البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : المَقبَلي وحديث افتراق الأمة    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )
 زهير 
30 - يوليو - 2008
 
 
 
بحث في حديث افتراق الأمة
تأليف: صالح بن مهدي المَقبَلي
(ت 1108 هـ/ 1696م)
 
تحقيق: عبد الله بن يحيى السريحي
       المجمع الثقافي-هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث
  أبو ظبي
* * *
______________________________________
 
أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لصديقنا الأستاذ الباحث عبد الله السريحي، على هذه الهدية الأثيرة، وهي في الأصل حلقة من سلسلة أصدرها ويصدرها تحتت عنوان (رسائل وأبحاث في افتراق الأمة ) وهذا هو البحث الثالث في هذه النشرة، التي ضمت أربع رسائل، كما سيأتي في مقدمة النشرة، وقد واخترت هذه الرسالة الصغيرة، التي تدل على أفق واسع من الحرية وقدر كبير من المعرفة والإحاطة كان يتمتع بهما كاتب هذه الرسالة، العلامة المجتهد المطلق صالح بن مهدي المقبلي، وستجدون ترجمة موسعة له في التعاليق القادمة، وكل ما تشتمل عليه هذه النشرة في الوراق من هوامش وتعقيبات هي من إعداد صديقنا السريحي جزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير
 
 1 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
مقدمة المحقق    كن أول من يقيّم
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هذا هو البحث الثالث في سلسلة (رسائل وأبحاث في حديث افتراق الأمة)، وهو بحث العلامة صالح بن مهدي المقبلي (ت 1108 هـ)، وقد سبق لمجلة "عالم المخطوطات والنوادر" الغراء أن نشرت بحثين من هذه السلسلة:
الأول: "رسالة في حدث افتراق الأمة" للعلامة أحمد بن علي بن مطير الحكمي (ت 1068هـ)، في المجلد الثامن، العدد الأول، (المحرم-جمادى الآخرة 1424هـ/مارس-أغسطس 2003م) ص139-163.
الثاني: "العذب النمير في جواب مسائل عالم بلاد عسير، وهو جواب سؤال عن حديث افتراق الأمة" لشيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ)، في المجلد العاشر، العدد الثاني، (رجب-ذو الحجة 1426هـ/سبتمبر2005م-فبراير 2006م) ص469-485.
وكان سبب إثارة هذا النقاش العلمي في صفوف علماء اليمن هو رسالة أحمد بن علي بن مطير الحكمي (ت 1068هـ)، التي ذهب فيها إلى عدم صحَّة "حديث افتراق الأمة"، مدعيا عدم صحة إسناده، وعدم صحة متنه لمعارضته لكثير من قواعد الإسلام، ومع النصوص القطعية المعارضة له، وتوالت ردود الفعل على تلك الرسالة من علماء اليمن في تلك الفترة، فمنهم من شاركه الرأي وذهب إلى عدم صحة الحديث سندا ومتنا، مثل شيخ الإسلام الشوكاني، في رسالته المشار إليها "العذب النمير". ومنهم من تصدى لنقد الرسالة والدفاع عن صحة الحديث، ومن ثم صحة النتائج المترتبة عليه، وممن تصدَّى للرد عليه  (كما أشرنا سابقا في مقدمة تحقيق رسالة ابن مطير): محمد بن الحسن بن القاسم (ت1079 هـ)، برسالة عنوانها "حل الإشكال الوارد على حديث افتراق الأمة والكشف عن وجوه صحته النيِّرة المضية". وكذلك محمد بن إبراهيم بن المفضل (ت 1085هـ)، في رسالته "الإشارات المهمَّة إلى صحة حديث افتراق الأمة". أما العلامة يحيى بن الحسين بن القاسم (ت 1100هـ)، فقد ألَّف كتاباً عنوانه "المسالك في ذكر الناجي من الفرق والهالك"، ضَمَّنه الرد على ابن مطير، وتوضيح المعايير التي يراها معقولة وصحيحة للحكم بنجاة أو هلاك أي من الفرق الإسلامية.
ومنهم من أقرَّ بصحة إسناد الحديث، ولكنه لم يُقرّ بالتأويل الشائع للحديث، وكذلك بالنتائج المترتِّبة على هذا التأويل، فسعى لتأويله بشكل يخفِّف من تلك النتائج التي بَنى عليها المتكلِّمون آراءهم وأحكامهم حول نجاة أو هلاك الفرق الإسلامية، ومن هؤلاء العلماء: محمد بن إسماعيل الأمير (ت 1182هـ)، وصالح بن مهدي المقبلي (ت 1108 هـ).
وننشر في هذا العدد بحث العلاّمة المقبلي:

*زهير
30 - يوليو - 2008
ترجمة المقبلي    كن أول من يقيّم
 
هو صالح بن مهدي المقبلي (1) ، عالم، مفكِّر، مجتهد، مجدِّد، أديب وشاعر، من أبرز علماء اليمن في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي)، الذين بلغوا مرحلة الاجتهاد المطلق، ودعوا إلى تجديد الفكر الإسلامي من خلال الاجتهاد ونبذ التقليد لتجاوز مرحلة الجمود والتعصُّب الفكري والمذهبي. وصفه شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، بقوله (2) : "وهو مـمَّن برع في جميع علوم الكتاب والسنَّة وحقَّق الأصولَين والعربية والمعاني والبيان والحديث والتفسير، وله مؤلفات مقبولة كلها عند العلماء، محبوبة إليهم يتنافسون فيها ويحتجّون بترجيحاته، وهو حقيق بذلك. وفي عبارته قوة وفصاحة وسلامة تعشقها الأسماع وتلتذّ بها القلوب، ولكلامه وقع في الأذهان، قلَّ أن يمعن في مطالعته من له فهم حقيقي على التقليد بعد ذلك، وإذا رأى كلاماً متهافتاً زيَّفه ومزَّقه بعبارة حلوة، وقد أكثر الحط على المعتزلة في بعض المسائل الكلامية، وعلى الأشعرية في بعض آخر، وعلى الصوفية في غالب مسائلهم، وعلى الفقهاء في كثير من تفريعاتهم، وعلى المحدِّثين في بعض غلوهم، ولا يبالي إذا تمسَّك بالدليل بمن يخالفه كائناً من كان"•
كرَّس المقبلي جهده ووقته لمحاربة الجمود والتعصُّب الفكري، فلقي من مقلِّدي ومتعصِّبي عصره أذى شديداً، وناصبوه العداء، واتَّهموه بأنه ناصبي (3) ومعادٍ لمذهب أهل البيت (المذهب الزيدي)، مما اضطره إلى بيع ممتلكاته والرحيل بأهله إلى مكة (1080هـ) فجاور بها وانقطع فيها للعلم والتأليف والدعوة إلى التجديد وإشاعة روح التسامح ونبذ الفرقة والتقليد والتعصُّب، فعلا ذكره وعظُم صيته بين علماء مكة والقادمين إليها من مختلف بلدان العالم الإسلامي. وتباينت الآراء حوله بين مؤيِّد ومعارض، فقد تقبَّل المنفتحون والمنصفون آراءه ووجهات نظره وأقبلوا على مؤلفاته والأخذ عنه. وممَّن أخذ عنه بعض علماء داغستان، الذين نقلوا معهم بعض مؤلفاته، ونشروها، كما أقبلوا على اقتفاء أثره في اجتهاده واطراح التقليد جانباً، واعتمادهم على منهجه وأسلوب بحثه واجتهاده (4)
ويبدو أن أثره في إقليم داغستان كان قويّاً إذ استمر لعدَّة أجيال، فقد حضر إلى صنعاء في أيام الشوكاني (ت1250هـ)، أي بعد نحو قرن من وفاة المقبلي، أحد علماء داغستان، للبحث عن كتاب "البحر الزخار" للإمام أحمد بن يحيى المرتضى، لأن لديهم حاشتية "المنار على البحر الزخار" للمقبلي (5)  . ويؤكِّد كراتشكوفسكي أن تأثير المقبلي ومؤلفاته، قد حافظ على قوَّته في أوساط العلماء الداغستانيين حتى بداية القرن العشرين ونشوب الحرب العالمية الأولى والثورة البلشفية (6)
 أما المتعصِّبون فقد رفضوا طروحاته وثاروا عليه، ونسبوه إلى الزندقة لتمرُّده على التقليد وعدم تمسُّكه بمذهب معين، واعتماده على كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وخاصة بعد انتشار كتابه "العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشائخ"، وذيله "الأرواح النوافخ"، لما فيهما من النقد للمتعصِّبين للأسلاف، والحط من شأن التقليد والمقلِّدين، فقال قولته المشهورة: "ناصبي في صنعاء والزنديق في مكة" (7) ولم يتوقَّف أذى المتعصِّبين من علماء مكة له عند هذا الحد، بل سعوا إلى تأليب السلطة ضدَّه، فرفعوا أمره إلى السلطان في استانبول، فأرسل السلطان أحد علمائه للنظر في شكواهم منه فلم يرَ منه إلاّ الجميل، ولم يرَ في مسلكه شيئاً يؤخذ عليه، فسكت الثائرون عليه على مضض حين لم يجدوا معينا من السلطان لأن هذا هو غاية أمرهم، وهو ديدنهم في الثورة على كل مصلح، فهم ضعاف جامدون، لا يقوون على المناظرة العلمية، فلا يجدون إلا ان يستعينوا على دعاة الإصلاح بمن في يدهم القوة، فإذا لم يجدوا منهم مساعدة ظهر عليهم العجز، ولكنهم لا يؤمنون برسالة الإصلاح، وإنما يأخذونها بالمداراة إلى أن يجدوا فرصة للثورة عليها، ويظفروا بصاحب سلطان يساعدهم على من يثورون عليه (8) 
مؤلّفات المقبلي وآراؤه:
- الأبحاث المسدَّدة في فنون متعدِّدة.
 -الإتحاف لطلبة الكشاف.
-الأرواح النوافخ لآثار إيثار الحق على الآباء والمشائخ.
 -حب الغمام على بلوغ المرام.
- العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشائخ.
 -المنار في المختار من جواهر البحر الزخار.
- نجاح الطالب حاشية على مختصر ابن الحاجب•
 
وتتَّسم آراء المقبلي ومؤلفاته بقدر عالٍ من الموضوعية والإنصاف والبعد عن التعصُّب الفكري أو المذهبي. وهو ليس -كما وصفه عبد المتعال الصعيدي- بأنه "من مدرسة ابن تيمية وابن الوزير، وأن هذه المدرسة تتعصَّب لعقيدة السلف في الأصول والفروع، وذلك واحد من المذاهب أيضاً، فالتعصُّب له مثل التعصُّب لغيره من المذاهب" (9) .
قلت: إن المتتبِّع لفكر المقبلي ومسيرة حياته يدرك حقيقة عدم انتمائه لأي من المذاهب، ونبذه للتعصُّب بكل صوره وألوانه، وإن نقده للمذاهب الأخرى أو مدحه لها، لا يدخل في باب التعصُّب، فإنه إنما ينتقد تعصُّب تلك المذاهب لفكرة أو مقوله خاطئة يتَّضح جليّاً أن الدليل والحق خلافها، أو بحسب تعبيره، فإنه ينتقد تمسُّكها بأقوال أسلافها وتقديمها على الكتاب والسنَّة، ولكنه لا يتردَّد أن يشيد بالجوانب الإيجابية في أي مذهب، وفي المقابل فإنه لا يتعصَّب لرأيه، بل هو على استعداد للرجوع إلى الحق والصواب إذا اتضح له خطأ اجتهاده، وهذا ما كان يلحّ عليه في كتبه ومناظراته مع ذمعارضيه ومن تصدُّوا لمحاربته. ومن المؤكَّد أن سلوك المتعصِّب هو على العكس من ذلك تماما. وبحث المقبلي الذي ننشره هنا خير دليل على تسامحه وعدم تعصُّبه وحسن ظنه بالآخرين (10) .

____
    1-  المقبلي: نسبة إلى قرية المقبل (بفتح الميم والباء)، في عزلة العزكي من مخلاف بني حبش من أعمال كوكبان، شمال غرب صنعاء، ومولده بها سنة 1038 هـ، على الأرجح•
  2-  البدر الطالع لمحمد بن علي الشوكاني 1/288-289.
  3-  الناصبي: الذي يكنُّ العداوة والبغض للإمام علي بن أبي طالب، وكان الحسن بن علي بن جابر الهبل، الشاعر، مـمَّن تصدَّى لهجاء المقبلي ووصمه بأنه ناصبي، فقال:
الـمـقبلي  iiناصبي أعمى الشقاء iiبصره
فـرق ما بين iiالنبي ي واخـيـه iiحيدره
لا تعجبوا من بغضه لـلـعترة  iiالمطهره
فـأمـه  iiمـعروفة لـكـن أبـوه iiنكره
   4-  للعالم والمستشرق الروسي المشهور، إغنا طيوس كراتشكوفسكي بحثً نفيس عن تأثير المقبلي في داغستان، عنوانه "داغستان واليمن"، كتبه عام 1936م، وترجمه إلى العربية الدكتور جليل كمال الدين، نشره بمجلة "المورد" العراقية، المجلد الثامن، العدد الثاني، صيف 1979، ص109 ـ 118.
  5-  الشوكاني: البدر الطالع1/290•
    6-  كراتشكوفسكي: داغستان واليمن، ص 114 ـ 115•
  7- عاد المقبلي بعدها إلى صنعاء سنة 1084هـ• ولكن لم تذكر مصادر ترجمته كم مكث في صنعاء، ومتى عاد مرة أخرى إلى مكة، ولكنها تذكر أنه استوطن مكة طويلاً حتى وفاته بها سنة 1108هـ•
  8-  الشوكاني: البدر الطالع 1/290، عبد المتعال الصعيد: المجدِّدون في الإسلام 441•
   9-  حرص المقبلي على إعلان تنصُّله من الإنتماء إلى أي من المذاهب الإسلامية والتأكيد على براءته من التعصُّب لها في معظم مؤلفاته شعراً ونثراً، ومن ذلك قوله:
برئت من التمذهب طول عمري وآثـرت الكتاب على iiالصحاب
ومـا  لي والتمذهب وهو iiشيء يـروج لدى المماري iiوالمحابي
  10-  أنظر ترجمة صالح بن مهدي المقبلي في:
* الدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: محمد بن علي الشوكاني 1/288-292.
* نشر العرف في نبلاء اليمن بعد الألف: محمد زبارة 1/781-787.
*  فوائد الارتحال ونتائج الأسفار في أخبار القرن الحادي عشر: مصطفى فتح الله الحموي (نشرت في مقدمة العلم الشامخ للمقبلي)
* داغستان اليمن: إغناطيوس كراتشكوفسكي، ترجمة جليل كمال الدين، مجلة المورد، م8، ع2 ) (صيف 1979) ص 109 ـ 118•
* هجر العلم ومعاقله في اليمن: القاضي إسماعيل الأكوع، 1/270-272•
 * المجدِّدون في الإسلام: عبد المتعال الصعيدي، 410 ـ 414•
*خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: محمد أمين فضل الله المحبي 2/16• 
*هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنِّفين: إسماعيل باشا البغدادي 2/424•
* مصادر الفكر الإسلامي في اليمن: عبد الله الحبشي، 28، 58، 132، 164 ،224•
* الدر الفريد الجامع لمتفرقات الأسانيد: عبد الواسع الواسعي ،ص•37
*زهير
30 - يوليو - 2008
بحث المقبلي في حديث افتراق الأمة    كن أول من يقيّم
 
اهتمَّت الأبحاث والرسائل ـ المشار إليها سابقاً ـ في النظر في مدى صحة أو ضعف "حديث افتراق الأمة"، إما من ناحية السند أو المتن، أو كليهما، أما المقبلي فقد ركَّز اهتمامه على النتائج المترتِّبة على هذا لحديث، والمتمثِّلة في حصر وتعداد الفِرَق الهالكة، الاثنتين والسبعين، ومن ثمَّ الوصول إلى تعيين وتحديد الفرقة الناجية، الثالثة والسبعين. ومن المعروف أن كلاًّ من الفِرَق الإسلامية قد ادَّعت لنفسها أنها الفرقة الناجية المعنية بهذا الحديث، وعملت على الزج بمخالفيها وخصومها ضمن الفِرَق الهالكة. ويرى المقبلي أن تعيين الفِرَق وتعدادها واحدة واحدة، وأنها هي التي أرادها الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- مما لا سبيل إليه البتّة، وأن الذين تكلَّموا فيها إنما فعلوا ذلك تخبُّطا، وأنه إذا كان المعيار في تصنيف وتعداد الفرق الهالكة هو معيار الابتداع في الدين، فإنه -بناءً على هذا المعيار- لا توجد واحدة من الفرق الإسلامية خالية من البدع، وإن اختلفت شناعة البدع بين فرقة وفرقة.
 ولذلك حصر المقبلي بحثه في هذا الحديث في مسألة تأويل "من الباقي على ما كان عليه النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأصحابه" وللتمييز بين من بقي على ما كان عليه النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- المحتمل نجاتهم في عصر المؤلف (القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي)• فقد قسَّم المقبلي الناس إلى فئتين: عامة وخاصة، فالعامة (الفلاحون، والعمال،و التجار•••إلخ)، لا يمكن نسبتهم إلى أية فرقة من الفرق، وإنما يُنسبون إلى الإسلام الذي دخلوا فيه وعقلوه، وأما الخاصة (العلماء) فقسَّمهم إلى أربعة أقسام:
1 ـ مؤسِّسو ومخترعو البدع ومن شايعهم، الذين عملوا على ليّ أعناق النصوص الصريحة لتقوية هذه البدع•
2 ـ الذين تابعوهم من الأجيال اللاحقة، وعملوا على تأييد بدعهم بالتأليف أو التدريس•
3 ـ المتعلِّمون الذين لم يصلوا إلى مرحلة التحقيق والتأليف لنصرة هذه البدع، ولكنهم حفظوها وتعصَّبوا لها•
4 ـ العلماء الذين أقبلوا على الكتاب والسنَّة وساروا بسيرهما ولم يتعصَّبوا لشيء من الباطل•••إلخ•
فأصحاب هذه الفئة الرابعة، مضافاً إليها العامة، هي الفرقة الناجية، وما شاء ربُّك من الأقسام الثلاثة.
 أما الأقسام الثلاثة الأولى من الخاصة، فإن المقبلي يرى الحكم عليهم بالابتداع فقط، أما معرفة أيُّها يصير إحدى الثلاث والسبعين فرقة فذلك لا يكون إلاّ لله.  ويرى أن هؤلاء المبتدعة هم أقلية لا يبلغون نسبة الواحد في الألف من مجموع المسلمين•
*زهير
30 - يوليو - 2008
مخطوطة البحث    كن أول من يقيّم
 
عثرت على نصين (صيغتين) لبحث المقبلي، النص الأول مختصر والآخر مطوَّل، ووجدت من النص المختصر ـ الذي لم يسبق نشره ـ نسختين مخطوطتين بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء: المكتبة الغربية (مكتبة دار المخطوطات)•
الأولى: ضمن مجموع رقم (31 مجاميع)، وتقع في ورقتين، الورقتان رقم 283 ـ 284، بقلم العلامة عبد الله بن محمد بن إسماعيل الأمير (المتوفى سنة 1242هـ)، نجل العلاَّمة الشهير محمد بن إسماعيل الأمير، ولم يذكر تاريخ نسخها، وخطّها جميل جداً، وقد كُتبت بطريقة غريبة تبدأ من أعلى زاوية الصفحة اليسرى، وتنتهي عند أسفل الزاوية اليمنى. ورمزت لها بالحرف (س)•
والثانية: ضمن مجموع رقم (187)، وتقع في ورقة واحدة فقط، وهي الورقة رقم (323) من هذا المجموع، ولم يذكر اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها، ولكنه ذكر في خاتمتها أنه نقلها من خط عبد الله بن محمد الأمير، وخطُّها جميل أيضاً، وكُتبت بنفس طريقة النسخة السابقة، ورمزت لها بالحرف (ص)•
أما النص الثاني للبحث (النص المطوَّل)، فقد نُشر ضمن كتابه "العلم الشامخ"• طبع الكتاب للمرة الأولى في مصر سنة (1328هـ/ 1910م) بإشراف الشيخ محمد رشيد رضا.
 ولم أعرف أيُّهما الذي كتبه أولاً لعدم تدوين أي تاريخ عليهما، ولكنهما مفيدان، وفي كل منهما معلومات ليست في الآخر، وأعتقد أنه كتب أحدهما في مكة والآخر في صنعاء أثناء تنقله بينهما، إما لأنه نسي أن يأخذه معه في رحلته، فاضطر إلى إعادة كتابة مرة أخرى عندما دعت الحاجة إليه،  ولهذا رأيت نشر النصين معا•
*زهير
30 - يوليو - 2008
صور من المخطوطتين    كن أول من يقيّم
 
نشر الأستاذ السريحي في ختام هذا الفصل صورا للمخطوطتين (س) و(ص) ولو تمكنت من معالجتها فسوف أنشرها هنا لاحقا
*زهير
30 - يوليو - 2008
(النص المحقق) (البحث المختصر)    كن أول من يقيّم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث افتراق الأمة: يذكرونه ويفسِّرون الفرقة بمن قال مقالة مهلكة لقوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: "كلها هالكة إلاّ واحدة"(1) أو كما قال -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- ثم يأخذون في التعداد، وأن يبلغوا بها إلى نيف وسبعين فرقة، كلٌّ على ما اعتقده في أعيان المقالات وأشخاصها حتى يبلغ بعضهم بالزيدية عشر فرق، وبعضهم بالمعتزلة عشرين ونحو ذلك، فمنهم المقِلّ في جانب المكثر في آخر، وبالعكس، ولو قيل ذلك تهجَّم ورجم بالغيب، وهو منتقض، فإن المقالات المبتدعة في أشخاص المسائل لا يكاد يؤتى لها على حصر، وكيف وربَّما تبلُغ الأقوال في الصفة الواحدة من صفاته -تعالى- إلى أقوال كثيرة، فأعيان المسائل التي كثر فيها الاختلاف وضلَّل كل فريق صاحبه فيها تزيد على السبعين، وكل مسألة تحصل عنها فرق كثيرة، والمختلفون في هذه يختلفون في تلك. فالفرق إذن أكثر من سبعمائة بهذا الاعتبار، وعلى الجملة فهذا قول غير مستقر في الواقع لشدَّة اختلافهم في تعيين الفرق، ولو اتفق استقراره فهو هجوم على ما دليل لهم عليه•
ثم الغرض المهم من الخوض في هذا البحث تعيين الفرقة الناجية، وكل فريق يدَّعي أنهم هم الفرق الناجية، وقد استُبْعِدَ أن تهلك هذه الفرق إلاَّ فرقة، إذن فهذه شرُّ الأمم لا خير الأمم (2) .
 ومن تأمل وخَبِرَ أحوال الفرق الإسلامية، ورأى عنايتهم في أمر الدين قولاً وعملا، ووازن بذلك ما ابتدعوه من المذاهب، منعه عقله ودينه وحياؤه من الإسلام أن يحكم على فرقة برمَّتها بالهلاك ويتَّخذها عدواً، فهذا إن لم يكن من الحرام البيِّن فليس من الحلال البيِّن، ولما رأى هذا ونحوه جماعة من المحقِّقين قالوا: الفرقة الناجية هم الصالح من كل فرقة، وهذا قول ظاهر الحُسن، لكن لا معنى تحته لأن الصلاح إن أُريد به ما يرجع إلى غير محل الافتراق، كأعمال الجوارح مثلا، فهذا لا دخل له، ولا يخرجهم ذلك عن التفرُّق، وإن أُريد بالصلاح ما يرجع إلى محل الافتراق، فالصالحون إذن فرقة واحدة، يقابلها باقي الفرق لا أفراد من الفرق•
هذا وإنَّـما ادَّعى كل من الفرق أنهم الفرقة الناجية، لزعم كُلٍ أنهم على ما كان عليه النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأصحابه -رضي الله عنهم، لتفسيره ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الفرقة الناجية بذلك، وتحزَّبتم أحزاباً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون [المؤمنون: 53] حتى لو تظهّر رجل بأنه لا مذهب له ولا اعتزاء إلاّ إلى الإسلام لم يقبل منه ذلك أحد من الفرق، بل يحكمون عليه بالجنون أو الزندقة في عامة متفقِّهتكم (3) إلاّ من كمل عقله وقليل ما هم، ولم يكن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ولا أصحابه -رضي الله عنهم- في شيء من ذلك، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام: 159]. فنقول: إنما الفرقة الناجية من بقي على ما كان عليه النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأصحابه -رضي الله عنهم، في الاعتزاء إلى دين الإسلام، والرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، والرضى بالله رباً وبالإسلام دينا، وبمحمد  صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نبيّاً، وبالمؤمنين إخواناً، ومحاذرة الفرقة، حتى كانوا لا يعدلون بالائتلاف ولا يؤثرون عليه شيئا من معالم الدين، يعلم ذلك المهتدي بهم، فإن قُلتَ: إن الناس قد تحزَّبوا أحزاباً وندر المعتزي إلى جملة الإسلام على ما كان عليه الصحابة، فإذن الفرقة الناجية المنحصرة فيمن ذكرت في غاية من القلَّة، ثم يلزم المحذور الذي فرَّرت منه وهو الهلاك على معظم أهل الإسلام، وتعيين الفرق بتعيين المتحزِّبين الذي قلتَ لا سبيل إلى تعيينهم (4) :
فكنت كالساعي إلى مثعب        موائلا  من سبل الراعد

قُلتُ: هكذا تقول بادي الرأي الذي هو خلق العجزة، ومنه جاء الضلال فإيّاك وإيَّاه، وسأفصل لك أحوال الناس حتى يتَّضح لك الحق، فاعلم أن الناس على أنحاء:

 فمنهم رجل ابتدع بدعة ونصب راية الضلال، ولم تبق له بعدُ همّة إلاّ تقويمها، وربما بلغ بعضهم إلى معرفة أن الحق خلاف ما هو عليه، وعَسُرَ عليه الرجوع بعد شيوعه لمذهبه، وصار يتحمَّل التأويلات محاذرة لانكسار ذلك المركز، ويلحق بهذا أناس يتبعونه بأول رويَّة لإهمال النظر أو العجز عنه، ثم صاروا بعدُ أشدّ شكيمة منه، وبلغو إلى المكابرة مثل من قال:  "هذا الكلام المتلو قديم"، أي الحروف والأصوات المسموعة من أحدنا
ومنهم من زاد فقال:"والكاغد  أيضا". وهذا النوع إنما يفعله المتفقِّهة. أما جمهور العامة الذين اشتغلوا عن هذه بالتجارة والفلاحة ونحوهما واقتصروا على دين العجائز، فليسوا من هؤلاء بورد ولا صدر، وسنذكر حالهم.
 وهذا القسم من المبتدعة بَعْدُ على حسب بدْعتهم، فربما كان ذلك مهلكاً لمكانته من الدين، وربما كان في مسألة ربما لا تجب معرفتها، أولا يجوز النظر فيها، فكم في تلك الفُصول من فضول!؟ فهذا النوع أشدُّ الناس بدعة وهلاكهم موكول إلى علم الله تعالى، وللنيّات بعد ذلك دَخْل، وليس من أخطأ في أول النظر كما أقدم عالماً بالضلال وكابر•

النوع الثاني: الذين اعتَزَوا إلى المبتدعة في الجملة وانتسبوا إليهم فقالوا: إمامي، خارجي، ونحو ذلك، فهؤلاء ينقسمون: فمنهم من لم يكن له إلاّ ذلك الاعتزاء الجملي، وهو ناظر لنفسه على الحقيقة، فهو في التحقيق خارج عنهم بالنظر إلى الاعتقادات ونحوها، وبهذا الاعتبار هو من الفرقة الناجية، وخطيئته بتكثير سواد من سعى في الفرقة في الدين، وهذه خطيئة حكمها إلى الله سبحانه وتعالى، وربما كان له عذر كما عُذر المستضعفون، ومن هذا القسم علماء صنَّفوا وجادلوا، ولكن يرجعون بحسب الحقيقة إلى الصواب بتشكيك البحث بإيراد السؤالات، وربما يصرِّحون بخلاف ذلك المذهب في غير مظنته، أو في غامضة يظنّ الغبي أن المذهب لا ينبني عليها، وهذا غالب على المحقِّقين من أهل المذاهب قديماً وحديثاً، وربما يتخيَّلون  أعذاراً ومرجِّحات تعود إليهم أو إلى جملة الدين، فهؤلاء في التحقيق من الفرقة الناجية، وبالنظر إلى هذا الظاهر من المفرِّقين ومعاملتهم إلى الله تعالى، ويختلف حالهم بحسب المسائل، أيضاً، وللنيّات هنا دَخْل ولو في التخفيف، والتحزُّب المنقوم على هؤلاء شامل للفروع والأصول لأنه تفريق للدين، وإصابة الحق وعدم إصابته، والعفو عن المخطىء وعدم العفو عنه غير منظور من هذه الجهة، لأن التفريق في الدين وصيرورتهم شيعاً إنما جاء من التحزُّب لا من خطأ الأفراد في أفراد المسائل•

القسم الثالث: جمهور الناس من العامة، النساء والعبيد والمشتغلين بالصناعات، وهم الآن لا ينقصون عن أجلاف الأعراب على عصـره صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وهؤلاء لا مذهب لهم في التحقيق غير الإسلام، غير أنه لما ارتكز في العقول وعُلم من الدّين من وجوب الرجوع إلى العلماء، رجع كُلٌّ إلى علماء جهته فيما عرضت حاجته إليه من أصول الدين وفروعه لظنِّه أن هذا مراد الله ورسوله منه، ولو علم مخالفته لفَرَّ أشد الفرار، غير أنه لما تكثَّر من أهل كل مذهب من مدح متفقِّهتم لمذهبهم وذم غيره، ربما يرتكز ذلك في ذهن العامة من دون تأمُّل، ولا انبنى لشيء من دينه عليه، ولا شك أن الذين كانوا بمنزلة هؤلاء في وقت النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من الأعراب والنساء غير داخلين في مسمَّى المبتدعة، فهؤلاء مثلهم لا ينقصون عنهم.

 وإذا أحكمت هذا التفصيل عرفت أن الفرقة الناجية هم المعتزون إلى جملة الإسلام ظاهراً وبحسب التحقيق اجتهاداً أو تقليداً، والمبتدعة على التحقيق نزْر قليل بالنسبة إليهم، أولئك هم "الجماعة" و "السواد الأعظم" (5)، وهذا لاينافي كون الفرقة الناجية من نيف وسبعين فرقة، إذا لا بُعْدَ في أن تكون فرقة أكثر أشخاصاً من ألف فرقة. وأما تعيين الفرق الهالكة واحدة واحدة، فعلى ما قلت لك من أنه لا طريق إلى ذلك، والتحزُّب غير منضبط لجريه في الأصول والفروع، وتفرّق كل فرقة إلى فرق، وهذه الفرقة تخالف هذه في هذه المسألة وتوافقها في تلك، فالتحزُّب غير معيَّن -كما ذكرنا- فليتأمل، والميعاد لمعرفتهم إلى أن ينصب لهم الرايات في القيامة. عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما، عن النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- قال (6) : "إذا جمع الله الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان" أخرجه الشيخان، ولمسلم في رواية عن أبي سعيد -رضي الله عنه (7): "لكل غادر لواء عند أسته يرفع له بقدر غدرته، ألا ولا غادر أعظم من أمير عامة".
وأقول: كذلك هؤلاء المتمذهبون يعرف أحدهم الحق على خلاف مذهب إمامه، ثم يكتمه ويأخذ في نصرة الإمام وترويج خطابه، ويرد له صرائح المعقول والمنقول، ويدأب عمره تدريساً وتصنيفاً، ويذيِّله بما هو أفظع منه، ويقول: قال أهل الحق كذا, وخالفت المبتدعة!. فهؤلاء من أعظم الناس غدراً، لأنها عمّت فتنتهم لتصوّرهم بصورة النصحاء وأمناء الله، وورثة الأنبياء، فانتشر ضررهم مكاناً وزماناً، وما يغني عن أحدهم وأورعهم في زعمه إن كان يدس نقض ذلك المذهب في الزوايا الخفية بحيث لا يعرفه إلاَّ الخواص الذين أغناهم الله تعالى بما علمهم عما دَسّه•
اللهم إنَّا نبرأ إليكم مما صنعه هؤلاء، ونسألك العافية من مشابهتهم والاعتزاز بهم. اللهم معذرة إليك ولعلَّهم يتَّقون•
والذي جربنا من أفاضلهم  إذا رأوا مثل هذا الكلام فإنما يسخرون ويستهزئون، قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ] التوبة: 64 •[ هذا آخر هذه المسألة، ورضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رسولاً، وبالمؤمنين إخوانا.
قاله أفقر عباد الله إليه صالح بن المهدي المقبلي, غفر الله له ولوالديه وللمسلمين (8)•
________________________________
  (1) سيأتي ذكر الحديث في البحث الثاني (المطول).
 (2)  يشير المؤلف إلى احتجاج الشيخ أحمد بن علي بن مطير (ت 1068هـ) في رسالته عن "حديث افتراق الأمة" بالآيات والأحاديث الدالة على خيرية هذه الأمة والمعارضة لمضمون حديث افتراق الأمة لحكمه على أكثرها بالهلاك مما يجعلها شرّ الأمم لا خيرها
(3) هذا ما حصل للمؤلف، فقد اتهم بالزندقة لتحرُّره من الانتماء لأي من المذاهب الإسلامية السائدة آنذاك•
(4)  البيت لسعيد بن حميد في شرح شواهد الشافية لعبد القادر البغدادي، تحقيق محمد نور الحسن (وآخرين)، القاهرة: مطبعة حجازي، ص111، خزانة الأدب, له أيضا، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، 1979م، 1/322. ثعب الماء: فجره، وماء ثعب: سائل، والمثعب: مسيل الوادي• اللسان: (ثعب).
(5) يشير المؤلف بذلك إلى إحدى روايات حديث افتراق الأمة التي عينت الفرقة الناجية بأنها السواد الأعظم، من حديث  أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت بنو إسرائيل على إحدى و سبعين فرقة ، و إن أمتي ستفترق على ثنين و سبعين فرقة كلهم في النار إلا السواد الأعظم . (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت بنو إسرائيل على إحدى و سبعين فرقة ، و إن أمتي ستفترق على ثنين و سبعين فرقة كلهم في النار إلا السواد الأعظم" . أخرجه أبو يعلى في مسنده (3938)، (3944).
(6) أخرجه أحمد (4419، 4607، 4945، 5123)، والبخاري (2950، 5790)، ومسلم (3265-3269)، والترمذي (1507)، وأبو داود (2375).
(7) أخرجه مسلم (3271، 4925)، وأخرجه أيضا: أحمد (10611، 10716، 10743، 11190)، والترمذي (2117)، وابن ماجه (2864، 3990).
8- جاء في ختمة النسخة (س) مايلي: "نقلته من خط من قال فيه ما لفظه: تم المراد نقله من خط مؤلفه -رحمه الله- اللفظة باللفظة, والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا". وجاء في آخر النسخة (ص): "نقلته من خط سيدي العلامة عبد الله بن محمد الأمير رضي الله عنهما".
*زهير
30 - يوليو - 2008
البحث المطول    كن أول من يقيّم
 
حديث "افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة" رواياته كثيرة يشدُّ بعضها بعضاً، بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها. وفي رواية أبي داود عن معاوية، قال: "قام فينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال : " أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ أَلا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ " 
وفي رواية:  "وإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمُ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ، فَلا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إِلا دَخَلَهُ".
 وفي رواية الترمذي عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال:  " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّة، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاّمِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ" مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي".
 والإشكال في قوله: "كلها في النار إلاَّ ملَّة" فمن المعلوم أنهم خير الأمم، وأن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة، مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض -حسبما صرَّحت به الأحاديث (1) - فكيف يتمشَّى هذا؟ فبعض الناس تكلَّم في ضعف هذه الجملة وقال : هي زيادة غير ثابتة، (2) وبعضهم تأوَّل الكلام بأن الفرقة الناجية صالحو كل فرقة، وهو كلام منتقض لأن الصلاح إن رجع إلى محل الافتراق، فهم فرقة واحدة لا أفراد من الفرق، وإن رجع إلى غير ذلك فلا دخل له، لأن الكلام إنهم في النار لأجل الافتراق وما صاروا به فرقاً، ثم إن الناس صنّفوا في هذا المطلب وأخذوا في تعداد الفرق ليبلغوا بها إلى ثلاث وسبعين، ثم يحكم كل منهم لنفسه ومن وافقه بأنه الفرقة الناجية، وإنما يصنعون ذلك لادِّعاء كل منهم أنه على "ما كان عليه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأصحابه"، كما صرَّح بذلك صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم اتَّفق عليه جميع الفرق الإسلامية، إنما ينحصر النظر فيمن الباقي على ما كان عليه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأصحابه•
ومن المعلوم أن ليس المراد أن لا يقع منها أدنى اختلاف، فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة، إنما الكلام في مخالفة تُصيِّر صاحبها فرقة مستقلة ابتدعها، وإذا حقّقت ذلك، فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل وفي ما تترتب عليه عظائم المفاسد، لا يكاد ينحصر. ولكنها لم تخصّ معيَّنا من هذه الفرق التي قد تحزّبت والتأم بعضهم إلى قوم وخالف آخرين بحسب مسائل عديدة، حتى أدخلوا نوادر المسائل وما لا ضرر في مخالفته، فربما لم يكن من مهمات الدين أو لم يكن من الدين في شيء، ولكن كلٌّ تسمَّى باسم مدح اخترعه لنفسه، وصاروا يجعلون المسائل شعاراً لهم من دون نظر في مكانة تلك المسألة في الدين، والخوارج يسمّون نفوسهم الشراة، والأشاعرة يسمّون نفوسهم أهل السنَّة، والمعتزلة يسمّون نفوسهم العدلية أو أهل العدل والتوحيد، لأن خصمهم يثبت الصفات أموراً مستقلة فليسوا بموحّدين، أو لأنهم مشبهة أما صريحاً أو إلزاماً (3) ونحو ذلك مما تخبرك به كتب المقالات والكلام.
 والإنصاف أن كلاًّ منهم قد اخترع مالم يكن في زمن النبي صلَّى الله عليه و آله وسلَّم، والصحابة رضي الله عنهم، واختلفت البدع فمن كبير وأكبر، وصغير وأصغر، وما بينهما، أعني الكبر والصغر اللغويين لا الاصطلاحيين، فذلك مما لا سبيل إليه إلاَّ بالتوقيف، والمفروض أن هذه أشياء مخترعة فكيف التوقُّف على ما لم يُذكر بنفي ولا إثبات، إنما غايته أن يكون دخل في عموم نهي أو نحو ذلك، فتعين الفرق وتعدادها فرقة فرقة وأنها هي التي أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مما لا سبيل إليه البتَّة، إنما تكلموا فيها خبطاً وجزافاً، سهَّل لهم ذلك وجرَّأهم عليه البدعة الأولى التي خالفوا بها السنة•
فإن قلتَ: ومن ذا الذي بقي على ما كان عليه النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأصحابه، ولم يشارك الناس في تحزُّبهم وابتداعهم؟
قلتُ: أما في العصور المتقدِّمة، فكان ذلك هو الغالب، وما زالوا من عام إلى عام يرذلون، وأما الآن في زمن الغربة، فأما من يرجع إليه في مسائل الدين وهم المتفقِّهة، ففي غاية القلة، وبذلك تصدق الغربة، لأن العلماء هم المُعْتدّ بهم، وبهم يصير الدين غريباً وأهيلا، على أنهم قد قَلُّوا في أنفسهم لا تكاد تجد اليوم مدَّعيا عنده بيِّنة، وأما الأعصار المتوسطة من المئتين إلى سبع مئة تقريباً ففيها ثورة العلماء وجلة الجهابذة الحكماء، وما شئت أن تأخذ منهم من خير وشر وجدته، أما الخير فبتحقيق فنون العلم وبثّها، وأما الشر فبتأييد الفرقة•
والحاصل أن الناس عامة وخاصة، فالعامة: آخرهم كأولهم، فالنساء والعبيد ورعاء الشاء والفلاحون والسوقة ونحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء، فلاشك في براءة آخرهم من الابتداع كبراءة أولهم، وليس لك أن تقول: فنسمّيهم أهل السنَّة، والخاصة أهل البدعة، لأن هؤلاء الذين ذكرناهم ليسوا من التسميتين في شيء ، إنما يُسمّون بما دخلوا فيه وعقلوه وهو الإسلام، وذلك شأن مثلهم في عصر الصحابة رضي الله عنهم.
 وأما الخاصة:
فمنهم مبتدع اخترع البدعة وجعلها نصب عينيه وبلغ في تقويتها كل مبلغ وجعلها أصلاً يردّ إليها صرائح الكتاب والسنّة، ثم تبعه أقوام من نمطه في الفقه والتعصُّب، وربما جدَّدوا بدعته وفرَّعوا عليها وحمَّلوه ما لم يتحّمله، ولكنه إمامهم المقدَّم، وهؤلاء هم المبتدعة حقاً، وهو شيء كبير، لكن تخلف تلك البدعة في كونها ذات مكانة في الدين تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا  ]طه: 90 [ هذا كَنَفْي حكمة الله تعالى، وكَنَفْي إقداره المكلف وككونه يكلف ما لا يطاق ويفعل سائر القبائح، ولا تقبح منه، وأخواتهن، ومنها ما هو دون ذلك، وحقائقها جميعاً عند الله تعالى، ولا ندري أيّها يصير صاحبها إحدى الثلاث والسبعين فرقة•
ومن الناس من تبع هؤلاء وناصرهم وقوَّى سوادهم بالتدريس والتصنيف، ولكنه عند نفسه راجع إلى الحق وقد دسّ في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه خفي، ولعلَّه تخيّل مصلحة دنيئة أو عظم عليه انحطاط نفسه وإيذاؤهم له في عرضه، وربما بلغت الأذيَّة إلى نفسه، وعلى الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل وتخبّط في تصرفاته وحسابه على الله سبحانه، أما أن يحشره مع من أحب بظاهر حاله أو يقبل عذره، وما تكاد تجد أحداً من هؤلاء النظار إلاّ قد فعل ذلك، لكن شرهم والله كثير فإن الشر عم والخير خص، وربما لم يقع خيرهم بمكان، وذلك لأنه لا يفطن لتلك اللّمحة الخفية التي دسوها إلاّ الأذكياء المحيطون بالبحث، وقد أغناهم الله بعلمهم عن تلك اللمحة، وليس بكثير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق ويخفيه، والله المستعان•
ومن الناس من ليس من أهل التحقيق ولا هُيِّء للهجوم على الحقائق، وقد تدرَّب في كلام الناس وعرف أوائل الأبحاث وحفظ كثيراً من غثاء ما حصّلوه، ولكن أرواح الأبحاث بينه وبينها حائل، وقد يكون ذلك لقصور الهمّة والاكتفاء والرضا من السلف لوقعهم في النفوس، وهؤلاء الأكثرون عددا والأرذلون قدراً، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة ولا أدركوا سلامة العامة،
فالقسم الأول من الخاصة مبتدعة قطعاً،
والثاني ظاهره الابتداع،
والثالث له حكم الابتداع،
وتكليفنا معاملة كلّ من الثلاثة معاملة المبتدعة في ما يتعلَّق بذلك، وحسابهم إلى الله سبحانه وتعالى•
ومن الخاصة قسم رابع: ثلَّة من الأوَّلين وقليل من الآخرين، أقبلوا على الكتاب والسنَّة وساروا بسيرهما وسكتوا عما سكتا عنه وأقدموا وأحجموا بهما، وتركوا تكلف ما لا يعنيهم، وكان تهمهم السلامة، وحياة السنة آثر عندهم من حياة نفوسهم، وقرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى وفهم معانيه على السليقة العربية والتفسيرات المروية، ومعرفة ثبوت حديث نبوي لفظاً وحكماً، فهؤلاء هم السنية حقاً وهم الفرقة الناجية، وإليهم العامة بأسرهم ومن شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين بحسب علمه بقدر بدعتهم ونياتهم•
إذا حقَّقت جميع ما ذكرنا لك لم يلزمك السؤال المحذور وهو الهلاك على معظم الأمة، لأن الأكثر عدداً هم العامة قديماً وحديثاً، وكذلك الخاصة في الأعصار المتقدِّمة، ولعلَّ القسمين الأوسطين وكذا من خفّت بدعته من الأول، وتنقذهم رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية، ورحمة ربك أوسع لكل مسلم، لكنّا تكلمنا على مقتضى الحديث ومصداقه، وأن أفراد الفِرَقْ المبتدعة وإن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزء من ألف جزء من سائر المسلمين، فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة هذا الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة.
 ومن العامة باعتبار المتعبّدة الذين تورَّعوا عن هذه المباحث وإن كانوا قد تصوّروها ولكن تورَّعوا عن معاودتها وتحقيق بعضها وتزييف بعض، وجعلوا نفوسهم كأنهم من العامة الصرف وأقبلوا على ما يعنيهم من العبادة، ولست أعني المتصوّفة الذين فاضت بدعتهم من جوانب البسيطة، رأس مالهم الغناء وبضاعتهم الدعوى، وربحهم قلة الحياء، ولكن قوماً كانوا في الأولين كثيراً شغلهم ما يعنيهم عمَّا لا يعنيهم، آثروا إصلاح النيات، ومراقبة عالم الخفيات، وظهر عليهم شعار الإخبات، حتى قبض الله تلك النفوس المطمئنات  :
فطوبى لها من أنفس مطمئنة     مشت مشيها فوق البـسيطة بالتي
يقول لها الرحمن جل جلاله        رضيت وأرضيت أدخلي اليوم جنَّتي
  
إن قلتَ: فما النجاة في عصرنا الذي شأنه ما ترى، وأي عصمة من هذا الداء الذي عمَّ القرى؟•
قلتُ: الذي دلَّ على الداء دلَّ على الدواء، وإنما الخلل من عدم القبول بعدم الاستعمال، وبعد تنظيف الجسم من تلك الأخلاط المتعفِّنة فقدِّر نفسك بين يدي ملك الموت، ثم أنظر ما الذي تحبه هناك فاستعمله الآن، وهذا هو السقمونيا (4) لتلك الأخلاط، ثمَّ استعمل هذا المرهم المباركْ•
أخرج الشيخان وأبو داود من حديث حذيفة بن اليمان المخصوص بتلك الخصيصة -رضي الله عنه – قال : "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ على أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ "
فانظر يا طالب النجاة هل ادخر عنك هذا الحديث نصحاً أو ترك تعلة إلا لمن أعرض عن الإنصاف لنفسه صفحاً، وانظر قول الصادق المصدوق صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: إن الخير بعد الشر فيه دخن، فإنه لم يقع الخير محضاً بعد وقوع الخلاف المستقر الذي هو الشر كل الشر، ثم كان للمسلمين إمام وجماعة مع ذلك الدخن، فلزمه بقايا الصحابة -رضي الله عنهم- ثم استحكم الشر وصار المسلمون أجناداً مجنَّدة، والدعاة على أبواب جهنّم من أئمة الضلال من أهل العلم وأهل الأمر إلى يومك هذا، وكل يدَّعي أنه متمسك بالسنة، فمنهم من عنده شطر صالح من السنة، ومنهم من بقي له كلمة الإسلام ويغر نفسه بالدعاوى ويستدرج الغافلين، وما زال الأمر متفاوتاً والخير والشرّ كفَّتي ميزان يرتفع هذا عند هذا آونة وينخفض أخرى، تارة بحسب السيرة، وتارة بحسب العلم، وتارة بحسب العمل، والناس أو كثير منهم على دين الملك وغالب الأحوال، والخطباء يشهدون لهم على رؤوس الأعواد كما يشهدون لأئمة العلم الذين شيَّدوا حصون البدع، ودار على رحائهم حلّ عقد السنة جمع، هذا يثبت سنة ويعقد بجنبها راية بدعة، والآخر ينكر تلك البدعة فيصيب، ولكن يجره الخصام إلى هدم تلك السنة، فيصبح أيضا قد أقام سنة وشيَّد بدعة، فكل منهم قد خلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً وشارك هذه الأمراء في هتك تلك الأستار وسفك تلك الدماء ونهب تلك الأموال وثلب تلك الأعراض، وهذا عصرنا أحسن الله عاقبتنا وجميع المسلمين له الحظ الأوفر من الخبط: جند في الروم ، وجند في العراق، وجند في اليمن، وجند في عُمان، وأجناد في السند والهند والمغرب وجميع أقطار الإسلام زاده الله ظهوراً، والأمر كما قيل:
وذا زمانك فانظر في حوادثه  فالوصف يقبح للمحسوس بالبصر
وفي كل خير قد شملهم وهو كلمة الإسلام، فاعرفها لهم وارع حقها، وما أصعب ذلك، ولا تظلمهم من صفات الخير التي علمت لهم شيئا، ولا تحبطها بجنب شرورهم فليس ذلك إليك، وابرأ إلى ربك من شرورهم، ولا تسوين بين الثرى والثريا منهم، فإن تفاوتهم الآن أكثر من ذلك، فاحكم بما دهمك من العلم بأحوالهم إن الجأك إلى ذلك ملجئ، وما ألبس عليك فعندك من خوف الشر فضلاً عن طلب الخير شغل شاغل، وهذا الصراط المستقيم الذي وصَّانا الله تعالى مستقيماً فاسلكه ولا يضرك أن تفرق الرفقاء يميناً وشمالاً، وماداموا فيه فهم رفقاء، وحين تتفرَّق بهم الطرق فلا عليك منهم ما دمت في وسطه، فإن انحزت إلى فرقة ممن سلك بنيات الطريق  فقد اعذرت، وإن زعمتَ أن أحد هذه الفرق لم يمل عن الصراط قيد شبر فقد جهلت، وإن قلتَ بعضهم مقارب وبعضهم أبعد فقد صدقت، ولكن لا تدري مقدار القرب والبعد عند ربك، وإن السلامة لزوم وصية ربك، وهذا منّا لما قال سبحانه: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] العصر: 3 [ ونسأله الهداية والتوفيق آمين•
والحمد لله رب العالمين
.
 
________________________________
(1) يشير المؤلف بذلك إلى حديث عبد الله بن مسعود الذي أخرجه البخاري (6163)، ومسلم (221)، ولفظ البخاري: "قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ،  قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا:نَعَمْ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأحْمَرِ".
(2)  هذا قول إبن حزم في الفصل في الملل والنحل 3/248•
(3)  الإلزام: من مصطلحات (علم الكلام)، ولم أقف له على تعريف واضح فيما وقفت عليه من مصادر هذا العلم، ولكن مفاده أن بعض الآراء والأقوال قد يُستنتج منها نتائج لم تكن في حسبان قائلها (كاتبها)، ولم يسعَ إليها، بل إنه يتبرأ من هذه النتيجة المستوحاة من أقواله ولا يقرّها، فهي على عكس ما يؤمن به ويعتقده، فكأنّ الإلزام هو إلزام الآخر (المخالف في الرأي) بقول لم يقل به، أو نتيجة لم يلتزم بها، ومما يؤسَف له أن معظم المسائل التي تبادلت الفرق الإسلامية بسببها تهم التفسيق والتكفير فيما بينها كانت على أساس هذه القاعدة، ومن ذلك على سبيل المثال ما يسمى في مصطلحات المتكلمين في مسألة الصفات: (التجسيم) و(التعطيل)، فمن المعلوم اتفاق المسلمين جميعاً على أن الله سبحانه وتعالى منـزّه عن كل نقص، متصف بكل كمال، وعندما بدأ البحث في مسائل التوحيد (علم الكلام)، ومنها مسائل صفات  الله عز وجل كالوجه واليد والكلام والاستواء.. الواردة في القرآن والسنة، فقد فسّرها أهل السنة الأوائل على ظاهرها (على منهج المحدثين) من غير تأويل، فاتهمهم خصومهم من المعتزلة بالتشبيه والتجسيم، وعندما بحث المعتزلة هذا الموضوع (على منهج المتكلمين) سعوا إلى تأويلها بطريقة تنـزّه الله تعالى عن التجسيم، أو تشبيهه بخلقه..الخ، فاتهمهم خصومهم بالتعطيل، وهكذا الحال في أغلب المسائل التي جرّ إليها البحث، وتعمقت بسببها الخلافات، واستحكم التعصب بين الفرق، وتبادلوا نتيجة لها تهم التفسيق والتكفير فيما بينهم، وما نتج عنها من استحلال الدماء واستباحة الأموال والأعراض، ومن الأمثلة على ذلك ما جرى لفرقة المطرّفية من الزيدية في اليمن في نهاية القرن السادس للهجرة وبداية القرن السابع، فقد كفّرهم الإمام المنصور عبد الله بن حمزة (ت 614هـ)، وهو من أبرز علماء وأئمة الزيدية باليمن، كفّرهم بطريق الإلزام، وأبادهم نتيجة لذلك، واستحل دمائهم، وسبى نسائهم، وخرّب بلدانهم ومساجدهم ومدارسهم..إلخ.
(4) السقمونيا: نبات طبي اسمه العلمي: Convolvulus Scammonia يُستخرج من جذوره عصارة راتنجيه صمغية كثيرة الاستعمال الطبي، وتعد من أقوى المسهلات المعروفة آنذاك، وتستخدم مع مادة أخرى لطرد الديدان والطفيليات. أنظر: تذكرة أولي الألباب لداود الأنطاكي 274، القاموس المحيط، مادة) سقم)
*زهير
30 - يوليو - 2008
تصويب خطأ شائع    كن أول من يقيّم
 
ورد في التعليق الذي يحمل عنوان (البحث المطول) في هذا الملف الحديث:
"وإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمُ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ، فَلا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إِلا دَخَلَهُ".
وقد رأيت في كثير من المواقع المهتمة بنشر الحديث النبوي هذا الحديث، وفيه ضبطت (الكلب) بسكون اللام، وهو خطأ لا محالة والصواب أنه بفتح اللام. قال ابن الأثير في (النهاية):
ومنه الحديث تَتَجارى بهم الأهْوَاء كما يَتجارى الكَلَبُ بصاحِبه أي يَتواقَعُون في الأهواء الفاسدة، ويَتَدَاعَوْن فيها، تَشْبِيها بِجَرْى الفَرس. والكَلَبُ بالتحريك:داء معروف يعْرض للكَلْب، فَمن عَضَّه قَتَله.
*زهير
3 - أغسطس - 2008
ملحوظة     كن أول من يقيّم
 
ورد في مقدمة المحقق : " أحمد بن علي بن مطير الحكمي (ت 1068هـ)، " . وفي خلاصةالأثر للمحبي ، ص158ص159 ، نشرة الوراق : " الشيخ أحمد أبو العباس بن علي بن محمد بن إبراهيم مطير الحكمي اليمني الشافعي...ووكانت وفاته يبلدهم عيسى الحصن من المخلاف السليماني باليمن في سنة خمس وسبعين وألف رحمه الله ..."
*ياسين الشيخ سليمان
9 - أغسطس - 2008
مفاضلة بين روايتي الحديث    كن أول من يقيّم
 
رأيت على مسودة البحث المنشور بخط صديقنا السريحي هذه النادرة، ويبدو أنه لم ينشرها في الكتاب، وهو كلام المقدسي في (أحسن التقاسيم: نشرة الوراق ص 12) يرجح فيها رواية (كلها في الجنة إلا واحدة) قال:
(وقالت طائفة من الكرامية كل مجتهد مصيب في الاصول والفروع جميعا إلا الزنادقة، واحتج صاحب هذه المقالة، وهو قول جماعة من المرجئة بخبر النبي صلى الله عليه وسلم،" يفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتين وسبعين في الجنة وواحدة في النار. وقال بقية الأئمة: لا مصيب إلا من وافق الحق وهم صنف واحد، واحتجوا بالخبر الآخر إثنتان وسبعون في النار وواحدة ناجية وهذا أشهر، إلا أن الأول أصح أسنادا والله أعلم. فإن صح الأول فالهالكة هم الباطنية، وإن صح الثاني فالناجية السواد الأعظم)
 
 
*زهير
13 - أغسطس - 2008
 1