الإخوة الأفاضل ، تحية طيبة وبعد ، منذ أسبوعين ، انتظمت بمدينة فرانكفورت الألمانية أكبر تظاهرة للكتاب في العالم ، حيث تقاطر الناس من كل فج عميق على " البوخ ميسه " ... شعارهم في ذلك " من لم يظفر بكتاب ، فله أجر النزهة بين أروقة المعرض " ... وقد زاد بهجة المهرجان هذا العام إحتفاؤه بالثقافة التركية ، حيث امتزج أسلوب كتابة الحرف العربي بالزوايا الحادة للحرف اللاتيني ، وفاحت من أروقة العرض أصوات النورسي وباموك ونديم غورزل ... غير أنّك ما تلبث أن تشعر ببعض الغربة بين أجنحة دور النشر التركية ، وترى تقاسيم الوجوه قريبة منك ، فيما تعجز عن التقرب إلى الكتاب التركي ، بحكم غربته اللغوية ... فتعزي النفس بأن تقول " هذه نافذة تركيا على أوربا ، فلا بأس لها من بعض السفور " . غير أن غربتك ما تلبث أن تتمشى معك بين أجنحة دور النشر العربية ، حيث يهجر الناشرون أنفسهم أمكنة عرضهم ، فلا حيلة لك سوى الاستعانة ببعض الأدلة (الكاتالوجات) وببطاقات ممثلي هذه الدور ... وتتأمل ببعض الحسرة كيف يعدل الجناح الإيراني الأجنحة العربية أكملها ... مع استثناء بعض المؤسسات الرسمية من الإمارات ومن السعودية ... غير أنّ المعرض لا يتركك حبيس هذه الهواجس ، إنّه يختطفك إلى فضاء ، ليس الكتاب فيه مجرد منتج ثقافي ، بل هو صناعة بعينها ، تمتزج فيها عراقة الطباعة بالتكنولوجيات الحديثة للنشر وللتوزيع ... ثم إن توزيع أجنحة المعرض يخضع لمنطق لغوي ثقافي ، فأنت تنتقل من الجناح العربي ، فتدلف إلى الثقافة السلافية ، فالصينية ، ثم تعرّج إلى الفرنسية فالاسبانية ... فغيرها ... ولن تتفاجأ حين ترى امتداد الجناح الصيني وحركيته موازاة مع تململ هذا التنين من غفوته .... وبين ذكريات وأحاديث الأزمة المالية الراهنة ، يعلو محياك بسمة خفيفة حين ترى إقبال الناس على كتب ماركس ، حيث عاد " الرأسمال " بقوة ، ماسحا الأرض بنبوءات فوكوياما وغيره ... اللهم لا شماتة ... **** دمتم بخير زين الدين |