صديق عزيز قابلنى ورحنا البيت عنده، فقد أنجب طفلة وقلت لنفسى فرصة وأبارك له. ودخلت البيت وقابلت زوجته وهى تمت لى بقرابة،وباركت لها على السلامة والكتكوتة الصغيرة. وفجأة لقيت نقاشا حادا بين وبين زوجها بخصوص اسم البنت. هى تطلب اسماً مفيش حد آخر سمّاه على بنته. وهو محتار معاها ،قال كل الأسماء التى وردت على ذهنه. وكنت سامع ولا أتدخل فى هذه المعمعة.
ولكنهما تذكروا وجودى معهما ،فقالا معاً: قل لنا على اسم بس يكون محدش قاله قبل كده عشان نسمى البنت؟ كل ما أقول اسم يعترضوا عليه. وعشان أقوم أمشى ،قلت لهم فيه اسم مفيش حد سماه قبل كده ومن القرآن. طبعا السعادة نطت فى وجههما ،قلت نسميها "جهنم" هما بصوا لبعض وزعلوا منى . فقمت مشيت ..وبعد مدة سمعت من أولادى .. إنهما أسمّوها تفيدة!!
صبيحة اسم جارة لنا منذ وعيت الدنيا ،أنا الآن 54سنة، كانت جدتى أم أبى رحمها الله وغفرلهما ولنا،قد أرسلتنى طفلاً غضاً إلى هذه السيدة لقضاء أمر ما،فذهبت إليها وعدت ناقماً وساخطاً عليها. وسألتنى جدتى فيه إيه مالك زهقان كده؟؟ فقلت ببراءة الطفولة :الست صبوحة دى وشها وحِش وصرخت فىّ من غير سبب.
وفجأة وجدت جدتى تتملكها ضحكة وأثناء ضحكها ،قالت لى: صبوحة مرة واحدة !!دى لاتنفع صبوحة ولاصبيحة . يابنى زى ما بتقول دى واحدة لسانها طويل وشكلها يقطع الخميرة من البيت. الله يكون فى عون جوزها وأهلها. يابنى لو كانت الأسماء الناس بتشتريها وكل واحد على قد فلوسه كانوا سموها عكننة !!!أما يسموها صبيحة ولاصبوحة دول اسمين غاليين ،دول نورالصباح من نور ربنا سبحانه وتعالى.
ومن يومها وأنا مغرم بفلسفة الأسماءومدى انطباقها على الأشخاص من الذكور والإناث.
الزواج قسمة ونصيب،هكذا يقولون ، وقسمتى ونصيبى تزوجت من المنصورة . وفى يوم كنت جالساً مع عائلة زوجتى ،ودار الحديث عن ابنة أحدهم التى ينوى خطبتها ابن الجيران. وفجأة وجدت أم البنت تقول : لازم يجيبوا لبنتى ..المسخوطة وأخواتها! طبعاً أنا استغربت وقلت فى نفسى لاحول ولاقوة إلا بالله ،واحدة غاوية لبنتها الشر واللعنة!! وفى آخر السهرة سألت زوجتى :هى قريبتك دى ناوية لبنتها على الشر؟؟ ردت بتعجب :لأ مين قال كده؟ قلت :بتقول عن خطيب بنتها لازم يجيب المسخوطة واخواتها؟ والمسخوطة عندنا فى طنطا تعنى شتيمة وتحقير ودعاء بالهلاك. ردت زوجتى وهى تنفجر من الضحك: لأ هى عندنا المقصود بها الغوايش والحلى الدهب والدبلة يعنى الشبكة .
كنتُ فى سنى الأولى وأنا أتعلق بجلباب والدى يرحمه الله ،كثير السؤال عن معانى الأسماء،وكان يرحمه الله يرد أحياناً ويسكت أحياناً أخرى.
ست أبوها...قريبة لنا ولاتمتلك من الجمال شيئاً،قلتُ لوالدى:يعنى إيه ست أبوها؟؟ فرد علىّ بغيظ:روح إسأل أبوها؟؟ قلت لجدتى أم والدى :يعنى إيه ست أبوها ؟؟ قالت:يعنى هى كل حاجة فى حياة أبوها ،أصله جابها وكان فقد الأمل فى الخلفة. قلت :بس شكلها وِحِش قوى ياجدتى. قالت :لو الأسماء الناس بتشتريها كان كل واحد اشترى على قد فلوسه.
من حوالى أكثر من 15سنة...وكان هناك ندوات ومناقشات ، عشان تعديل قوانين الأسرة فى مصر .
وكنتُ وأحد المستشارين الذى يرأس محكمة إستئنافية،نتحاور ونتناقش. وكنت أطالب بتعديل القوانين وووجود نيابة خاصة بشئون الأسرة. وتعديلات أخرى كثيرة ، أطالب بها. وعلى حين غرة ،سألنى المذيع التليفزيونى :مارأيك فى المرأة؟؟؟؟؟؟ لم أملك سوى الرد الذى ظهر فجأة على لسانى: هن جبابرة . من بين أضلعهن خرجنا ،وإلى أحضانهن نعود.
كنت صغيراً ...أرى جدتى( أم أبى) عندما يعود حمارنا الذى كان مع حمير آخرين، عند أحد الأقارب،مشاركة منا ومساعدة له فى حمل كيزان الذُرة أو أجولة الأرز الشعير أو نقل القمح من الغيطان إلى البيوت،يعود منهكاً تمام الإنهاك،جوعاً وعطشاً، ويكاد يسقط إعياءً وإرهاقاً.ويأكل بشراهة ما يوضع فى مذوده من تبن وجرش الفول .فتقول جدتى ،بحزن وألم، تعليقاً على حالة الحمار ،هذا المثل.
وكانت تعنى به أن الحمار الذى لاتملكه ومملوك لآخرين ،اكسر عظامه وهد حيله فى العمل ،فعظامه من حديد لايتعب ولايكل.ولا تضع له علفاً ولاتسقيه. أما حمارك المملوك لك حافظ عليه .