البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : من التاريخ الفلسطيني : أحمد باشا الجزار يستنجد بجبل النار    كن أول من يقيّم
 ياسين الشيخ سليمان 
19 - يوليو - 2008
   "جبل النار" في فلسطين ، اسم اطلق على منطقة جبل نابلس التي تضم العديد من المدن والبلدات الفلسطينية ، وليست مدينة نابلس وحدها هي المقصودة بهذه التسمية . وكنت ، في صغري ، أسأل كبار السن عن حدود جبل النار ، فيجيبونني : " قبله شمال : من طفّ(سفح الجبل ) "سلفيت" (بلدة في ظاهر مدينة نابلس من الجنوب) حتى قفزة ( بداية جبال) "الناصرة" ( في جبال الجليل) ، ومن مشرّق لمغرّب : من حدود الشريعة (نهر الأردن ) حتى البحر" يعنون البحر الأبيض المتوسط .  وتعود التسمية المذكورة إلى النيران التي أشعلها محاربو جبل نابلس ــ وفقا للتاريخ الشفوي المتوارث ــ في عدد من جنود جيش نابليون (نَبوليون بونابرت) أيام غزوه فلسطين أواخر القرن الثامن عشر ، في سهل بلدة " قاقون " * الواقعة إلى الشمال الغربي من " طولكرم"، وعلى بضعة كيلومترات منها . وكان نابليون قد حاصر مدينة عكا مدة شهرين أو أكثر قليلا قبل أن يصاب جيشه بالطاعون؛ فأرسل أحمد باشا الجزار ، والي عكا حينذاك ، رسالة على شكل قصيدة من الشعر الشعبي يستنجد فيها بالحكام المحليين الذين كان من أشهرهم في ذلك الحين الشيخ " يوسف الجرار" الذي كان يلقب بسلطان البر ، وكان مركز سلطته بلدة " صانور " **الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة جنين ، وعلى مسافة تقرب من العشرين كيلو مترا منها. وكانت رسالة الجزار إلى الشيخ الجرار قصيدة من نوع النظم الشعبي الذي كان يعرف بـ " القول" . وتعود هذه التسمية إلى أن الشعراء  الشعبيين كانوا يفتتحون قصائدهم بقولهم : يقول ، أو ، قال فلان . وهذا النوع من القول اشتهر ، كما هو معروف ، في الأشعار المنسوبة إلى ، زعماء بني هلال ، مثلا،  في القصص الشعبي الذي تحدث عن سيرتهم زمن اغترابهم إلى الشمال الإفريقي ..
ولم يكن الجزار ليعجز عن الإيعاز لأحد الشعراء ممن ينظمون القصيد الفصيح ، بكتابة قصيدة فصيحة اللغة ، ولكن غالب الناس في ذلك الحين كانوا مولعين بالأشعار العامية أكثر من غيرها ؛ وما يثيرهم ويستنهض هممهم ويجعلهم ينفرون لصد الغزاة إلا هذا النوع من الشعر الذي منه قصيدة الجزار، أو قصيدة شاعره الشعبي ، وهذه هي ، وقد قمت بنسخها من كتاب : " تاريخ جبل نابلس والبلقاء " لمؤلفه المرحوم إحسان الآغا النمر من مدينة نابلس ، وكنت من مدة عامين ، قد استفسرت عن القصيدة من صديق لي من أحفاد الشيخ يوسف الجرار لأتأكد من صحة تاريخها ، فأفاد ، وقتها ، أن القصيدة الأصلية نفسها كانت بالفعل موجودة في حوزة والده ، ولكنها فقدت بعد ذلك :
على  ما يقول المجاهد الذي فاض ما iiبو بـدمـع  جـرى مـني على iiالوجنات
ولا  يـخـلق الرحمن أفضل من iiالنبي الـنـبـي الـهـاشـمي سيد iiالسادات
يـا  غـاديـا مـنـي عـلى صيدحية تـجِـدّ الـسـرى لا تـأمن iiالسروات
ربـاعـيـة لاضـمّـهـا مـايل iiالعبا تـسـبـق هـبـوب الـريح بالفلوات
تـهـدي  هـداك الله خـذ لي iiرسالتي مـرقـومـة  بـالـخـط من العبرات
اقـطـع بـهـا مـرج بن عامر iiوقبِّلْ تـلـفـي  عـلـى بـلاد ٍ بها نخوات
تـلـفي  على جينين مع رايق iiالضحى تـلـقـى بـها علالي وقصور iiمبنيات
طـق الـهـا بـالـسرع لا تأمن iiالونا قـبِّـلْ عـلـى صـانـور فيها iiوبات
تـلـقـى  بـهـا سبع الفلا سيد iiالملا لـسـنـيـن الـغلا صيطو علينا iiفات
قـل  له لا تحفظ الزلات يا طالب iiالثنا مـضـى  الـذي مـضى زمانه iiوفات
وايش أخبرك عن علة ما نحصي عددها نـصـارى تـرى لـبـوسها iiاسكفات
أجـتنا الفرنساوي شبه الجراد والحصى سـلاطـيـن سـبـعة مع سبع iiكرات
يـعـهـدوا جـوامـعنا ويبنوا iiكنايس ويـدعـوا  قـنـاديل الإسلام iiمطفيات
بـريـد مـنـكـم فـزعـة عـامرية يـوم  الـوغـا مـا اتهاب من iiشوفات
تـنـطح كراديس الافرنج في iiجموعكم تـخـلـي  عـيـون الـكفر iiمطفيات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصيدحية : الفرس السبوق
مرج ابن عامر : سهل مثلث الشكل تقع على أطرافه الجنوبية مدينة جينين ، ومن الشمال سفوح جبال الجليل ، ومن الغرب حيفا وعكا وما يجاورهما من المدن والقرى .
جينين : الاسم القديم لمدينة جنين ، وما زال الكثير من أهالي منطقتها يسمونها به .
لسنين الغلا صيتو علينا فات : يشير إلى اشتهار ما بذله الشيخ يوسف الجرار في سنة القحط التي وقعت قبل عشر سنين من حصار الفرنسيين مدينة عكا .
لبوسها اسكفات : ربما يعني أن الجيش الغازي يرتدي جنوده الدروع ، وأن اسلحتهم فتاكة .
الكرّة : مائة ألف . ويبدو ان " السبع كرّات" قصد منها تهويل الأمر ، حتى يكون النفير على أشده .
*   يسميها الجبرتي في "عجائب الآثار باسم " فاقوم" ، وهو خطأ بين . والجبرتي لا يذكر هذه الحادثة ؛ وإنما يذكر أن الفرنسيين أحرقوا خمسا من قرى المنطقة : " ثم توجه من يافا الى جبل نابلس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان يقال له فاقوم وحرق خمسة بلاد من بلادهم وما قدر كان "،  وأنهم فتكوا بأهل يافا قبل ذلك حين قتلوا منهم أكثر من أربعة آلاف بين جنود وسكان مدنيين . ومن الطريف والغريب في آن معا ان الجبرتي يبدو لمطالعه وكأنه ينحاز إلى الفرنسيس، رهبة منه أو تملقا ، أو ربما تعقل الضعيف أمام سطوة القوي ، أو هو إعجابه بالشيخ بونابرته وإحسانه إلى المصريين الذين كانوا في يافا عند احتلالها؛ فتراه يلوم أهل يافا لم لم يستسلموا : " ومن نحوسات أهلها أنهم لم يرضوا بأمانه ولم يدخلوا تحت طاعته وإحسانه فدور فيهم السيف من شدة غيظه وقوة بأسه وسلطانه وقتل منهم نحو أربعة آلاف أو يزيدون، بعدما هدم سورها وأكرم من كان بها من أهل مصر وأطعمهم وكساهم وجهزهم في المراكب الى مصر، وغفرهم بعسكره خوفاً عليهم من العربان، وأجزل عطاياهم..." ، الجبرتي ،عجائب الآثار ، ص 486 ، مكتبة الوراق التراثية .
**سبق للجزار أن حاصر قلعة "صانور" قاصدا إخضاع يوسف الجرار وغيره من الحكام المحليين ، ولكنه بعد هجوم الفرنسيين على فلسطين انقلب يستنجد بأعدائه .
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
قول الشيخ يوسف الجرار ردا على قول أحمد باشا الجزار    كن أول من يقيّم
 
ثم قام الشيخ يوسف الجرار( أبو داود) بالرد على رسالة الجزار بقصيدة من نفس النمط ، وفيها يستنهض همم مشايخ جبل نابلس متغاضيا عما كان بينه وبين بعضهم من عداء ، وقد نقلتها كما هي من نفس مصدر القصيدة الأولى :
قـال  ابو داود من فؤاد iiمغرمات بـحـس بـقلبي لهيب iiاللاهبات
عـلـى مـكاتيب أجت من iiبعيد مـن افـنـدينا لفين أمير iiشمّات
فـضـيتهن  انسر علي iiخاطري قـريـتهن نزلن دموعي iiساكبات
مـلـت*  الـكفار أجونا iiصايلين مـرادهم  يدعوا الجوامع داثرات
يـا جـمـيل الستر لا حاط البلا يـا مـهـيمن انت رب الكائنات
آل طـوقـان اسـحبوا iiلسيوفكم واعـتلوا  لسروجهن هل iiغاليات
آل  الـنمر ها النمورة iiالكاسرات عـدلـوا صـفوفكم هل iiباسلات
مـحـمـد العثمان اجمع iiللرجال حـضر  الأبطال من كل الجهات
احـمـد  الـقاسم يا ليث iiجسور أنـت  قيدوم الصفوف iiالماشيات
الـجـيوسي أسد في يوم iiالطراد حامي  الزينات صور المحصنات
نـوض يا عطعوط لا تعطي iiونا مـحتزم  عالحرب في عكا iiبنات
احـمـد الـجابر يا ليث iiالبطاح أسـد ثـابت في نهار iiالموزمات
وانت يا غازي وغازي المشركين بـيع روحك في مجال iiالصافنات
أولاد  صـالح هل أسود iiالغانمين بـايـعـين ارواحهم هل غاليات
عـبد الهادي نوض لا تعطي iiونا انـت  كـسار الجموع iiالماشيات
يـا  نـوابـلسه نوضوا iiاجمعين نوضت** العقبان من الجو iiخاويات
سـيـروا  على عكا جميعا iiكلكم لازمـون الـشـر في عكا iiبنات
ودعـوا حـريـمـكم يا مسلمين كـلـنا  اسلام على الدين iiالثبات
مـن قـتـل مـنـا فـهذا يومه مـن  سـلم منا حظى بالفاخرات
والـطـموهم  لطمة الزير iiالعنيد مـثل  عنتر في زمان iiالجاهلات
قـال  ابـو داود من قلب iiشجيع مـا  بقى على الحرب الا iiالثبات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ملة
**نوضة
ملحوظة : في الرسالتين ( القولين ) المتبادلتين بين الجزار والجرار لم يرد ( كما هو واضح) ما يشي بعلمهما بخطط نابليون لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في ذلك الزمن .
*ياسين الشيخ سليمان
20 - يوليو - 2008