البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : قصة رمزية...سياسية    كن أول من يقيّم
 سليم 
17 - يوليو - 2008
السلام عليكم
أذكر أن جدي كان رجلًا مهابًا يحترمه القاصي والداني ..ولا يعصون له امرًا ولا يرفضون له طلبًا ...وكنا كلما أطل من شرفته في منزله الواسع الرحب حيث أمامه الورود والازهار وأبناؤه وأحفاده ..نشعر بالعزة والصولة وننتشي من عبق الأمن ورحيق السلام... وأبي كان بالطبع جزءاً من هذه العائلة وكذا أمي..وأنا وأخي....وكان لنا في نفس الوقت جاران....ولم يظهر منهما أي شئ يدعو للخوف منهما او الحذر...وبقينا على هذا المنوال طوال عقود من الزمن بل وقرون...إلى أن أصاب جدي المرض وبدت عليه شواهد الوهن والضعف ,ولم يعد يكترث به أحد أو يسمع كلامه ...وبقي على هذه الحالة الى أن جاء الموت ليصحب جدي في رحلة لم نعرف مداها...ولم نكن نعرف آثارها الوخيمة, ولكن قبل أن تخلص روح جدي إلى باريها جاء أحد جيراننا وعرض عليه اموالًا وأظهر له حسن المعاملة خبثًا كي يعالج مرضه ويزيل الوهن عنه على أن يتنازل له عن البيت الذي يسكنه ..فرفضه جدي شر رفضة وطرده من بيته شر طردة ولم يأبه بأمواله وذهبه,فبدأت شواهد الخبث من قبل جارنا هذا ويترصد بنا الدوائر.
وأبي كونه رب الاسرة_ظنًا منه_ أخذ على عاتقه تسيير الأمور كما في سابق عهدها أيام جدي...واستطاع بعض الوقت أن يوهمنا بأنه قادر على إدارتها ولن تعجزه هوامش الامور ..ولم تمنعه مهاوشات أحد جيراننا أن يجزم لنا بإحكام قبضته على الأمور ...واستمر الأمر على حاله هذا ما نيف على العقدين ...وبدأ جارنا الآخر يظهر لنا أنيابه .. وأزاح القناع عن وجه وبان قبحه وران سمجه ...وبدأ يساعد جارنا الأول الذي حاول ان يستهزئ بجدي ويعطيه الأموال وزادا من هجماتهما على أبي وخاصة أمي لأنها ضعيفة مهيضة الجناح ...وتاه أبي في دوامات المساعدات والوعود وحفظ حدود بيتنا الكبير ولم يعد قادرًا على صونها ولم يعد شجاعًا يقف أمام الإغراءات ولم يطق صبرًا على مواجهة العدوان ...فطلق أمي وذهب لا يلوي على شئ ...وكأنه تخلص من مرض عضال ...حتى نحن أبناؤه لم يصغ لصرخاتنا ولم يسمع عويلنا ولم تحرك آلامنا منه شيئًا.
فبقيت أمنا وحيدة مع طفلين أمام هجمات عدو شرس لا يعرف إلًا ولا عهدًا ,ولا يرحم طفلاً ولا شيخًا ...ولا يحترم إمرأة ولا أمًا...وتكالب جارانا وتعاونا على اغتصاب أمنا ...وبدأ جارنا الأول الخبيث السيطرة التامة على أمي وأحكم الإمساك بها ولم يترك لها قدرة على الانتفاض ...وتحملت أمي الإهانات من ضرب وتقتيل وإغتصاب وهي صابرة محتسبة وتقول في نفسها :لابأس فأبنائي سيكبرون غدًا ويصبحون رجالًا وتشتد سواعدهم ...وسوف ينتقمون لي من هؤلاء الأوغاد السفلة ...وكبرنا وأصبحنا رجالًا ...وسعدت أمي بنا ...فنحن من سوف ينتقم لها من مغتصبيها ...ونحن من سوف يعيد لها عزها الغابر وشرفها المروم...ومرت السنون وتوالت العقود ...وأمي تنتظر وتقول في نفسها : عسى اليوم أن يتم الله علينا نعمته وينتقم لي أولادي من الأوغاد ويخرجونهم من بيتي الصغير بعد أن ضاعت دارنا الكبيرة الرحبة الواسعة...واستمرت اماني وأحلام أمي كما استمر إستغلال بيتنا من قبل جارنا هذا الخبيث...ويبدو أن جارنا هذا بعد أن تمرس في الطغيان والعنجهية وتأقلم مع أجواء بيتنا وخوفًا منه أن يفقد كل هذا ...صالحنا _أنا وأخي_ على أن يعطينا جزءًا بسيطًا لا يكاد يذكر من مساحة بيتنا ..وبمساعدة جارنا الآخر استطاعا أن يقنعانا بالقبول على آمل الازدياد.
ومن هنا بدأ مشوار عذابنا...فهذا الجزء الصغير من البيت أصبح هاجسنا ...وأصبح همنا الأول والأخير...ونسينا دارنا الكبيرة وجدي وأبي ...وحتى أمي المسكينة نسيناها وعذابها وهوانها من أجلنا .
والأنكى والأشد نكرانًا أننا أصبحنا أعداءًا...نعم فنحن الإخوة الأعداء....الإخوة الأعداء....والأعداء يرموقننا شذرًا...ويضحكون ويتشدقون سخرًا بنا ...ويسترقون السمع على صرخات بناتنا ونسائنا أمهات وأزواج وأخوات وحفيدات.....فهل عرفتم من هو جدي؟؟؟..وهل أدركتم من هو أبي ومن هي أمي المسكينة الحزينة؟؟؟....وهل عرفتم من أنا ؟؟؟ ومن هو أخي؟؟؟
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
استعمار    كن أول من يقيّم
 
تحية أستاذ سليم، طبعا عرفنا  جدك، وأباك، وأخاك، وأمك المسكينة، فرموزك شفافة جدا، وقصتك جميلة والحمدلله لله على غير حال واقعنا العربي المر، ورغم ان شكل الاستعمار قد غير أدواته وأساليبه، فهو لا يقتصر الآن على الشكل العسكري والاحتلال كما يحدث في العراق الذي حوله الأمريكان الى ساحة للصراعات الطائفية والمذهبية، فالاستعمار الاقتصادي والثقافي أشكال جديدة للاستعمار والتبعية. بوركت.
*khawla
17 - يوليو - 2008
قصة رمزية...سياسية    كن أول من يقيّم
 
السلام عليكم
الأخت الأستاذة الفاضلة خولة حيّاكِ الله وبارك الله بكِ وبمروركِ الطيب العطر.
*سليم
20 - يوليو - 2008