رأيي في هذه الإشكالية كن أول من يقيّم
رأيي في هذه الإشكالية: أستاذي ياسين، أخواي:عمر وسامي: هذا رأيي في هذه الإشكالية التي أثرتُها: قررتُ سلفًا أن طرح هذه المُعضلة، في الكتب وقاعات التعليم، بلا توضيح وتبيين للموقف منها أمر خطير جدًّا، من شأنه أن يثير بلبلة في عقول المتعلمين، ولا بد من علاجها، وأرى أن علاجها العام يكمن في الرد التفصيلي والحل العقلاني لهذه الإشكالية، و يتمثل في: *شهادة فصحاء العرب القدامى: جليٌّ -تاريخيًّا- أن فصحاء العرب- وهم أعلم بالشعر من غيرهم؛ لأنه فنهم الذي به يفخرون، ويقررون أنه ديوانهم- لم يروا في النص القرآني أو النبوي شعرًا كشعرهم؛ ولذا لم يعارضوه، كما كانت عادتهم في معارضة الشعر، وإذا كان وزن القرآن الكريم لم يظهر لأصحاب الشعر الذين يحتج بهم فكيف يدعي المتأخر أنه ظهر لهم في آياته وزن كوزن الشعر؟![موسيقى الشعر د.إبراهيم أنيس]. جاء في تفسير الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن عباد بن منصور، عن عكرِمة، أن الوليد بن المُغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال: أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا قال: لِمَ؟ قال: يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قِبَله، قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا قال: فقل فيه قولا يعلم قومك أنَّك مُنكر لما قال، وأنك كاره له؛ قال: فما أقول فيه، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى، قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه؛ فلما فكَّر قال: هذا سحر يأثره عن غيره... وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل... *غياب عنصر القصد إلى الإبداع الشعري ذهب جلة من كبار العلماء الأسلاف إلى أن القصد إلى الإبداع شرط أساس من شروط الشعر، ومتطلب من متطلبات حدِّه كابن رشيق في عُمْدته...وآخرين. والله –عز وجل –قال:)وما هو بقول شاعر) وقال: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له". قال القرطبي:قيل فيه قول بين؛ زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة، وذلك أنهم قالوا: كل من قال قولاً موزونًا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر، وإنما وافق الشعر. وهذا قول بيِّن. قالوا: وإنما الذي نفاه الله عن نبيه -عليه السلام- فهو العلم بالشعر وأصنافه، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله، ولم يكن موصوفًا بذلك بالاتفاق. ألا ترى أن قريشًا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم، فقال بعضهم: نقول: إنه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذبنَّكم العرب، فإنهم يعرفون أصناف الشعر، فو الله ما يشبه شيئًا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر. [أخرجه مسلم]. وكان أنيس من أشعر العرب. وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه: والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر؛ على ما يأتي بيانه من خبره في سورة [فصلت] إن شاء الله تعالى. وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء، واللسن البلغاء. ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرًا، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه؛ فقد يقول القائل:حدثنا شيخ لنا وينادي: يا صاحب الكسائي ولا يعد هذا شعرًا. وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء: اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى وجاء في كتاب العيون الغامزة على خفايا الرامزة عند تعريفه مصطلح الشعر: [وقولنا (على قصد) يخرج ما كان وزنه اتفاقيًّا، كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها كذلك، كما في قوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وكلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقيًّا غير مقصود، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أنتِ إلا إصبعٌ دميتِ | | وفي سبيل اله ما لقيتِ | فمثل ذلك لا يسمى شعرًا، نعود بالله من ذلك. وكذا لو وقع من متكلم لفظ موزون لم يقصد كونه على طريقة الموزون كما يتفق لكثير من الناس، ويقع مثل ذلك حتى لعوام لا شعور لهم بالشعر، ولا إلمام لهم بالوزن البتة. *نظم النص القرآني والنبوي بلغة شاعرة: اللغة العربية بطبعها وفطرتها شاعرة، فيها إيقاع ساحر، وموسيقى خلابة آسرة، وقد وجدت الشاعرية الصوتية في كثير من نصوصها المتنوعة نثرًا أو شعرًا. فلا عجب أن توجد مثل تلك الإيقاعات الآسرة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، بل هذا دليل على بلاغتهما السامية، وحسن نظمهما. جاء في كتاب أنوار الربيع لابن معصوم المكي:" وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت فقراته موزونة من غير قصد, كما وقع في كثير من آيات القرآن العظيم, حتى وقع فيه من جميع البحور المشهورة أبيات, وأشطار أبيات. فمن بحر الطويل, من صحيحه "فمن شاء فليؤممن ومن شاء فليكفر". ...وإذا تأملت اشتمال القرآن العظيم على جميع أوزان هذه البحور المذكورة, بل وعلى غيرها مما لم نذكره علمت أن ذلك كله مندرج تحت قوله - علت كلمته وعظمت قدرته - "ما فرطنا في الكتاب من شيء". سبحانه "لا إله إلا هو إليه المصير". وهذا الأسلوب القرآني يدل على الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم، وليس معناه أن في القرآن شعرًا، معاذ الله، فقد جاءت هذه النصوص القرآنية مفرقة في كتاب الله، وصادفت الوزن بناء على قراءتها بالوقف لا الوصل، والقرآن مبني على الوصل... كما أن هذا يحصل في أي كلام منثور: أن يأتي بعضه موزونًا من غير قصد قائله، وكلام الله لم يكن شعرًا ولكن إن وُجِد فيه مثل هذا، وهو نادر فذلك من طبيعة اللغة العربية واتساعها. *الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة لا تكون نصًّا شعريًّا تامًّا: اتفق الأسلاف على أن أقل الشعر بيتان فصاعدًا، ومعظم-أقول معظم وليس كل- ما ورد من القرآن الكريم أو الحديث النبوي لا يكوِّن إلا شطرًا أو بيتًا يتيمًا. |