البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا    قيّم
التقييم :
( من قبل 6 أعضاء )
 صبري أبوحسين 
12 - سبتمبر - 2008
 
 
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الموزونة عروضيًّا
درَجت كثير من كتب العروض والدراسات الأدبية على سرد عدد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي جاء نصُّها موافقًا لنسق البحور العروضية، وقد دار حول هذه الإشكالية جدال عميق في كتب التفسير وشروح الحديث وكتب تاريخ أدب صدر الإسلام، ومراجع النقد الأدبي الإسلامي، وأُراها قضيةً ما زالت محتاجةً إلى مزيد من الحوار الفكري والجهد البحثي بين سراة الوراق جمعًا ودراسةًً ونقاشًا....
وفي قادم التعاليق مزيد وقوف مع هذه المعضلة...
د/صبري أبوحسين
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الأوزان في القرءان الكريم أمر طبيعي    كن أول من يقيّم
 
   تحية طيبة عزيزنا د/صبري ابو حسين ، وشكرا لك على هذا الموضوع الهام الذي تطرحه علينا . وشكرا لك أيضا على دعائك لنا حين عمرتك المباركة . وقد وددت لو أنك بسطت القول فأوضحت لم الإشكالية في موضوع مطابقة بعض آي القرءان الكريم لأنساق البحور الشعرية حتى تفتح لنا باب النقاش الموضوعي حول هذا التطابق . وإلى حضرتك هذه المشاركة المتواضعة :
   لا أرى ( وربما رؤيتي قاصرة) في موافقة أوزان بعض آيات القرءان الكريم لنسق البحور العروضية أية إشكالية أو معضلة ؛ وإنما الأوزان الشعرية هي التي وافقت بعض آي القرءان وأوزان اللغة عموما . فاللغة موزونة خلقة ، وقد جمعت أوزان ألفاظها وجملها وتراكيبها أوزانَ الشعر كله بأصنافه المتعددة ، قديمه وحديثه ، كما جمعت أوزان النثر بأشكاله وألوانه ، ما عرف منه وما لم يعرف بعد . وبما أن القرءان نزل بلسان العرب ؛ فلا بد وأنه تضمن الأوزان العربية كلها ، وهذا هو الأمرالطبيعي .
والشعر نتاج إنساني ، والنثر كذلك ، ولا علاقة بالطبع لنتاج إنساني بما نزل من السماء كما نعلم كلنا . أما ما دار حوله الخلاف قديما من جواز أو عدم جواز الاقتباس من القرءان ، وتضمين ذلك الاقتباس الشعر والنثر ، ومتى يجوز الاقتباس ومتى لا يجوز ، فهو أمر فيه للنقاش مجال .
 
   ومن الاقتباس المقبول قديما (قصيدة) ذكرتها بعض الكتب التراثية ، وهي للشمس الطيبي ، وهذه بعض أبياتها منقولة من ( الوافي بالوفيات للصفدي، نشرة الوراق ص1129 ) ، وهي مشهورة :
 
لست أنسى الأحباب ما دمت حياً إذ  نـوَوْا لـلـنّوى مكاناً iiقصيّاً
وتـلـوا آيـة الـدموع iiفخرّوا خـيـفـة الـبـين سجداً وبكيّا
فـبـذكـراهـم  يـسبّح iiدمعي كـلّـمـا اشـتقت بكرةً iiوعشيا
وأنـاجـي الإله من فرط حزني كـمـنـاجـاة  عـبـده زكريا
ومن الاقتباس المقبول أيضا ، أنقل من ( أنوار الربيع لابن معصوم ، نشرة الوراق : ص136 ) :
إن كـنت أزمعت على هجرنا من غير ما ذنب فصبر جميل.
وإن  تـبـدلـت بـنا iiغيرنا فـحـسـبنا  الله ونعم الوكيل
ويبقى السؤال الأهم :
هل ما نضمنه الشعر من آيات القرءان نطلق عليه شعرا؟ الجواب : كلا وألف كلا ، وإنما هي ألفاظ قرءانية كريمة نزين بها شعرنا  ، كما نزين بها نثرنا . والآيات الكريمات التي جاءت أوزان الشعر مطابقة لأوزانها هي آيات كثيرة ، ولن تكون هذه الآيات بحال مما نعده شعرا . وقرأت مرة آية جعلها شاعر على شكل بيت من الشعر بأن قسمها قسمين متساويين وزنا وهي الآية :
" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " ، وأنى لها ان تكون شعرا وهي آية في كتاب الله!! ولو جئنا ببيت من الشعر وكتبناه أو قرأناه موصولا ، فسوف يبقى شعرا على ما اتفقت عليه العرب من أشكال الشعر وأوزانه .
 
*ياسين الشيخ سليمان
14 - سبتمبر - 2008
خطورة القضية    كن أول من يقيّم
 
خطورة القضية
أستاذي ياسين سليمان:
أرى أن خطورة هذا الصنيع التأليفي تتمثل في الآتي:
*إحداث بلبلة عند العامة حول علاقة القرآن الكريم والنبي الخاتم العظيم بالشعر.
*بعض الكتب العروضية تدعو المتعلم إلى تطبيق القواعد العروضية على النص القرآني أو النبوي، كأن يسأل المؤلف: إلى أي بحر تنتمي الآيات القرآنية الآتية!!!
*بعض الشعراء يأتي بالنص القرآني أو النبوي في سياق غير مقبول، ولا نرى في الكتب من ينكر ذلك التناص!!!
*مازالت كلمة المفسرين وشُرَّاح الحديث حول هذه الإشكالية مبعثرًا غير منظم ولا مقنع، وفيه كلام عاطفي أكثر منه عقلاني!!!
ومن ثم احتيج إلى إثارة هذه الإشكالية وبيان القول الحق الفصل فيها....
*صبري أبوحسين
17 - سبتمبر - 2008
رأي السيوطي في الإشكالية:    كن أول من يقيّم
 
رأي السيوطي في الإشكالية:
جاء في كتاب الإتقان:
(فصل: في الاقتباس وما جرى مجراه الاقتباس
 تضمين الشعر أوالنثر بعض القرآن لا على أنه منه بأن لا يقال فيه قال الله تعالى ونحوه، فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباساً وقد اشتهر عن المالكية تحريمه وتشديد النكير على فاعله.
 وأما أهل مذهبنا فلم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس في أعصارهم واستعمال الشعراء له قديماً وحديثاً، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين فسئل عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فأجازه، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها وجهت وجهي إلخ وقوله اللهم فالق إلا صباح وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً، أقض عني الدين وأغنني من الفقر. وفي سياق كلام لأبي بكر: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وفي آخر حديث لابن عمر قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة انتهى.
وهذا كله إنما يدل على جوازه في مقام المواعظ والثناء والدعاء، وفي النثر، ولا دلالة فيه على جوازه في الشعر وبينهما فرق؛ فإن القاضي أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه في الشعر مكروه، وفي النثر جائز. واستعمله أيضاً في النثر القاضي عياض في مواضع من خطبة الشفاء.)
*صبري أبوحسين
17 - سبتمبر - 2008
تابع رأي السيوطي:    كن أول من يقيّم
 
تابع رأي السيوطي:
 وقال اشرف إسماعيل بن المقري اليمني صاحب مختصر الروضة في شرح بديعته: ما كان منه في الخطب والمواعظ ومدحه صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ولوفي النظم فهومقبول، وغيره مردود.
وفي شرح بديعته من حجة الاقتباس: ثلاثة أقسام: مقبول، ومباح، ومردود. فالأول ما كان في الخطب والمواعظ والعهود، والثاني ما كان في الغزل والرسائل والقصص، والثالث على ضربين: أحدهما ما نسبه الله إلى نفسه، ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله - إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم - والآخر تضمين آية في معنى هزل، ونعوذ بالله من ذلك كقوله:
أرخى إلى عشاقه طرفـه
 
هيهات هيهات لما توعدون
وردفه ينطق من خلـفـه
 
لمثل هذا فليعمل العاملون
انتهى. قلت: وهذا التقسيم حسن جداً وبه أقول. وذكر الشيخ تاج الدين ابن السبكي في طبقاته في ترجمة الإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي من كبار الشافعية وأجلائهم أن من شعره قوله:
يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف
 
ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف
أبشر بقول الـلـه فـي آياتـه
 
إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
وقال استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره له فائدة، فإنه جليل القدر والناس ينهون عن هذا، وربما أدى بحث بعضهم إلى أنه لا يجوز. وقيل إن ذلك إنما يفعله من الشعراء الذين هم في كل واد يهيمون، ويثبون على الألفاظ وثبة من لا يبالي. وهذا الأستاذ أبومنصور من أئمة الدين وقد فعل هذا، وأسند عنه هذين البيتين الأستاذ أبو القاسم بن عساكر. قلت: ليس هذان البيتان من الاقتباس لتصريحه بقول الله، وقد قدمنا أن ذلك خارج عنه. وأما أخوه الشيخ بهاء الدين فقال في عروس الأفراح: الورع اجتناب ذلك كله، وأن ينزه عن مثله كلام الله ورسوله. قلت: رأيت استعمال الاقتباس لأئمة أجلاء منهم الإمام أبو القاسم الرافعي، وأنشده في أماليه ورواه عنه أئمة كبار:
الملك لله الذي عنـت الـوجـو
 
ه له وذلت عـنـده الأربـاب
متفرد بالملك والسلـطـان قـد
 
خسر الذين تجاذبوه وخـابـوا
دعهم وزعم الملك يوم غرورهم
 
فسيعلمون غداً من الـكـذاب
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمى قال: أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه:
سل الله من فضله واتـقـه
 
فإن التقي خير ما تكتسـب
ومن يتق الله يصـنـع لـه
 
ويرزقه من حيث لا يحتسب
*صبري أبوحسين
17 - سبتمبر - 2008
تابع رأي السيوطي في إتقانه:    كن أول من يقيّم
 
تابع رأي السيوطي في إتقانه:
ويقرب من الاقتباس شيئان:
 أحدهما: قراءة القرآن يراد بها الكلام.
 قال النووي في التبيان: ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافاً، فروى عن النخعي أنه كان يكره أن يتأول القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا.
 وأخرج عن عمر بن الخطاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون وطور سنين، ثم رفع صوته فقال: وهذا البلد الأمين.
 وأخرج عن حكيم بن سعد: أن رجلاً من المحكمة أتى علياً وهوفي صلاة الصبح فقال: لئن أشركت ليحبطن عملك - فأجابه في الصلاة - فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون - انتهى.
 وقال غيره: يكره ضرب الأمثال من القرآن، صرح به من أصحابنا العماد البيهقي تلميذ البغوي كما نقله ابن الصلاح في فوائد رحلته.
 الثاني: التوجيه بالألفاظ القرآنية في الشعر وغيره، وهوجائز بلا شك.
 وروينا عن الشريف تقي الدين الحسيني أنه لما نظم قوله:
مجاز حقيقتها فاعبـروا
 
ولا تعمروا هونوهاتهن
وما حسن بيت له زخرف
 
تراه إذا زلزلت لم يكـن
خشي أن يكون ارتكب حراماً لاستعماله هذه الألفاظ القرآنية في الشعر، فجاء إلى شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد يسأله عن ذلك، فأنشده إياهما، فقال له: قل وما حسن كهف، فقال: يا سيدي أفدتني وأفتيتني
خاتمة قال الزركشي في البرهان: لا يجوز تعدي أمثلة القرآن، ولذلك أنكر على الحريري قوله فأدخلني بيناً أخرج من التابوت وأوهي من بيت العنكبوت، وأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه حيث قال - وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت - فأدخل إن وبنى أفعل التفضيل وبناه من الوهن وأضافه إلى الجمع وعرف الجمع باللام وأتى في خبر إن باللام، لكن استشكل هذا بقوله تعالى - إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها - وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بما دون البعوضة فقال لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة. قلت: قد قال قوم في الآية إن معنى - فما فوقها - في الخسة، وعبر بعضهم عن هذا بقوله: فما دونها، فزال الإشكال.
*صبري أبوحسين
17 - سبتمبر - 2008
شكرا لك    كن أول من يقيّم
 
لك الشكر العميق أستاذنا ، د/صبري أبو حسين على بسطك القول حول الإشكالية المذكورة ؛ فأسلوبك واضح جلي متقن . أرجو أن أتمكن من التعليق على ما ذكرت بعد ان أستجمع أفكاري حول موضوع هام له من الخطورة ما له كما تفضلت وبينت .
*ياسين الشيخ سليمان
20 - سبتمبر - 2008
رأي القرطبي    كن أول من يقيّم
 
رأي القرطبي
من تفسير القرطبي:
إصابته الوزن أحيانًا لا يوجب أنه يعلم الشعر، وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلامه ما يدخل في ورن، كقول يوم حنين وغيره: (هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت)
 وقوله:
(أنا النبي لا كذب
 أنا ابن عبد المطلب)
 فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن، وفي كل كلام؛ وليس ذلك شعرا ولا في معناه؛ كقوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" [آل عمران: 92]، وقوله: "نصر من الله وفتح قريب" [الصف: 13]، وقوله: "وجفان كالجواب وقدور راسيات" [سبأ: 13] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد ذكر ابن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن. على أن أبا الحسن الأخفش قال في قول: (أنا النبي لا كذب) ليس بشعر.
وقال الخليل في كتاب العين: إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا. وروي عنه أنه من منهوك الرجز. وقد قيل: لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقف على الباء من قوله: (لا كذب)، ومن قوله: (عبد المطلب). ولم يعلم كيف قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن العربي: والأظهر من حال أنه قال: (لا كذب) الباء مرفوعة، ويخفض الباء من عبد المطلب على الإضافة.
 وقال النحاس قال بعضهم: إنما الرواية بالإعراب، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا؛ لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمها أو نونها، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر.
وقال بعضهم: ليس هذا الوزن من الشعر. وهذا مكابرة العيان؛ لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره. وأما قوله: (هل أنت إلا إصبع دميت) فقيل إنه من بحر السريع، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من دميت، فإن سكن لا يكون شعرا بحال؛ لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول، ولا مدخل لفعول في بحر السريع. ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع. والمعول عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر، ويسقط الاعتراض، ولا يلزم منه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالما بالشعر ولا شاعر - أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره، لا يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر، ولا يسمى شاعرا باتفاق العلماء، كما أن من خاط خيطا لا يكون خياطا.
قال أبو إسحاق الزجاج: معنى: "وما علمناه الشعر" وما علمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعرا، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر. قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في هذا. وقد قيل: إنما خبر الله عز وجل أنه ما علمه الله الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا، وهذا ظاهر الكلام.
 وقيل فيه قول بين؛ زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة، وذلك أنهم قالوا: كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر. وهذا قول بين. قالوا: وإنما الذي نفاه الله عن نبيه عليه السلام فهو العلم بالشعر وأصنافه، وأعاريضه وقوافيه والاتصاف بقوله، ولم يكن موصوفا بذلك بالاتفاق. ألا ترى أن قريشا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم، فقال بعضهم: نقول إنه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذبنكم العرب، فإنهم يعرفون أصناف الشعر، فوالله ما يشبه شيئا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر. أخرجه مسلم، وكان أنيس من أشعر العرب. وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه: والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر؛ على ما يأتي بيانه من خبره في سورة [فصلت] إن شاء الله تعالى. وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء، واللسن البلغاء. ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرا، وإنما يعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه؛ فقد يقول القائل: حدثنا شيخ لنا وينادي يا صاحب الكسائي، ولا يعد هذا شعرا. وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء: اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى.
 
*صبري أبوحسين
21 - سبتمبر - 2008
رأي الخليل بن أحمد الفراهيدي من العين واللسان:    كن أول من يقيّم
 
رأي الخليل بن أحمد الفراهيدي من العين:
جاء في معجم العين:
قال الخليل: الرَّجَزُ المشطور والمنهوك ليسا من الشِّعر، وقيل له: ما هُما? قال: أنصاف مَسجَّعةٌ، فلما ردَّ عليه قال: لأحتجَّنَّ عليهم بحجَّةٍ فإن لم يقرّوا بها عسفوا فأحتجُّ عليهم بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجري على لسانه الشِّعرُ.
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
سَتُبدي لكَ الأيامُ ما كنت جاهلاً
 
ويأتيك بالأخبارِ من لم تُـزَوِّدِ
فكان يقول عليه السلام:
ستبدي لكَ الأيامُ ما كنت جاهلاً
 
ويأتيك من لم تُزَوِد بالأخبـارِ
فقد علمنا أنّ النِّصف الذي جرى على لسانه لا يكون شعراَ إلا بتمامِ النصف الثاني على لفظهِ وعروضه، فالرَّجَزُ المشطورُ مثل ذلك النِّصف.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق:
هل أنتَ إلاّ إصبعً دَميتِ
 
وفي سبيل الله ما لَقِيتِ
فهذا على المشطورِ.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
أنا النَّبـيُّ لا كَـذِب
 
أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِب
فهذا من المنهوك، ولو كان شعراً ما جرى على لسانه، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: "وما علَّمناه وما ينبغي له" قال فعَجبنا من قوله حين سمعنا حجَّته.
 
*صبري أبوحسين
21 - سبتمبر - 2008
رأي الخليل من معجم لسان العرب    كن أول من يقيّم
 
رأي الخليل من معجم لسان العرب:
وفي معجم لسان العرب:
قال ابن سيده: والرجز شعر ابتداء أجزائه سببان ثم وتد، وهو وزن يسهل في السمع ويقع في النفس، ولذلك جاز أن يقع فيه المشطور وهو الذي ذهب شطره، والمنهوك وهو الذي قد ذهب منه أربعة أجزائه، وبقي جزآن نحو:
يا ليتني فيها جدع
 
أخب فيها وأضع
وقد اختلف فيه فزعم قوم أنه ليس بشعر وأن مجازه مجاز السجع، وهو عند الخليل شعر صحيح، ولو جاء منه شيء على جزء واحد لاحتمل الرجز ذلك لحسن بنائه. وفي التهذيب: وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث، ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
 
ويأتيك من لم تزود بالأخبـار
قال الخليل: لو كان نصف البيت شعرا ما جرى على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
وجاء بالنصف الثاني على غير تأليف الشعر، لأن نصف البيت لا يقال له شعر، ولا بيت، ولو جاز أن يقال لنصف البيت شعر لقيل لجزء منه شعر، وقد جرى على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" قال بعضهم: إنما هو لا كذب بفتح الباء على الوصل، قال الخليل: فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وما علمناه الشعر وما ينبغي له، أي وما يتسهل له.
 قال الأخفش: قول الخليل إن هذه الأشياء شعر، قال: وأنا أقول إنها ليست بشعر، وذكر أنه هو ألزم الخليل ما ذكرنا وأن الخليل اعتقده.
قال الأزهري: قول الخليل الذي كان بنى عليه أن الرجز شعر ومعنى قول الله عز وجل: وما علمناه الشعر وما ينبغي له، أي لم نعلمه الشعر فيقوله ويتدرب فيه حتى ينشئ منه كتبا، وليس في إنشاده، صلى الله عليه وسلم، البيت والبيتين لغيره ما يبطل هذا المعنى فيه إنا لم نجعله شاعرا، قال الخليل: الرجز المشطور والمنهوك ليسا من الشعر، قال: والمنهوك كقوله: أنا النبي لا كذب. والمشطور: الأنصاف المسجعة. وفي حديث الوليد بن المغيرة حين قالت قريش للنبي، صلى الله عليه وسلم: إنه شاعر، فقال: لقد عرفت الشعر ورجزه وهزجه وقريضه فما هو به. والرجز: بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه يكون كل مصراع منه مفردا، وتسمى قصائده أراجيز، واحدتها أرجوزة، وهي كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر، ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل بحور الشعر شاعرا. قال الحربي: ولم يبلغني أنه جرى على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم، من ضروب الرجز إلا ضربان: المنهوك والمشطور، ولم يعدهما الخليل شعرا، فالمنهوك كقوله في رواية البراء إنه رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، على بغلة بيضاء يقول:
أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. والمشطور كقوله في رواية جندب: إنه، صلى الله عليه وسلم، دميت إصبعه فقال:"
هل أنت إلا إصبع دميت? وفي سبيل الله ما لقيت"
 ويروى أن العجاج أنشد أبا هريرة:
ساقا بخنداة وكعبا أدرما
فقال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعجبه نحو هذا من الشعر.
قال الحربي: فأما القصيدة فلم يبلغني أنه أنشد بيتا تاما على وزنه إنما كان ينشد الصدر أو العجز، فإن أنشده تاما لم يقمه على وزنه، إنما أنشد صدر بيت لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وسكت عن عجزه وهو:
وكل نعيم لا محالة زائل
وأنشد عجز بيت طرفة:
ويأتيك من لم تزود بالأخبار
وصدره:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
.....
*صبري أبوحسين
21 - سبتمبر - 2008
رأي المعري من خلال رسالته الصاهل والشاحج:    كن أول من يقيّم
 
رأي المعري من خلال رسالته الصاهل والشاحج:
وإنما ذكرت ذلك خشية أن تذهب إلى أن الرجز ليس بشعر، كما قال ذلك بعض الناس محتجاً لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
أَنا النبيُّ لا كذِبْ
أَنا ابن عبدِ المطَّلِبْ
ولما جاء في الرواية الأخرى، أنه قال:
هل أَنتِ إِلا إِصبَعٌ دَمِيتِ
وفي سبيلِ اللهِ ما لقيتِ
في أشباه لهذا. ويحتجون بقولهم للذي ينشيء الرجز: راجز، وللذي ينشيء غيره من القصيد: شاعر.
وإذا ركبنا القضية الثنوية الكلية، فجعلنا المحمول جنساً والحامل نوعاً، فالقضية كذب لا محالة.
وإذا عكسنا ذلك فجعلنا المحمول نوعاً والحامل جنساً، كانت القضية صدقاً. فنقول: كل رجز شعر، فيكون قولاً صادقاً. وإن قيل: كل شعر رجز. فذلك باطل من المقول.
وما أدفع أن الرجز أضعف من القصيد، ولكنهما جنس واحد.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اختلفت الأمة في شأنه وفي قوله تعالى: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له".
فقالت طائفة: لا يكون النبي عليه السلام، إلا عالماً بجميع أصناف العلم الذي يعرفه الآدميون. وإنما تعبد صلى الله عليه وسلم بتركه ذلك الفن- كما تعبد بترك الزنا وشرب المسكر- وكان ذلك خالصاً له في نفسه دون غيره من المسلمين. وإلى هذه المقالة ذهبت أصناف الشيعة، واحتجوا بأن فقد المعرفة بهذا الجنس، معدود في بني آدم من النقص. ولا يبعث الله جل اسمه، إلا أفضل من يكون في عصر المبعث. وقد كان أبوه، صلى الله عليه وسلم، وجده وأعمامه ينطقون بالمنظوم: نقلت الرواة أن "عبد الله بن عبد المطلب" قال للكاهنة لما رأت النور بين عينيه فدعته إلى نفسها:
أَما الحرامُ فالمماتُ دونَـه
 
والحِلُّ، لا حِلَّ فأَستبينَـه
فكيف بالأَمرِ الذي تَبْغِينَه
 
 
وأنشدت الرواة ل "الزبير بن عبد المطلب" عم النبي عليه السلام:
إِذا كنتَ في حاجةٍ مُرْسِلاً
 
فأَرسِلْ حكيما ولا تُصِهِ
وإِنْ بابُ أَمرٍ عليكَ التَوَى
 
فشاوِرْ لبِيباً ولا تَعْصِـهِ
فأما "أبو طالب" فكان أشعر قريش. وقد روى عن "العباس" شعر كثير، وكذلك عن "علي".
قالوا: فإن كان الشعر منقصة، فلم استعملها السادة في الإسلام والجاهلية? وإن كان فضيلة فلم يحرمها الرسول صلى الله عليه وسلم?  
وقالت طائفة أخرى: قد يجوز أن يكون الأمر على ما ذكر هؤلاء، ويجوز أن يكون على غيره. لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "استعينوا على كل صناعة بأهلها." وفي الجائز أن يكون سلب منه العلم بهذا النوع بما بعث، فكان ذلك له مثل الآية. وإنما معنى قوله تعالى: "وما علمناه الشعر" أنه جواب لقول من قال من الكفار: "الذي جاء به محمد شعر" لا أنه بهذه الآية نفى عنه المعرفة بهذا الضرب. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا ذكر بيتاً صاباه، أي لم يجيء به على جهته، حتى عرف ذلك منه. مثل قوله بين "الأقرع وعيينة"، "ويأتيك من لم تزود بالأخبار".

*صبري أبوحسين
22 - سبتمبر - 2008
 1  2  3