هذا باب وددت أن أطرقه ، وأزاحم أهل الاختصاص فيه ، وعلى رأسهم أستاذنا زهير حفظه الله . يذكر السيوطي في " المزهر " في " معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف " قوله " كالذي ورد بالباء والتاء أو بالباء والثاء أو بالتاء والثاء أو بالباء والنون أو بالتاء والنون أو بالثاء والنون أو بالجيم والحاء أو بالجيم والخاء أو بالحاء والخاء أو بالدال والذال أو بالراء والزاي أو بالسين والشين أو بالصاد والضاد أو بالطاء والظاء أو بالعين والغين أو بالفاء والقاف أو بالكاف واللام أو بالراء والواو وقد رأيتُ من عدّة سنين في هذا النوع مؤلّفاً في مجلد لم يُكتب عليه اسمُ مؤلفه ولا هو عندي الآن حالَ تأليف هذا الكتاب ورأيتُ لصاحب القاموس تأليفاً سماه تحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين ولم يحضر عندي الآن فأعْملت فِكري في استخراج أمثلةٍ ذلك من كتب اللغة والأصلُ في هذا النوع ما أورده أبو يعقوب بن السكيت في كتاب الإبدال عن أبي عمرو قال: أنشدت يزيد بن مِزْيد عَدوفاً فقال: صحّفت يا أبا عمرو قال: فقلت لم أصحف لغتكم عذوف ولغة غيركم عدوف ... " فالمقصود بهذا أنّ العرب اعتادت في بعض كلامها إبدال حرف بحرف آخر مشابه لها للدلالة على الكلمة ذاتها. ومن هذا القبيل إبدال السين شينا ، فقد جاء فب تاج العروس " غبش 17 :287 288 وذكر شَمِرٌ الكلمات التي جاءت بالسين والشين وهي تسعة، وزاد الصاغاني ثماني عشرة كلمة أخرى ...وجاء في العباب (عن حاشية التاج) رقم قال شمر: جاء حروف كثيرة بالسين والشين في معنى واحد، قالوا للكلاب إذا خرقت فلم تدن للصيد: عرست وعَرِشت، وجاءنا بسراة إبله وشراتها، وجاحس عنه وجاحش عنه، وسدفة من الليل وشدفة منه،ورَوسم ورَوشم، وتسميت العاطس وتشميته، سناسن وشناشن لرؤوس العظام، وسوذق وشوذق للصقر، سمرت وشمرت, قال: وذلك لأن العرب لا تعرف الهجاء، فإذا قربت مخارج الحروف أدخلوها عليها وأبدلوها منها, وزاد الصاغاني مؤلف هذا الكتاب رحمه الله تعالى كلمات وهي: سباط وشباط، السطرنج والشطرنج، البرساء والبرشاء، الجعسوس والجعشوش، البرنساء والبرنشاء، وألحق الحس بالإس، والحش بالإش، والدنقسة والدنقشة، والرعوس والرعوش، والقدعوس، والقدعوش، والنخس والنخش، والنهس والنهش، والإرعاس والإرعاش. ولعل أشهر ما ألف في هذا الباب كتاب " تحبير الموشين في ما يقال بالسين والشين " للفيروزآبادي ، وقد صدر محققا بعنوان آخر هو تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين (طبعة دار قتيبة ، 1983) وكذا طبعة الدار المصرية اللبنانية ، 1999 . وكنت قد قرأت في مجلة الفيصل سنة 1999 (على ما أذكر) خبرا مفاده تحقيق ونشر هذا الكتاب ، للمرة الأولى ، على يد محققه أحمد عبد الله باجور ، وهذا ، ولا ريب ، خطا شنيع ، فقد سبقه إلى ذلك بعقود العلامة ابن أبي شنب ، وقد سارعت إلى توضيح الأمر عبر رسالة وجهتها إلى المجلة ، لا أعتقد أنه كتب لها النشر . ثمّ انني قرأت للدكتور " محمد خير البقاعي " مقالا في جريدة الجزيرة السعودية ، يصب في ذات الاتجاه ، أنقل بعضا مما ورد فيه تعميما للفائدة : "قرأت في صحيفة الشرق الأوسط، العدد 7924، الثلاثاء 8 آب (أغسطس) 2000م/ الموافق 8 جمادى الأولى 1421ه، ص17، وفي صحيفة الحياة، العدد 13673، الجمعة 18 آب (أغسطس) 2000م/ الموافق 18 جمادى الأولى 1421ه، ص4 (تراث) خبراً من القاهرة يذكر ان الدار المصرية اللبنانية في القاهرة أصدرت مخطوط تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين للفيروزابادي صاحب القاموس المحيط في طبعة محققة, وعثر على هذا المخطوط محققه أحمد عبدالله باجور في مكتبة المخطوطات في المسجد النبوي والمخطوط، حسب الخبر، لم ينشر من قبل، وإن كان طبع في سنة 1927م في القاهرة وسنة 1327ه في الجزائر. وإذا نحن حكمنا على الطبعة انطلاقا مما أورده الخبر عن سبب تأليف الكتاب فإن ذلك من الدواهي التي تنزل بالنصوص التراثية، يقول الخبر: (,, وعن سبب تأليفه لهذا الكتاب يذكر محمد بن يعقوب الفيوزرابادي: إني قرأت على بعض مشيختي جزء حديث جرى فيه ذكر التسمية، فنطقت فيها بالسين والشين، فسألني المستمع عن نظارها في كلام العرب، وكنت أستحضر منها زهاء خمسين، فابتدرني إلى الجواب من الحاضرين شيخ ملسون (حلو اللسان) من الحراسين، فقال: لا نظير لها سوى أربعة ألفاظ: الشطرنج، والنشم، والشبت، والشناسين، فقلت له أطرق كرا، فإن شجلك بلا تسعين وأخواتها ينيف على تسعين فلا تك من تعسين، فعجب لذلك أكثر الحاضرين، وقالوا: لا يطيق هذا الاستحضار أسنة من الأسين، فاقتضى ذلك جمعي هذه الألفاظ تذكرة لخطابهن ولولاها نسين، وسميته تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين ). وإن في هذا النص مجموعة من الأخطاء لست أدري أهي تطبيعات أم أن المحقق وقع فيها، ويبدو لي من بعض القرائن في النص أن الصحيفة والمحقق اتفقا ربما دون سابق إصرار وتصميم على تشويه النص القصير فكيف حال الكتاب كاملاً. أقول هذا اعتمادا على خبرتي بهذا النص الذي استهواني منذ عام 1401ه/ 1981م فقرأته في طبعة المرحوم الأستاذ محمد بن أبي شنب سنة 1327ه في الجزائر، وهي طبعة نادرة عزيزة أخرجها المحقق على خير ما يكون الإخراج، وبذل في سبيل ذلك جهدا سجلته له في مقدمتي لتحقيق الكتاب من جديد، وقد أخرج الأستاذ أبو شنب الكتاب على نسختين وصفهما فقال: وقد اعتمدنا على نسختين إحداهما ب مخطوطة بخط مغربي جلي مضبوطة في أكثرها بالشكل الكامل، وهي قليلة الأغلاط، ومقابلة على نسخة أخرى مجموع أوراقها 18 في كل صفحة 15 سطراً، والثانية ج ضمن جملة عدة مقالات أدبية ولغوية في آخر نسخة القاموس المحفوظة تحت عدد 246 و 4 في المكتبة الدولية بالجزائر , وقلت حينئذ: إنني عثرت على مخطوطة في دار الكتب الظاهرية العامرة لم يتيسر للأستاذ أبي شنب أن يطلع عليها، ناهيك عن ندرة الطبعة الأولى. أنهيت إعادة النظر في الكتاب لسبع ليال خلت من ذي القعدة المبارك من عام واحد بعد الأربع مئة وألف من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الموافق لعشرين ليلة خلت من أيلول عام واحد وثمانين وتسع مئة وألف لولادة المسيح عليه السلام،ولم يصدر الكتاب إلا في عام 1403ه/ 1983م عن دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع في دمشق " (انتهى كلام الدكتور البقاعي) ********** وقد اتضح لي أن الكتاب ذاته ينسب إلى "سليمان ابن يونس بن خطاب " وقد انفرد بذلك إسماعيل باشا البغدادي في كتابه إيضاح المكنون . كما ذكر الباحث أحمد سعيد هواش خبر تحقيق الكتاب من قبل جميل بن مصطفى بن محمد حافظ بن عبد الله باشا العظم ، فقال " ومن مصنفاته المطبوعة أيضاً: «تحبير الموشين في التعبير بالسين والشين»، وهي رسالة لغوية للإمام أبي يعقوب محمد الفيروزآبادي صاحب القاموس، نشر منها في مجلة البصائر ثم طبعها كلها " (جريدة الأسبوع الأدبي ، ع 1096 ، 22 مارس 2008) . |