من الشعر ما قتل كن أول من يقيّم
المتنبي
قصة المتنبي الذي قتلته أبياتٌ قالها في رجل من بني أسد يدعى ضبة، فقد هجاه بقصيدة يقول في مطلعها: ما أنصف القوم ضبة وأمه الطرطبّـه ** فلا بمن مات فخر ولا بمن عاش رغبه فترصد له بنو أسد في الطريق ليقتلوه. وحين رآهم هرب منهم فقال له ابنه: يا أبتي وأين قولك:
الخيل والليل والبيـداء تعرفنـي ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال المتنبي : قتلتني يا ابن اللخناء، فعاد أدراجه ليحارب فقتل وطار رأسه!!
الأعشى أيضا هناك الأعشى الهمداني الذي هجا الحجاج بن يوسف بقصيدة قال فيها:
بين الأشج وبين قيس باذخ ** بخ بخ لوالـده وللمولـود ما قصرتْ بك أن تنالَ مَدى العلا ** أخلاقُ مكرمة وإرثُ جدود
فقال الحجاج حين سمعها: والله لا أدعه يبخبخ بعدها، فاستدعاه وقتله!!
العكوك
الشاعر يدعى علي بن جبلة العكوك فقد مدح الأمير أبا دلف بسبعين بيتاً أصبحت من عيون الشعر العربي..وحين وصلت القصيدة إلى المأمون تملكته الغَيرة وقال له: ماذا تركت لنا يا ابن الفاعلة إن استعرنا منه المكارم. ولكن المأمون خشي أن يقول الناس: قتل الشاعر بدافع الغيرة فاستشار مَن حوله فأخبروه أن له مدائحَ تقدح في الشرع؛ مِن ضمنها:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها ** وتنقل الدهر من حال إلى حال وما مددت بأقلام لها شبـة ** إلا قضيت بـأرزاق وآجـال
ولأن هذا لا يكون إلا لله وجدها المأمون حجة لقتله.. فقطع رأسه!!
طرفة بن العبد قُتِلَ وعمره 26 عاماً.كان شاعراً ألمعياً، كان يدخل على الملوك ويسجل أروع القصائد حتى إن بعضَهم يجعل معلقته بعد معلقة امرئ القيس مباشرة وبعضهم ألف فيها مصنفاتٍ بديعةً؛لأنها من أخطر وأبلغ وأمهر المعلقات على الإطلاقوهو صاحب البيت المشهور : وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضـةً ** على النفس مِن وقْع الحُسامِ المهندِ فما سبب قتله ؟ إن سبب قتله هجاؤه عمروَ بنَ هند، وأعتقد أن المتتبع للتاريخ يعرف مَن هو عمرو ابن هند الذي كانت تخافه الطير في الدهناء، فماذا قال في عمرو ابن هند ؟ تمنى أنه بقرة يستفاد من ضرعها ، فقال : فليت لنا مكان الملك عمـرو ** رغوث حول قبتنا تخـور من الزامرت أسبل قادماها ** وضرتها مركنة درور يشاركنا لنا رخلان فيهـا ** وتعلوها الكباش فما تنور لعمرك إن قابوس بن هند ** ليخلط ملكَه حمـقٌ كثيـرُ وقد أكرمه عمرو بن هند وألبسه، وأعطاه رسالة هو وخاله المتلمِّس والاثنان ماكانا يقران ، وحصلوا واحداً قرأ رسالة المتلمس فوجد فيها: إذا جاءك حامل الرسالة فاقْطع أربعه ورأسه، فهرب المتلمس ونصح لطرفة بأن يفتح رسالته، ولكنه رفض، وذهب بها إلى ملك البحرين الذي قتله ...
بشار بن برد
أدرك الدولتين: الأموية والعباسية، وهو مِن الموالي. وكان جده في سبي المهلب بن أبي صُفرة، فقدمه إلى زوجه "خيره" القشيرية، فوصل إلى ضيعتها بالبصرة ومعه ابنه بُرد. ولمّا بلغ بُرد مبلغ الشباب زوجته امرأة من بني عقيل، فولدت بشاراً وإخوة له. وقيل إن أم بشار جارية من سبي الروم. ولد بشار بالبصرة أكمه ( لا يبصر)، وكان منذ صباه المبكر ميالاً إلى هجاء الناس، وهجا جَريراً؛ طمعاً في نباهة الذِّكر، فأهمله، ولم يُجِبْه. واختلط في البصرة - مسرح طفولته - بالعلماء والمتكلمين، وتردّد على الحلقات والندوات، وحصّل عِلماً غريزاً؛ غيرَ أنه كان مستهتراً ميالاً إلى الفسوق، ونتيجةَ تقلبِ الظروف ببشار، بدّل معاشرة العلماء بالندامى، وسخّر شعره للغزل المكشوف والهجاء، كما كان الشعر وسيلته للتكسب والتعيّش. مدح بشار "مروان بن محمد"، وقيس عيلان، وبعض أمراء الأمويين وولاتهم، كما مدح بعض الخلفاء العباسيين، لكنه لم يثبت على ولاءٍ لقوم أو دولة أو سلطان، وكان المجون أغلب عليه، وتأذى الناس بهجائه وتحاشاه العلماء. كان أول الشعراء المحدثين، رصين العبارة، فخم الألفاظ، يجمع في شعره بين مقومات الشعر التقليدية وبين أوائل معطيات الشعر المحدث وخصائصه. ساعده في ذلك ذكاؤه الحاد وسرعة بديهته، وحفظه لأشعار المتقدمين ورجزهم وخطبهم. وقد كانت وفاة بشار قتلا بتهمة الزندقة بعد أن أغرى يعقوب بن داود به الخليفة المهدي ؛لأنه هجا يعقوب وفضحه، وقد أعان بشار على نفسه بسوء سلوكه وسوء معتقده. قصيدة في المشورة: إذا بلغَ الرأيُ النصيحـة فاستعـنْ ** بعزم نصيـح، أو بتأييـد حـازم ِ
ولا تجعل الشورى عليك غضاضـة**مكـان الخوافـي نافـعاً للقـوادم
وخلّ الهوينى للضعيـف ولا تكـن **نؤومًا، فإن الحـزم ليـس بنائـم
وما خير كفٍّ أمسك الغـل أختهـا**وما خير سيف لـم يؤيـد بقائـم
وحـارب إذا لـم تُعـط إلا ظُلامـة**شبا الحربِ خيرٌ من قَبول المظالم ِ
وأدن ِعلى القربى المقـرّبَ نفسـه**ولا تُشهد الشورى امرَءاً غيرَ كاتم
فإنـك لا تستطـردُ الهـمَّ بالمنـى**ولا تبلـغ العليـا بغيـر المكـارم ِ
وضّــاح اليمن
شاعر من أجمل الشعراء الذين حباهم الله بالجمال،وكان يتقنع مخافة العين، لذلك كان يسمى وضاح اليمن.وقد كان في عهد الوليد بن عبد الملك وكان يمتدحه كثيراً...ومِمّا قال فيه: صبا قلبي ومال إليك ميلاً ** وأرقني خيالك يـا أثيـلا يمانية تلـم بنـا فتبـدي ** دقيق محاسنٍ وتكن غيـلا دعينا ما أممت بنات نعش ** من الطيف الذي ينتاب ليلا ولكن إن أردت فصبحينـا ** إذا أمت ركائبنـا سهيـلا فإنك لو رأيت الخيل تعدو ** سراعاً يتخذن النقع ذيـلا إذن لرأيت فوق الخيل أسداً ** تفيد مغانماً وتقيـت نيـلا إذا سار الوليد بنا وسرنـا ** إلى خيل نلف بهن خيـلا وندخل بالسرور ديار قوم ** ونعقب آخرين أذى وويلا أحسن إليه الوليد بن عبد الملك فما سبب قتله ؟. كان هذا الشاعر ممن يتهورون في شعرهم ولاسيما الغزلي، فقد تغزل بزوجة الوليد ابن عبد الملك، فقال فيها لما سافرت: صدع البين والتفـرق قلبـي ** وتولـت أم البنيـن بلـبـي ثوت النفس في الحمول لديها ** وتولى بالجسم مني صحبـي ولقد قلت والمدامـع تجـري ** بدموع كأنها فيـض غـرب جزعاً للفـراق يـوم تولـت ** حسبي الله ذو المعارج حسبي وقال لمّا مرضت: حتـام نكتـم حزنـنـا حتـامـا ** وعلامَ نستبقي الدمـوع علامـا إن الذي بي قد تفاقـم واعتلـى ** ونمـا وزاد وأورث الاسقـامـا قد أصبحت أم البنيـن مريضـة ** نخشى ونشفق أن يكون حمامـا يـارب أمتعنـي بطـول بقائهـا ** واجبر بهـا الأرمـال والأيتامـا واجبر بها الرجل الغريب بأرضها ** قد فـارق الأخـوال والأعمامـا
فلما سمع الوليد ذلك عزم على قتله فأمر بأن يؤخذ ويوضع في صندوق ويدفن حياً ... |