بداية الكلام كن أول من يقيّم
أخي الكريم زين الدّين حفظه الله ورعاه: ما برحت تطرح على بساط البحث مسائل شائقة ومفيدة، ومنها هذا المبحث: Les Sarasins الموضوع طويل وشائك، أحسب أنني سأجيب عليه على مراحل.. وهذا أوان الشروع: بالإجمال: التعبير أوروبي أطلقه الأوروبيون في القرون الوسطى على الفاطميين في بداية الأمر، ثم جرى تعميمه على كل من يدين بالإسلام. أصل الكلمة من اليونانية: Σαρακηνός (ساراكينوس)، التي يُظن أنها مشتقة من العربية: "الشرقيين"، فانتشر التعبير في أوروبا الغربية من خلال بيزنطة وموجات الحروب الصليبيبة. وبعد انتشار الإسلام واتصال الغرب به في حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة في فترة الحروب الصليبية (القرن العاشر إلى الثالث عشر للميلاد) تمّ تعميم المفهوم ليشمل المسلمين، من العرب وغير العرب على حدّ سواء (أتراك، أمازيغ، وسواهم)، وبخاصّة مسلمي صقلية وجنوبي شبه جزيرة إيطاليا. كما شاع في النصوص المسيحية مفهوم يشتق التسمية كما أوردت في مدخلك، يعني: القوم الذين تناسلوا من غير "ساره" زوجة النبي إبراهيم (عليه السلام)، لكونهم من أحفاد الجارية المصرية "هاجار" (هاجر في العربية)، وسمّوا لذلك بـ "الهاجريين" نقلاً عن اليونانية: Ἀγαρηνοί (أجارينوي). وأقدم ذكر تاريخ للـ "السّراسنة" (كما قمت أخي زين الدين بتعريب المصطلح، ولم أقرأه بالعربية من قبل) يرد في كتاب "الجغرافيا" لبطليموس السّكندري (في القرن الثاني للميلاد)، حيث يذكر "ساراكينيه" على أنها منطقة في شمال سيناء، سميت بذلك نسبة إلى بلدة "ساراكا" التي يحددها ما بين مصر وفلسطين. كما يذكر بطليموس قوماً يدعوهم "ساراكينوي" (بصيغة جمع المذكر اليونانية) يعيشون في شمال غرب جزيرة العرب. كما يشير أوسيبيوس القيصري مؤرخ الكنيسة المشهور في تاريخه الكنسي إلى "السّراسنة" (ساركينوي) وأنهم أسروا بعض جنود الرومان، وكانوا يتصفون بالوحشية (ويسميهم برابرة). كما يرد في كتاب "تاريخ آوغسطوس" Historia Augusta المكتوب عام 400 م ذكر لهجوم قام به السّراسنة Saraceni على جيش روماني في مصر Aegyptus جرى في عام 193 للميلاد، دون أن يقدم معلومات عن هذا الشعب. أكتفي اليوم بهذا القدر على أن أتابع غداً.. والموضوع طويل وشائق، لكنه أيضاً شائك! لكن دعني أوضح لغوياً: اللفظ "سراسنة" مغلوط، حسب اللغة اللاتينية التي يلفظ فيها حرف C المتبوع بحرف العلة e سيناً.. والصواب أنه في اليونانيّة Κ (كاپا)، ويقابله في العربية: كاف أو قاف. كقولهم: توسيديديس (المؤرخ المشهور صاحب الأناباسيس)، والصواب فيه: توكيديديس. على ذلك: العبارة ينبغي أن تكون: السراقنة، أو السراكنة. في الفرنسية صارت بالسين: سارازان، وأطلقت على القمح الأسمر.. لكن هذا كله غلط. وللحديث بقيّة. ملحوظة: حرف جاما اليوناني γ استبدلته هنا بجيم عربية، وهذا الصواب، بدلاً من الغين أو الكاف الفارسية. تعقيباً على كلامنا الفائت حول معضلة حرف G.. |