدت فيه الحضارة المادية بكل معانيها, الأمر الذي هز فيه الكثير من القناعات حول المنهج المادي والمقولات الفكرية الحداثية, حتى حصل على درجة الدكتوراه في العام 1969. وعندما قرر العودة إلى مصر كان يحمل معه ثقته الكبيرة بقدرته على التغيير وإقامة العدل في الأرض, وقرر أن يصبح ناقدا أدبيا, يربط الأدب بتاريخ الفكر. وعندما حاول التأقلم والتكيف مع المجتمع المصري, تعرض لهجوم "ذئاب ثلاثة" هي: الأول: ذئب الثروة, أي الرغبة العارمة في أن يكون ثريا, ووجد من السهل أن يتغلب على هذا الذئب, مستعيضا عن الثروة بالحكمة, وأن العلاقات الإنسانية الدافئة أفضل من التراكم الرأسمالي. وهو يرى أن المال يشكل عبئا على البعض, يفنون حياتهم في جمعه, وبالنسبة له المال حرية, وقد نجح إلى حد كبير في أن يوظف المال بدلا من أن يوظفه المال, وساعده على ذلك أن زوجته الدكتورة هدى حجازي التي يعتز بها كثيرا في مذكراته لم تراودها أحلام الثروة ولم تعان من أي نزعات استهلاكية! "الذئب" الثاني كان ذئب الشهرة, أي الرغبة العارمة في أن يصبح من المشاهير, وعندما عاد من أميركا عام 1969 كان يكتب في صحيفة الأهرام ويتحدث في الإذاعة والتلفزيون, كما كان مسؤولا عن وحدة الفكر الصهيوني في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام, فلم يكن بحاجة إلى الإحساس برغبة أكثر من ذلك في الشهرة. لكن في العام 1979 زمن "التطبيع" هاجمه الذئب مرة أخرى, بعد أن فقد مكانه في مركز الأهرام وبالطبع في الإذاعة والتلفزيون والصحافة لكنه استطاع ترويضه. أما الذئب الثالث فكان ذئب المعلومات, وهو ذئب خاص جدا, يعبر عن نفسه في الرغبة العارمة في أن يكتب كتابا نظريا, إطاره النظري واسع وشامل للغاية, ولكنه في الوقت نفسه يتكامل مع أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل, وقد استمر هذا الذئب المعلوماتي في مهاجمة المؤلف حتى هدأ قليلا أثناء وجوده في الولايات المتحدة, لكنه استمر يطارده طيلة حياته. الربانية بدلا من المادية ويحدثنا المؤلف في الفصل الرابع عن تآكل النموذج المادي في رؤيته الحضارية, وبدلا من فكرة الإنسان الطبيعي, أي المادي, بدأ يطرح فكرة الإنسان الإنسان أو الإنسان الرباني, وأن وجود الله سبحانه وتعالى هو الضمان الوحيد لوجود الإنسان, وبغياب الله يتحول العالم إلى مادة طبيعية صماء, خاضعة لقوانين الحركة والضرورة التي يمكن حصرها ودراستها والتحكم فيها. وساعده على تبني هذه الرؤية ولادة أول مولود له, ابنته نور وما رأى فيها من تعارض مع القوانين المادية الصارمة, ثم أيضا مع ولادة ابنه ياسر واختلاف الطفلين في الاحتياجات والاهتمامات. كل ذلك زاد من رؤيته للإنسان المعجزة الذي يجاوز كل الحتميات الطبيعية, كما أدرك أهمية الأسرة في عملية التنشئة, وأصبح الدين في تصوره جزءا من الكيان الإنساني التاريخي, ليس منفصلا عنه، وبدأ يتعرف على التجربة الدينية الإسلامية ليفهم منطقها الداخلي. كما كان لمقابلته للزعيم الأميركي المسلم مالكوم إكس أو (الحاج مالك شباز) أعمق الأثر في نفسه, حين أدرك مدى عمق أثر الإسلام فيه, كمثالية مجاوزة لعالم المادة. وتحت عنوان "الإمبريالية والعنصرية" يقول عبد الوهاب المسيري "ببساطة شديدة أدركت أن التقدم الغربي هو ثمرة نهب العالم الثالث, وأن الحداثة الغربية لا يمكن فصلها عن عملية النهب هذه, وأن نهضة الغرب تمت على حساب العالم بأسره, لكل هذا لم أعد أتحدث عن التراكم الرأسمالي, وإنما عن التراكم الإمبريالي, وأنادي دائما بأن محاولة تفسير معظم الظواهر الغربية دون استرجاع الإمبريالية كمقولة تحليلية, ستكون محاولة ناقصة إلى حد كبير". " المثقف الذي لا يترجم فكره إلى فعل لا يستحق لقب مثقف " | المسيري والسياسة في الجزء الثاني يتحدث المؤلف عن عملية انتقاله من المادية إلى الإنسانية مؤكدا أنها لم تكن سهلة, ويستعرض الكثير والكثير من المواقف الفكرية التي مر بها أثناء تدريسه في كلية البنات بجامعة عين شمس. ثم يتحدث عن علاقته بعالم السياسة منذ بدأ معرفيا فلسفيا، ثم تعيينه مستشارا للأستاذ محمد حسنين هيكل عندما اختير لفترة قصيرة وزيرا للإرشاد القومي, وصولا إلى المرحلة الأخيرة, وإسهامه في تأسيس حزب الوسط الذي انشق عن الإخوان المسلمين, بل واختياره بعد ذلك منسقا عاماً لحركة كفاية التي تعارض نظام الحكم. ويوجز المؤلف رؤيته في هذه النقطة في أن "المثقف الذي لا يترجم فكره إلى فعل لا يستحق لقب مثقف". لماذا تخصص في الصهيونية؟ ويستعرض المسيري علاقته باليهود واليهودية والصهيونية, وصولا إلى كتابة موسوعته الشهيرة التي صدرت عام 1999, ويبدأ من ذكرياته عن "مولد أبو حصيرة" الذي يحتفي به اليهود قريبا من مدينة دمنهور في مولد يقام كل عام, ثم ينتقل إلى أميركا. وأثناء تعرفه على إحدى زميلاته في الدراسة يسألها عن جنسيتها فتقول إنها يهودية, وعندما أكد لها أنه يسأل عن جنسيتها لا عن دينها, كررت نفس الإجابة, فبدأ يبحث عن تفسير لإجابتها, وبدأ يقرأ بشراهة عن الصهيونية واليهودية واليهود والإسرائيليين, كان ذلك في العام 1963. ثم غادر أميركا في العام 1969 إلى مصر, وهو يحمل في عقله "إدراك وثنية الصهيونية وبدائيتها وواحديتها الهستيرية وانتماءها إلى التقاليد الحضارية الغربية", وعرف أن "وحشا" صهيونيا معرفيا بداخله, وأسهمت عناصر كثيرة في أن يقرر التخصص في دراسة الصهيونية, إلى أن صدرت موسوعته الشهيرة. ويذكر المؤلف أحد المواقف العصيبة في حياة الموسوعة, وهو أن كل مراجعه وأوراقه ونسخة الموسوعة الوحيدة كانت في الكويت أثناء اجتياح العراق لها عام 1990، بينما كان هو في القاهرة. فقرر السفر للكويت أثناء الاجتياح وظل بها لمدة ثلاثة أسابيع, حتى اتفق مع مجموعة من أصدقائه على استئجار شاحنة "تريللا", حملت أوراق وأصول الموسوعة في "حوالي 30 صندوقا", وذهبت بها إلى بغداد ثم إلى عمان بالأردن ثم إلى القاهرة, لتصدر بعد نحو ثماني سنوات في ثمانية مجلدات ضخمة, ولتصبح أكبر عمل علمي موسوعي عربي, يقوم به فرد في السنوات الأخيرة. | المصدر : | *زين الدين | 11 - نوفمبر - 2008 |  | عبدالوهاب المسيري ولعنة الغرب ... كن أول من يقيّم
رضوان السيد : عبد الوهاب المسيري ولعنة الغرب ****** ملحوظة : أودّ الإشارة أنّني مع نقلي لبعض مقالات الأستاذ رضوان السيد ، فإنّي لا أقاسمه بالضرورة الرأي حول بعض القضايا .... (زين الدين) ******* كانت أول مرة قابلت فيها الدكتور عبدالوهاب المسيري في أحد المؤتمرات في برلين الغربية عام 1983. وكان موضوع المؤتمر: الحوار الإسلامي - المسيحي وعلاقات الشرق بالغرب. ولأن حرب أفغانستان كانت في أوْجها آنذاك، وقد بدأ الغرب كله يمتدح "المجاهدين المسلمين" الذين يكافحون ضد الاحتلال، ويعملون من أجل الحرية، فقد أعددتُ بحسب طبعي في المشاكسة آنذاك مداخلة طويلة في الأصولية الجهادية، وخطأ الغرب في "التحالُف" معها واتخاذها أداة لمصارعة الاتحاد السوفياتي، واعتبارها ممثِّلة الإسلام الصحيح. ذلك أن الأصولية توشك أن تتحول الى انشقاق في الإسلام، وهي بالتالي ستتسبب بمتاعب كبيرة للمسلمين والغربيين على حد سواء! وتصادف أن كان الدَور في المحاضرة في اليوم الأول على الدكتور المسيري، الذي كان وقتها لا يزال أستاذ الأدب الإنكليزي في الجامعة في مصر، وقد بدأ يصنع لنفسه اسماً بتفسير الظاهرة الصهيونية وعلائقها باليهود وبأوروبا وبالمسيحية. على أن أستاذنا المسيري، كما كنت أسميه، اختار التحدث عن "الغرب والاغتراب" بالمفهوم الماركسي لذلك، مُضيفاً إليه تبهيرات الوجوديين وعلى الخصوص اليساريين الجدد من نُقّاد الاستعمار، والعاملين على التفكيك الأنثروبولوجي للعلوم الإمبريالية التي أنشأتها "المركزية الغربية"! وهالَني ذلك بعد الضجة الشعبوية التي كان يُثيرها كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" الصادر عام 1978. وكان سعيد قد أخبرني أنه في صدد تأليف كتاب أشمل عن الموضوع بعنوان: "الامبريالية والثقافة"! وهكذا أعرضت عن إلقاء محاضرتي في الأصولية، وكيف تُسيء الى العلاقات بين الإسلام والمسيحية، وبين الشرق والغرب، وأقبلت على قراءة وظائف نقد الثقافة الغربية لدى اليسار الجديد، من أعداء الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي معاً! واختتمت بالقول موجِّهاً الكلام الى المسيري: أفهمُ أن نحمل جميعاً على إمبريالية الغرب والولايات المتحدة على الخصوص وحرب نجومها، وعلى الاتحاد السوفياتي وبخاصة بعد تدخله في أفغانستان. لكنني لا أفهم هذه الحملة الشعواء على الثقافة الغربية، وعلى العقلانية الغربية، بحجة أنهما شرٌّ مطلق، وقد أنتجتا ظواهر وممارسات الإمبريالية والصهيونية، ولولا بقية من تماسُك لقلت لنا يا دكتور مسيري ما يقوله الإسلاميون الشعبوانيون من أن الحضارة الغربية هي نتاج اليهود والأشرار الثلاثة: ماركس وفرويد ودوركايم! وظن المسيري أنه سيُسكتُني بذكر إدوارد سعيد والاستشراق، فقاطعني قائلاً: لا تُسَخِّف الأمر، وأنت العالِم بالإسلاميات، ألم تقرأ ما كتبه إدوارد سعيد في الاستشراق عن الصورة أو الصور التي صنعتها الثقافة الغربية للشرق والإسلام، تبريراً لاستعماره؟! وأجبته: أُطروحة سعيد مثل أطروحتك، وهو في الاستشراق تناول جانباً منها في مجال معيّن، وقد بشرني من قريب أنه سيُصدر كتاباً شاملاً في الأمر. ونقد الاستشراق مفيد، وكشف الحساب بين حضارتين أو ثقافتين في حِقَب تأزُّم مهمة جليلة وضرورية. لكنّ هناك فرقاً بين النقد الداخلي للخطابات الإمبريالية المكشوفة والمستترة، وبين إدانة الثقافة الغربية، وهي ثقافة العالم وثقافتنا نحن أيضاً لأننا جزء منه! وأنت تعرف أن أكثر من أفاد من كتاب سعيد هم الأصوليون الإسلاميون، وأكثر من يفيد من لعن الثقافة الغربية هم يمينيو ريغان الجدد الذين يكرهون الليبرالية والعقلانية أكثر مما تكرههما أنت يا رجل، أستاذ الأدب الإنكليزي في الجامعة! وفي جلسة خاصة تلت المؤتمر تابعت النقاش مع الدكتور المسيري، وهو عارف كبير بالفعل بالثقافات الفرعية والتقاليد الهامشية والسرية في الحضارة الغربية. قلت له: قد يكون الكلام الذي تقوله عن الحضارة الغربية صحيحاً كله. وقد قرأته بالفعل عشرات المرات في السنوات الأخيرة، وبأقلام دارسين كبار تائبين أو مراجعين أو متراجعين. لكن المعرفة غير الأيديولوجيا كما ذكرت، وشبابنا محتاجون الى المعرفة احتياجاً شديداً. وما نفعله نحن في مجالنا الثقافي، تحت وطأة الأسلمة الصاعدة بعد الثورة الإسلامية في إيران، هو استغلال قدرة الحضارة الغربية على ممارسة النقد الذاتي نقضاً وتطويراً وتصحيحاً ومراجعة، للعن تلك الحضارة، ووضع سلاح في أيدي شبابنا الثائرين الآن على كل ما هو غربي، بحجة شرور الإمبريالية من جهة، واكتشاف محاسن الإسلام من جهة ثانية! وبالفعل ما ان جاءت التسعينات من القرن الماضي، حتى كان نجم عبدالوهاب المسيري قد كسف كل الشموس الأخرى، وفي ثلاثة مجالات: شرور الثقافة الغربية والتيارات التغريبية فيها، والصهيونية باعتبارها ظاهرة قوية جداً في الحضارة الغربية، والإسلام السياسي باعتباره ظاهرة احتجاجية وأصالية مهمة لبناء عالم جديد غير العالم المشوَّه الذي بناه الغرب في ديارنا! وإذا كانت كتب إدوارد سعيد تعرض معارف منتقاة تخترقها وتقودها أيديولوجيا معينة، لا تصل الى حدود الإدانة الشاملة للغرب وثقافته، فإن كتب المسيري هي كتب مخلوطة. بمعنى أنه يعرض مزيجاً من المعلومات والاكتشافات والنتائج السريعة والطريفة التي تُدهش أنصاف المثقفين. بيد أن الأيديولوجيا التي تخترقها أكثر شمولية وتحدداً: الإسلام والإسلام الأصولي بالذات باعتباره البديل لتلك الحضارة الغاربة. ولذلك فقد أمكن شباب الإسلاميين وكهولهم استخدام كتب المسيري أكثر بكثير مما أمكنهم استخدام كتب سعيد. فما كان عند سعيد بديل جاهز، ولا كان مهجوساً بشرور الغرب. وكانت لديه قضية محددة هي قضية فلسطين، تبدأ بها كلماته وتنتهي إليها. ثم إن سعيداً كان مسيّساً أكثر من المسيري، وإن يكن ذلك في الوعي وليس في التصرف والتحزُّب. وهو لذلك عرف أن اللجوء الى الأصولية الإسلامية لا يخدم القضية التي هو في صددها. وقد كان المحيطون به والمؤثرون فيه - وبخاصة في فترة مرضه - غير أصوليين أو لنقل إنهم كانوا ولا يزالون علمانيين وليبراليين ولهم علاقات قوية بالليبراليين اليهود وغيرهم من أعداء بوش والمحافظين الجدد. ولذلك، فإن سعيد انزلق لسانه مرة فقال إن "حماس" هي الوجه الآخر للصهيونية! والأمر مختلف لدى عبدالوهاب المسيري الأقل تسيُّساً في البدء، والأكثر براءة وطهورية. لقد اعتقد أنه يقوم بمهمة تطهيرية للثقافة العربية والإسلامية من أوضار الغرب وشروره. وأسهم النجاح الذي أحاط بكتبه - بعد تبنّي "دار الشروق" المصرية الشهيرة لها - في دفعه الى الأمام، وقطع خط الرجوع والنقد عليه. وقد اختلط في مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي نزوعان اثنان: النزوع الاحتجاجي الإسلامي المتحول الى "مذهب متكامل"، والسخط من جانب المثقفين القوميين واليساريين على نظام الحكم، واعتبارهم أن الدولة المصرية العريقة سائرة الى انهيار. لذا ومن دون بحث في مسار وأفكار وتصورات كل من التيارين، قام تحالف بينهما له عنوانان: الحملة على السياسات الأميركية والإسرائيلية، والحملة على السياسات أو اللاسياسات من جانب الدولة المصرية. ولأن القوميين واليساريين ما عادوا يملكون مشروعاً وبخاصة بعد الحرب الباردة، فقد صبّ هذا النزوع الاحتجاجي كله في مصلحة الإسلاميين المنظّمين، وبخاصة "الإخوان المسلمين" وتفرعاتهم. وما صار المسيري حزبياً إسلامياً بالفعل، لكنه صار كذلك في الخطاب. وكما سبق القول، فإن الرجل لديه نزوع طهوري وبراءة من نوع ما. ولذا فقد ترك العلمانية واليسار والليبرالية بالفعل، وقال بالبديل الإسلامي، من دون أن تفارقه شكوكه الصغيرة في جدوى الدولة الدينية أو إمكانها. وقد كان مضنياً في الحديث معه، كما مع سائر الإسلاميين الكبار، المجادلة في مفهومهم للدولة. إذ يقبلون على شتم دولة هذا الحاكم أو ذاك، والاستشهاد على طُهر الدولة الأخرى بالآيات القرآنية، وسيرة عمر بن الخطاب! فإذا قلت لهم إن النقاش هنا في طبيعة الدولة وعلاقتها بالدين، وليس في التمدُّح، أصرّوا على أن الدولة في الإسلام مدنية، وإنما الكلام في المرجعية، أما الانتخابات فلا بأس بها، وإن يكن "الجمهور" أداة طيِّعة في متناول وسائل الإعلام! وهذه هي النظرة الى الجمهور، وستون في المئة منه معهم، فكيف لو كان ضدهم! لكن الدكتور عبدالوهاب المسيري لا يمكن تلخيصه بالبراءة والاحتجاجية اللتين أوصلتاه الى البديل الإسلامي، فقد كتب الرجل في السبعينات في الأدب الإنكليزي كتابات متميزة. ونشر موسوعة عن اليهودية والصهيونية، مفيدة جداً في المعرفة والتنوير والبُعد عن الخرافة والأسطورية في تقدير الظواهر. على أن الأهم من ذلك كله، عمله في السنوات الخمس الأخيرة مع حركة "كفاية" المصرية المعارضة. وهي حركة ليبرالية، لا تريد أن تكون حزباً، وتضم تيارات شتى. لكن الغالب عليها هو الطابع الليبرالي، والقول بالديموقراطية والمحاسبة ومكافحة الفساد. وفي العامين الأخيرين صار المسيري - الذي أهاض جناحه المرض الخبيث - أميناً عاماً للحركة ومتحدثاً باسمها. وكما في أيام اليسار الجديد في أوروبا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، نزل الشيخ السبعيني الى الشارع وحمل اليافطات، ودعا الى الديموقراطية وحقوق الإنسان، والانتخابات النزيهة والحرة. فهل راجع نفسه وأُطروحاته؟ سمعته يقول إن البديل الإسلامي هو بديل من الناحية الثقافية والفكرية العامة. أما في الجانب السياسي، فهناك أعراف وأساليب حديثة لا بد من اتباعها! وهكذا فإن الراحل المسيري ظل طهورياً ونزيهاً على طريقته وبخاصة في الاندماج والذوبان في "بحر الجمهور". لكن "بحر الجمهور" مع الإسلاميين - الذين عمل معهم من دون أن ينضم إليهم -، وليس مع حركة "كفاية" ذات النزوع النخبوي والليبرالي. وقد التقى فيها من جديد وبعد افتراق لأكثر من عقدين، رفاقه القدامى من الشيوعيين المركزيين واليساريين الجدد. ثم لماذا هذا التدقيق وفحص الدم مع الدكتور المسيري، الذي يبقى علامة من علامات هذه المرحلة الخطيرة والمختلطة في حياة أمتنا واجتماعنا الثقافي والسياسي؟ إنها صدمة الغرب (أو الإصابة بالغرب، بحسب تعبير جلال آل أحمد) التي أعمت الأبصار، وضلّلت البصائر. ولله الأمر من قبل ومن بعد. المصدر : | *زين الدين | 12 - نوفمبر - 2008 |  | فكـــــرة النهايـــات ... كن أول من يقيّم
فكرة النهايات فخري صالح الحياة - 27/07/08// كان الباحث والكاتب المصري عبدالوهاب المسيري، الراحل قبل أيام، من الأشخاص الذين ينكبون على عملهم يجودون فيه من دون انتظار تقدير أو جوائز أو مساعدة من شخص أو مؤسسة أو دولة. ومع أنه عكف على أبحاثه ودراساته وكتبه طوال نصف قرن، وحقق في عمله ما لا تقوم به سوى المؤسسات الكبيرة التي تجند عشرات الأشخاص لينجزوا ما أنجز، إلا أنه ظل ذلك الرجل المتواضع الذي يتحلى بالموضوعية والرقة. عبدالوهاب المسيري مثال نادر في العمل الثقافي العربي، فهو قضى حياته في البحث والكتابة والمعرفة، وصرف من ماله الخاص لكي ينجز مشروعه الذي نذر عمره له. أنفق الرجل ما جمعه من عمله الأكاديمي في جامعات عربية وأجنبية وفي مكتب الجامعة العربية في الأمم المتحدة خلال سبعينات القرن الماضي لكي يحقق حلمه بصدور موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية». وقد سمعت من بعض من عملوا معه أنه كان يخصص لهم رواتب شهرية من جيبه الخاص على رغم صعوبة العيش وكثرة المال الذي يحتاجه العمل على موسوعة كبيرة. لم يكن الرجل يسعى الى مال أو جاه أو وظيفة كبيرة، وكان في إمكانه أن يفعل، وهو ابن عائلة تنتمي الى الطبقة المصرية المتوسطة، علمته في أفضل الجامعات الأميركية وهيأت له الظروف لكي يتصل بالثقافة الغربية. لكنه آثر أن يخلص للمعرفة والإنجاز العلمي على مدار أعوامه السبعين التي عاشها على هذه الأرض. وهكذا توالى صدور كتبه حول الأدبين الإنكليزي والأميركي، وحول الثقافة الغربية بعامة، وشعر المقاومة الفلسطينية، كما تتابعت ترجماته لدراسات ونصوص أساسية في اللغة الإنكليزية، إضافة إلى الشعر وكتب الأطفال، بحيث حقق حضوراً في حقول إنجاز وكتابة وبحث متعددة. فعل ذلك لأنه أخلص للعلم والمعرفة، وواصل نهاره وليله يقرأ ويبحث ويدقق، بصبر العالم وأناته وقدرته على التقريب بين المتباعدات وملاحظة السمات الدقيقة في المعارف الإنسانية. ومن يقرأ موسوعته حول «اليهود واليهودية»، وقد سبقتها كتب له في الموضوع نفسه، وبذور أساسية لمشروعه الكبير، يلاحظ أن الرجل لا تأخذه العاطفة والهوى في ما يكتب، ولا يلجأ الى الأيديولوجية لكي يدلل على صدق أطروحته. بل إنه يبحث بدربة العالم المدقق في مادته المعرفية، وموضوعية الباحث الحصيف، وسعي رجل المعرفة إلى العثور على الحقيقة بين ركام الأوهام والأهواء والأكاذيب. كما أن أطروحته الأساسية عن نهاية الصهيونية والدولة العبرية لا تقوم على أحكام غيبية وتفكير غيبيّ، يقيم في أساس ما نقرأه من كتابات عربية، هذه الأيام، عن الصهيونية، بل على دراسة المشروع الصهيوني وما يسميه المسيري «وظيفية» هذا المشروع، وارتباطه بالمشروع الإمبريالي الغربي، ووصوله إلى أفق النهايات لأسباب موضوعية تتصل بموقعه في منظومة المشروع الإمبريالي الأميركي في الوقت الراهن. لم يقل الرجل إن إسرائيل ستزول بعد سنوات، لأن عالماً مثل المسيري، لا يمكن ان يتحول إلى منجّم وقارئ بخت! لكن المؤسف أننا فهمنا أطروحته فهماً وهمياً، ونمنا على فراش من ريش النعام عندما سمعناه، فقلنا إن إسرائيل تتفكك من الداخل وسوف تتلاشى قريبا، بعد سنة، بعد سنتين وجيل! لم يقل المسيري ذلك، وإنما نحن قوّلناه وأوّلناه بطريقة تتنكب نموذجه التفسيري، ورؤيته التحليلية العميقة للثقافة والمجتمعات الغربية. وهذا دليل على إفلاس النخب السياسية والثقافية والفكرية العربية في زمان النهايات العربي. | *زين الدين | 15 - نوفمبر - 2008 |  | عبد الوهاب المسيري ذلك المثقف المسؤول.. كن أول من يقيّم
* تحية طيبة الأستاذ زين الدين . ما يربو عن شهر ودعت الأمة رجلا عظيما من طينة عبد الوهاب المسيري، انه المفكر العظيم والمثقف المسؤول الذي أفنى حياته في تقديم ما ينفع الثقافة العربية الأصيلة التي غلبت عليها آفة التسطيح والمضاربات الأيديولوجية الرخيصة ،وجاهد في نقلة ثقافية نوعية بها من ثقافة توصيلية نقلية تراثية مقتبسة سواء كان تراث الأجداد من العرب كما هو حال السلفيين بشتى اتجاهاتهم ،أو تراث الأنداد من الغرب كما عند الحداثيين بمختلف عناوينهم، الى ثقافة تحصيلية التي تسعى الى تكريس التبعية لأحد الاتجاهين دون أسنان تقضم ولا معدة تهضم على حد تعبير جبران خليل جبران، الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله شأنه شأن المثقفين الكبار في العالم العربي لم يرض بهذا الاتجاه ولا ذاك بل سعى الى ثقافة تأصيلية تراعي المجال التداولي العربي بتعبير الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، ثقافة تأصيلية تنفذ الى أرض فكرنا البوار وتمكث فيها لتزهر إبداعا موصولا بهموم الأمة المسترسلة والموسومة بتخلف حضاري شامل تتحكم في بوصلته شرعية سياسية مغشوشة مسنودة بالمال والإعلام، وذلك بمثابرته وجديته في القراء والتفكير والنقاش الى أن استوت سلطة قوله وفعله، من جامعة الإسكندرية الى جامعتي كولومبيا ورتجرز بالولايات المتحدة الأمريكية أتقن المسيري تخصصه في الأدب الانجليزي الذي بقي وفيا له حتى السنوات الأخيرة من عمره .غير أن اهتماماته المعرفية، كما كان ديدن المفكر الفلسطيني البروفيسور ادوارد سعيد، سرعان ما اتسعت لتطال كبار القضايا التي تشغل عالمنا العربي مما جعل أثره في نفوس الناس من العامة والنخبة وشما في القلوب والعقول يصعب محوه . كان المسيري مفكرا متعدد المواهب بحيث انه لم يرسُ على مرفأ واحد كما هي حال المثقف الذي جايله ، فكتب نصوصا هامة في الشعر ، وكتب في مجالات النقد الأدبي العربي والانجليزي ، وفي القصة وحتى قصص الأطفال ، كما كان يطمع أن يكتب دراسة حول النكتة السياسية كما حكت عنه رفيقة عمرة د.هدى حجازي في برنامج بلا حدود مع الجزيرة يوم 23-07-2008 غير أن هازم اللذات/ الموت قد عاجله، علاوة على مقالاته النقدية التي كان يداوم على نشرها في صحف ومجلات ومواقع الكترونية ،غير أن إسهاماته الكبرى التي أبهرت المواكبين والمتابعين للسؤال الثقافي العربي كانت حول الصهيونية التي سلخت من عمره عشرين سنة كاملة ، وأنفق من أجلها كل ما يملك من متاع الحياة الدنيا الفانية، وأسس عمرانا ثقافيا جديدا في قمة الإبداع والعطاء الفكري في مقاربته في تحليله للعلمنة وفي تفكيكه لإشكالية التحيز. دراسات المسيري عن الصهيونية والعلمنة والتحيز تعتبر نقدا علميا للأسس المعرفية التي انبنى عليه المشروع الصهيوني، بحيث أنه استطاع أن يؤسس نظرية جديدة في التعاطي مع الصهيونية التي اختزلها البعض في الديانة اليهودية كما عند السلفيين والبعض الآخر اختزلها في الامبريالية كما عند طائفة من الحداثيين، فالمشروع الصهيوني- حسب المسيري- أكبر من هذه القراءات المختزلة والمبتسرة القائمة على التحنيط الإيديولوجي الكسول والجبري (= من الجبرية) بدل السلاح المعرفي اللازم . عبد الوهاب المسيري كان يتحزب أكثر الى ما هو علمي وفكري وثقافي،ولم يكن مزاجه سياسيا بالرغم من انتمائه الى حزب مصري معارض ، بل كان مشدوها الى قضية الإنسان العربي المتمثلة في التجزئة والاستعمار والاستبداد ،ذا ما جعله ينزل الى الشارع المصري ليشارك الشعب في تظاهرات سلمية منددة بالفساد الأخلاقي والسياسي، الشيء الذي بوأه أن يرأس حركة كفاية كأمين عام لها مما جعل بعض محبيه وزملائه يشفقون عليه وهو الذي يعاني من اخطر مرض على أرض البسيطة هو مرض سرطان الدم !! ومع ذلك لم يثنه مرضه ولا سنه المتقدم على أن يبقى في برجه العاجي كما هو وضع أكثر المثقفين في العالم العربي !! .................................................... ............................................................. نورالدين لشهب بتصرف Wednesday, August 13, 2008 | *abdelhafid | 16 - نوفمبر - 2008 |  | المسيري والصهيونية والحضارة الغربية ..... كن أول من يقيّم
المسيري والصهيونية والحضارة الغربية جريدة البيان الإماراتية 20.07.2008 بقلم :د. جلال أمين أثار خبر وفاة الدكتور عبد الوهاب المسيري في مطلع هذا الشهر (3 يوليو 2008) كثيراً من الشجون، كما أثار لدي عدا الشجون، بعض الذكريات والأفكار التي تستحق التسجيل. فمنذ 11 عاماً (1997) ظهر للدكتور المسيري كتاب بعنوان «الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ»، أكد فيه على الشبه بين إبادة اليهود على يد النازية وإبادة وقهر الفلسطينيين على يد الصهيونية، وربط بين هذا وذاك وبين مختلف أعمال الإبادة التي ارتكبها الغرب في تاريخه الحديث، من إبادة الهنود الحمر في أميركا، إلى إبادة سكان استراليا الأصليين، إلى إبادة اليابانيين بالقنبلة الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية.. الخ. الأهم من ذلك، وهو ما يمكن اعتباره القضية الأساسية في الكتاب، تأكيد المسيري على العلاقة بين عمليات الإبادة هذه والعقلية النازية والصهيونية من ناحية، وبين أسس الحضارة الغربية من ناحية أخرى. فالدكتور المسيري يذهب في هذا الكتاب إلى أن النازية والصهيونية وما ارتكبتاه من أعمال، هي نتاج طبيعي للحضارة الغربية، أي أن من طبيعة الحضارة الغربية أن تؤدي إلى هذه الأعمال البالغة التدني. والقضية، كما نرى، مثيرة وخطيرة، وقد بذل د. المسيري جهدا كبيرا لتوثيقها وإقناع القارئ بها. وأنا أجدها فكرة لها جاذبية قوية وشاحذة للفكر، ولكنها يجب في رأيي أن تؤخذ بحذر وأن نجري عليها تحفظات مهمة. ذلك أن الحضارة الغربية الحديثة، إذا أرخنا بدايتها ببزوغ عصر النهضة الأوروبي، كانت دائما تنطوي على عنصرين يكادان أن يكونا طرفي نقيض. أحدهما مادي، نفعي، آلي، لا أخلاقي، أو على الأقل يستبعد الحكم الأخلاقي من المعرفة، ويحول كل شيء، حتى الإنسان نفسه إلى وسيلة (أو ما يسميه المسيري «حوسلة»). ولكن هناك عنصرا مضادا تماما: روحي، ديني، فني، أخلاقي أو قيمي، يعلي من شأن الإنسان وينظر إليه على أنه خليفة الله في الأرض. العنصران موجودان في الحضارة الغربية منذ عصر النهضة على الأقل، وما زالا موجودين حتى الآن. فليس صحيحا الكلام عن الحضارة الغربية وكأنها لا تنطوي إلا على العنصر الأول فقط. ولكن من الصحيح أيضا فيما يبدو لي، وهذا هو الذي يجعل الكثيرين يتعاطفون بشدة مع موقف د. المسيري من الحضارة الغربية، أن العنصر الأول (النفعي والمادي.. الخ) هو الآخذ في الانتصار منذ نهاية عصر النهضة، والذي شهدنا في القرن العشرين أمثلة صارخة عليه في حربين عالميتين مدمرتين، وقيام الفاشية والنازية والجرائم الستالينية.. الخ. والذي نرى في أيامنا هذه مثالا صارخا عليه في ما تفعله الصهيونية بالفلسطينيين، فضلا عن انتشار قيم المجتمع الاستهلاكي وازدياده قوة. في شهر مايو 1997 عقدت ندوة في مكتبة القاهرة لمناقشة كتاب د. المسيري الذي أتكلم عنه (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ)، ودعيت للاشتراك في المناقشة. وكنت أقرأ قبل انعقاد الندوة بأيام في كتاب بديع وغير عادي مؤلفه علي عزت بيجوفيتش، الذي أصبح رئيسا لجمهورية البوسنة بعد حربها الشهيرة وتوفي وهو رئيس لها، واسم الكتاب «الإسلام بين الشرق والغرب»، وهو مترجم، لحسن الحظ، ترجمة جيدة للغاية. والواقع أن الذي جعلني أعيد القراءة فيه هو كتاب د. المسيري نفسه. فقرأت في كتاب بيجوفيتش فصلا رائعا بعنوان «دارون ومايكل أنجلو»، وعنوان الفصل ومحتواه يدلان على نفس هذه الفكرة التي أقول بها الآن، أي وجود عنصرين متضادين في الحضارة الغربية. فالعنصر الأول، في رأي بيجوفيتش، تمثله النظرة الدارونية إلى الإنسان على أنه لا يختلف في الحقيقة، وفي نهاية الأمر، عن أصغر حشرة، وهذا العنصر هو ما يشير إليه المسيري بكثرة. أما العنصر الثاني فتمثله أعمال مايكل أنجلو، المثال والرسام الإيطالي الشهير، وبالذات ما رسمه في كاتدرائية سانت بيتر في روما، حيث يمثل طموح الإنسان إلى كل ما هو نبيل وراق. يقول بيجوفيتش إن الحضارة الغربية فيها هذان العنصران، كما أن نفس الإنسان تنطوي على هذين العنصرين أيضا. ونحن في حياتنا اليومية كثيرا ما نشير إلى الإنسان بأحد المعنيين، فنقول مثلا «نحن في نهاية الأمر مجرد بشر»، عندما نقصد أنه يجب ألا نطالب بالمستحيل، ولكننا نقول أيضا لشخص ما «فلتتصرف كواحد من بني آدم»، بمعنى أن عليك ألا تفقد كل إحساس وأي شعور بالحياء. ونلاحظ أيضا أن ماكيافيللي في كتابه الشهير «الأمير»، كان يصف العنصر الدنيء في الإنسان، في نفس الوقت الذي كان يرسم فيه مايكل أنجلو رسومه البديعة في كاتدرائية سانت بيتر. ولكن المؤسف، وهنا نجد أن الدكتور المسيري معه الحق تماما، أن العنصر الدنيء في الإنسان، هو الذي انتصر مع تطور هذه الحضارة، أو أنه على الأقل أخذ في تحقيق المزيد من الانتصارات. لا بد أن هذا الجانب الدنيء هو ما كان يقصده الزعيم الهندي غاندي في إجابته على سؤال وجهه له صحافي أوروبي، وهو «ما رأيك في الحضارة الغربية؟»، إذ أجاب غاندي ساخرا «إنها يمكن أن تكون فكرة جيدة!»، وكان يقصد «كم كان يصبح الأمر جميلا لو حاول الغرب أن يسلك بالفعل سلوكا متحضرا»! والمؤكد في ما يبدو لي، أن الحضارة الغربية زاد ميلها إلى التدهور من الناحية الأخلاقية، أو زادت فيها غلبة العنصر المادي على العنصر الروحي أو المثالي، مع مرور قرن بعد آخر منذ عصر النهضة. ولا شك عندي أيضا في أن الحركة الصهيونية وزيادتها قوة وتحقيقها لانتصار بعد آخر، هي مظهر من مظاهر هذا التدهور. ولا بد أن هذا هو ما جعل الدكتور المسيري يربط بين الصهيونية والحضارة الغربية. ولكني أظن أن من المهم التمييز بين القول بأن الصهيونية «نتاج طبيعي للحضارة الغربية»، وبين اعتبارها نتيجة لانتصار عنصر على آخر في داخل هذه الحضارة، وهو انتصار ما زلنا نرجو ألا يستمر إلى الأبد. **** مع تحياتي للأستاذ المبدع عبد الحفيظ .... زين الدين | *زين الدين | 16 - نوفمبر - 2008 |  | من سفر المنفى ... عبد الوهاب المسيري وجيل الحالمين كن أول من يقيّم
من سفر المنفى ... عبد الوهاب المسيري وجيل الحالمين بقلم / د. سعد الدين إبراهيم جريدة الراية القطرية 12.07.2008 رحل عن دنيانا د. عبد الوهاب المسيري (3/7/2008)، دون فرصة لوداعه، رغم اشتداد المرض عليه في السنة الأخيرة، والتي شاء القدر في تزامنها مع بداية سنتي الأولى في المنفى. قابلت عبد الوهاب المسيري لأول مرة في صيف 1965. كان يدرس هو لدرجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي بجامعة روتجرز، بولاية نيوجرسي. وكنت وقتها رئيساً للطلبة العرب في الولايات المتحدة وكندا. وبهذه الصفة كنت أزور فروع المنظمة المنتشرة في كل الولايات الأمريكية الخمسين، ومنها ولاية نيوجرسي. وفاجأني عبد الوهاب المسيري وزميل آخر، اسمه محمد شقير ويدرس الطب، بأنهما يريدان حواراً خاصاً بعد لقائي مع أعضاء فرع المنظمة في جامعتهم. ولم يكن لديّ مانع. ودخل عبد الوهاب في الموضوع مباشرة، باتهامي بأنني "ناصري إصلاحي" بينما هو، كما يصف نفسه وقتها "ثوري ماركسي ماوي". ومع ذلك فهو يريد الحوار معي، لأن معظم الناصريين الذين قابلهم إلى تاريخه يتسمون "بضحالة فكرية مُخزية". ولأنه قرأ بعض كتاباتي، فإنه يعتقد أنه عثر أخيراً على "ناصري" جدير بالحوار معه!. فبقدر ما كان عبد الوهاب المسيري متواضعاً على المستوى الشخصي الإنساني، إلا أنه في تلك المرحلة من حياته كان "متعالياً فكريا"، ولا صبر لديه لذوي "الثقافة" المحدودة، أو التفكير الشعبوي، أو الخطاب السوقي. وحينما لفتّ انتباهه لهذه النزعة الفكرية المتعالية، ذكّرني بقول مأثور للسياسي البريطاني ونستون تشرشل، والذي كان واسع الثقافة، ويتعالى على خصومه السياسيين فكرياً. وفي الإجابة على سؤال لأحد الصحفيين، لماذا لا تكون متواضعاً مثل منافسك زعيم حزب العمال، كليمنت أتلي، رد تشرشل، "أن غريمه أتلي لديه كل الأسباب التي تجبره على هذا التواضع"!. في هذا الحوار الأول مع عبد الوهاب، كان واضحاً ولعه الشديد بالمنهج الجدلي للفيلسوف الألماني "هيجل"، والذي بناه على صدام الأفكار، ثم جاء أحد تلاميذه، وهو كارل ماركس، وبنى نظرية جديدة على صدام القوى المادية في التاريخ الإنساني، وهو ما أطلق عليه "صراع الطبقات". وكان انتقاد المسيري لثورة يوليو في مصر وللناصرية عموماً، أنهما بلا نظرية فلسفية. وكانت ردودي المتواضعة عليه هي أن معظم البشر، منذ بداية الخليقة إلى الوقت الحاضر، يولدون، ويشبون، ويعملون، ويموتون، دون نظرية فلسفية!. وأن عبد الناصر اجتهد في صياغة رؤية عامة تربط نضال المصريين من أجل حياة كريمة مستقلة، بجذورهم الحضارية كعرب ومسلمين، وبواقعهم الجغرافي كأفارقة يعيشون مع شعوب أخرى تناضل من أجل الكرامة والاستقلال في نفس القارة. وأن هذه الرؤية صيّغت بلغة بسيطة يفهمها "العامة" ويستجيبون لها. كان المسيري متوقد الذكاء، وسريع الطلقات في حواراته. فكان يلاحقني أو يقاطعني بأسئلة ـ من قبيل ماذا تعني "بالكرامة"، و"الاستقلال"، و "العامة"... وقد عُرف عنه في تلك الأيام أنه يمكن أن يترك محاوره في ربع الطريق، أو منتصفه، إذا لم يجده على نفس المستوى السجالي. وحين لفت انتباهه بعض الأصدقاء إلى "عدم اللياقة"، في ترك متحدثه هكذا، كانت إجابته سريعة وحاضرة، إن السجال الفكري مثل رياضة التنس... حيث المتعة هي في وجود لاعب آخر، يرد الكرة بندّية ... استمرت وقويت علاقتنا طوال سنوات الدراسة في الولايات المتحدة... وكثيراً ما كان يأتي خصيصاً لزيارتي في جرين كاسل بولاية أنديانا، حيث كنت أقوم بالتدريس بعد حصولي على الدكتوراه في علم الاجتماع... وكانت المسافة بالسيارة بين الولايتين تستغرق عشر ساعات على الأقل. وحينما وقعت الواقعة في يونيه 1967، التقى الطلبة العرب في مؤتمرهم السنوي، بعد شهرين من الهزيمة... وكان اليوم الأول للمؤتمر "مندبة" أو بكائية جماعية... واليوم الثاني كان اجتهادات جماعية للإجابة على السؤالين "كيف" و "لماذا" وقعت الواقعة؟. وكان اليوم الأخير للمؤتمر، هو للإجابة على السؤال: ما العمل؟ قبل هزيمة 1967، كانت أحلام بعض أبناء جيلنا، نحن الدارسين العرب في الخارج في عقد الستينيات تدور حول تحقيق مجتمع اشتراكي عادل وعصري... وكانت أحلام بعضنا الآخر هي كيفية تحقيق الوحدة العربية من الخليج إلى المحيط، وأحلام البعض الثالث هي تحقيق مجتمعات حرة ديمقراطية مفتوحة... وأحلام البعض الرابع هي بعث أمه الخلافة الإسلامية الراشدة... وكان أصحاب كل من هذه الأحلام يتنافسون على قيادة منظمة الطلبة العرب في الولايات المتحدة وكندا... ولكن واقع الهزيمة المرة دفع بهذه الأحلام جميعاً إلى خلفية وهوامش الوعي. أما مركز الوعي وبؤرته فقد أصبح منذ صيف 1967 هو كيفية الخروج من فاجعة الهزيمة. وضمن مناقشاتنا، كان هناك سؤالان محوريان طرحناهما في مؤتمرنا بمدينة ايست لانسينج بولاية ميتشجان، في ذلك الصيف الحزين، هما: ـ ماذا نعرف عن "العدو" الذي هزمنا، وبدد أحلامنا؟ ـ بل ماذا نعرف، نحن كعرب، عن أنفسنا؟ وكان السياسي العراقي د. سعدون حمّادي، أحد رؤساء منظمة الطلبة العرب السابقين، والذي كان لاجئاً في دمشق، قد أرسل لنا رسالة مطولة، بث فيها همومه من أحد العواصم العربية المهزومة، وقال لنا بصراحة أن دمشق والقاهرة وعمان، ما زالت في حالة صدمة وشلل، يقعدها عن التفكير الجدي والجريء، والشجاع لمواجهة الكارثة، وأن الطلبة العرب في الولايات المتحدة وكندا، بحكم هامش الحرية الكبير، الذي يتمتعون به، هم في موقف أفضل لبدء هذا التفكير الجريء والشجاع. استرعت العبارة الأخيرة في رسالة د.سعدون حمّادي اهتماماً غير عادي من زميلنا عبد الوهاب المسيري. وضمن ما علّق به وكان جديداً علينا هو مفهوم "القطيعة المعرفية" مع الماضي. وقال أن هذا ما يقصده سعدون حمّادي، حيث أن فكرنا وخطابنا وممارساتنا الحالية هي التي أدت بنا إلى الهزيمة، وأن من هُزموا قبلنا في القرن العشرين مثل ألمانيا واليابان، مارسوا هذه القطيعة المعرفية، وبدأوا من جديد، ونهضوا نهضة جبّارة. واقترح عبد الوهاب أن نواصل حوارنا، بعد مؤتمر الطلبة العرب، لعدة أيام في خلوة، أقوم أنا باستضافتها، في مقر جامعتي في جرين كاسل، التي كان يحبها لهدوئها وجمالها... وهو ما كان... وأذكر ممن شاركوا في هذه الخلوة، المرحوم فوزي هيكل والمرحوم كمال الإبراشي، وممن ما يزالون أحياء يرزقون، د. محمود وهبة (رجل الأعمال بنيويورك)، ود. أحمد صقر (أستاذ إدارة الأعمال بتجارة الإسكندرية)، ود. محمد الضوي ( عميد صيدلة طنطا). وكان من أهم الأفكار التي طُرحت، في هذه الخلوة، وقام عبد الوهاب المسيري بتنفيذها هو تأليف عمل موسوعي عن اليهودية والصهيونية، وهو ما استغرق عشرين عاماً للانتهاء منه، بعد أن فرغ من دراسة الدكتوراه. وكانت الموسوعة هي محاولة لملء الفراغ المعرفي العربي عن اليهود، واليهودية، والصهيونية، وإسرائيل. واستغرق البحث عن ناشر لهذه الموسوعة، عشر سنوات أخرى، من عمر عبد الوهاب المسيري، بعد أن خذلته مؤسسة الأهرام. ويُحمد للفقيد أنه لم ييأس، وصبر وثابر، وظل يُحدّث ويُنقح ويضيف إلى الموسوعة إلى أن خرجت إلى الحياة في السنوات الأخيرة. أما إجابة السؤال الثاني، ماذا نعرف عن أنفسنا نحن العرب، فقد تولاه مركز جديد، هو مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، والذي رأس مجلس أمنائه د. سعدون حمادي، رحمه الله، ويديره الدكتور خير الدين حسيب، أطال الله عمره، والذي يستحق للحديث عنه مقالاً خاصاً. مرت تحت جسور حياة عبد الوهاب المسيري مياه كثيرة في الأربعة عقود التي مضت بين لقائي به بنيوجرسي ورحيله إلى قاهرة المعز. اقتربنا، وابتعدنا، واختلفنا، ودخلت معه في سجالات علنية، كان معظمها في السنوات الأخيرة في رحاب الجامعة الأمريكية. وكثيراً ما كنت أداعبه، وخاصة منذ التقيته في السعودية، حيث كان معاراً للتدريس في جامعة الملك عبد العزيز في السبعينيات ـ حيث رأيته يرتدي جلباباً سعودياً، فقلت له: "سبحان مُغير الأحوال، عبد الوهاب، من ماركسي ـ ماوي، إلى إسلامي ـ وهابي...!". فرد عليّ بسرعة بديهته المعتادة، وكنت في مهمة استشارية للبنك الدولي في السعودية، "نعم، سبحان مُغير الأحوال، وأنت من ناصري ـ اشتراكي، إلى مبعوث للبنك اللي بيسلف ويدي" (مقطع من أغنية لعبد الحليم حافظ عن معركة مصر مع البنك الدولي لبناء السد العالي). لم يكن عبد الوهاب المسري رجل تنظيمات جماعية. فرغم ماركسيته السابقة وإسلاميته اللاحقة، إلا أنه لم ينضم لحزب شيوعي ولا لجماعة إسلامية. فقد كان المسيري "عازفاً منفرداً". لذلك استغرقته الموسوعة عشرين عاماً، وكان يمكن إتمامها في ربع هذه المدة لو كان قد توفر عليها فريق من الباحثين تحت قيادته. ولمعرفتي به "كعازف منفرد"، اندهشت لانضمامه "لحركة كفاية"، ثم لقبوله أن يكون منسقاً عاماً لها، خلفاً للناشط الوطني الكبير، جورج إسحق. ورغم تهديدات الأجهزة الأمنية له، ثم تنفيذ هذه التهديدات، باختطافه، والتنكيل به، وتركه عارياً قرب طريق القاهرة ـ السويس الصحراوي، إلا أنه ظل صامداً إلى النهاية... وجاء هذا التحول الحركي، وهذا الصمود، تتويجاً لحياة حافلة بالعطاء. رحم الله الفقيد، وألهم شريكة حياته د. هدى، وكريمته، د. نور المسيري، ومحبيه الصبر والسلوان. | *زين الدين | 16 - نوفمبر - 2008 |
|