البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : حول مصطلح " السراسنة " ...    كن أول من يقيّم
 زين الدين 
19 - يوليو - 2008
الإخوة الأفاضل ،
تحية طيبة ،
أغتنم وجود الأستاذ أحمد أيبش بيننا ، فضلا عن سراة الوراق الأعزاء ، لأسأله عن أصل كلمة سراسنة Sarrasins (باللاتينية Saracens) في اللغات الأجنبية .
وإذا كانت هذه الكلمة ، قد أطلقها "الافرنجة " على العرب والمسلمين باعتبارهم كفار (خارجين عن العقيدة المسيحية) (أنظر ترجمة سهيل إدريس في المنهل) ، فإنّ أصلها اللغوي مختلف فيه ...
فالبعض يعتبر أنّ أصلها مشتق من اسم "سارة" (زوجة إبراهيم عليه السلام) (أنظر كتاب الإسلام والمسيحية لأليكسي جورافسكي)، على الرغم من أنّ العرب هم من ذرية هاجر .
فيما يرى يوحنا الدمشقي أنّ المصطلح يعني القوم المنحرون من المرأة التي طردتها سارة (ek tes Sarras kenous) (سفر التكوين ، 21 ، 10ـ14)
فيما يرى البعض أن المصطلح هو ترجمة حرفية (نقحرة : نقل حروف لغة إلى أخرى) لكلمة شرقي ...(أنظر كتاب بوعلام بن حمودة حول الكلمات الإسبانية من أصل عربي)  ...
فأي الآراء أقرب إلى الصواب ؟
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بداية الكلام    كن أول من يقيّم
 
أخي الكريم زين الدّين حفظه الله ورعاه:
ما برحت تطرح على بساط البحث مسائل شائقة ومفيدة، ومنها هذا المبحث: Les Sarasins
الموضوع طويل وشائك، أحسب أنني سأجيب عليه على مراحل.. وهذا أوان الشروع:
 
بالإجمال: التعبير أوروبي أطلقه الأوروبيون في القرون الوسطى على الفاطميين في بداية الأمر، ثم جرى تعميمه على كل من يدين بالإسلام.
أصل الكلمة من اليونانية: Σαρακηνός (ساراكينوس)، التي يُظن أنها مشتقة من العربية: "الشرقيين"، فانتشر التعبير في أوروبا الغربية من خلال بيزنطة وموجات الحروب الصليبيبة. وبعد انتشار الإسلام واتصال الغرب به في حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة في فترة الحروب الصليبية (القرن العاشر إلى الثالث عشر للميلاد) تمّ تعميم المفهوم ليشمل المسلمين، من العرب وغير العرب على حدّ سواء (أتراك، أمازيغ، وسواهم)، وبخاصّة مسلمي صقلية وجنوبي شبه جزيرة إيطاليا.
كما شاع في النصوص المسيحية مفهوم يشتق التسمية كما أوردت في مدخلك، يعني: القوم الذين تناسلوا من غير "ساره" زوجة النبي إبراهيم (عليه السلام)، لكونهم من أحفاد الجارية المصرية "هاجار" (هاجر في العربية)، وسمّوا لذلك بـ "الهاجريين" نقلاً عن اليونانية: γαρηνοί (أجارينوي).
وأقدم ذكر تاريخ للـ "السّراسنة" (كما قمت أخي زين الدين بتعريب المصطلح، ولم أقرأه بالعربية من قبل) يرد في كتاب "الجغرافيا" لبطليموس السّكندري (في القرن الثاني للميلاد)، حيث يذكر "ساراكينيه" على أنها منطقة في شمال سيناء، سميت بذلك نسبة إلى بلدة "ساراكا" التي يحددها ما بين مصر وفلسطين. كما يذكر بطليموس قوماً يدعوهم "ساراكينوي" (بصيغة جمع المذكر اليونانية) يعيشون في شمال غرب جزيرة العرب. كما يشير أوسيبيوس القيصري مؤرخ الكنيسة المشهور في تاريخه الكنسي إلى "السّراسنة" (ساركينوي) وأنهم أسروا بعض جنود الرومان، وكانوا يتصفون بالوحشية (ويسميهم برابرة).
كما يرد في كتاب "تاريخ آوغسطوس" Historia Augusta المكتوب عام 400 م ذكر لهجوم قام به السّراسنة Saraceni على جيش روماني في مصر Aegyptus جرى في عام 193 للميلاد، دون أن يقدم معلومات عن هذا الشعب.
 
أكتفي اليوم بهذا القدر على أن أتابع غداً.. والموضوع طويل وشائق، لكنه أيضاً شائك!
لكن دعني أوضح لغوياً: اللفظ "سراسنة" مغلوط، حسب اللغة اللاتينية التي يلفظ فيها حرف C المتبوع بحرف العلة e سيناً.. والصواب أنه في اليونانيّة Κ (كاپا)، ويقابله في العربية: كاف أو قاف. كقولهم: توسيديديس (المؤرخ المشهور صاحب الأناباسيس)، والصواب فيه: توكيديديس. على ذلك: العبارة ينبغي أن تكون: السراقنة، أو السراكنة.
في الفرنسية صارت بالسين: سارازان، وأطلقت على القمح الأسمر.. لكن هذا كله غلط.
وللحديث بقيّة.
 
ملحوظة: حرف جاما اليوناني γ استبدلته هنا بجيم عربية، وهذا الصواب، بدلاً من الغين أو الكاف الفارسية. تعقيباً على كلامنا الفائت حول معضلة حرف G..
*أحمد
21 - يوليو - 2008
إيضاح حول التسمية اليونانية    كن أول من يقيّم
 
حول عبارة Σαρακηνός (ساراقينوس) اليونانية، نعم أظنها على الغالب الأصل الاشتقاقي للعبارة اللاتينية. ولكن فاتني أن أنبّه إلى مسألة الإقلاب الشفوي للحرف الأول. فإذا كان حرف C في التسمية اللاتينية مقلوباً عن K (كاپا يونانية)، فإن حرف S الأول في التسمية اللاتينية مقلوب عن Σ (سيجما اليونانية).. هذا أمر واضح، ولكن لنلاحظ أن هذه السيجما اليونانية ليس من الضرورة أن تكون مقلوبة عن (سين) عربية.. لماذا؟ لأنه بكل بساطة ليس في الأبجدية اليونانية حرف الشين على الإطلاق، فلذا كل شين تصبح في اليونانية سيناً على وجه الإطلاق. وكنت أضحك عندما أسمع الناس في جزيرة قبرص يقولون: "تساو" يريدون بها العبارة الإيطالية Ciao..
 
على ذلك.. أرجّح أن تكون العبارة اليونانية مأخوذة عن العربيّة: "الشرقيين" فصارت فيها: "ساراقين"، ثم تم نحت صيغة المفرد منها بإضافة اللاحقة ος (ـوس) التي تدل على المذكر المفرد (ساراقينوس). فكان هذا النحت الغريب كقول اليهود اليوم في تسمية الدروز: דרוזים (دروزيم)، إذ أضافوا أداة الجمع المذكر (ـيم) إلى اسم هو بالأصل بصيغة جمع تكسير. وكان المفترض أن يجمعوا بلغتهم اسماً مفرداً فيقولوا: "درزيم"، وليس "دروزيم".
 
مثال ذلك (إنما بطريقة عكسية):
نقول في العربية: "المَجوس" بصيغة الجمع، ومفردها: "مَجوسي". والعبارة يونانية الأصل:
ο μαγος (أو ماجوس) وقلنا أعلاه إن علامة المذكر الفرد هي لاحقة ος (ـوس). ومعنى العبارة اشتقاقياً (لا اصطلاحياً): ساحر، مشعوذ. طيب فما صيغة الجمع منها؟ إنها: οι μαγοι (أوي ماجوي). فنلاحظ هنا أن اللغة العربية نقلت العبارة بصيغتها الاصطلاحية الجامدة، وأخضعتها لقواعدها الصرفيّة العربيّة (لا اليونانية)، فأضحت فيها العبارة ذات معنى عُرفي، يحتفظ بمعنى قريب من معناها المصدري الأصلي، إنما لا يحتفظ بمبناها الصّرفي. ودوماً علينا أن نتذكر أن لكل مفردة في الفيلولوجيا ثلاثة معانٍ: معنى اشتقاقي، ومعنى اصطلاحي، ومعنى عُرفي.
 
عموماً: صار بوسعنا اطّراح مصطلح "السّراسنة" أو "الخارجين عن ساره". فأصل التسمية: "الشرقيّون" كما هو مرجح. لذا إن ركنا إلى تعريبها مقولبة بالسّراسنة، نكون قد رسّخنا خطا اليونان في رداءة لفظهم للشين، وقولبة اللاتين للكاپا اليونانية إلى سين. كما هو الحال في اسم "سوريا" Συρια الذي ليس سوى قولبة يونانية لاسم "آشور" (في اليونانية: آسّوريا).. ليس لدى اليونان شين.. ونحن إلى اليوم نتبعهم في غلطهم فنقول "سوريا" وصوابها: آشوريا، شوريا.
 
وللحديث صلة.
*أحمد
21 - يوليو - 2008
تعقيب ...    كن أول من يقيّم
 
أستاذي الفاضل أحمد أيبش ،
تحية متجددة ،
ليت شعري كم من الفائدة تتكرّم بها علينا من فائض علمك وفيئ بحثك ... بارك الله فيك ...
ولي بعض تعقيبات على ما جاء في مداخلتيك السابقتين :
أمّا عن استعمال اللفظ المعرب " سراسنة" ، فيرد في الكثير من المراجع العربية ، خاصة تلك التي تعنى منها ، بالصورة النمطية العربية والإسلامية في المخيلة العربية ، أنظر تفصيل ذلك مثلا في كتاب تراث الإسلام (فصل الصورة الغربية والدراسات العربية الإسلامية) ، حيث يرد التعليق على هذا المصطلح .
بين يدي الآن موسوعة أو نيفرساليس الفرنسية (ط 1995) ، حيث تشير مادّة Sarrasins (ولتلاحظ أستاذي بأن غالب استعمالها في اللغة الفرنسية بحرفي "rr") ، إلى قلة الدراسات المنصفة النقدية حول هذا الموضوع .
يبدو لي أن الأمر على خلاف ذلك في الدراسات الأنجلوفونية ، وأذكر على سيبل المثال لا الحصر دراسات نورمان دانيال وساوذرن ، حول تشكّل الصورة في المخيلة الغربية خلال العصور الوسطى .
إذا كان مفهوم السراسنة ، كما أشرت إلى ذلك بامتياز قد تكوّن في اللسان اليوناني ، فلا شكّ أنّ محتواه الايديولوجي والمعرفي قد تبلور في العصور الوسطى (أنظر مثال ذلك في أغاني رولان Lec Chansons de Roland ذائعة الصيت) .
أنوّه كذلك أستاذي لفتتك الرائعة عن تحوّل حرف القاف في الشرقيين إلى حرف السين في اللسان اليوناني ، وهو أمر يتقاطع مع حديث آخر "عمّا يقال في السين والشين "، وهو موضوع آخر .
***
وحتى نجعل من المعرفة "معرفة مرحة " Die fröhliche Wissenschaft"(على رأي نيتشه) أسوق هذين المثالين عن استعمال مصطلح السراسنة ؛
 
* فقد أشرت إلى أنّ كلمة سارازان تطلق على القمح الأسمر ، وتشتهر فرنسا بفطائر السراسنة Crêpes au sarasins ، وهو ، كما أشرت ، خطأ شائع ، إذ أنّ النبتة التي تدعى سراسنة لا علاقة لها بالقمح .
 
* في مدينة بجاية الجزائرية ، توجد منطقة معروفة بباب السراسنة Porte de Sarazins (يرجى ملاحظة كتابة الإسم بالحرف اللاتيني Z) ، ولا أدري سرّ هذه التسمية في منطقة عرفت مقتل أحد أشهر المبشرين ، الذين حاولوا هداية هؤلاء " المسلمين السراسنة " ألا وهو ريمون لوليوس الشهير بريموند لول ، الذي قتل رميا بالحجارة من أهالي بجاية ....
 
دمتم بخير ...
*زين الدين
22 - يوليو - 2008
مراجعة حول Sarrasin    كن أول من يقيّم
 
أخي زين الدين:
تحية طيبة.
 
صدقت، سقط مني سهواً حرف r الثاني في العبارة الفرنسية Sarrasin. وأحب أن أؤكد ثانية أن العبارة في الفرنسية تطلق على نوع من النبات يسمّونه القمح الأسمر أو الأسود: blé noir وهو على أي حال ليس بقمح، بل نبات ذو حبوب متعددة الفلقة.
إنما هل تظن معي أن الاشتقاق اليوناني المذكور يفي بتفسير المصدر؟
 
مسألة أخرى: دوماً تعجبني أنشودة رولان La Chanson de Roland (ولا أدري لماذا تذكرها بصيغة الجمع)، وأحببت منذ يفاعتي أن أترجمها إلى العربيّة، فهل لك علم إن كان سبق ترجمتها أم لا؟
لك الشكر سلفاً.
*أحمد
22 - يوليو - 2008
أنشودة رولان ...    كن أول من يقيّم
 
أستاذ أحمد ،
تحية مجددة ،
رأيت أن الموسوعة البريطانية تؤيّد ما تطرقت إليه بإسهاب في موضوع أصل كلمة السراسنة .
ويبدو لي أن استعمال يوحنا الدمشقي للكلمة ذاتها ، فضلا عن المؤرخين اليونان الآخرين ، يؤكّد الأصل اليوناني لهذه الكلمة .
لكن ، هل كان يشار إلى العرب ، أو إلى الأقوام الساكنين شرق اليونان بكلمة "الشرقيين" .. هذا أمر قد يكون موضع خلاف ....
لذا فإنّ حضور "سارة " ضمن التأريخ لهذه الكلمة أمر غير مستبعد ... ولا أدري أين قرأت أن إسم هاجر Agar (زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام) ذو علاقة بمنطقة سيناء ... وهي مصدر مرجوح أيضا لهذه التسمية ...
 
أمّا عن أنشودة رولان ، فقد أصبت ، ولا أدري كيف سميتها بالجمع ، ربما لأنني كنت أفكر في الوقت ذاته في أغاني الرعاة البروفنساليين ، أو ما يعرف ب Les Chansons de geste.
بين يدي طبعة قديمة لهذه الأنشودة ، ولا أذكر أني قرأت أو لمحت ترجمة عربية لها ...
 
هذا وأعتقد أنّ مقال جوزيف نسيم عن " أنشودة رولا : قيمتها التاريخية وما أثير حولها من جدل ونقاش " ، المنشورة في مجلة عالم الفكر (عدد خاص بالملاحم)، العدد 16 ، سنة 1985 ، هي أجود ما كتب حول الموضوع ، فضلا عن كتاب " جان جبور " حول النظرة إلى الآخر في الخطاب الغربي ، والذي لم أطّلع عليه بعد ...
 
أمّا عن عزمكم على ترجمة الأنشودة فهو في رأيي ، أمر سوف يغني الثقافة العربية ، لا بنص مترجم آخر فحسب ، بل بدراسة نقدية متفحصة من عالم جليل في قدركم ....
*زين الدين
22 - يوليو - 2008