البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : الخلاصة الهادية في علمي العروض و القافية    كن أول من يقيّم
 صبري أبوحسين 
23 - سبتمبر - 2008
الخلاصة الهادية في علمي العروض و القافية
 
كثيرةٌ هي التآليف في تعليم العروض والقافية، و بين كثير منها تشابه جَلِي في عرض المعلومات وفي الاستشهاد لها؛ فاللاحقون يقلدون السابقين وينقلون جهودهم بلا أي تجديد -باستثناء الجوهري في كتابه عروض الورقة-في المادة العلمية أو في طريقة صياغتها.
  وهذا الحال التأليفي  يفرض على متلقي هذين العلمين سؤالًا بارزًا نصه:
ما الكتاب المِثالي في تدريس هذين العِلْمين ؟
إنه -أيها المتلقي- الكتاب الجامع ثوابتَ العِلْمين و أصولهما و الميسِّر عرضهما، والخالي من سلبيات التأليف و مُعوِّقاته من استطرادات مُمِلَّة، وغرام بالإكثار من الاصطلاحات، وافتراض المُحالات و التركيز على الشواذِّ والنوادر، وكدِّ الذهن فيما لا يُجدي، والتركيز على التنظير على حساب التطبيق، والانشغال بالتفاصيل والتفاريق على حساب الأصول والثوابت.
وفي المكتبة العربية عدد من الكتب التي عرضت هذين العِلْمين عرضًا طيبًا مثمرًا، خلا من هذه السلبيات، وقد أفدت منها وتحاورت معها كثيرًا، أذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- أهدى سبيل إلى علمي الخليل للدكتور محمود مصطفى، والعروض القديم لأستاذي الدكتور محمود علي السمان، وعروض الشعر العربي لأستاذي الدكتور أمين عبدالله سالم، وأوزان الشعر العربي وقوافيه للأستاذ الدكتور عبدالنعيم علي محمد علي عبدالله، واللباب في العروض للأستاذ كامل السيد شاهين، وهو مقرر على الصفين الأول والثاني بالمعاهد الأزهرية...إلخ
وإقدامي على الخوض في هذا الميدان التعليمي نابع من حبي هذين العِلْمين، وإحساسي بقيمة دراستهما، و طول تجربتي مع العِلْمَيْن تعلُّمًا وتعليمًا وبحثًا مما غرس فيَّ – بحمد الله – قدرة على تقديم خُلاصة هادية ورؤية وافية لمفرداتهما.
 وقد أفرزت هذه التجربة جملةً من الطلبة العروضيين والطالبات العروضيات ممَّن أفخر بهم وبهنَّ وأتيه حيث التمكُّن في العِلْمين، والاقتدار على تطبيق مقاييسهما على النصوص الشعرية المتنوعة، والإبداع الشعري بناءً على قواعدهما، وإن جاء عند بعضهم مصنوعًا أو متصنعًا!
 ومنهجي الوافي والهادي –إن شاء الله-في عرض العِلْمين يتمثل في الخطوات التالية:
*بيان مفهوم العروض لغةً واصطلاحًا
*بيان قيمة دراسة العِلْمين
*بيان سبب اختراع العِلْمين، وتاريخ التأليف فيهما
*الوحَدات العروضية الأولى (الأسباب والأوتاد )
*التفاعيل (الثمانية فقط )
*التغيير في التفاعيل الثمانية(الزحاف والعلل مع التركيز على الشائع فيهما فقط)
*الكتابة العروضية والتقطيع
*تعديد البحور وتصنيفها
*تحليل مفصَّل للبحور من حيث:(الأصل الدائري/الاستعمال الشعري/الأغراض الشعرية الملائمة لكل بحر/حال العروض والضرب/حال الحشو/تطبيق على نص شعري كامل).
*تعريف القافية لغةً واصطلاحًا
*كيفية تحديد القافية حسب التوصيف الخليلي لها             
*أنواع القافية وأنماطها وأبرز الأساليب المُحَسِّنة لها
*مُكوِّنات القافية[حروفها وحركاتها]
*عيوب القافية:
-عيوب تتعلق بحرف الروي[الإكفاء/الإجازة]
-عيوب تتعلق بحركة الروي[الإقواء /الإصراف]
-عيوب تتعلق بكلمة القافية[الإيطاء/التضمين]
-عيوب تتعلق بما قبل الروي
     [سناد الردف/سناد التأسيس/سنادالإشباع/سناد الحذو/سناد التوجيه]
*الضرائر الشعرية[الوزنية والقافوية]
*الأشكال العروضية المُولَّدة وزنيًّا وقافويًّا [المستدركة أوالمستحدثة]
ولا أدعي الإتيان في هذه الخلاصة بالجديد المبتكر، أو العميق المتروك، أو البديع المغمور، بل يكفيني شرفًا حسن العرض، وجمال الشرح، وتيسير التعلُّم...
                 هذا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
وإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
الدكتور صبري أبوحسين
دبي 29/9/2008م
 
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
العــروض لغةً:    كن أول من يقيّم
 
العــروض لغةً:
بتدبر حديث المعاجم العربية عن لفظة (العروض) نجد أنها من المشترك اللفظي، إذ تدل على عدة معانٍ، منها:
-مكة والمدينة – حرسهما الله تعالى- و ما حولهما، قال الزبيدي في تاج العروس:" وقَوْله: ما حَوْلهما داخِلٌ فيه اليَمَنُ، كما صَرَّحَ به غَيْرُ وَاحِد من الأَئمَّة، وبه فَسَّروا قَوْلَهُم:
اسْتُعْمِلَ فُلانٌ على العَرُوضِ، أَي مَكَّةَ والمَدِينَةِ واليَمَنِ وما حَوْلَهُمْ. وأَنْشَدُوا قَولَ لَبِيدٍ:
وإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ القِتَالُ فإِنَّنَا         نُقَاتِلُ ما بَيْنَ العَرُوضِ وخَثْعَمَا([1])
جاء في كتاب الروض المعطار:"العروض: بفتح أوله، اسم لمكة والمدينة معروف، يقول: استعمل فلان على العراق وفلان على العروض. وقالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فأمرهم أن يُؤذِنوا أهل العروض أن يُتِموا بقية يومهم.والعروض أيضاً موضع بالبادية" ([2])
ويقال: عَرَض الرجلُ إِذا أَتَـى العَرُوض وهي مكة والـمدينة وما حولهما؛ قال عبد يغوث بن وقّاص الـحارثـي:
فَـيا راكِبَا إِمّا عَرَضْتَ، فَبَلِّغا     نَدامايَ مِن نَـجْرانَ أَنْ لا تَلاقِـيا([3])
وقول الكميت:
فأَبْلِغْ يزيدَ، إِنْ عَرَضْتَ، ومُنْذِراً     وعَمَّيْهِما، والـمُسْتَسِرَّ الـمُنامِسا([4])
-الطريق الوعرة أو الطريق في عرض الجبل في مضيقٍ. وقـيل: هو ما اعتَرَض فـي مَضِيقٍ منه، والـجمع عُرُض . وفـي حديث أَبـي هريرة: فأَخذ فـي عَرُوض آخر أَي فـي طريق آخر من الكلام.
ويقال: أَخَذْنا فـي عَرُوض مُنْكَرَةٍ يعنـي طريقاً فـي هبوط.
- المكان الذي يعارضك إذا سرتَ
- الكثير من الشيء


 ([1]) أَي ما بـين مكة والـيمن[راجع اللسان والتاج:عرض]
([2]) جاء في اللسان: ؛ قـيل: أَراد مَنْ بأَكنافِ مكة والـمدينة. ويقال للرَّساتـيقِ بأَرض الـحجاز الأَعْراض
[3]))جاء في اللسان: قال أَبو عبـيد: أَراد فـيا راكباه للنُّدْبة فحذف الهاء كقوله تعالـى: {يا أَسَفَا علـى يوسف}، ولا يجوز يا راكباً بالتنوين لأَنه قصد بالنداء راكباً بعينه، وإِنما جاز أَن تقول يا رجلاً إِذا لـم تَقْصِدْ رجلاً بعينه وأَردت يا واحداً مـمن له هذا الاسم؛ فإِن ناديت رجلاً بعينه قلت يا رجل، كما تقول يا زيد لأَنه يَتَعَرَّفُ بحرف النداء والقصد؛
([4]) يعنـي إِن مَرَرْتَ به.
 
([5]) جاء في اللسان: وقال شمر فـي هذا البـيت أَي فـي ناحية أُدارِيه وفـي اعْتِراضٍ. واعْتَرَضَها : رَكِبَهَا أَو أَخَذَها رَيِّضاً. وقال الـجوهري: اعتَرَضْتُ البعير رَكِبْتُه وهو صَعْبٌ.
([6]) يقول: لكل حَيَ حِرْز إِلا بنـي تَغْلِبَ فإِن حِرْزَهم السُّيوفُ، وعَمارةٍ خفض لأَنه بدل من أُناس، ومن رواه عُروض ، بضم العين، جعله جمع عَرْض وهو الـجبل، وهذا البـيت للأَخنس بن شهاب. [راجع اللسان عرض]
*صبري أبوحسين
24 - سبتمبر - 2008
تابع تعريف العروض لغة    كن أول من يقيّم
 
- الناقة المستعصية، التي لم تُرَضْ. أَنشد ثعلب لـحميد:
فما زالَ سَوْطِي فـي قِرابـي ومِـحْجَنـي   وما زِلْتُ منه فـي عَرُوضٍ أَذُودُها([5])
وقال ابن السكيت: ناقة عَرُوض إِذا قَبِلَتْ بعض الرياضة ولـم تَسْتَـحْكِم... وجاء في تاج العروس:" العَرُوضُ: "النّاقَةُ الَّتِي لم تُرَضْ"، ومنه حَدِيثُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه: "وأَضْرِبُ العَرُوضَ وأَزْجُرُ العَجُولَ" وأَنشد ثَعْلَبٌ لحُمَيْدٍ:
فَمَا زَالَ سَوْطِي في قِرَابِي ومِحْجَنِي         وما زِلْتُ منه في عَرُوضٍ أَذُودُهَا
وقال شَمِرٌ في هذَا البَيْت: أَي في نَاحِيَةٍ أُدارِيه وفي اعْتِرَاضٍ. وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيّ لعَمْرو بنِ أَحْمَر البَاهِليّ:
ورَوْحَةُ دُنْيَا بَيْنَ حَيَّيْن رُحْتُهَا         أُخِبُّ ذَلُولاً أَو عَرُوضاً أَرُوضُها
كذا نَصّ العُبَابِ. ونَصُّ الصّحاح. أُسِير عَسِيراً أَو عَرُوضاً. وقال: أُسِيرُ، أَي أُسَيِّر.
قال: ويُقَال مَعْنَاه أَنّه يُنْشِدُ قَصِيدَتَيْن، إِحْدَاهُمَا قد ذَلَّلَها، والأُخْرَى فيها اعْتِرَاضُ. قال ابنُ بَرِّيّ: والَّذِي فَسَّرَه هذا التَّفْسِيرَ رَوَى أُخِبُّ ذَلُولاً. قال: وهكَذَا رِوَايَتُهُ في شِعْرِه وأَوَّلُه:
أَلاَ لَيْتَ شِعْري هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً         صَحِيحَ السُّرَى والعِيسُ تَجْرِي عَرُوضُها
بتَيْهَاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كأَنَّهَا         قَطَا الحَزْنِ قد كانَتْ فِرَاخاً بُيُوضُها
ورَوْحَةُ. . . قُلتُ: وقَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، الَّذِي سَبَقَ وَصَفَ فيه نَفْسَه وسِيَاسَتَهُ وحُسْنَ النَّظَرِ لِرَعِيَّتِهِ فقال: إِنِّي أَضُمُّ العَتُودَ، وأُلْحِقُ القَطُوفَ، وأَزْجُرُ العَرُوضَ. قَال شَمِر: العَرُوضُ:العُرْضِيَّةُ من الإِبِلِ الصَّعْبَةُ الرَّأْسِ الذَّلُولُ وَسَطُهَا، التي يُحْمَلُ عَلَيْهَا، ثم تُسَاقُ وَسَطَ الإِبِلِ المُحَمّلَةِ، وإِنْ رَكِبَها رَجُلٌ مَضَتْ به قُدُماً ولا تَصَرُّفَ لرَاكِبها، وإِنّمَا قال: أَزْجُرُ العَرُوضَ؛ لأَنَّهَا تَكُونُ آخِرَ الإِبلِ. وقال ابن الأَثِيرُ: العَرُوضُ: هي التي تأَخذ يَمِيناً وشِمَالاً ولا تَلْزَمُ المَحَجَّةَ. يقُول: أَضْرِبُه حَتّى يَعُودَ إِلى الطَّرِيق، جَعَلَه مَثَلاً لحُسْنِ سِيَاسَتِه للأَمَّة. وتقول:
ناقَةٌ عَرُوضٌ، وفيها عَرُوضٌ "وناقَةٌ عُرْضِيَّة. وفيها عُرْضيَّة" إِذا كانَتْ رَيِّضاً لَمْ تُذَلَّلْ.
- الناحية أو الجانب. يقال: أَخذ فلان فـي عَرَوض ما تُعْجِبُنـي أَي فـي طريق وناحية؛ قال التَّغْلَبـيّ:
لكلِّ أُناسٍ، مِنْ مَعَدَ، عَمارةٍ   عَرُوضٌ، إِلـيها يَلْـجَؤُونَ، وجانِبُ([6])
- العمود الذي تُبنَى عليه الخيمة
- ما يعرض عليه الشيء
- فحوى الكلام ومعناه. وهذه الـمسأَلة عَرُوض هذه أَي نظيرُها. ويقال: عرفت ذلك فـي عَرُوض كلامهِ ومَعارِض كلامِه أَي فـي فَحْوَى كلامه ومعنى كلامه.
-الحاجة. يقال:"هو ربوض بلا عروض" أي بلا حاجة عرضت له.
- الغيم أو السحاب
- عَرُوضُ الشعر وهي فَواصِلُ أَنصاف الشعْر وهو آخر النصف الأَول من البـيت..
- مِيزانُ الشعْر لأَنه يُعارَض بها، وهي مؤنثة.
وعَروض الشعر: على وزن فَعُول،، لفظة مؤنثة، قال الخليل في العين:" والعروض تؤنث. والتذكير جائز". وكذلك عَرُوض الـجبل، وربما ذُكِّرتْ، ومن المستحسن ألَّا نُؤَنِّثَها بتاء فنقول أو نكتب(عروضة) كما صنع صاحب كتاب ميزان الذهب على سبيل المثال!!! والـجمع أَعارِيض علـى غير قـياس، حكاه الخليل في كتابه العين وكذلك سيبويه، وقال معظم اللغويين والنحويين: إنها لا تُـجمَع؛ لأَنها اسم جنس!جاء في تاج العروس: "ج: أَعارِيضُ"، على غَيْرِ قِيَاسٍ، كأَنّهُم جَمَعُوا إِعْرِيضاً، وإِنْ شِئْتَ جَمَعْتَه على أَعَارِضَ، كما في الصّحاح".
*صبري أبوحسين
24 - سبتمبر - 2008
علم العــروض اصطلاحًا وسبب تسميته:    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
علم العــروض اصطلاحًا وسبب تسميته:
 
علم العــروض اصطلاحًا:
كثرت التعاريف الاصطلاحية لهذا العلم، وأرى أن أنسب تعريف له ما نصه:
"العلم بقواعدَ يُعرَف بها صحيح الشعر من مكسوره، وما يطرأ عليه من تغيير (زِحافيٍّ أو عِلِّيٍّ) سواء أكان مقبولاً أو معيبًا1])".
فالعروض - حقًّا – علم؛ لأنه قوانين محددة تُنتج أحكامًا ثابتة، مسلَّمة –في الغالب-عقلاً ومنطقًا، وهو علم؛ لأنه يجمع بين التنظير والتطبيق. وليس صناعة فقط كما يزعم بعض العروضيين!
 وهذه القواعد تتمثل فيما يُعرَف – لدى العروضيين- بالدوائر والتفاعيل والبحور، والتغيير فيها يتمثل فيما يسمى بالعلل والزحافات،أي الزيادة على التفاعيل أو النقص فيها، أو ما يسمى الضرائر . ومكسور الشعر هو المُخالف  لهذه القواعد.  
 سبب تسمية الخليل هذا العلم:
لم يختر الخليل  – عبقري اللغة ومُحصيها ومُصنّفها، رحمه الله- هذه اللفظة(العروض) لتُطلَق على هذا العلم عبثًا، بل اختارها –فيما أرى- لسبب ما، لعلَّه يتمثل في وجود علاقة وطيدة بين المدلول اللغوي والمفهوم الاصطلاحي لهذه اللفظة؛ فبتدبر الدلالات اللغوية للفظة العروض والمفهوم الاصطلاحي لها يتضح وجود هذه العلاقة.
إن الخليل –رحمه الله-اختار هذه اللفظة من بين ألفاظ العربية لتدل على هذا العلم؛ لأنها تدل على علمٍ صعب السيطرة عليه مثل محاولة ركوب الناقة الحَرُون التي لم تُرَض، أو مثل السير وسط الطريق الوعْرة في مضيق، أو لأنها تدل على ناحية من نواحي علوم الشعر.
 -أو لأنه العمود الذي يُبنى عليه البيت الشعري كعمود الخيمة.
 -أو لأن الكلمة مشتقة من العَرْض؛ فالشعر يُعرَض ويقاسُ على ميزانه. و إلى هذا الرأي ذهب الخليل في العين، قال:" والعَروض عَروض الشعر؛ لأن الشعر يُعرَض عليه"، وكذلك الإمام الجوهري(ت ت393هـ) . ويعزِّز هذا القولَ ما جاء في اللغة العربية من قولهم: (( هذه المسألة عَروض ذه )) أي نظيرها.
 -أو لأن الخليل –رحمه الله- اخترع هذا العلم في مكان يُسمى العروض بمكة والمدينة وما حولهما، فأطلقها عليه؛ تبركًا.
 -أو لأن من معاني العَروض الطريق في الجبل، والبحور طرُق إلى النظم.
 -أو لأن هذا العلم يعطي الكثير السامي المرتفع من الفوائد لدارسيه من المبدعين والباحثين والطلاب، كعطاء السحاب والغيم وغيرهما.
 -أو لأن هذا العلم حاجة من الحوائج الأساسية المطلوبة لطلاب علوم الشعر.
أو لأن التسمية جاءت تَوَسُّعًا من الجزء الأخير من صدر البيت الذي يسمى (عَروضًا)، أو كما يقول البلاغيون من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.
وقد أشار إلى هذه العلاقة الوطيدة بين المدلول اللغوي والمفهوم الاصطلاحي وأدركها عدد من أسلافنا الأماجد، منهم:
-ابن القطاع (ت515هـ) في كتابه البارع في علم العروض، قال:"اعلم أن العروض علم وُضع لمعرفة أوزان شعر العرب...وهو مأخوذ من العروض التي  هي الناحية، وقيل: مأخوذ من قولهم :ناقة عروض أي صعبة لم تُرض، وقيل: مأخوذ من العروض التي هي الخشبة المعترضة في وسط البيت، فمن قال: العروض الناحية، أراد الناحية التي قصدتها العرب، ومن قال: مأخوذ من الخشبة المعترضة في البيت أراد أنه يُفصَل بها بين جزأي البيت كما يفصل بالخشبة بين جزأي البيت(المنزل)، وقيل: بل لأنها يفصل بها بين المنظوم والمنثور. ومن قال: الصعبة أراد أنه يراد بها الصعب حتى يُقَوَّم، ومن قال: الطريق أراد الطريق التي سلكتها العرب[البارع ص84-85، تحقيق د/أحمد عبدالدايم نشر مكتبة الفيصيلية بمكة سنة 1985م.]
- نشوان الحميري (ت573هـ) في كتابه الحور العين، قال:" والعروض: الجزء الآخر من أجزاء النصف الأول من البيت، وهي مؤنثة لأنها مشتقة من أحد وجهين، إما من قولهم: ناقة عروض، أي صعبة لم ترض، وإما من العروض التي هي الناحية والطريق؛ يقال: فلان أخذ في عروض فلان... فكأن العروض ناحية من العلم، وهوأقرب الوجهين إلى اشتقاقها".
وأدركها –كذلك- العلامة اللغوي ابن منظور(ت711هـ)، قال:"وسمي عَرُوضا لأَن الشعر يُعْرَض علـيه، فالنصف الأَول عَروضٌ لأَن الثانـي يُبْنى علـى الأَول والنصف الأَخير الشطر، قال: ومنهم من يجعل العَروض طَرائق الشعْر وعَمُودَه مثل الطويل يقول هو عَرُوضٌ واحد، واخْتِلافُ قَوافِـيه يسمى ضُرُوباً، قال: ولكُلَ مقَالٌ؛ قال أَبو إِسحق: وإِنما سمي وسط البـيت عَرُوضا لأَن العروض وسط البـيت من البِناء، والبـيتُ من الشعْر مبنـيّ فـي اللفظ علـى بناء البـيت الـمسكون للعرب، فَقِوامُ البـيت من الكلام عَرُوضُه كما أَنّ قِوامَ البـيت من الـخِرَقِ العارضة التـي فـي وسطه، فهي أَقْوَى ما فـي بـيت الـخرق، فلذلك يجب أَن تكون العروض أَقوى من الضرْب، أَلا ترى أَن الضُّروبَ النقصُ فـيها أَكثر منه فـي الأَعاريض ؟"
وكذلك العلامة اللغوي الفيروزبادي(ت817هـ) في قاموسه قال:والعروض"ميزان الشعر؛ لأنه به يظهر المتَّزن من المنكسر، أو لأنها ناحية من علوم الشعر، أو لأنها صعبة أو لأن الشعر يُعرَضُ عليها، أو لأنه أُلْهِمَها الخليلُ بمكة"[القاموس المحيط باب الضاد فصل العين/عرض ص429، طبع دار إحياء التراث العربي سنة 1991م.]
وقال الزبيدي(ـ 1205هـ):" من المَجَاز: العَرُوضُ: "مِيزَانُ الشِّعْرِ"، كما في الصّحاح، سُمِّيَ به "لأَنَّهُ به يَظْهَرُ المُتَّزِنُ مِنَ المُنْكَسِر" عِنْدَ المُعَارَضَةِ بِهَا. وقوله: بِه هكَذَا في النُّسَخ، وصَوابُه: بِهَا، لأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ، كما سَيَأْتِي، "أَو لأَنَّهَا ناحِيَةٌ من العُلُوم" أَي من عُلُوم الشِّعْر، كما نَقَلَه الصَّاغَانِيّ، "أَو لأَنَّهَا صَعْبَةٌ"، فهي كالنَّاقَة التي لم تُذَلَّل، "أَوْ لأَنَّ الشِّعْرَ يُعْرَض عَلَيْهَا"، فما وَافقَهُ كان صَحِيحاً، وما خالَفَهُ كان فَاسِداً، وهُوَ بعَيْنِه القَوْلُ الأَوّل، ونَصّ الصّحاح: لأَنَّه يُعَارَضُ بِهَا. "أَوْ لأَنَّهُ أُلْهِمَهَا الخَلِيلُ" بن أَحْمَد الفَرَاهِيدِيّ "بمَكَّةَ"، وهي العَرُوضُ. وهذا الوَجْهُ نَقَلَه بَعْضُ العَرُوضِيِّينَ. في الصّحاح: العَرُوضُ أَيْضاً "اسمٌ للجُزْءِ الأَخِيرِ من النِّصْفِ الأَوَّلِ" من البَيْت، وزاد المُصَنّف: "سالِماً" كان "أَوْ مُغَيَّراً". وإِنَّمَا سُمِّيَ به لأَنّ الثَّانِيَ يُبْنَى على الأَوَّلِ، وهو الشَّطْرُ. ومنهم مَنْ يَجْعَلُ العَرُوضَ طَرَائقَ الشِّعْرِ وعَمُودَه، مِثْل الطَّوِيل. يُقَال: هو عَرُوضٌ وَاحِداً، واخْتِلافُ قَوَافِيهِ تُسَمَّى ضُرُوباً. وقال أَبُو إِسْحَاقَ. وإِنَّمَا سُمِّيَ وَسَطُ البَيْت عَرُوضاً، لأَنَّ العَرُوضَ وَسَطُ البَيْت من البِنَاء، والبَيْتُ من الشِّعْر مَبْنِيٌّ في اللَّفْظ على بِنَاءِ البَيْتِ المَسْكُونِ لِلْعَرَبِ، فقِوَامُ البَيْتِ مِن الكَلامِ عَرُوضُه، كَمَا أَنّ قِوَامَ البَيْتِ من الخِرَقِ العَارِضَة التي في وسَطِه، فهي أَقْوَى مَا فِي بَيْتِ الخِرَقِ، فلِذلِكَ يَجِبُ أَنْ تكونَ العَرُوضُ أَقْوَى من الضَّرْبِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الضُّرُوبَ النَّقْصُ فيها أَكْثَرُ منه في الأَعَارِيض"...
وهذه العلاقة البارزة بين الاستعمال العربي العتيق للفظة "العروض" والاستعمال الاصطلاحي للَّفظة يوحي بعبقرية الخليل وذكائه وإحساسه اللغوي المعجمي الدقيق والعميق.


[1]))هذا هو المفهوم العام  لمصطلح علم العروض، أما المفهوم الخاص فهذه اللفظة تدل عند العروضيين على الجزء أو التفعيلة الأخيرة من الصدر، كما هو معروف.
*صبري أبوحسين
9 - أكتوبر - 2008
قيمة تَلَقِّي عِلْمَي العروض والقافية:    كن أول من يقيّم
 
قيمة تَلَقِّي عِلْمَي العروض والقافية:
لعل الخطوة الأولى الممهِّدة لدراسة علمي العروض والقافية، وتيسير تعلمهما تتمثل في التعرف على فوائدهما العديدة وقيَمهما المتنوعة، والاقتناع بسمو مكانتهما بين العلوم، حتى يُوجَد الدافع النفسي العقلي لدى المتلقي دارسًا وباحثًا، لاسيما إذا كان هذان العِلْمان قد نالا جفاءً وسوءَ تقدير من جهابذة أعلام من السلَف والخلَف، على حد سواء!!!
إذ توجد في كتب السلف والخلف عبارات تنال من علمي العروض والقافية نيلاً صريحًا أو نيلاً مغلفًا بغلاف كنائي:
فمن نماذج النيل الصريح قول الجاحظ(ت255هـ) بأن "العروض علم مولَّد، وأدب مستبرَد، ومذهب مرفوض، وكلام مجهول يستكدُّ العقل بمستفعلن وفعول، من غير فائدة و لا محصول". وقول شيخه النظام:"إن دوائر الخليل لا يحتاج إليها غيره".وفي كتاب محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني،:"وعاب النظام الخليل فقال: تعاطى ما لا يحسنه ورام ما لا يناله، وفتنته دوائره التي لا يحتاج إليها غيره.
ودخل أعرابي مسجد البصرة فانتهى إلى حلقة علم يتذاكرون الأشعار والأخبار، وهو يستطيب كلامهم، ثم أخذوا في العروض فلما سمع المفاعيل والفعول ورد عليه ما لم يعرفه فظن أنهم يأتمرون به، فقام مسرعاً وخرج وقال:
قد كان أخذهم في الشعر يعجبني         حتى تعاطوا كلام الزنج والروم
لما سمعت كلاماً لست أعرفه         كأنه زحل الغربان والبوم
ولّيت منفلتاً والله يعصمني         من التقحم في تلك الجراثيم!
وقال الطَّائي[من كتاب حماسة الظرفاء]:
لولا الإلهُ وأنَّني مُتحرِّجٌ                  مُتورِّعٌ لَلَعَنْتُ قبرَ خليلِ
أنشَا مسائلَ في العرُوضِ يبينها         من فاعِل وَمَفَاعِل وفَعُولِ
ما كانت الشُّعراءُ تعرفُ قبلَها         من فَاعِل أبداً ولا مَفعولِ
وجعل أبوفراس الحمداني العروض قرين التكلف، في قوله:"
تَناهَضَ الناسُ للمعاني         لَمَّا رَأَوْا نحوَها نُهوضي
تكلّفوا المكرمات كَذّا         تَكلُفَ الشعرِ بالعَرُوضِ
وقال ابن طباطبا:
كل العلوم يزين المرء بهجتها        إلا العروض فقد شانت ذوي الأدب
بي الدوائر دارت من دوائرها         ما لامرئ أرب في ذاك من أرب
فاستعمل الذوق في شعر تؤلفه        وزن به ما بنوا في سالف الحقب
وقول الشيخ بهاء الدين السبكي(ت771هـ):
إذا كنت ذا عقل سليم فلا تملْ      لعلم عروض يوقع القلب في الكرب
فكل امرئ عانى العروض فإنما      تعـرض للتقطيع وانساق للضرب
ومن التلميح قول أبي العتاهية-لما قيل له:خرجت على العروض-:أنا أكبر من العروض!!! وقول الشاعر:
قد كان شعر الورى صحيحًا     من قبل أن يوجد الخليل
وجاء في كتاب نفحة الريحانة للمحبي(ت1111هـ):
قال الخطيب عبدالله ابن إلياس في العروض:
إن العَرُوضَ لَبَحْرٌ         تعومُ فيه الخَواطِرْ
وكلُّ منْ عام فيه         دارتْ عليه الدَّوائرْ
ويأتي العروض أحيانًًا في سياق النقص والهجو، روى المحبي في كتابه نفحة الريحانة:
"وعلى بحر العروض يعجبني هنا قول الأرجاني:
راعَ الفؤادَ نَوَى الخَلِيطِ ولم يكنْ         قبل النَّوى من حادثٍ بمَرُوعِ
وأرى فُؤادي في الزَّمانِ كأنَّه         بيْتُ العروضِ بُراد للتَّقْطيعِ
وللحظيري:
وعِرْضٍ بلا ذنْبٍ يُقطَّعُ دائماً         كبيتِ عَروضٍ والحوادثُ أطْوارُ
وقلت في معناه:
دوائرُ أفلاكٍ تلوحُ بُحورُها         بأصْفار نجْمٍ قابلتْها بتَصْريعِ
كما خُطَّ في رَسْمِ العَروضِ دوائرٌ         جميعُ الذي [فيه[1]] مُعَدٌّ لتقْطِيعِ
وتقرير بعض المحدثين عند نقدهم للعروض الخليلي من أنه كالمطرقة والسندان، وأنه علم جاف متحجِّر، لا يغني ولا يسمن من جوع!!! وأن قواعد القافية لا تستحق أن تُدرس كعلم مستقل، وإن القسم الأعظم من هذين العلمين يمكن إهمالهما دون أن نخسر شيئًا، وأن طريقة تدريس العلمين سمجة ممجوجة، تتضمن أخطاء ونواقص متوارثة، فيها الكثير الذي لا طائل من ورائه!!!!
وقد تنووقلت هذه النصوص وغيرها في مصادر الدرس العروضي ومراجعه بدون نقد أو مؤاخذة من قبل ناقليها.


[1]) )زيادة من عندي لإكمال البيت عروضيًّا.
*صبري أبوحسين
19 - أكتوبر - 2008
قيمة تَلَقِّي عِلْمَي العروض والقافية(2)    كن أول من يقيّم
 
قيمة تَلَقِّي عِلْمَي العروض والقافية(2)
وخير ردٍّ على هذه النصوص الموجهة ضد العلمين أن نعدد ونحلل القيم المتنوعة لعلمي العروض والقافية، والتي تتمثل في الآتي:
*مساعدة المتلقي على الاعتقاد العقلي- بعد اليقين القلبي- بأن القرآن الكريم ليس بشعر، وبأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- ليس بشاعر، وذلك إذا ما طبق مقاييس هذين العلمين على النصين:القرآني الكريم والنبوي الشريف؛ إذ يجدهما يخالفان تلك المقاييس بجلاء، فالمتلقي لا يعرف أن هذين النصين المقدسين ليسا بشعر معرفةَ دراسةٍ لا تقليد إلا عن طريق المقاييس العروضية والقافوية؛ "إذ الشعر : ما اطردت فيه وحدته الإيقاعية التزامًا . أي-كما قال القدامى- (كلامٌ موزون قصدًا بوزن عربي). وبذا يدرك أن ما ورد منهما على نظام أنساق الشعر الوزنية لا يُحكم عليه بكونه شعرًا ؛ لعدم  قصده" ؛ يقول ابن رشيق: "لأنه لم يُقصَد به الشعر ولا نيته، فلذلك لا يعد شعرًا ، وإن كان كلامًا مُتَّزِنًا"، ولأن أقل الشعر بيتان فصاعدًا وما ورد موزونًا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف لا يمثل غالبًا إلا شطرًا أو بيتًا... ولأن هذا الموزون- من النصين المقدسين- إنما تحقق فيه الوزن بسبب الوقف، وهما مبنيان على الوصل، فمثلا قوله تعالى:
إنا/ أعطي/ناك ال/كوثرْ
فصلْ/([1]) لِ لربْ/ بِك وان/حرْ([2])
بالوقف على الكوثر أي إسكانها، يأتي على نسق بحر الخبب(أو المتدارك عند بعضهم!)، وبالوصل أي فتح راء الكوثر، ينكسر الوزن ويخرج النص المقدس من دائرة الشعر... وهكذا .
*إعطاء المتلقي القدرة على تمييز الشعر من النثر، وتبيُّن سليم وزن الشعر من مكسوره، ومعرفة ما فيه من تغيير إيقاعي داخلي في أجزائه المختلفة:بدءًا وحشوًا وعروضًا وضربًا، وقافية.
*مساعدة اللغوي في تحليله الظواهر اللغوية[صوتية، صرفية، لهجية، نحوية...] الموجودة في النص الشعري التراثي صرفيًّا ومعجميًّا ونحويًّا.
*مساعدة الناقد في تبيُّن مواطن اللذة الإيقاعية أو مدارك الهبوط الموسيقي في النص الشعري الذي يواجهه تذوقًا وتحليلاً، فيعلم مبلغ اقتدار الشاعر على تصريف الكلام وتنويع الأنغام، فبدونهما لا يستطيع الناقد أن يحيط بعناصر الشعر، أو يحسن التذوق له؛ فالشاعر الفحل يغلب الوزن ولا يغلبه الوزن، إنه لاعب بالألفاظ يمتعه تقليبها وتسييرها كيف يشاء، والشعراء جميعًا سواء في هذا النوع من اللعب وإن تباعدوا جدًّا وهزلاً، والعروض أداة رئيسة في الوصول إلى تلك الغاية.[راجع مقدمة محقق الكافي للتبريزي].
*المساعدة على التفطُّن لما يزدان به الشعر العربي من اتساق في الوزن وتآلف النغم وانسجام في الموسيقى وتفنن في القوافي. وتربية الإحساس بمدى اطراد الأوزان وانسياب النغم، ولذلك أثر في غرس الذوق الفني ، وتهذيبه .
 أو المساعدة على التفطُّن والشعور بما يفسد هذا الاتساق والاطراد في النص الشعري مقروءًا كان أو مسموعًا.  و"تلك ميزة يكبرها عشاق الفن وأرباب الذوق السليم. أَفَيرضيك أيها المعرض النافر أن تظل من أرباب الذوق السقيم؟"!![صفوة العروض ص9، أ/عبدالعليم إبراهيم، طبع مكتبة غريب بالقاهرة د.ت.]
*التأثير في المبدعين من الفحول والناشئة؛ إذ لا غنًى لأي متلقٍ شاعر عن معرفة أبرز أسس هذين العلمين قبل إبداعه وأثناءه وبعده؛ حتى لا يقع في خلط بحور الشعر بعضها ببعض، أو يقع في الكسر أو التغيير الزحافي أو العِلِّي القبيح غير الجائز، أو عيوب القافية من إيطاء أو إقواء أو سناد أو غيرهما مما هو مفصَّل في أدبيات هذين العلمين؛ فهو يذكِّر الفحول دائمًا بالقواعد الموسيقية التي درج العرب على نظم أشعارهم عليها منذ جاهليتهم الأولى حتى آننا هذا.
كما أن لهذين العلمين دورًا مؤثرًا في بناء الملَكة الشعرية وتنميتها وتطويرها لدى الناشئة من المبدعين، فهذان العلمان يصقلانُ موهبة الشعراء ، ويساعدان في تهذيبها، وتجنيبها الخطأَ والانحرافَ في قول الشِّعر، و أمنِها من التغييرِ الذي لا يجوز دخوله فيه، أو ما لا يجوز وقوعه في موطن دون آخر .
وهناك عدد كبير من الشعراء وُلِدوا أو صُنِعوا شعريًّا على يد عروضيين ماهرين أخذوا بأيديهم خطوة خطوة، حتى صاروا شعراء. وتفرس سير الشعراء تدل على أن وراء إبداع كل منهم عروضيًّا ناقدًا ومعلمًا...
*تنمية القدرة على قراءة الشعر قراءة صحيحة مؤثرة، وتوقِّي الأخطاء التي يتورط فيها القارئ إذا كان الشعر غير مضبوط بالشكل، أو إذا تسرَّب إليه شيء من الفساد أو التحريف في الرواية أو الطباعة أو نحو ذلك.
*مساعدة مَن يشتغلون برواية الشعر ونقده وتحقيق نصوصه المطبوعة والمخطوطة في تقويم المعوج وإصلاح الفاسد من الأبيات، وفي تذوق النصوص وتحليلها، وبيان ما فيها من جوازات أو ضرورات شعرية.
 *المساعدة في معرفة ما يرد في التراث الشعري- والنثري أحيانًا- من الاصطلاحات العروضية التي لا يمكن أن يعيها إلا من له إلمام بالعَروض ومقاييسه . مثل قول العربي القديم لما اتُّهم القرآن الكريم أمامه بأنه شعر:" لقد عرفت الشعر ورجزه وهزجه وقريضه فما هو به".
 وقول الشاعر:
وقصيدةٍ قد بتُّ أنظر بينها      حتى أقوِّم مـيلَها وسنادها
نظرَ المثقِّف في كعوب قناتِه    حتـى يـقيمَ ثِقافُه منآدَها
وقول الآخر:
وشعرٍ قد أرِقْتُ له غريبٌ        أجانبه المساند والمحالا
وقول ابن الرومي:
وذِكرُكَ في الشعرِ مثلُ السنا       دِ والخرمِ والخزم أو كالمحالِ
وإيطاءِ شعرٍ وإكفائهِ       وإقوائهِ دون ذِكرِ الرُّذالِ
وما عِيبَ شعرٌ بعيبٍ له       كأن يُبتَلى برجال السّفالِ
وقول الشاعر الأندلسي:
يا كاملاً شـوقي إلـيه وافر    وبسيط وجدي في هواه عزيز
عاملت أسبابي لديك بقطعها    والقطع في الأسباب ليس يجوز
وقول الأندلسي الآخر:
كففت عن الوصال طويل شوقي     إليك وأنت للروح الخليل
وكـفك للطويل فدتـك نـفسي     قبيح ليس يرضاه الخليل
وقول جرمانوس فرحات:
ألغزته في طي شعرٍ معجمٍ       باللفظ والمعنى وفي الوزن الخطل
لحنٌ وإكفاءُ السنادِ وخَزمُهُ       إقواءٌ اِيطاءُ القوافي أو خلل
جاء في البيان والتبيين:
ألفاظَ المتكلمين؛ إذْ كانوا لتلك العبارات أفهَمَ، وإلى تلك الألفاظ أميل، وإليها أحنَّ وبها أشغَف؛ ولأنَّ كبارَ المتكلمين ورؤساءَ النظّارين كانوا فوقَ أكثرِ الخُطَباء، وأبلَغَ من كثير من البلغاء، وهم تَخَيَّروا تلك الألفاظَ لتلك المعاني، وهم اشتقُّوا لها مِن كلام العرب تلكَ الأسماءَ، وهم اصطلحوا على تسميةِ ما لم يكن له في لغة العرب اسمٌ، فصاروا في ذلك سلفاً لكلّ خلف، وقُدوةً لكلّ تابع، ولذلك قالوا: العَرَض والجوهر، وأيْس وليس، وفرَقوا بين البُطلان والتّلاشي، وذكروا الهذيّة والهُوِيّة وأشباهَ ذلك، وكما وضع الخليل بنُ أحمدَ لأوزان القصيد وقِصار الأرجاز ألقاباً لم تكن العربُ تتعارف تلك الأعاريضَ بتلك الألقابِ، وتلك الأوزانَ بتلك الأسماء، كما ذكرَ الطَّويلَ، والبسيطَ، والمديد، والوافر، والكامل، وأشباه ذلك وكما ذكرَ الأوتادَ والأسباب، والخَرْم والزِّحاف، وقد ذكرت العرب في أشعارها السِّناد والإقواء والإكفاء، ولم أسمع بالإيطاء، وقالوا في القصيدة والرّجَز والسّجع والخُطَب، وذكرَوُا حروفَ الرويّ والقوافي، وقالوا: هذا بيتٌ وهذا مصراع، وقد قال جَندَلٌ الطهويُّ حين مدح شعره:
لم أُقْوِ فِيهن ولم أسانِدِ
وقال ذو الرّمة:
وشعرٍ قد أَرِقْتُ له غريبٍ         أجنِّبه المُسانَدَ والمُحَالا
وقال أبو حِزامٍ العُكْليّ:
بيوتاً نصبْنا لتقويمها         جُذولَ الرَّبِيئينَ في المَرْبَأه
بيوتاً عَلَى الهَاء لَهَا سجحةٌ         بغير السِّناد ولا المكْفَأَه
وهاك نماذج شعرية فيها توظيف لمصطلحات العروض، وردت في كتاب نفح الطيب:
"وقال أبو جعفر البيري، رفيق ابن جابر الأندلسي- رحمه الله تعالى -في العروض على مذهب الخليل:
خلّ الأنام ولا تخالط منهم         أحداً ولو أصفى إليك ضمائره
إنّ الموفّق من يكون كأنّه         متقاربٌ فهو الوحيد بدائره
وقال على مذهب الأخفش:
إنّ الخلاص من الأنام لراحةٌ         لكنّه ما نال ذلك سالك
أضحى بدائرةٍ له متقارب         يرجو الخلاص فعاقه متدارك
وله:
دائرة الحبّ قد تناهت         فما لها في الهوى مزيد
فبحر شوقي بها طويلٌ         وبحر دمعي بها مديد
وإنّ وجدي بها بسيطٌ         فليفعل الحسن ما يريد
وهذا المعنى استعمله الشعراء كثيراً، ومنهم الشيخ شهاب الدين بن صارو البعلي. قال أبو جعفر المترجم به: أنشدنا شهاب الدين المذكور لنفسه بحماة:
وبي عروضيٌّ سريع الجفا         يغار غصن البان من عطفه
الورد من وجنته وافرٌ         لكنّه يمنع من قطفه
قال: وأنشدني أيضاً لنفسه:
وبي عروضيٌّ سريع الجفا         وجدي به مثل جفاه طويل
قلت له قطّعت قلبي أسىً         فقال لي التقطيع دأب الخليل


[1]) ) دخل في هذه التفعيلة زحاف الخبن(حذف ألف فاعلن) وعلة القطع (حذف نون فاعلن وإسكان لامها فصارت(فصلْ) على زنة(فعِلْ) وحُوِّلت إلى (فعو). وفي هذا شذوذ.
([2]) دخل في هذه التفعيلة علة الحذذ(حذف الوتد المجموع من آخر التفعيلة"علن") فصارت(فا). وهي علة غير واردة في البحر المتدارك. وفي هذا شذوذ.
*صبري أبوحسين
19 - أكتوبر - 2008
قيمة تلقي علمي العروض والقافية(3)    كن أول من يقيّم
 
 
أسباب النفور من علمي العروض والقافية:
وأرى أن هذه الأقوال الموجهة ضد العلمين راجع إلى ما وجد من مظاهر تصعيب كثيرة في عرضهما تأليفيًّا وتعليميًّا، حيث:
* كثرة المصطلحات:
 فالناظر مثلا في كافي التبريزي يجد أن المصطلحات به وصلت إلى أكثر من أربعين مصطلحًا، رغم أن يمكن للعروضي أن يستخدم في العروض حوالي عشرين مصطلحًا، وفي القافية حوالي عشرة مصطلحات، وذلك بأن نستغني عن المصطلحات التي تتناول الظواهر الشاذة أو النادرة، وما أكثرها في هذين العلمين.
* الاستطراد:
يدخل المؤلف في هذين العلمين في متاهات تتيه معها المعلومة العروضية الأساسية، وذلك مثل باب الضرورة الشعرية، فهي علم خاص، مستقل عن العروض والقافية، ولا يدرسان إلا بعد إتقانهما. ومثل ألقاب البيت الشعري، ومثل الفنون المعرَّبة، والفنون الملحونة، ومثل البديع اللفظي من ترصيع وتجنيس وموازنة، وازدواج، وحسن تقسيم...
*عدم الربط بين موضوعات العلمين:
 فالأسباب والأوتاد تدرس مستقلة عن التفاعيل، والتفاعيل تدرس مستقلة عن البحور، والبحور تدرس مستقلة عن الدوائر، وهكذا! وكذلك استخراج القافية يدرس منفصلاً عن حروفها، وحروفها تدرس مستقلة عن عيوبها
*الاعتماد على الشاهد البيتي:
عدم الاعتماد على النص الشعري، المكوِّن من أبيات عدة، فكل الشواهد تقريبًا مكررة في كل الكتب، ومحللة عروضيًّا بطريقة واحدة، بلا تجديد أو تحديث.
*الافتقار إلى التدريبات:
يقول الدكتور محمود مصطفى[1]:تقدمت العلوم وطُبِّقت عليها قواعد التربية الحديثة فأعقب كل باب من أبواب النحو مثلًا بتطبيق على مسائله، يُختَبَر فيه العقل ويُستَدلُّ على مقدار التحصيل وتُثبَّت به الفروق بين المسائل وتُجلَّى به غوامضها. ولقد كان علما العروض والقافية أولى بذلك، لكننا لم نجد فيهما إلا سردًا للمسائل وتوحيدًا للشواهد وإقلالاً منها فهما لم يتبعا سنة الترقي التي تجلت في غيرها من العلوم.
*الفصل بين النظرية والتطبيق:
تجد المعلم للعروض يركز على التعاريف والمفاهيم المختلفة للمصطلحات دون أن يبرز قيمة هذه التعاريف في التطبيق، ومكان احتياج العروضي لها.
*جفاف الشواهد وجمودها:
وقف المؤلفون عند الأبيات التي استشهد بها الخليل وأصحابه لا يتعدونها وكثير منها غير جلي، فيكون للجهل بمعناها حيلولة ما دون الأنس بها واستظهارها، ثم إن اتحادها في كل كتاب يجعل ترديد النظر في الكتب المختلفة قليل الجدوى. والقاعدة إذا اختلفت شواهدها وتعددت صورها كان ذلك أدعى إلى استقرارها في النفس.
هذا والشواهد الشعرية المنتقاة في العلمين تحتاج إلى تصفية وانتخاب وتبديل، فبعضها مخترع مصنوع لا معنى له، وبعضها فكري لا خيال فيه، رغم زخارة ديوان شعرنا العربي التراثي والحداثي بالشواهد الجذابة الآسرة...
* التزام الافتراضات والمُحالات:
 يقول الدكتور محمود مصطفى:وذلك عيب في أصول التربية؛ فإن المرء إذا كان أمام مسألة يحصِّلها وجب أن تُمَهَّد له مقدماتها وتُسهَّل سبُلُها، حتى يصل إلى النتيجة بيسر، ويحصل على علمها باليقين الذي لا شك معه.
وذلك مثل أن يلزم مؤلف نفسه بذكر ما يسمى(ما تصير إليه التفعيلة بعد التغيير الزحافي أو العلي)، أو أن يلزم نفسه بما يسمى( مقفى الصورة العروضية، أو مصرعها)، أو أن يلزم نفسه بالإكثار من حالات الأعاريض والأضرب...
وممن عرض هذه الصعوبات الأستاذ عبدالعليم إبراهيم بعمق([2]) إذ له في ذلك كتيب عدد صفحاته ثمان وسبعون يسمى(صفوة العروض)، يقرر في مقدمته الحقيقة المُرَّة التي يعاني منها كل معلم، يقول:" أعلم أن كثيرين من طلاب العروض ما يكادون يمضون في درسه بضع خطوات حتى يهولهم أمره وتروعهم طلعته ويجدوا فيه مادة خشنة الملمس مرة المذاق، وسرعان ما تنطفئ حماستهم وتفتر همتهم، ويتخلون مكرهين عن آمالهم في هذه الدراسة التي طالما ارتقبوها ليعيشوا بها زمنًا في دنيا الموسيقا اللفظية، دنيا الأوزان والألحان، وليخبروا بها أسرار الجمال في الشعر العربي، بما يشعه من سحر النغم، وبديع الإيقاع". وقد حدد صعوبات العروض في الآتي:
*أن العروض مزدحم بالمصطلحات، تحملها ألفاظ غليظة جافية، لا تصادف الدارس في قراءة ولا تطرق أذنه في استماع؛ لأنها حوشية ممعنة في الغرابة.
* أن القائمين غلى وضع الخطط الدراسية قد ضنوا عليه بما يلائمه من الوقت!!!
* أن طريقة التدريس قد يغلب عليها السير العاجل والاحتفاء المسرف بالمصطلحات الجديدة، والاقتصار غالبًا على الجوانب النظرية.
*أن كتب العروض قد وجدت نفسها مضطرة إلى الحفاظ على ما يسمونه جوهر المادة من مصطلحات وتعاريف وتقاسيم حتى تصلح مرجعًا وافيًا، فلا يتهم مؤلفوها بالقصور، وبهذا الحفاظ ظلت تلك المؤلفات تشوبها المرارة والغضاضة، فوق ما يتحمله الدارس حيالها كد الذهن وإرهاق الذاكرة، يستوي في ذلك الكتب القديمة والحديثة... تلك كانت بعض أسباب معاناة الطلاب مع هذين العلمين الآسرين.


[1]) ) الدكتور محمود مصطفى(ت1941م) أستاذ الأدب العربي بكلية اللغة العربية بالقاهرة، وصاحب كتاب ذائع الصيت في هذين العلمين، عنوانه"أهدى سبيل إلى علم الخليل" ذكر في مقدمته صعوبات هذين العلمين.
 [2]) )عميد تفتيش اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم المصرية سابقًا، وهو من خيرة اللغويين المؤلفين في العصر الحديث، ترى فيه خبرة تعليمية طويلة المدى، لا تتعالم بالمصطلحات كما عند بعض أساتذة المناهج وطرق التدريس، ولكنه يكتب من الواقع الذي يعيشه مع المتعلمين صباح مساء، ولذا رُزِقت مؤلفاته سيرورة بين الدارسين مثل النحو الوظيفي، والموجه الفني للغة العربية، والإملاء والترقيم في الكتابة العربية؛ ولذا فإن رأيه في طريقة تدريس العروض لا شك ثرية وعملية.
*صبري أبوحسين
19 - أكتوبر - 2008
قيمة تلقي علمي العروض والقافية(4)    كن أول من يقيّم
 
مدح العِلْمين ومنهج تعليمهما:
لهذه الصعوبات والعقبات التي تزخر بها التآليف العروضية حرص العلماء قديمًا وحديثًا على بيان قيمة هذين العِلْمين، وتيسير عرضهما، وتقديمهما في ثوب قشيب، حسب رؤية كل مؤلف، وطبيعة التوجه الثقافي لعصره.
وما أعظم إيجاز العلَّامة الجوهري(ت393هـ) لهذه الفوائد بقوله:"العروض ميزان الشعر، وهي ترجمة عن ذوق الطباع السليمة. وفوائدها ثلاث:إحداها أنه يستعين بها مَن خانَه الذوق. وثانيتها أنه يُعرَف بها مفارقة القرآن للشعر ومباينته له. وثالثتها أنه يُعلَم بها ما يجوز في الشعر مما لا يجوز فيه".
وإذا كان الجاحظ قد روي له ذم للعروض فقد روي له أيضًا مدح، جاء في كتاب تحسين القبيح وتقبيح الحسن للثعالبي وفي كتاب زهر الآداب للحصري:" وقد مدح الجاحظ العروض وذمّها، فقال في مدحها: العروض ميزان، ومعراض بها يعرَفُ الصحيح من السقيم، والعليل من السليم، وعليها مَدَار الشعر، وبها يسلم من الأَوَد والكَسْر.
 وقال ابن جني(ت 392 هـ)مقررًا قيمة العروض:" العروض ميزان الشعر، وبه يُعرف صحيحه من مكسوره، فما وافق أشعار العرب في عدة الحروف والحركات والسكنات، فهو شعر كما أنه شعر. وما خالفه فيما ذكرناه فليس شعرًا، وإن قام ذلك وزنًا عند بعض الناس لم يسمَّ شعرًا حتى يوافقه فيما قدمناه".
قال ابن طباطبا في كتابه "عيار الشعر":
"الشعر- أسعدك الله- كلام منظوم، بائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم، بما خص به من النظم الذي إن عدل عن جهته مجته الأسماع، وفسد على الذوق. ونظمه معلوم محدود، فمن صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزانه، ومن اضطراب عليه الذوق لم يستغن من تصحيحه وتقويمه بمعرفة العروض والحذق به، حتى تعتبر معرفته المستفادة كالطبع الذي لا تكلف معه. وللشعر أدوات يجب إعدادها قبل مراسه وتكلف نظمه. فمن تعصت عليه أداة من أدواته، لم يكمل له ما يتكلفه منه، وبان الخلل فيما ينظمه، ولحقته العيوب من كل جهة..."
 
وقال العلوي في كتابه نضرة الإغريض في نصرة القريض:" وأما إقامةُ الوزن فهوَ عبارةٌ عن ذوْقٍ طبيعي حفِظَ فصولَه من الزيادةِ والنُقصان وعدّلها تعديلَ القِسْطِ بالميزان. ولو أن كلّ ناظمٍ للشعر يفتقرُ في إقامة وزنهِ، وتصحيحِ كسْرِه، وتعديلِ فصولِه إلى معرفةِ العَروض، والقوافي، لما نظَمَ الشِعرَ إلا قليلٌ من الناس. على أن الشاعر إذا عرَفَهما لم يستغن عنهما".
وقال الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء:"معرفة العروض تسهل عليك ما تَعَوَّج من الشعر، فإنه نصابه ونظامه وعموده وقوامه".
 وصدق بدر الدين الدماميني(763-837هـ) في قوله:"لا يخفى أن العروض صناعة تقيم لبضاعة الشعر في سوق المحاسن وزنًا، وتجعل تعاطيه بالقسطاس المستقيم سهلاً بعد أن كان حزْنًا"...
وقد نقل الشيخ بدر الدين الدماميني في شرحه المسمى العيون الغامزة فصلًا ذكره ابن بري التازي، فيه فوائد خاصة ببيان مدى الفائدة من علمي العروض والقافية، لا بأس من الإحاطة بها،  وأعرضه بتصرف على النحو التالي:
يقول ابن بري: "قد تجافى بعض المتعسفين عن هذا العلم ووضعوا منه واعتقدوا أن لا جدوى له واحتجوا بأن صانع الشعر إن كان مطبوعًا على الوزن فلا حاجة له بالعروض، كما لم يحتَجْ إليه مَن سبق الخليل من العرب، وإن كان غير مطبوع فلا يتأتَّى له نظم العروض إلا بتكلف ومشقة...
ولأن بعض كبراء الشعراء لم يقف عند ما حده الخليل وحصره من الأعاريض بل تجاوزها. وذكر قصة أبي العتاهية...
ولأنه يُخرج بديع الألفاظ ورائق السبك إلى الاستبراد والركاكة، وذلك حالةَ التقطيع والتفعيل، وربما أوقع المرء في مهوى الزلل ومقام الخجل بما يتحول إليه صوغ البنية من منكر الكلام وشنيع الفحش. وذكر مداعبةً جرت بين أبي نواس وعنان جارية الناطفي!!!... ثم ذكر هجاء الجاحظ للعروض المثبت سلفًا... 
والحق الذي يعترف به كل منصف أن لهذا العلم شرفًا على ما سواه من علوم الشعر؛ لصحة أساسه واطراد قياسه ونبل صنعته ووضوح أدلته. وجدواه حصر الأوزان ومعرفة ما يعتريها من الزيادة والنقصان، وتبيين ما يجوز منها على حسن أو قبح وما يمتنع، وتفقد محالِّ المعاقبة والمراقبة والخرم والخزم وغير ذلك مما لا يتَّزن على اللسان ولا تتفطَّن إليه الفِطَر والأذهان؛ فالجاهل بهذا العلم قد يظن البيت من الشعر صحيح الوزن سليمًا من العيب وليس كذلك. وقد يعتقد الزحاف السائغ كسرًا وليس به... وذكر نماذج.
ثم قال:" وهل علم العروض للشعر إلا بمثابة علم الإعراب للكلام؟ فكما أن صنعة النحو وُضِعت ليُعافي بها اللسان من فضيحة اللحن فكذلك علم العروض وُضع ليعافي به الشعر من خلل الوزن، فلولاه لاختلطت الأوزان واختلفت الألحان وانحرفت الطباع عن الصواب انحرافَ الألسنة عن الإعراب. وقد وقع الخلل في شعر العرب كثيرًا، وذكر نماذج...
ثم رد قائلا:" ولا حجة في ذم الجاحظ لهذا العلم فقد مدحه أيضًا، وإنما أراد بذلك إظهار الاقتدار على جمع المدح والذم في شيء واحد، فقال في مدحه:"هو علم الشعر ومعياره وقطبه الذي عليه مداره، به يُعرف الصحيح من السقيم والعليل من السليم، وعليه تُبْتَنى قواعد الشعر، وبه يسلَم من الأوَد والكسر.
وإنما يضع من هذا العلم مَن نبا طبعُه البليد عن قَبوله ونأى به فهمه البعيد عن وصوله. كما حكى الأصمعي أن أعرابيًّا مبتدئًا كان يجلس إلى بعض الأدباء وكلما أخذوا في الشعر أقبل بسمعه عليهم حتى أخذوا في العروض وتقطيع الأبيات ولى عنهم، وهو ينشد:
قد كان إنشادهم للشعر يعجبني     حتى تعاطوا كلام الزنج والروم
 ولـيتُ منقلبًا والله يعصمني      مـن التقـحُّم في تلك الجراثيم
ومثل هذا يُردُّ عليه بقول الخليل:
   لو كنت تعلم ما أقول عذرتني    أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا
لكن جـهلت مقالتي فـعذلتني     وعلـمت أنك جاهل فعذرتكا
العيون الغامزة ص231-236.
وقال إبراهيم الطباطبائي [من الموسوعة الشعرية] مادحًا البحر العروضي:
فيا بحر العروض جرى طويلا       بظهر البر يرشح بالنزيز
ابن لي في القريض ضروب طرزٍ       فإنك فيه أعرف بالطروز
فكم لك بالبديع خفي معنىً            غنيٌّ فيك عن جهة البروز
... وغير ذلك من أقوال السلف في قيمة هذين العلمين.
ولعل من أبلغ مقولات العروضيين المحدثين في ذلك الشأن مقدمة الأستاذ الحساني حسن عبدالله في تحقيقه لكتاب الكافي في العروض والقوافي، يقول: إذا أريد لديوان العرب أن يبقى فلا بد أن تبقى أنغام الشعر في آذان العرب. ولهذا سبيلان: الحفاظ على الشعر نفسه، والحفاظ على علم الشعر، وفي مقدمة مفرداته العروض والقافية... إن الغربيين يرعون العروض أجل رعاية، فيقولون فيه ويكثرون القول، وينشرون كتبه يشرحون فيها أصوله ودقائقه ويتابعونه في مراحل تطوره، ويعنون في تقديمهم للدواوين ببيان أوزانها عناية ملحوظة؛ لأنهم يعلمون حق العلم أن الاستهانة بالعروض ليست استهانة بجملة مصطلحات معقدة، بل هي استهانة بالشعر نفسه، واستهانة بعد هذا بوجان الأمة وأخلاقها... وإذا أريد لديوان العرب أن يبقى فلابد أن تبقى أنغام الشعر في آذان العرب. ولهذا سبيلان: الحفاظ على الشعر نفسه، والحفاظ على علم الشعر( ومنه باب العروض والقافية). 
ويقدم الأستاذ عبدالعليم إبراهيم منهاجًا هاديًا في سبيل جعل هذين العلمين سهلين ممتعين. و يتمثل في عدة نقاط ،هي:
*أن يفرق بين المتعلمين للعروض، فهما نموذجان: والج شادٍ مبتدئ، ودارس له متطلع إلى المزيد من خفاياه وإشكالياته.
*أن يخصص كتاب للشادين المبتدئين في دراسة العروض، وثان لمَن سبقت لهم هذه الدراسة، ولكن حصيلتهم منها ظلت ممسكة بهم في نطاق القواعد النظرية، ولم تبلغ بهم الغاية العملية للدراسة العروضية.
*التركيز على الجانب التطبيقي، بأن يحس المتعلم الثمرة الأصلية للعروض من خلال تطبيقه على النصوص.
*عدم التعرض للمصطلحات العروضية، وتركها تركًا ، إلا ما وجب ذكره لشيوع استخدامه في العملية التطبيقية من مثل:بحر، مجزوء، شطر، تفعيلة، فالمصطلحات هي آفة العروض!
*عرض أساسيات العروض في جداول تيسر فهمها وتعين على الموازنة بينها.
* عدم التركيز على استيعاب جميع الصور التي تصاغ عليها البحور، والاقتصار على ما يكثر تداوله ويشيع استعماله من هذه الصور.
*صناعة مفتاح يساعد على التقطيع العروضي، وييسر تحديد الأوزان وتعيين البحور.
*الإكثار من النماذج الشعرية التي تستوعب جميع البحور.
*عرض أسئلة كثيرة متدرجة تتعهد خبرة الطالب وتنمي موهبته وتنضج إحساسه وتقوده رويدًا رويدًا إلى الغاية المنشودة. تلك كانت أهم آليات الحل لمعضلات العروض في نظر الأستاذ عبدالعليم إبراهيم.
إنهما من العلوم الجليلة الفائدة في نواح معرفية شتى، بحيث بات لا يستغني عنهما قطاع كبير من المثقفين، مهما كانت درجة ثقافتهم اتساعًا ومحدوديةً، على النحو الذي اتضح سابقًا، حيث يستعين بهما اللغوي، ودارس البلاغة، والناقد، والمحقق، والمبدع فحلاً كان أو نشئًا، والمصحِّح اللغوي، والمؤدِّي المُلْقِي للشعر، والمحكِّم لمسابقات الشعر التي عقدت قديمًا، وما زالت تُعقَد  ...إلخ
إن علمي العروض والقافية لهما المقام الأعلى في معاشرة النص الشعري إبداعًا أو تذوقًا أو نقدًا أو قراءة، وإن الاستهانة بهما استهانة بالشعر نفسه، واستهانة بعد هذا بوجدان الأمة وأخلاقها؛ فخطرهما من خطر الشعر، وإن خطر الشعر لعظيم...
ومِن ثَمَّ وُجِدت جهود متنوعة في سبيل تيسير تعليم هذين العِلْمين أحاول الإفادة منها في قادم المباحث والمقالات والتعليقات، بإذن الله تعالى.
*صبري أبوحسين
19 - أكتوبر - 2008