البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : فلعوص الحيران    كن أول من يقيّم
 ابو هشام 
10 - يوليو - 2008
فلعوص الحيران
 
كان في المدينة رجل أعطاه الله – سبحانه وتعالى – الطول والعرض ، له (شنب) طويل يقضي وقتا طويلا في تبريمه، وله لحية قصيرة محسنة ،  مبروم الساعدين عريض المنكبين متباه بجبته القديمة التي يظهر منها ساعديه المرسوم عليهما رسومات غريبة ما يسمى بالوشم ،، سيارته الحمراء قديمة قدم الدهرورثها عن أبيه  ، كثيرا ما يتجول في شوارع المدينة على أقدامه لأن السيارة معطلة .. أو فارغة من البترول ، وبالرغم من ذلك كان ضعيف القلب خوارا ،يقفز قلبة رهبة وخوفا من هرة مارة في الشارع...هذا الرجل اسمه فلعوص الحيران .كان وحيدا لأمه التي  فارقت الحياة وهو صغير ،،فعاش في ذل اليتم وقهر  الفقر. يقضي جل نهاره وبعضا من لياليه  متجولا  في شوارع المدينة، هذه هوايته وهذا مايحب  .
في يوم من الايام ركب فلعوص سيارته  وأخذ يتجول  في شوارع المدينة وكأن اليوم عنده يوم الزينة ، مرَ على محطة بترول ليزود سيارته بالوقود ، ملأ ها ولاذ بالفرار ولم يدفع النقود، هاربا من سطوة مديرها الجبار،، لان جيبه خاوية فارغة .. شعر بخطورة الوضع .. صار يجوب بسيارته على غير هدى ،  يريد مأوى بعيدا عن أعين طالبيه....
 
فلعوص الحيران وسمعان الخبير
 
مرَّعن  رجل عجوز يدعى سمعان الخبير وهو من ساكني البلدة  ، يجلس كل يوم  على عتبة بيته المطلة على الشارع ، يسرّح بصره الضعيف ، ويسمع من المارين كل خبر طريف ، يلبس قبعة سوداء، وله لحية بيضاء طويلة طول السنين ، ميسور الحال هادئ البال ، له مزرعة أرانب تحوي على الكثير ...
شاهد هذا الرجل فلعوصا مصفرّ الوجه مرتعد الفرائص، وعينيه للذعر عاكس ، فأوقفه وناداه  ثم أدخله بيته ومن الماء أسقاه، أخذ يهدّيء من روعه، ويسأله عن حاله وعن الذي شغل باله ... فأخبره عن هربه، وخشى أن تبلَّغ محطة البترول شرطة المدينة ، حقيقة أوقعت نفسي في ورطة مهينة، ملأت خزان الوقود فأثقلت نفسي بالقيود وأنا لاأملك اليوم حتى القوت .... فقال سمعان الخبير : عندي لك حسن تدبير، وهو عندي يسير ... ما رأيك في الذي يغنيك   وعن التجوال يلهيك ؟ فأجابه فلعوص دون تروي أو تفكير : أنا رهن اشارة الخبير وعبدك المطيع .. فقال الخبير : لابد أن نعقد اتفاقا تنفذه  ، وعلى الخطة تسير.. ولا تسألني  أي سؤال أو تفسير. ...اتفقنا ... قال فلعوص: اتفقنا سيدي ..قالها دون تردد ..وقال في نفسه انا لا أخسر شيئا لأنني لا أملك شيئا.
قال الخبير : إذا لنبدأ الخطه ونستبق مدير المحطة.
فلعوص : أنا رهن إشارتك يا سيدي .
الخبير : خذ هذه الأكياس الكبيرة واذهب إلى مزرعتي واقتل مئة من أرانبي ، وآتني بمئة أخرى أحياء غير ميتين .
نظر فلعوص إلى الخبيروشفتاه تلعثمت عن التعبير .. فأمرة الخبير: إنا عقدنا اتفاقا.. لا سؤال ولا تفسير .. والآن يمكنك حسب الاتفاق أن تسير.
أخذ فلعوص الأكياس يجرّ أذياله كجندي مهزوم،  مطرقا رأسه مهموم ،عاجزا عن التفكير يقول في نفسه.. انا لا أملك شيئا ومم أخاف.. ثم تمتم بكلمات:( فلعوص   يارب   في الشرَ ما تغوص)..
دخل المزرعة، وصار يلتقط من الأرانب أربعة أربعة ، أرهقته الأرانب لأنه يخاف منهاأصلا، ولكن صبّر نفسه وتجلّد لأنه على الإتفاق لا يتمرّد، ولا يحنث العهد .. صار يعد ولايخطئ ،لأن الاتفاق أن يكون العدد مئة بالتمام والكمال،، وبهذا السبيل تحصل على المال ،جمع فلعوص العدد على مضض.. الأحياء منها وضعها في الكيس  و الأموات شكلها يخيف،، يخاف لون الدم ، فأصابه الهمّ والغمّ ، لا بدّ أن ينفذ الاتفاق ويكمّل الطريق، ودون الغنى صدره يضيق.. فصار يهمهم ويقول: (فلعوص الحيران أنا عارف نفسي بأني جبان !!) بدأ.. وصار يمسك من الأرانب ويعدّ حتى لا يخطئ فتفسد الخطة.. حتى اكتملت المئة.. ولكن ..ما السبيل إلى موتها؟ صار يفكر ويفكر حتى اهتدى .. أخذ مئة الموت من الأرانب وأغلق عليها الكيس ، ووجد بركة ماء وألقى الكيس فيها حتى تيقن أن الأرانب فارقت الحياة. حمل الكيسين وهو مثقل بالهموم وهو في بحر التفكير يعوم. قدمها للخبير وفي نفسه غيظ لقلة التفسير.. فبادره الخبير: اتفقنا أ لا تسأل ولا تستفسر  ..  سكت فلعوص وسكن دون حراك..
الخبير: العدد بالتمام والكمال هذا أمر جميل .. والآن اذهب إلى بيتك ولا تخرج منه إلاَ خلسة للضرورة لا أريد أن يراك الناس .. ولا تأتني إلاَ بعد شهر... . خرج فلعوص مهموما تائها لا يدري ما يخبئ الدهر له .فالتزم داره كما اُمر ...
بدأ الخبير يجمع الرجال وترك زوجته العجوز تنتقل من بيت إلى بيت وصاروا يقسموا أمام الناس أن فلعوصا قتل مئة وأسر مئة في جولة واحدة ..فمن الناس من يستغرب، ومنهم من يصدق لأنه يعرف أن صحته تسعفه، وقسم الخبير وزوجته  يقرب اليقين ..شاع الخبر، وانتقل من دار إلى دار، ومن حي إلى حي، حتى أن أهل المدينة لايوجد على السنتهم إلا هذا الخبر .. عمّ الخبر وانتشر حتى أخذ يتسرب خارج دولتهم .. وصل الخبر حاكم المدينة ، فأطلق حراسه ومجنديه طالبين فلعوصا ..وصل الخبر إلى فلعوص بأنه مطلوب ..فقال :( الله يخرّب بيت سمعان الذي وضعني في شدة وبلاء الزمان) ..فقام في ليلة شديدة السواد وصار يتنقل من درب إلى درب، ويختبئ من حائط إلى حائط حتى دخل بيت سمعان وأن الشهر الذي اتفقا عليه قد انقضى، فحان الأوان ..
رحب به الخبير وقال له : إن الأمر صعب. لو علم الحاكم بالحقيقة سوف يقتلك..
فلعوص : ما السبيل يا خبير ؟.
الخبير: خذ هذه النقود (دراهم معدودات) واملأ سيارتك بالوقود واخرج في ليلة حالكة السواد ، حاول الاَّ يراك أحد وانطلق لتخرج من هذه الدولة قبل الصباح . هيا اذهب. قالها بلهجة الأمر..
رجع فلعوص يتوارى وراء كل حائط حتى وصل سيارته وركبها على عجل وانطلق يريد أن يسابق بها الريح ، لكنها لاتسعفه فمرة تسرع ومرة تبطئ ، وهو يقول: فلعوص الحيران  أعرف نفسي بأني جبان .. فلعوص يارب في الأرض ما يغوص ..وظل طوال الليل على هذا الحال حتى طلع الفجر  وانكشفت له الأرض إلاّ وهو خارج الدولة.. وداخل في دولة أخرى......
 
فلعوص والحاكم صابر وابنته العود الرطيب
 
  وجد فلعوص استراحة قرب الحدود،بعدما نال التعب منه والجوع بلا حدود . نزل من سيارته ورمى نفسه على أقرب مقعد من مقاعد الاستراحة .. ومدّ يده في جيبه فوجد الدريهمات، فطلب كأس شاي وقطعة خبز وهو يبرم في (شنباته) كالعادته يسلي نفسه ويقول : فلعوص الحيران أعرف نفسي بأني جبان .. وبينما وهو منهمك في احتساء الشاي و يبرد جوعه بكسرة خبز .أخذ الملأ ممن يجلسون في الاستراحة يتأملون هذا الشاب وهو لايدري ما حوله مم هو فيه من نصب وتعب ،..فعرفه أحدهم وقال بهمس لصاحبه : هذا البطل فلعوص .. وصار الحديث يتناقل داخل الاستراحة حتى عمّها ..كل واحد من الحضور يريد أن يتشرف بتقديم الطلبات على حسابه للبطل فلعوص، تشريفا منه وتعظيم .. الفرصة حانت أمام فلعوص، فملأ بطنه بالمحمّر والمشمّر منه مسلوق ومنه مكبوس ، عندها تذكر الخبير وقال: حقيقة أنه حسن التدبير ، حبيبي سمعان إنه أحسن إنسان .. تناقل الخبر عبر السائقين أن فلعوصا البطل متواجد في دولة الحاكم صابر  ..  سرعة ما شاع الخبر ، علم الحاكم أن البطل فلعوصا في دولته، فأمروزيره أن يذهب مع  الجند والحراس وأن  يأتوا بفلعوص ليتعرف عليه و ليكرمه ويتشرف به، ،،أحاطت الجند بالاستراحة ،فأحس فلعوص أنه الهدف ، صار ينظر ميمنة وميسرة ليبعد  عن نفسه الخطر ، ولكن الجند قد أحكموا الطوق من كل جانب ، وأغلقوا الطرق والمعابر ، فلعوص جالس مذهول ، يبرم (شنباته ) ولا يعرف الأمر لأيّ شيء يأوول..تقدم إليه الوزير وقدّم نفسه إليه دون تكبر أو تبجيل ، وفلعوص كلما زادت رهبته ارتخت يداه وخفّت من تبريم (شنبه العريض)..فقال له الوزير: إن الحاكم يريدك..فقال فلعوص في نفسه إن الهمّ والغمّ رداء أرتديه .. الله يخرب بيت الخبير .. فقام فلعوص مترجلا نحو سيارته الحمراء لعل فرصة تأتيه ويلوذ بالفرار .. فقال  الوزير لبعض مساعديه : انظروا تواضع البطل يركب مثل هذه السيارة.. ونادى على فلعوص وقال له: هذه السيارة ليست من مقامك ،تعال واركب جانبي .. أصرّ فلعوص على ركوب سيارته لعلها تنفذ مهمة مخفية في صدره ( الفرار والهرب ) فعندما رأى الوزير إصراره قال: لا بأس .. وأمر الجنود أن يعملوا له موكبا ،، سيارات من أمامه وأخرى من خلفه  ، ومن الميمنة والميسرة ،، وسار فلعوص وسط هذا الموكب الذي يحيط به من كل جانب .. فصار الوضع  عنده صعبا والفرار مستحيلا ، لا بدّ له أن يستسلم لقدره الذي ينتظره .. فصار داخل سيارته وهو يسير، يقول : (حقيقة أصبح الأمر خطيرا، فلعوص الحيران أعلم بحالي بأني جبان ، والموت أقرب لي من أي إنسان ، يخرب الله بيت سمعان ، من بعده أصبـحت لا أعرف الأمان ).واضعا يده على المقود والأخرى تبرم شنبه بارتخاء..استسلم فلعوص للقدر .. وصفّ سيارته أمام القصر .. أمسك بيد الوزير وصعد إلى مجلس الحاكم صابر ، الذي قام من جلسته واستقبل البطل فلعوص ، فلم يقصر صابر بالترحيب وأجلس فلعوصا بجانبه .. قدّم الحاكم صابر لفلعوص أزكى الطعام وأشهى الأكل وأطيب الشراب والفواكه الطازجه تحفّ به بألوانها الجذابة وطعمها الأخاذ ... فالتهم فلعوص من الطعام ما لذّ وطاب ، وشرب من الشراب ، وتناول من الفواكه العذاب ،، امتلأ البطن وصار الدمّ يجري في عروقه فأشرق الوجه ، وعند الانتهاء تطيب بالمسك والعنبر .. عندها جلس جلسة الأبطال .. وصار يتسامر مع الحاكم صابر الذي تشرف بلقاء بطل يقتل مئة ويأسر مئة في جولة واحدة فكيف لو كثرت جولاته ..هذا ما جال في خاطر صابر .. ومال برأسه نحو الوزير وقال له هذا مكسب عظيم لدولتناجهّز له مكانا في القصر ليكون دائما بجانبنا ، فجهز الوزير جناحا فيه من الفراش الوثير ومن الذهب مصنوع فيه السرير .. والجواري والخدم كلهم تحت إمرة البطل .. نام ليلته على السرير وهو يستدعي لسمعان الخبير ، ويقول : سمعان حقيقة أنه إنسان ..حبيبي الخبير فهو بالأمر بصير ..وفي اليوم الثاني خرج من جناحه اللطيف وجلس بجانب الحاكم الظريف تسامرا طويلا حديثه حديث الأبطال يبرم (شنبه) بشدة عندما يحتد الحديث .. فمال الحاكم نحو الوزير ،وهمس بأذنه نخشى فلعوصا منا يطير .. فلا بدّ أن أزوِّجه ابنتي    ( العود الرطيب) فأعجب الوزير بهذا الحديث وقال : سيدي نحن على هداك نسير .. فمال الحاكم نحو فلعوص وقال له: أريد أن أزوجك أبنتي ( العود الرطيب ) فأجاب فلعوص على الفور دون تفكير: كلّ ما تأمر به مولاي يصير ..
فزينت البلاد  ،وأنيرت الشوارع وامتلأت بالعباد ، الرقص هنا وهناك ، وأصوات الغواني ملأ الهضاب والوهاد ،ومواكب السيارات المزدانة بالورود والرياحين تشهد بأن العرس في قصر الحاكم ... أسبوع بالتمام والكمال والعرس متواصل والفرق الغنائية تؤدي دورها ولا تتكاسل ،،، فلعوص فرحان دائم الدعاء لحبيبه سمعان ويقول :حقيقة أنه حسن التدبير وها أنا إلى الغنى والمجد أسير..
فلعوص في غاية من الفرح والسعادة  زوجته ( العود الرطيب ) بينما كان قديما سريره من الحديد..عاش أحلى وأجمل عيشة عيشة الحكام والملوك.....
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
فلعوص الحيران( 2)    كن أول من يقيّم
 
فلعوص واللصوص
                                                                                      بينما فلعوص مع زوجته سعيد  بلغ الحاكم أن لصوصا أشرارا أقوياء  سرقوا خزينة الحاكم .. فتغير لون الحاكم وامتعض ، فسأله الوزير  عن الأمر .. قال : خزائن الأموال قد سرقت .. فأصبحت خزينتي خاوية فارغة .. فقال الوزير: ما لنا إلاّ فلعوص ليؤدب اللصوص .
ذهب الحاكم إلى نسيبه البطل ناداه وأعلمه بالخبر ، ،   أجابه فلعوص : ما عليك سيدي فاعتبر الأمر عندي ،، رجع الحاكم مرتاح البال ، ودخل فلعوص على زوجته مهموما عابس الوجه حزينا ..       قالت له :ما الأمريا بطلي ؟.
قال : عند ابيك الجيوش والعدّة والسلاح ولا يقدر على عصابة اللصوص!!!،، ويطلب مني أن أقتلهم وأرجع بالفلوس.. والدك عنده الجيش الجرار وأنا لاأستطيع قتل حمار !!!!
العود الرطيب :ما الكلام الذي اسمعه؟!! اللصوص كلهم تسعون ، وأنت قتلت مئة وأسرت مئة في جولة واحدة !!
فلعوص: أنا لا استطيع أن أقتل ربع إنسان  وسموني الناس بفلعوص الجبان ، الله يخرّب بيتك يا سمعان ..قالها فلعوص لأنه يعلم إن لم يقتله اللصوص قتله الحاكم صابر...
العود الرطيب : أخبرني بالحقيقة يا فلعوص..
أخبرها فلعوص بالحكاية من أولها .... وحكاية سمعان الخبير ، وصار يتمتم بأنه سيء التدبير حقير .
الحيرة خالطت العود الرطيب ، ماذا يقول عنها الناس والجواري والخدم إذا عرفوا الخبر..
العود الرطيب: اذهب هذه الليلة واخرج من الدولة .. وأنا سأخبر والدي أنك ذهبت لزيارة الأهل في يومين ثم تعود ، وبعدها أدبرّ نفسي.. إذا تباطأت سيقتلك والدي شرّ قتلة..
نزل فلعوص من القصر متخفيا مجروح الفؤاد كئيبا حزينا ،ذاق من السعادة حلاوة لم تطل ، ركب سيارته الحمراء تحت جنح الظلام وانطلق .. طال به المسير وهو يلعن ويشتم سمعان الخبير ،،ورجع إلى نغمته القديمة :فلعوص الحيران اليوم أنت أحقر جبان ،،فلعوص بالوحل والقذارة لازم يغوص ..
أصابه النصب وأرهقه التعب ، فوجد بيتا كبيرا مهدما ليس له سطح وبجانبه شجرة وارفة الظلال عظيمة قديمة،، اخفى سيارته القديمة وراء جدران البيت ،وصعد فوق الشجرة ليستريح..وبعد فترة غير طويلة وصل مجموعة من الرجال وقصدوا داخل المنزل ليستريحوا ..خاف فلعوص منهم وارتعد وقال في نفسه إنهم من قطاع الطرق ‘إن شاهدوني قتلوني واخذوا سيارتي ..فأخذ يتوارى خلف الأغصان ..
دار حديث بين الرجال فقال نحن فزنا بخزينة الحاكم .. فرد عليه آخر بصوت أجشّ خشن وكأنه رئيس لهم : إن لم يتعقبنا نسيب الحاكم فلعوص ،، فلعوص أعلى الشجرة يسمع الحديث .. فلعوص كاتم نَفَسه حتى لا يحسّ به أحد .. وعرف أنهم اللصوص ......... قام أحد لرجال والتف حول البيت ليقضي حاجة وإلاّ أنه يصرخ ويقول : وقعنا في يد فلعوص يا رجال هذه سيارته الحمراء أنا أعرفها ..
قام الرجال مذعورين يلتفتون ميمنة وميسرة .. سمع فلغوص الصراخ وشاهد الرجال وهم في ذعر وخوف شديد ..
تماسك فلعوص وجمّع قواه وبرّم شواربه بقوة ، ثم قفز من أعلى الشجرة ممسكا بمسدس صوت فارغ وانتصب واقفا بينهم ‘وقال بصوت قوي :  أنا فلعوص الجبار أستطيع القتال والنزال ليل نهار، ثم برّم شنباته ،أنا أنتظركم من أول الليل لا سبيل لكم ولا مهرب ، أنا في العهد وفيّ إن أطعتموني حفظت لكم حياتكم وإن تمرد أحد منكم قتلته أمام أعينكم ، هيّا حمّلوا  الأموال واربطو بعضكم بالحبال  ،  وامشو أمام سيارتي ، إن نظر أحدكم خلفه قتلته .. سار الجميع مربوطين أمام سيارته متجهين صوب قصر الحاكم ، وقد أهكهم وأعياهم المسير فصاروا يترنحون .. وفلعوص في سيارته يترنم ويقول: أنا لاأعرف نفسي إن كنت فلعوص الجبان  ،أم أنا شجاع ،لا أدري، حقيقة أنا حيران .. فلعوص بالخير راجع يغوص ..
دخلوا المدينة واقتربوا من القصر .. أطل الحاكم من شرفة القصر، ورأى اللصوص الحمر .. وقال : نسيبي البطل أرجع لنا الجواهر والدرر .. عندما اقترب فلعوص من القصر نادى : سيدي ماذا أعمل بهم .. فأشار الحاكم له بأن يقتلهم .. فقال فلعوص : إن عادوها قتلتهم لا يفلتون من قبضتي... يا  سيدى .
نظر فلعوص إليهم وقال : فكوا أنفسكم واهربوا ومن تأخر منكم قتلته ... فك اللصوص أنفسهم وصاروا يتسابقون حتى ابتعدوا عن أعين الجميع ..
صعد فلعوص الى زوجته (العود الرطيب ) فأسرعت وقالت : زوجي أرجو عن أعيني لاتغيب ..   علمت الأن أنك كنت تمازحني بحديثك السابق ، غير معقول أن البطل الذي قهر من اللصوص الشداد وكان عددهم تسعين ، يقول عن نفسه جبان ، هذا تواضع الأبطال و الفرسان . لا تقل لي سمعان !!!!
فقال لها : والله لا تغتري ، حقيقة أنا فلعوص الحيران أعرف نفسي بأني جبان .. لكن زوجته لم تصدقه ، وصارت تتباها به بين أقرانها ..
رجع الهناء إلى فلعوص ،وسعادته لو وزعت لملأت كل النفوس ..
مكانته سامية عند الحاكم ، أكله الخراف والغزلان والعصافير ، ولبسه الخز والحرير، وعطره المسك والعنبر مخزّن في أجمل وأبهى القوارير
*ابو هشام
10 - يوليو - 2008
فلعوص الحيران (3)    كن أول من يقيّم
 
فلعوص والحاكم الكاسر
 
استمر به الحال، حتى جاء رسول الحاكم الكاسر الجبار يأخذ أتاوة من الحاكم صابر، لأن دولته قوية تفرض الحماية على الدول الصغار.. علم فلعوص بالخبر، وقابل رسول الحاكم الكاسر ، وقال له: ارجع إلى حاكمكم المبجل واخبره أن يدفع الأتاوة إلى صابر وإلاّ تقدمت أنا فلعوص إليكم فأكثر القتل والتمثيل فيكم .. أخبر الحاكم بذلك ..
رجع رسول الكاسر إلى دياره وأخبره بالذي حصل  غضب الكاسر وثار .. لا بدّ لصابر أن يعرف الكاسر الجبار ،، تدخل العقلاء من أعيانه وخففوا من حدّة ثورته ،، وقالوا له : اليوم صوت العقل يعلو ويسير ، فصابر نسيبه البطل القدير ،يقتل في جولة واحدة مئة بطل منا وهو بالحرب خبير...  تشاور الكاسر مع وزرائه وأعوانه فخافوا من فلعوص وصاروا يدفعون الأتاوة إلى صابر..
 
فلعوص والأسد
 
مرت الأيام  والدولة في عزّ وأمان ... حتى اعتدى أسد على الجنود المرابطين على الحدود ،،قتل منهم الكثير، وبقر بطون البقر والحمير، علم الحاكم بذلك ..فقال: إن نسيبي له بالمرصاد ، و الأسد سوف يُقتَل أو يُصطَاد .. ثمّ تقدّم الحاكم و أخبر فلعوص بالمراد ..
دخل فلعوص على زوجته هذه المرة غير هيّاب، وقال لها : أبوك بجيشه لا يقدر على الأسد ، ويطلب مني أن أذهب إليه وأعود .. سوف يقتلني إن لم يرمني للقرود .. الأن أيقنت البنت أن زوجها جبان ، وخاصة بعدما أخبرها بحكايته مع اللصوص..
قالت له : لا بدّ أن تذهب إلى الأسد ..أو اخبر والدي بالقصة وأنك لعدو لدود..
نزل إلى سيارته نزول الكئيب والخوف والرعب عنده غير معيب ، وسار بسيارته نحو الأسد وقت المغيب ،، وكعادته يردد : فلعوص يا ربّ في الأرض لا تغوص، اليوم في الموت سوف تغوص ..   ظل على تلك الحال حتى وصل الحدود ، رأى شجرة أراد أن يحتمي فيها من الأسد ، صعد الشجرة لينام وإلاّ بالأسد الهيمان للحم البشر، متقدما نحو الشجر، وهو يزأر .. زوجته ( العود الرطيب ) اسقت وأروت حصانا بالخمر الشديد ، ثمّ ركبته لاحقة بزوجها فلعوص ، وعندما رأت الأسد مقبلا أطلقت الحصان واختبأت ،، وكان الأسد جوعان .. رأى الأسد الحصان مقبلا ، هجم عليه وبقر بطنه فأكل من لحمه وشرب من جوفه ،، فسكر الأسد ونام ، تقدمت نحوه العود الرطيب ونادت على فلعوص الحيران.. فقال لها: ليس لي قدرة على النزول .. فقالت له: لا تخف أنا بجانبك .. جمّع فلعوص قواه ونزل من أعلى الشجرة  و تقدمت نحو الأسد وألجمته ووضعت فلعوصا عليه وقيدت أقدامه بالحديد  حتى لا يهرب أو يقع .... وقالت له توجه بالأسد نحو القصر .. وركبت هي سيارته وسبقته متخفية .. سار فلعوص على ظهر الأسد يرتجف ويقول: فلعوص يا ربّ في الوحل ما تغوص .. فلعوص الحيران أنا أعرف نفسي بأني جبان... عندما اقترب فلعوص من قصر الحاكم نزلت العود الرطيب وكأنها مستقبلة زوجها فاقتربت منه وفكت القيود، واخذت الأسد  ومعها فلعوص ووضعوه في قفص  من حديد ، وكتب على القفص هذا صيد فلعوص ...
أبو هشام
 
*ابو هشام
10 - يوليو - 2008
فلعوص كان خياطاً    كن أول من يقيّم
 
قرأت قصة فلعوص الحيران وكأنني أشاهد مسرحية أو تمثيلية كوميدية طريفة تجمع بين القديم والجديد : ذاكرة الحكايا والخيال الشعبي وما يتضمنه من مفاهيم موغلة في القدم ، هي خلاصة تجربة البشر والشعوب حيكت على شكل قصص ونوادر ، وبين العالم الحاضر الذي نعيشه بوشمه وبتروله وسياراته الحمراء ومزارع الأرانب التي يحتويها . لكن ملامح الذاكرة المؤسطرة في قصة أبي هشام تطغي على ملامح الواقع  ... بالعود الرطيب ( وليس هيفاء وهبي أو نانسي عجرم ) وخزائن الأموال ( وليس البنوك ) والصراع مع الأسد ( وهذا لن أسميه ) ....
مضمون القصة وفكرتها الرئيسة تتحدث عن ذلك الفلعوص الذي ظنه الناس أسداً لكنه بقي وحده يعرف بأنه فلعوص جبان . هذا يذكرني بإحدى قصص الأطفال التي قرأتها منذ زمن بعيد ( وبحثت عنها ولم أجدها ) باللغة الفرنسية ، وتتحدث عن خياط شاب لا زال في مقتبل العمر كان ضجراناً ذات يوم ، ويكاد يغفو فوق السترة التي كان يقوم بخياطتها ، فخطر له أن يضع شريحة من الخبز مطلية بالمربى بقربه لكي يتأملها أثناء عمله ، وليؤمل نفسه بالتهامها بعد اكتمال خياطة السترة ، كمكافأة وتشجيعاً لذاته على الانتهاء سريعاً من المهمة المطلوبة منه . ولما كان الطقس شديد الحرارة وكان هناك الكثير من الذباب المحوم في ذلك المكان ، صار من الصعب عليه الاهتمام بالخياطة ، والذب عن شطيرته المحلاة بالمربى في وقت واحد ، فغضب من كثرة الذبان وثارت حميته ، وتناول حزامه الذي كان بقربه ، وضرب به الأرض في الموقع الذي كان يتحلق فيه ، فقتل منها سبعا ! ولما كان ذلك الخياط جباناً وغير واثق من قدرته حتى على قتل الذباب ، فقد سرّ سروراً عظيماً وقرر أن يخلد هذه الواقعة النادرة بتطريز عبارة " سبعة بضربة واحدة " على مقدمة حزامه .
ولما صار يتجول في السوق بين الناس ، وصار هؤلاء يقرأون عبارة " سبعة بضربة واحدة " ظنوا بأنه قتل سبعة رجال بضربة واحدة . وصار خيالهم يحيك القصص والأساطير حول كيفية حدوث هذا الخطب العظيم حتى طار خبره إلى الملك الذي استدعى إليه للفور ذلك البطل المغوار بغية تخليصه من عصابة من اللصوص ، ثم في مرة لاحقة ( بعد أن زوجه ابنته ) من الغول العملاق ، في أحداث طريفة تشبه حكاية أبي هشام .
وفي حكاية أخرى شعبية هي " الماش " عن رجل توصيه زوجته بأن يذهب إلى السوق ليشتري لها ماشاً ( وهو نوع من الحبوب يصنع منه الحساء )، فيسير إلى غرضه وهو يردد بصوت عال " ماش ، ماش ، ماش " كي لا ينسى ( والقصة طويلة ) .... إشارة إلى هذه الفكرة في المقطع الذي كان يسير وهو يردد فيه " ستة سبعة من هالكبار ، تمانة تسعة من هالصغار " فظن الناس بأنه يعد قتلاه
دائماً أحببت أجواء الحكايا والقصص الخيالية ، ولا أرى بأساً في استعادة هذه المفاهيم وإعادة نشرها عبر اقتباسات جديدة . إنما السؤال الذي أتمنى طرحه على الراوي هنا هو : هل تظن يا صديقي بأن هذا الإعلام " المضاد " الذي ترويه الحكايات قادر على منافسة الإعلام الذي تنتقده ( ضمناً ) في قصتك ؟ أو على فضحه ؟ ونحن معك في ضرورة التنبه لما يروى على مسامعنا من الأكاذيب في كل يوم ، إنما هل تظن فعلاً بأننا نستطيع مواجهة الحاضر بهذه المخيلة البريئة ؟ وهو مجرد سؤال .
 
 
*ضياء
12 - يوليو - 2008
فلعوص في هذا الزمن    كن أول من يقيّم
 
      كم كنت محتاجا لإنسان أديب كبير ومتمرس ومطلع على ثقافات الآخرين مثل سيتدي الأستاذة ضياء لأرى نفسي من خلال أفكارها .. ربما أكون غير موفق في الهدف والغاية التي من أجلها كتبت هذه القصة ..
كتبت عن سمعان الذي يملك الإعلام ، يلبس قبعة سوداء ولحيته الطويلة طول أيام حياته ،، هذه الصفات ليست من صفاتنا إنها لم تكن لعربي ... وعندما كتبت أنه يملك مزرعة أرانب كثيرة ،،أقصد منها ما يكون تحت سطوته من الجبناء الخانعين الذين يكثر فيهم القتل والتمثيل  دون حساب أو عقاب .
أما ما تبقى فهو الإعلام والتهويل .. الذي أصاب من عالمنا العربي بالذات ما أصاب - في مثل هذه الأيام  - حتى صرنا مهزلة الأيام وأضحوكة الزمن كأسلوب القصة الساخر ....
أما العود الرطيب تلك الفتاة الغضة في نظر الآخرين التي لاحول ولا قوة أمام الجيش الذي لا يهزم ولا يقهر إنه الأسد ملك الغاب .. استطاعت بحكمتها ورجاحة عقلها أن تقهره وكما أنها كشفت الغطاء عن  زيف الإعلام وعرته فالذي لا يهزم قد هزم !!!
أما دولة صابر هي نموذج للدول التي تتقرب للقوي حتى تحمي سلطانها وكذلك دولة الكاسر هي نموذج للذي خنع واستكان ..وبيان دور مثقفي العصر الذي يصفهم الإعلام أنهم  هم العقلاء والمعتدلون ..
ولك مني كل التقدير والاحترام .. ودمت لنا نبراسا يهدينا إى الطريق..
*ابو هشام
12 - يوليو - 2008