البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا    قيّم
التقييم :
( من قبل 6 أعضاء )
 صبري أبوحسين 
12 - سبتمبر - 2008
 
 
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
درَجت كثير من كتب العروض والدراسات الأدبية على سرد عدد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي جاء نصُّها موافقًا لنسق البحور العروضية، وقد دار حول هذه الإشكالية جدال عميق في كتب التفسير وشروح الحديث وكتب تاريخ أدب صدر الإسلام، ومراجع النقد الأدبي الإسلامي، وأُراها قضيةً ما زالت محتاجةً إلى مزيد من الحوار الفكري والجهد البحثي بين سراة الوراق جمعًا ودراسةًً ونقاشًا....
وفي قادم التعاليق مزيد وقوف مع هذه المعضلة...
د/صبري أبوحسين
 2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
تساؤلات    كن أول من يقيّم
 
   أثابك الله أستاذنا العزيز ، د/صبري أبو حسين على ما تقدمه لنا من مواضيع وأبحاث ذات فائدة تعمل على إعمال الفكر في  كل ما نسمعه أو نقرؤه . ولدي بعض التساؤلات أختصرها من مقال كنت كتبته لأنشره في هذا الملف ثم آثرت أن أوجزه في تساؤلات أتقدم بها إلى حضرتك لأعرف ما يمكن أن تقوله حولها ، فأفيد من هذه المعرفة :
أولاـ لماذا اتهم المشركون الرسول الأكرم بأنه شاعر وهم يعلمون تماما أن ما جاء به ليس فيه من شعرهم شيء على الإطلاق . أليس من الممكن ، بل من الأولى ، أن يكون قصدهم إلى أن معنى الشاعر هو أنه عليه السلام مبدع يشعر بما لا يشعر به غيره ؟ والشعر بهذا المعنى ورد عند ابن رشيق في العمدة واضحا ، وورد عند غيره . قال ابن رشيق : " وإنما سمي الشاعر شاعراً؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، فإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا اختراعه، أو استظراف لفظ وابتداعه، أو زيادة فيما أجحف فيه غيره من المعاني، أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ، أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر؛ كان اسم الشاعر عليه مجازاً لا حقيقة، ولم يكن له إلا فضل الوزن، وليس بفضل عندي مع التقصير.. " ( العمدة..نشرة الوراق : ص 41) . واعتمادا على التعريف المذكور يكون جهد القدامى الذين أجهدوا أنفسهم  في نفي الشعر عن القرءان ونفي صفة الشاعر عن الرسول الأكرم بالتركيز على الأوزان الشعرية ونفي أن يكون الرجز شعرا ، وأن حد الشعر منه يجب أن يكون أكثر من أربعة أبيات ، هو جهد غالبه في غير محله . فهم قد نصبوا اهتمامهم على الشكل أكثر من المضمون . والإبداع موهبة من الله تعالى يهبها للمبدعين ، وطبع يطبعهم عليه ، ولكن النبي عليه السلام لم يكن الإبداع من طبعه ولا في جبلته ، وهذا ما أفهمه من قوله تعالى : " وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرءان مبين " . فالنبي لم يطبع على تأليف أي صنف من صنوف الأدب ولم يكن محترفا لأي منها ، وإنما كان إذا تكلم أوجز ليفهم السامعون مقصوده عليه السلام ؛ فعبارته سهلة ممتنعة تؤدي الغرض منها دون حذلقة أو تعمد فصاحة أو تكلف ألفاظ فخمة رنانة طنانة كما هو دأب الشعراء والخطباء، ولكن أين أسلوبه من أسلوب القرءان!!
 ولو كان الكفار يقصدون إلى معنى الشعر الذي ادعوه على النبي صلوات الله عليه هو المعنى الذي عرفوه وألفوه ( وهو الموزون المقفى بأوزان خاصة ) فلماذا جاءت المعارضات الواهية المضحكة  التي عارضوا بها القرءان الكريم خالية من ذلك الشعر تماما !.
ولو كان النثر الأدبي من خطب وأمثال وأسجاع له المنزلة العليا عندهم في توليد المعاني وتجويد أساليب البيان لاتهموا الرسول بأنه ناثر مجنون بدلا من شاعر مجنون ، مما يدل على أن معنى الشعر عندهم لا يتوقف على الأوزان بالدرجة الأولى . وفي العصر الذي صار للنثر فيه مكانة خطيرة  أيام ابن المقفع وجدنا اتهامه بمعارضة القرءان يستند إلى شهرته في النثر وليس في الشعر .
ثانيا ـ ومسألة القصد والتعمد في النظم على الأوزان والتي عدوها شرطا حتى يكون الكلام شعرا تنطبق أيضا على كل صنوف الأدب والإبداع فيها ؛ فلا يمكن لأي كان أن يؤلف قصيدة أو خطبة أو ينشئ رسالة دون أن يقصد إلى ذلك قصدا وإلا جاء منه الكلام هذيانا . والآيات الكريمة التي زعموا أنها توافق بيتا من أبيات الشعر المعروف لدى العرب أو توافق شطرا منه إنما هي جاءت على سبيل القصد بطبيعة الحال ، فهي من كتاب " أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" ، فهل هي من الشعر إذن! وعلى هذا فإنني لم أفهم معنى ما قاله الجرجاني عن الآية التي وردت في تعريفه الشعر: " في اللغة: العلم، وفي الاصطلاح كلام مقفًى موزون على سبيل القصد، والقيد الأخير يخرج نحو قوله تعالى: "الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك" فإنه كلام مقفًى موزون، لكن ليس بشعر، لأن الإتيان به موزوناً ليس على سبيل القصد.." (التعريفات ، نشرة الوراق ، ص 41) . لقد نفى الجرجاني أن تكون الآية شعرا لأنها لم تأت على سبيل القصد كما زعم . وإذا كان القرءان وما فيه من اوزان لم يأت على سبيل القصد فكيف أتى إذن!!
ثالثا ـ  من المعلوم أن أوزان الشعر اختلفت على مر الزمن عن أشكالها القديمة حتى صارت في العصر الحديث موغلة في الاختلاف ؛ فمن الشعر المرسل الذي ولى عهده وربما يعود، إلى شعر التفعيلة الذي بدأ يتراجع في أيامنا ، إلى الشعر المنثور الذي ذاع وانتشر، إلى أشكال الله أعلم كيف تكون ؛ فهل يبقى الذب عن القرءان والرسول ونفي الشعر عنهما يتعلق بالوزن ؟ أم أن تعريف الشعر عند ابن رشيق وغير ابن رشيق ممن قالوا مثل قوله هو الذي يظل المرتكز الأمثل الذي يمكننا الارتكاز عليه في كل عصر، وبذلك يمكّننا من الوقوف أمام كل ادعاء باطل يدعيه غير المؤمنين بالقرءان عربا كانوا أو غير عرب؟
رابعا – قال تعالى : " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا... " ألست ترى أن التركيز على صفات الشعراء في عصر النبي من غير المؤمنين وهي الغواية  والهيمان في كل واد ، وأن أقوالهم ليست منعكسا لأفعالهم ، إلا الذين آمنوا منهم ، هي ، وليست الأوزان ،  ما جعلت معانيهم مغايرة للحق الذي جاء به الرسول ، وأن القرءان لا يمكن أن يكون شعرا لهذا السبب ، غير الأسباب الكثيرة الأخرى؟
خامسا- القرءان ليس بالشعر ولا هو بالنثر أيضا ، فهذان الصنفان وغيرهما من اختراع الناس . ولو اتبع ناثر في نثره ما اتبعه الشعراء الهائمون الكاذبون ، فإن نثره مهما بلغ من الفصاحة والبلاغة يظل في دائرة الجهد البشري لاستحالة أن يكون الهيمان والكذب والمبالغة في استخدام الخيال من صفات الكتب المنزلة . وكذلك نثر الناثرالبليغ المؤمن أو شعره المجلي فهوجهد بشري، وإن خلا من الكذب والغواية ، يظل دون بلاغة القرءان دون ريب .
 من خلال هذه التساؤلات التي طرحتها يتبين أني أميل إلى الدفاع عن القرءان والرسول  ونفي الشعر عنهما بالارتكاز على الإعجاز البلاغي والابداع الرباني مقابل الإبداع البشري في جميع صنوفه وأشكاله ، لا بمعالجة الأوزان بحد ذاتها ، فهي قد وردت في القرءان الكريم ، ولكن بصورة مغايرة لكل ما عرفه الإنس والجن . فما رأيكم دام فضلكم في الذي قلته!
وإلى لقاء آخر بإذن الله .
*ياسين الشيخ سليمان
9 - أكتوبر - 2008
تساؤلات عميقة وخطيرة:    كن أول من يقيّم
 
تساؤلات عميقة وخطيرة:
شيخي ياسين:
أثمِّن فيك هذا العمق الفكري، واسمح لي أن أحاورك حواراً يتغيا الحقيقة فيما أثرناَ من إشكاليات:
*أما سؤالك:لماذا اتهم المشركون الرسول الأكرم بأنه شاعر وهم يعلمون تماما أن ما جاء به ليس فيه من شعرهم شيء على الإطلاق؟
فالإجابة لأن الشعر كان لديهم قرين الكهانة والكذب، فهم الزاعمون: أن أحسن الشعر أكذبه.
*شيخي: أتفق معك في أن هذه الإشكالية ينبغي أن تدرس من جهتي الشكل والمضمون معًا، لكني أخالفك وأرفض قولك:
"اعتمادا على التعريف المذكور [عند ابن رشيق]يكون جهد القدامى الذين أجهدوا أنفسهم  في نفي الشعر عن القرءان ونفي صفة الشاعر عن الرسول الأكرم بالتركيز على الأوزان الشعرية ونفي أن يكون الرجز شعرا ، وأن حد الشعر منه يجب أن يكون أكثر من أربعة أبيات ، هو جهد غالبه في غير محله" ففي ذلك تجنٍّ على الأسلاف!
 
*كما أرفض قولك:"الإبداع موهبة من الله تعالى يهبها للمبدعين ، وطبع يطبعهم عليه ،ولكن النبي -عليه السلام-لم يكن الإبداع من طبعه ولا في جبلته"!!!
كيف ذلك وقد وصف الأديب العلامة مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله-بلاغته –صلى الله عليه وسلم قائلاً:
"هذه هي البلاغة الإنسانية التي سجدت الأفكار لآيتها، وحسرت العقول دون غايتها، لم تصنع وهي من الإحكام كأنها مصنوعة، ولم يتكلف لها وهي على السهولة بعيدة ممنوعة.
ألفاظ النبوة يعمرها قلب متصل بجلال خالقه، ويصقلها لسان نزل عليه القرآن بحقائقه، فهي إن لم تكن من الوحي ولكنها جاءت من سبيله وإن لم يكن لها منه دليل فقد كانت هي من دليله، محكمة الفصول، حتى ليس فيها عروة مفصولة، محذوفة الفضول، حتى ليس فيها كلمة مفضولة. وكأنما هي في اختصارها وإفادتها نبض قلب يتكلم، وإنما هي في سموها وإجادتها مظهر من خواطره صلى الله عليه وسلم.
إن خرجت في الموعظة قلت أنين من فؤاد مقروح، وإن راعت بالحكمة قلت صورة بشرية من الروح في منزع يلين فينفر بالدموع ويشتد فينزو بالدماء، وإذا أراك القرآن أنه خطاب السماء للأرض أراك هذا أنه كلام الأرض بعد السماء.
وهي البلاغة النبوية، تعرف الحقيقة فيها كأنها فكر صريح من أفكار الخليقة، وتجيء بالمجاز الغريب فترى من غرابته أنه مجاز في حقيقة. وهي من البيان في إيجاز تتردد فيه عين البليغ فتعرفه مع إيجاز القرآن فرعين، فمن رآه غير قريب من ذلك الإعجاز فليعلم أنه لم يلحق به هذه العين. على أنه سواء في سهولة إطماعه، وفي صعوبة امتناعه، إن أخذ أبلغ الناس في ناحيته، لم يأخذ بناصيته، وإن أقدم على غير نظر فيه رجع مبصراً، وإن جرى في معارضته انتهى مقصراً.
وقال أيضًا: أما فصاحته صلى الله عليه وسلم فهي من السمت الذي لا يؤخذ فيه على حقه، ولا يتعلق بأسبابه متعلق، فإن العرب وإن هذبوا الكلام وحذقوه وبالغوا في إحكامه وتجويده، إلا أن ذلك قد كان منهم عن نظر متقدم، وروية مقصودة، وكان عن تكلف يستعان له بأسباب الإجادة التي تسمو إليها الفطرة اللغوية فيهم، فيشبه أن يكون القول مصنوعاً مقدراً على أنهم مع ذلك لا يسلمون من عيوب الاستكراه والزلل والاضطراب، ومن حذف في موضع إطناب، وإطناب في موضع، ومن كلمة غيرها أليق، ومعنى غيره أرد، ثم هم في باب المعاني ليس لهم إلا حكمة التجربة، وإلا فضل ما يأخذ بعضهم عن بعض، قل ذلك أو كثر، والمعاني هي التي تعمر الكلام وتستتبع ألفاظه، ويحسبها يكون ماؤه ورونقه، وعلى مقدارها وعلى وجه تأديتها يكون مقدار الرأي فيه ووجه القطع به.
بيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب، على أنه لا يتكلف القول، ولا يقصد إلى تزيينه، ولا ينبغي إليه وسيلة من وسائل الصنعة، ولا يجاوز به مقدار الإبلاغ في المعنى الذي يريده، ثم لا يعرض له في ذلك سقط ولا استكراه، ولا تستزله الفجاءة وما يبده من أغراض الكلام عن الأسلوب الرائع، وعن النمط الغريب والطريقة المحكمة، بحيث لا يجد النظر إلى كلامه طريقاً يتصفح منه صاعداً أو منحدراً ثم أنت لا تعرف له إلا المعاني التي هي إلهام النبوة، ونتاج الحكمة، وغاية العقل، وما إلى ذلك مما يخرج به الكلام وليس فوقه مقدار إنساني من البلاغة والتسديد وبراعة القصد والمجيء في كل ذلك من وراء الغاية كما سنعرف.
وإن كان كلامه صلى الله عليه وسلم لكما قال الجاحظ: "هو الكلام الذي قل عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة، ونزه عن التكلف. استعمل المبسوط في موضع البسيط، والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي، ويسر بالتوفيق، وهذا كلام الذي ألقى الله المحبة عليه وغشاه بالقبول، وجمع بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام هو مع استغنائه عن إعادته وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلت له قدم، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذ الخطب الطوال بالكلام القصير، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفلج إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة، ولا يستعمل المؤاربة، ولا يهمز ولا يلمز، ولا يبطئ ولا يعجل ولا يسهب ولا يحصر، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعاً ولا أصدق لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح عن معناه، ولا أبين عن فحواه من كلامه صلى الله عليه وسلم" أ ه?.
ولا نعلم أن هذه الفصاحة قد كانت له صلى الله عليه وسلم إلا توفيقاً من الله وتوقيفاً، إذا ابتعثه للعرب وهم قوم يقادون من ألسنتهم، ولهم المقامات المشهورة في البيان والفصاحة، ثم هم مختلفون في ذلك على تفاوت ما بين طبقاتهم في اللغات وعلى اختلاف مواطنهم، كما بسطناه في موضعه من الجزء الأول من تاريخ آداب العرب، فمنهم الفصيح والأفصح، ومنهم الجافي والمضطرب، ومنهم ذو اللوثة والخالص في منطقه، إلى ما كان من اشتراك اللغات وانفرادها بينهم، وتخصص بعض القبائل بأوضاع وصيغ مقصورة عليهم، لا يساهمهم فيها غيرهم من العرب، إلا من خالطهم أو دنا منهم دنو المأخذ."
 
*أما قولك:"وعلى هذا فإنني لم أفهم معنى ما قاله الجرجاني عن الآية التي وردت في تعريفه الشعر: " في اللغة: العلم، وفي الاصطلاح كلام مقفًى موزون على سبيل القصد، والقيد الأخير يخرج نحو قوله تعالى: "الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك" فإنه كلام مقفًى موزون، لكن ليس بشعر، لأن الإتيان به موزوناً ليس على سبيل القصد.." (التعريفات ، نشرة الوراق ، ص 41) . لقد نفى الجرجاني أن تكون الآية شعرا لأنها لم تأت على سبيل القصد كما زعم . وإذا كان القرءان وما فيه من اوزان لم يأت على سبيل القصد فكيف أتى إذن؟
فأقول:المراد بالقصد في كلام الشريف االجرجاني صاحب التعريفات وفي كلام غيره من الأسلاف هو النية أي نية إبداع الشعر، فهل ورد –معاذ الله- نص قرآني كريم أو نبوي شريف فيه نية إبداع الشعر، كلا وحاشا. بل الوراد نفي الشعر عن هذين النصين الكريمين الشريفين المُقَدَّسَين... وللحوار بقية 
 
*صبري أبوحسين
9 - أكتوبر - 2008
شهادة     كن أول من يقيّم
 
لك جزيل الشكر والعرفان على عرض مثل هذه القضية الهامة التي يكاد يتعثر فكر الواحد منا عندما يخوض في غمار إشكالية موافقة بعض آي القرآن الكريم والحديث الشريف لبعض الأوزان الشعرية ، وأحمد الله أنه لا زال من يحيي عهد السابقين الصالحين في غيرتهم وحبهم لأهم مصدرين للتشريع الإسلامي (القرآن الكريم والسنة النبوية).
 
أدعو الله أن يوفقني لكي أسير على نهجك يا أستاذي. 
طماح
9 - أكتوبر - 2008
القرءان والإبداع    كن أول من يقيّم
 
أستاذي الفاضل ، د/صبري ،
انتظارا لبقية تعقيبك أتقدم بما يلي :
ما ذكرتـُه أنا عن أن النبي عليه السلام لم يُطبع على الإبداع إنما قصدت به الإبداع في الشعر، أما كلامه فمن نافلة القول أنه لا يجارى ، وأن ما تفضلت بذكره مما قاله المرحوم الرافعي يغني في هذا الباب . ولكن علي أن أقول شيئا أراه هاما : فصاحة النبي الأكرم مكتسبة : من البيئة أولا ، ثم تبلورت وارتقت إلى أبعد حدود الرقي متدرجة من ابتداء نزول القرءان حتى انتهاء نزوله ثانيا. واكتساب الفصاحة والبلاغة وجودة  الإبانة كل ذلك كان من جهد النبي ومراسه ومعاناته بإذن من الله جل وعلا وبفضل منه عليه ومعونة . أقول هذا حتى لا يقول قائل : ما دامت فصاحة النبي وبلاغته لا تجارى ، فهل يستبعد عنه تأليف القرءان؟ ولكن سؤالا يمكن أن يبرز لنا هنا ليقول : ما دامت فصاحة النبي مكتسبة من البيئة ، فلماذا لم يكتسب النبي الشعر إذن؟! والجواب على هذا السؤال يتلخص في أن الله تعالى طبع النبي على أفضل خلـُق وأحسنه منذ أن وعى الحياة من قبل أن يبعثه للناس رسولا بشيرا ونذيرا ؛ وصاحب الخلق هذا لا يقبل أبدا أن ينحدر إلى مستوى ينطق فيه بالمبالغات أو ما بمعنى أعذب الشعر أكذبه ولو كانت تلك المبالغات عند غيره من الناس مقبولة ومستحبة ؛ وبهذا لم يكتسبها صلى الله عليه أبدا . وهذا ما يمكن أن تعنيه الآية : " وما علمناه الشعر وما ينبغي له .. " . ولو قال قائل : إذا كان الأمر مثل الذي ذكرت ؛ فإن النبي قد امتنع عليه اللهو والعبث والمبالغات والإبداعات الشعرية بالصّرفة ! أقول : نعم بالصّرفة ، فقد صرف الله عنه كل ما من شأنه أن يساوي خلقه العظيم بأخلاق الناس . وكيف لا وهو خاتم النبيين ورسالته خاتمة الرسالات ، وقد اصطفاه  الله وصنعه على عينه! وما اصطفاه الله إلا على علم به ، فهو تعالى أعلم حيث يجعل رسالته . ولكن هذه الصرفة ليست هي الصرفة التي قال بعض القدماء عنها أنها كانت السبب في منع استطاعة البلغاء من العرب من الإتيان بمثل القرءان وإلا كانوا استطاعوا ؛ فالعرب وغير العرب والجن والخلق جميعا تحداهم الله بالقرءان أن يأتوا بمثله وهم عاجزون عن ذلك لسبب واحد ووحيد وهو أن القرءان ليس من جهد بشري أصلا ؛ فكيف لبلاغة القرءان أن تخطر على بال بشر . فالجهد البشري يقلد بعضه ، وهو يزيد وينقص في التقليد، ويصيب ويخطئ فيه ، وهذا من معنى الآية الكريمة : " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " ، أما أن يبتدع الإنسان والجان شيئا ليس له أصل لدى أسلافهم وليس له أصل في بيئتهم التي يعيشون فيها فهذا عليهم محال؛ ولذا فهم يعجزون أن يأتوا بشيء من لا شيء .
وهذا تعقيب حول أن الشعر قرين للكهانة والكذب :
والشعر عند قدماء العرب ما دام قرينة الكهانة والكذب من جهة احتوائه على المخيلات وبعده عن الحقائق فإن هذا ينفع في دفع التهمة عن القرءان الخالي من هذه الأصناف تماما بعيدا عن الأوزان وقريبا من المضمون والمعاني ، فلا تعود الأوزان في هذه الحال ذات قيمة في الدفاع ، هذا غير أن أوزان الشعر وأسلوب صياغته يغاير تماما نظم القرءان الكريم وأسلوبه وصياغته ؛ فكيف للكفار من العرب أن يصفوا القرءان بأنه شعر لولا أنهم قصدوا بالشعر الإبداع في المنطق والبلاغة في البيان والإتيان بالعجائب ولو كان الوزن على أي شكل من الأشكال المناسبة للمعنى عندهم *. ولم يكن كل هذا يتأتى في العادة إلا للشعراء!. وللإمام الباقلاني ثلاثة أقوال في معنى قوله تعالى : " وما علمناه الشعر.." وقد ذكرها في إعجاز القرءان( نشرة الوراق : ص: 19) وقال في ثانيها : " أو يكون محمولاً على ما كان يطلق الفلاسفة على حكمائهم وأهل الفطنة منهم في وصفهم إياهم الشعر، لدقة نظرهم في وجوه الكلام، وطرقٍ لهم في المنطق، وإن كان ذلك الباب خارجاً عما هو عند العرب شعر على الحقيقة. " *. ويبدو الإمام الباقلاني متأثرا ، مثله مثل غيره ، بالاحتمال الذي ذكره أولا قال : "وهذا يدل على أن ما حكاه على الكفار، من قولهم: إنه شاعر، وإن هذا إلا شعر، لابد من أن يكون محمولاً على أنهم نسبوه في القرآن إلى أن الذي أتاهم به هو من قبيل الشعر الذي يتعارفونه، على الأعاريض المحصورة المألوفة." . ولكن كيف لنا أن نأخذ بهذا الاحتمال والقرءان واضح تماما أنه لا يتضمن قصيدة واحدة ولو قليلة العدد من الأبيات مما يشبه شعر العرب! وهل كان كفار قريش من الغفلة بمكان حتى يظنوا أن القرءان من جنس شعرهم من جهة الأوزان والقوافي! ثم ، ترى  لو نـُشر الباقلاني من جدثه هذا اليوم وقلنا له هاك أشعارنا المرسلة والتفعيلية والمنثورة يا إمام فاطلع عليها ، وقلنا له : إن هناك من غير المؤمنين بكتاب الله من يقول إنها مثل القرءان أو أبلغ منه فماذا عساه  يقول؟! هل يحتج على متهمي النبي الذين يقولون عنه إنه جاء بالقرءان من عنده ، متخذا الأوزان دليلا ، أم أنه يحتج بإعجاز القرءان  البلاغي البياني ويأخذ يسوق الحجج من هذا المرتكز الإعجازي ؟
وهذا تعقيب أيضا حول معنى القصد :
هم اشترطوا أن يسموا الكلام شعرا إذا عمد الشاعر إلى الوزن يتعمد النظم عليه ( لست أدري كيف عرفوا أن الأربعة أبيات فما دونها من الرجز تتهيأ للواحد دون قصد منه)، وينطبق ذلك على الناثر أيضا حين يتعمد انتقاء ألفاظ وتراكيب معينة ذات جرس معين وفواصل معينة يعبر بوساطتها عما يريد قوله ؛ فليس القصد مختصا بالشاعر وحده . ثم من قال إن الموزون على هيئة معينة يجب أن يسمى شعرا؟! إن الآية الكريمة التي أخرجها الجرجاني من الشعر وقال إنها لم تأت على سبيل القصد أخرجها ربما تهربا من وزنها ظنا منه ومن غيره أن الوزن يجعلها محل اتهام  مع أن وزنها في الحقيقة جاء وفقا لحكمة الله وتدبيره ، وهي ليست بشعر أبدا إنما هي قرءان مبين ولا تتضمن تهويمات الشعر ولا أكاذيبه وأخيلته . وهل حكمة الله تأتي دون تدبير منه جل وعلا ! أقول : حكمة الله وتدبيره ولا أقول قصد الله  وتفننه حتى لا أشبه كلام الله تعالى بكلام الناس فهذا غير جائز . وحكمة الله اقتضت أن تأتي آي القرءان فائقة كل ما عرف وما لم  يعرف من الأساليب البلاغية الفائقة البيان وتجيء على أوزان معينة وبطريقة معينة متفردة . هذا هو قصد الله لو جاز التعبير ، فالوزن لا يجعلها شعرا . فالشعر كما عنى ابن رشيق ينبثق من الشعور والانفعال . ولوكان القرءان من إبداع شعور  النبي ، فمن أين أبدع النبي هذا الإبداع ، ومن أين تأتّى لمشاعره أن تشعر بهذه المعاني فيعبر عنها وما حوله من المجتمع لا يعرف عنها قبل مجيئها شيئا ولم يمارس مثلها أبدا! وهو ، عليه السلام ، لم يكن أيضا ممن يحترفون الشعر لمدح أو هجاء ، أو غزل أو رثاء، أو تفاخر على الشعراء ،أو لأي غرض آخر ، فهل أتى بهذا القرءان من لاشيء؟! وما دام لم يأت به من عند قومه ، وهم بذلك مقرّون ( لم يجرؤ ولن يجرؤ احد أن يقول ، مثلا : " يا محمد، أنت اقتبست القرءان مني " فلو قال للزمه أن يؤلف مثله . ولن يقول مثل هذا القول إلا أحمق بلغ من الحمق نهايته ) ، فما على المفترين إذن إلا أن ينسبوا ما جاء به إلى الشعر (حيث الشعر أسمى أنواع البلاغة عندهم ) والجنون معا( حيث إن هذا النوع من البلاغة ليس من مقدور الإنس ) ، أو السحر ، أو الكهانة ، افتراء حتى لا يشهدوا بالحق فيقولوا بأنه من لدن عليم خبير .
وأخيرا ، تستعيد الآن ذاكرتي ما تفضلت به يا أستاذي الفاضل ، من قولك السابق : مازالت كلمة المفسرين وشُرَّاح الحديث حول هذه الإشكالية مبعثرًا غير منظم ولا مقنع، وفيه كلام عاطفي أكثر منه عقلاني!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
* نفرض جدلا أن الله تعالى أنزل القرءان والعرب لا تعرف من بحور الشعر غير واحد أو اثنين أو ثلاثة ( من غير المعقول أن تكون البحور نشأت كلها دفعة واحدة)  ، ولنفرض أن عددا من الشعراء خلقوا بعد ذلك ولم يقرؤوا القرءان ولم يسمعوا به ، وأبدعوا شعرا على أوزان جديدة على العرب ولكن أصلها موجود في القرءان ، فهل يقول عاقل مؤمن ساعتها إنهم جاؤوا بكتاب مثل القرءان بسبب وجود الوزن فيه؟! على أن من حمقى الأبالسة من أشاعوا قديما أن في القرءان جملا قالها الشعراء قبل نزول القرءان ثم قلدها القرءان ، ونسبوا منها لامرئ القيس زورا وبهتانا فقالوا :
دنت الساعة وانشق القمر لـغزال  صاد قلبي iiونفر
والقصة معروفة مكررة ، ولولا أن جاء ذكرها على علاقة بموضوعي ما ذكرتها لسماجتها وتفاهتها وبلاهة مخترعها وحماقته وسوء طويته .
**  في أحد المواقع التي على الشبكة قرأت نصا للباقلاني في  نفي الشعر والسجع عن القرءان من كتابه إعجاز القرءان  فيه زيادة عما في إعجاز القرءان المنشور في الوراق ، ولم يذكر ناشره اسم محققه ولا دار النشر والطبعة كما هي عادة أعضاء المنتديات وغيرهم ممن ينزلون بالكتب إلى الشبكة لينتفع بها من لا يمتلكها . ومن المحتمل أن الزيادة من المحقق أو الشارح ، أو أن لكتاب الباقلاني أكثر من أصل مخطوط . وهذا هو النص :
(وهذا يدل على أن ماحكاه عن الكفار - من قولهم: إنه شاعر، وإن هذا شعر - لابد من أن يكون محمولا على أنهم نسبوه [ إلى أنه يشعر بما لا يشعربه غيره من الصنعة اللطيفة في نظم الكلام، لا أنهم نسبوه ] في القرآن إلى أن الذى أتاهم به هو من قبيل الشعر الذى يتعارفونه على الاعاريض المحصورة المألوفة. أو يكون محمولا على ماكان يطلق الفلاسفة على حكمائهم وأهل الفطنة منهم في وصفهم إياهم بالشعر، لدقة نظرهم في وجوه الكلام وطرق لهم في المنطق. وإن كان ذلك الباب خارجا عما هو عند العرب شعر على الحقيقة.)
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
10 - أكتوبر - 2008
رأيي في هذه الإشكالية    كن أول من يقيّم
 
رأيي في هذه الإشكالية:
أستاذي ياسين، أخواي:عمر وسامي:
هذا رأيي في هذه الإشكالية التي أثرتُها:  
قررتُ سلفًا أن طرح هذه المُعضلة، في الكتب وقاعات التعليم، بلا توضيح وتبيين للموقف منها أمر خطير جدًّا، من شأنه أن يثير بلبلة في عقول المتعلمين، ولا بد من علاجها، وأرى أن علاجها العام يكمن في الرد التفصيلي والحل العقلاني لهذه الإشكالية، و يتمثل في:
*شهادة فصحاء العرب القدامى:
جليٌّ -تاريخيًّا- أن فصحاء العرب- وهم أعلم بالشعر من غيرهم؛ لأنه فنهم الذي به يفخرون، ويقررون أنه ديوانهم- لم يروا في النص القرآني أو النبوي شعرًا كشعرهم؛ ولذا لم يعارضوه، كما كانت عادتهم في معارضة الشعر، وإذا كان وزن القرآن الكريم لم يظهر لأصحاب الشعر الذين يحتج بهم فكيف يدعي المتأخر أنه ظهر لهم في آياته وزن كوزن الشعر؟![موسيقى الشعر د.إبراهيم أنيس].
جاء في تفسير الطبري:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن عباد بن منصور، عن عكرِمة، أن الوليد بن المُغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال: أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا قال: لِمَ؟ قال: يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قِبَله، قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا قال: فقل فيه قولا يعلم قومك أنَّك مُنكر لما قال، وأنك كاره له؛ قال: فما أقول فيه، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى، قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه؛ فلما فكَّر قال: هذا سحر يأثره عن غيره... وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل...   
*غياب عنصر القصد إلى الإبداع الشعري
ذهب جلة من كبار العلماء الأسلاف إلى أن القصد إلى الإبداع شرط أساس من شروط الشعر، ومتطلب من متطلبات حدِّه كابن رشيق في عُمْدته...وآخرين.
 والله –عز وجل –قال:)وما هو بقول شاعر) وقال: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له".
 قال القرطبي:قيل فيه قول بين؛ زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة، وذلك أنهم قالوا: كل من قال قولاً موزونًا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر، وإنما وافق الشعر. وهذا قول بيِّن. قالوا: وإنما الذي نفاه الله عن نبيه -عليه السلام- فهو العلم بالشعر وأصنافه، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله، ولم يكن موصوفًا بذلك بالاتفاق. ألا ترى أن قريشًا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم، فقال بعضهم: نقول: إنه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذبنَّكم العرب، فإنهم يعرفون أصناف الشعر، فو الله ما يشبه شيئًا منها، وما قوله بشعر.
وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر. [أخرجه مسلم]. وكان أنيس من أشعر العرب. وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه: والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر؛ على ما يأتي بيانه من خبره في سورة [فصلت] إن شاء الله تعالى. وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء، واللسن البلغاء.
 ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرًا، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه؛ فقد يقول القائل:حدثنا شيخ لنا وينادي: يا صاحب الكسائي
ولا يعد هذا شعرًا. وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء:
              اذهبوا بي إلى الطبيب     وقولوا قد اكتوى
وجاء في كتاب العيون الغامزة على خفايا الرامزة عند تعريفه مصطلح الشعر: [وقولنا (على قصد) يخرج ما كان وزنه اتفاقيًّا، كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها كذلك، كما في قوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وكلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقيًّا غير مقصود، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
هل أنتِ إلا إصبعٌ دميتِ
 
وفي سبيل اله ما لقيتِ
فمثل ذلك لا يسمى شعرًا، نعود بالله من ذلك. وكذا لو وقع من متكلم لفظ موزون لم يقصد كونه على طريقة الموزون كما يتفق لكثير من الناس، ويقع مثل ذلك حتى لعوام لا شعور لهم بالشعر، ولا إلمام لهم بالوزن البتة.
*نظم النص القرآني والنبوي بلغة شاعرة:
اللغة العربية بطبعها وفطرتها شاعرة، فيها إيقاع ساحر، وموسيقى خلابة آسرة، وقد وجدت الشاعرية الصوتية في كثير من نصوصها المتنوعة نثرًا أو شعرًا. فلا عجب أن توجد مثل تلك الإيقاعات الآسرة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، بل هذا دليل على بلاغتهما السامية، وحسن نظمهما.
جاء في كتاب أنوار الربيع لابن معصوم المكي:" وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت فقراته موزونة من غير قصد, كما وقع في كثير من آيات القرآن العظيم, حتى وقع فيه من جميع البحور المشهورة أبيات, وأشطار أبيات.
فمن بحر الطويل, من صحيحه "فمن شاء فليؤممن ومن شاء فليكفر". ...وإذا تأملت اشتمال القرآن العظيم على جميع أوزان هذه البحور المذكورة, بل وعلى غيرها مما لم نذكره علمت أن ذلك كله مندرج تحت قوله - علت كلمته وعظمت قدرته - "ما فرطنا في الكتاب من شيء". سبحانه "لا إله إلا هو إليه المصير".
وهذا الأسلوب القرآني يدل على الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم، وليس معناه أن في القرآن شعرًا، معاذ الله، فقد جاءت هذه النصوص القرآنية مفرقة في كتاب الله، وصادفت الوزن بناء على قراءتها بالوقف لا الوصل، والقرآن مبني على الوصل...
كما أن هذا يحصل في أي كلام منثور: أن يأتي بعضه موزونًا من غير قصد قائله، وكلام الله لم يكن شعرًا ولكن إن وُجِد فيه مثل هذا، وهو نادر فذلك من طبيعة اللغة العربية واتساعها.
*الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة لا تكون نصًّا شعريًّا تامًّا:
اتفق الأسلاف على أن أقل الشعر بيتان فصاعدًا، ومعظم-أقول معظم وليس كل- ما ورد من القرآن الكريم أو الحديث النبوي لا يكوِّن إلا شطرًا أو بيتًا يتيمًا.
 
*صبري أبوحسين
2 - نوفمبر - 2008
رأيي في هذه الإشكالية2    كن أول من يقيّم
 
رأيي في هذه الإشكالية2:
* الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة على بحر الرجز غالبًا
لوحظ أن معظم ما ورد من القرآن الكريم أو الحديث النبوي موزونًا جاء على نسق بحر الرجز، والرجز غير الشعر، أو ليس شعرًا عند كثير من اللغويين والعروضيين.
قال الخليل في كتاب العين: "إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرًا. وروي عنه أنه من منهوك الرجز... والرَّجَزُ المشطور والمنهوك ليسا من الشِّعر، وقيل له: ما هُما? قال: أنصاف مَسجَّعةٌ، فلما ردَّ عليه قال: لأحتجَّنَّ عليهم بحجَّةٍ، فإن لم يقرّوا بها عسفوا فاحتجُّ عليهم بأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يجري على لسانه الشِّعرُ.
وقيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
سَتُبدي لكَ الأيامُ ما كنت جاهلاً
 
       ويأتيك بالأخبارِ من لم تُـزَوِّدِ
فكان يقول -عليه السلام-:
ستبدي لكَ الأيامُ ما كنت جاهلاً
          
ويأتيك من لم تُزَوِد بالأخبـارِ
فقد علمنا أنّ النِّصف الذي جرى على لسانه لا يكون شعراَ إلا بتمامِ النصف الثاني على لفظهِ وعروضه، فالرَّجَزُ المشطورُ مثل ذلك النِّصف.
وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -في حفر الخندق:
هل أنتَ إلاّ إصبعً دَميتِ
وفي سبيل الله ما لَقِيتِ
 
 
فهذا على المشطورِ.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
أنا النَّبـيُّ لا كَـذِب
أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِب
 
 
فهذا من المنهوك، ولو كان شعراً ما جرى على لسانه، فإنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يقول: "وما علَّمناه وما ينبغي له". قال: فعَجبنا من قوله حين سمعنا حجَّته.
*ما ورد من الكلام النبوي الشريف موزونًا جاء في نصوص مشكوك في نسبتها إليه، صلى الله عليه وسلم، وتحتمل أن تقرأ قراءة تخرجها من دائرة الشعر.
 جاء في كتاب التذكرة الفخرية للإربلي:"وروي عن قتادة عن أنس أنه لما بنى مسجده- صلى الله عليه وسلّم- كان ينقل اللبن مع المسلمين، ويقول:
اللهم إنَّ الخيرَ خيرُ الآخره
فارحم الأنصار والمهاجره
 
 
وقال، صلى الله عليه وسلّم، يوم حنين:
 
أنا النبـي لا كَـذِبْ
أنا ابنُ عبدِ المطلبْ
 
والرجز بحر من أبحر الشعر ونوع من أنواعه.
قال جامعه: ربما كان هذا موضوعاً عليه، صلى الله عليه وسلّم، لأن الشعر لا ينبغي له وهو ممنوع عنه، وإن كان قد روي فالعهدة على راويه وأنا أستغفر الله من نقل ما لا يجوز نقله ولا تصح الرواية فيه، وإياه أسأل أن يعصمني من موبقات الدنيا والآخرة.
 وجاء في كتاب نضرة الإغريض في نصرة القريض: وأقول: إنّ هذه الأخبارَ إذا صحّتْ فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتمثّل بها ولا يُقيمُ وزْنَها تصديقاً وتسليماً لِما أخبرَ الله تعالى به وهو أصدقُ قيلاً. فإنهُ يمكنُ أنهُ قد كان يقول: اللهمّ ما اهتدَيْنا لولا أنتَ ولا صلّيْنا ولا تصدّقْنا، ويقول: أنا النبيّ لا كَذِبا، أنا ابنُ عبدِ المُطّلِب، ويقول: هل أنتِ إلا إصبعٌ دمِيَتْ، وفي سبيل الله ما لقِيَتْ. أو ما يقاربُ هذا، وإنْ كانت هذه الأخبارُ غيرَ متَّفَقٍ عليها، فقد سقط التعليلُ.
وقال القرطبي في تفسيره معلقًا على هذه الآثار النبوية الموزونة:
" ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ٱبن العربي: والأظهر من حاله أنه قال «لا كَذِبُ» الباء مرفوعة، وبخفض الباء من عبد المطلبِ على الإضافة.
 وقال النحاس قال بعضهم: إنما الرواية بالإعراب، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعراً؛ لأنه إذا فتح الباء من البيت الأوّل أو ضمها أو نوَّنها، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر.
وقال بعضهم: ليس هذا الوزن من الشعر. وهذا مكابرة العيان؛ لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره.
وأما قوله: «هل أنتِ إلا إصبعٌ دَمِيتِ» فقيل إنه من بحر السريع، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من دميت، فإن سكن لا يكون شعراً بحال؛ لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول، ولا مدخل لفعول في بحر السريع. ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع. والمعوّل عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر، ويسقط الاعتراض، ولا يلزم منه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالماً بالشعر ولا شاعر أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره، لا يوجب أن يكون قائلها عالماً بالشعر، ولا يسمّى شاعراً باتفاق العلماء، كما أن من خاط خيطاً لا يكون خياطاً. قال أبو إسحاق الزجاج: معنى «وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ» وما علمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعراً، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئاً من الشعر. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في هذا. وقد قيل: إنما خبَّر الله عز وجل أنه ما علمه الله الشعر، ولم يخبر أنه لا ينشد شعراً، وهذا ظاهر الكلام...
هذا وما زلتُ أنتظر آراء الأساتذة والشيوخ في هذه الإشكالية؛ حتى أستنير وأنير...
*صبري أبوحسين
2 - نوفمبر - 2008
 2  3  4