البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : مسابقة دراسات قرآنية    قيّم
التقييم :
( من قبل 12 أعضاء )
 زهير 
1 - يوليو - 2008
 
أبارك للأستاذ ياسين الشيخ سليمان بالفوز بهذه المسابقة، ويبدو أنه انقطع طيلة الشهر لإنجاز مشاركته الرصينة والتي أترك له مهمة نشرها في هذا الملف، وليكن كل تعليق يحمل رقما كرقم الصفحة، ليكون للفهرس الذي يتقدم البحث قيمته. وحتى الإعلان عن المسابقة الثانية أترككم في أمان الله
********
تحية طيبة أصدقائي الأكارم: هذه مسابقة من نوع جديد، سينال الفائز بها خمسة آلاف درهم كجائزة رمزية يقدمها راعي الوراق أستاذنا محمد السويدي حفظه الله،  لأحسن مشاركة تقدم في موضوع المسابقة.
وسوف تكون حلقة هذا الشهر عن (أدوات الاستفهام وأنواعها وأغراضها وأحكامها في القرآن الكريم) وسوف اتلقى المشاركات أنا على بريدي zaza@alwarraq.com وأعلن في الختام عن المشاركة الفائزة وأطلب من صاحبها أن ينشرها في هذه الصفحة. متمنيا التوفيق للجميع وإلى اللقاء. ينتهي موعد تلقي المشاركات يوم 31/ 7/ 2008م
 1  2  3  4  5 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
10    كن أول من يقيّم
 
دينها ودنياها . وأختم كلمتي هذه بخير منها ، فأنقل فقرة من كتاب : " إعجاز القرءان والبلاغة النبوية "[1] لأديب العربية الكبير ، مصطفى صادق الرافعي[2] رحمه الله ، جاء فيها :
" وما فرط المسلمون في آداب هذا القرءان الكريم إلا منذ فرطوا في لغته ؛ فأصبحوا لا يفقهون كلِمَه ، ولا يدركون حِكَمَه ، ولا ينتزعون أخلاقه وشيَمه ، وصاروا إلى ما هم عليه من عربية كانت شرا من العُجمة الخالصة ، واللكنة الممزوجة ؛ فلا يقرؤون من هذا الكتاب إلا أحرفا ، ولا ينطقون إلا أصواتا ، وتراهم يُرعونه آذانهم ، ولا يُحضرونه أذهانهم ، وهم بعدُ لا يتناولون معاني كلام الله إلا من كلام الناس ، وفي هؤلاء الجاهل والفاسق ، والوضّاع والقصّاص ، وذو الغفلة والمتهم في دينه وفهمه ، ومَن أكبرُ غرضه من القرآن حجج المخاصمة وبيّنات الجدل في مقارعة جماعة ، أو الرد على مذهب ، أو التأول لرأي ، أو النَّضحُ عن فئة ، أو ما يشابه ذلك ؛ وأولئك جمهور من يفهم عنهم المسلمون إلا نادراً ، ولا حكم للنادر." .


[1] الرافعي  ، مصطفى صادق ،إعجاز القرءان والبلاغة النبوية  ، ص 104، المكتبة الأهلية بمصر ، الطبعة الثانية ، 1345 - 1926
[2] مصطفى صادق الرافعي (1298ـ-1356 هـ/ 1880 – 1937م ) أديب مصري فذ من أصل لبناني ، قل ان يخلو كتاب أدبي في عصرنا من ذكره . بدأ حياته الأدبية شاعرا ثم نذر نفسه للدفاع عن القرءان واللغة العربية . اشتهر بمعاركه الأدبية بينه وبين العقاد ، وبينه وبين طه حسين بسبب كتاب الأخير " في الشعر الجاهلي" . امتاز بأسلوب أدبي ساحر . له دواوين شعر ، ومؤلفاته وكتبه مشهورة ، منها كتاب : " إعجاز القرءان والبلاغة النبوية " وهو في الأصل جزء من تأريخه للأدب العربي ، ومن مؤلفاته أيضا : تحت راية القرءان ، رسائل الأحزان (في فلسفة الجمال والحب) ، السحاب الأحمر( تكملة على رسائل الأحزان) ، وحي القلم ، وغيرها . كتبت عنه دراسات عديدة ، منها : " حياة الرافعي " لمحمد سعيد العريان " .
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
4 - أغسطس - 2008
11    كن أول من يقيّم
 
توطئة
 
أسلوب الاستفهام من أهم الأساليب اللغوية ، فهو يقوم عليه الأدب التمثيلي الذي هو من أصعب أنواع الأدب وأرقاها، وعلى أدوات الاستفهام تقوم طريقة من أنجح طرق التدريس وهى طريقة الحوار، والعلماء والقضاة والمحامون والمدرسون وكبار مراسلي الصحف ، هؤلاء  ، وغيرهم كثير ، لا ينالون النجاح والفوز إلا إذا كانوا ذوى مقدرة فائقة على إنشاء الأسئلة الدقيقة العميقة وحسن الحوار ،  بل إن معظم ما في هذا العالم من مسائل العلم والمعرفة كان جواباً عن سؤال .[1] وإعجاز القرءان الكريم اللغوي تضمن أساليب لغوية عديدة ، منها أسلوب الاستفهام ، وهذا الأسلوب جاء في القرءان بكثرة كاثرة من المعاني والأغراض ؛ وذلك لأهميته في تحقيق الأهداف التي من أجلها كان القرءان نورا وهدى للناس ، وذكرى  " لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ 37ق. ومن هذه المعاني ، محاورة الناس بطريقة تخلب ألبابهم ، وتلج معانيها إلى عقولهم وقلوبهم من أوسع الأبواب ، للذين قلوبهم ذات أبواب ، فتستقر فيها آمنة مطمئنة لا تخاف نفسا بالسوء أمارة ، ولا تخشى غلا كالجمر من تحتها ومن فوقها يشويها على سفود الكراهية ، ولا ترهب حقدا يعميها عن سواء الصراط . تسمع ربها يناديها : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ...16الحديد) ، فتنصبّ دموعها بأغدق من صبيب المزن ؛  وتصرخ بملء فيها : بلى يا رب ، آن الأوان ، آن الأوان . وأسلوب الاستفهام في القرءان من فوائده مخاطبة العقول إن ظنت الصواب في نهج تنتهجه وما هي بمصيبة في انتهاجه، ولو صدقت نوايا


[1] اللبدي ، عبد الرؤوف ، رسائل لم يحملها البريد ، مجموعة من الرسائل الأدبية العلمية من بينها رسائل بعثت بها " الهمزة  " إلى أختها "هل" ،   كان قد كتبها المرحوم الشيخ عبد الرؤوف اللبدي الذي كان أستاذا في نحو اللغة العربية وصرفها في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة . ولد الشيخ اللبدي في بلدة كفر اللبد بمحافظة طولكرم في فلسطين ، وعمل في الجامعة الأردنية وفي الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة .انتقل الشيخ إلى رحمة الله حديثا ، ولم أعثر على تاريخ وفاته . وعلى هذا الرابط توجد واحدة من رسائله :
 
*ياسين الشيخ سليمان
4 - أغسطس - 2008
12    كن أول من يقيّم
 
أصحابها ؛ فينبهها إلى ما فاتها من صواب . وهذا النبي ، رسول الله إلى العالمين ، رحمة من لدنه وفضلا ، يعاتبه ربه في الأعمى ، فيقول جل من قائل : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى 3أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى 4عبس) . ولمّا كان الأعمى يفد بعدها على النبي الأكرم ، يرحب به النبي أجمل ترحيب وهو يقول : " أنت الذي عاتبني فيك ربي "[1] . ومن أهداف الاستفهام في القرءان تنبيه المخاطب إلى ما غفل عنه من قدرة الله وعظمته : ( أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ 48النحل) ، ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ 7الشعراء) ، ومنها الرد على المبطلين المكذبين : ( ...وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا 98أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا 99الإسراء) .
   وأسلوب الاستفهام في القرءان فريد في نوعه وطريقته ؛ فهو يلقي السؤال على المخاطب الذي لا يجهل جواب السؤال ؛ فالجواب في نفسه متأصل من يوم ما أصّله الله فيها ، إثباتا أو نفيا ، ويقوم المخاطب بسؤال نفسه فتجيبه على الفور ؛ فالنفس تعلم ان الله سبحانه حديثه أصدق حديث ، فهي لمّا يُلقى عليها : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا 87النساء) ، تجيب ، إن كانت مطيعة : " لا حديث أصدق من حديث الله ، فحديث الله لا يمكن إلا ان يكون أصدق حديث " ، وهي بذلك تُـثبت وتصدّق ما قاله الله ، وتنزاح عنها غفلتها إن كانت غافلة عن تلك الحقيقة ، وتروح بإيمانها من إيمان ، ربما ينتابه الشك ، إلى إيمان يبلغ قمة اليقين . وإن يُلقى عليها : ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ 19 الزمر) ؛ فإنها تفهم المعنى ، وتنفي أن يكون الرسول ينقذ أهلَ النار ممن حق عليه كلمة العذاب ، وتسعى جاهدة بأن لا تكون من أولئك المُعذبين . إثبات أو نفي جاء بهما أسلوب الاستفهام في القرءان على أروع ما تكون الأساليب .
   تلك التي ذكرتُ من فوائد أسلوب الاستفهام في القرآن لا تعدل مقدار حبة رمل استقرت على شاطئ محيط فوائدها التي تجل عن الحصر ؛ وكيف لا ، ونعم الله لا تتناهى!
   والاستفهام ، إما حقيقي ، وإما مجازي حِواري . والنوع الثاني غالب مدار هذا البحث عليه بلا ريب ؛ فهو الذي يتعلق به فهم معاني أدوات الاستفهام بالأسلوب المجازي كما وردت  في القرءان الكريم . وقد ورد أسلوب الاستفهام الحقيقي في القرءان في آيات عديدة ، غالبها مما يتعلق بالأخبار الواردة في القصص القرءاني مع ان القصص القرءاني نفسه تضمن ، أيضا ، الأسلوب المجازي للاستفهام ، كل ذلك وفقا لحال السائل إن كان جاهلا بما يسأل عنه أو كان عالما به .
   بعد انتهائنا من هذه التوطئة التي هدفنا من وراءها إيضاح أهمية أسلوب الاستفهام ، وأنه إنكاري أو تقريري إثباتي من جهة معناه ، وأنه حقيقي أو مجازي من جهة مبناه ، ندلف إلى بحثنا مستعينين عليه بالله ، ومصلين على النبي ، ومسلّمين له بكل ما جاء به من ربه تسليما .
 
 


[1] السيوطي ، عبد الرحمن ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ج2 ، ص 643 ، دار الفكر / بيروت ، 1413هـ - 1993م
وسوف نذكر ترجمة السيوطي لاحقا .
*ياسين الشيخ سليمان
4 - أغسطس - 2008
13    كن أول من يقيّم
 
الفصل الأول
أدوات الاستفهام الواردة في القرءان الكريم
 
تتألف أدوات الاستفهام في القرءان ، وفي لغة العرب عموما ، من حروف وأسماء : الحروف اثنان ، والأسماء تسعة ، كما ورد ذلك في كتاب " معجم القواعد العربية"[1] للشيخ عبد الغني الدقر[2] :
حرفا الاستفهام هما :
1ـ الهمزة
2ـ هل
أسماء الاستفهام[3] :
1ـ ما ،
2ـ مَن
3ـ كم
4ـ كيف
5ـ متى
6ـ أين
7ـ أنّى
8ـ أيّان
9ـ أيّ
 
   وهناك اسم الاستفهام " كأيّن " أو " كأيٍّ " وهو نادرا ما يفيد الاستفهام ، وفقا لما ذكره ابن هشام اللغوي[4] :
" والاستفهام وهو نادر، ولم يثبته إلا ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك، واستدل عليه بقول أبي بن كعب


[1] معجم القواعد العربية، في النحو والتصريف. وذيل بالإملاء، صدرت طبعته الأولى عام 1404هـ-1984م عن دار القلم بدمشق، ثم طبعته الثالثة سنة 1423هـ - 2001م في 672 صفحة من القطع الكبير، ثم تتالت الطبعات . وقد اعتمد فيه مؤلفه على (الكتاب) لسيبويه ، (والمقتضب)  للمبرد ، وعلى الكثير مما كتبه تلاميذ سيبويه وتلاميذ تلاميذه ، ورتبه على الطريقة المعجمية . ( وجدت الكتاب مصورا على الشبكة العنكبوتية دون أن يكون مرقم الصفحات ليسهل الرجوع إلى نصوصه وذكر صفحاتها في حواشي هذا البحث ؛ فاضطررت إلى الاكتفاء بذكر باب الحرف الذي أقتبس منه النص) .
 
[2] الشيخ عبد الغني الدقر . ( 1335 – 1423 هـ / 1917 -2002م ) ، سوري سلفي ، من مشاهير النحويين المعاصرين ، له تصانيف في نحو اللغة ، والحديث ، وأصول الفقه ، والتفسير ، والتراجم . ( أنظر: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5109) .
 
[3] الدقر ، عبد الغني ، معجم القواعد العربية ، باب الهمزة ، الاستفهام .
[4] ابن هشام الأنصاري اللغوي أو النحوي (708 -  761 هـ / 1309 – 1360م) جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الأنصاري الحنبلي النحوي العلامة . انفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة والاستدراكات العجيبة مع اقتدار على التصرف في الكلام ، وكان متواضعا رقيق القلب دمث الأخلاق . قال عنه ابن خلدون : "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه " . صنف مغني اللبيب ، وعمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب ، وغيرها كثير.(تنظر ترجمته بشكل أوفى في شذرات الذهب في سنة وفاته ) .
 
*ياسين الشيخ سليمان
4 - أغسطس - 2008
14    كن أول من يقيّم
 
   لابن مسعود رضي الله عنهما : كأيٍّ تقرأ سُورةَ الأحزاب آيةً? فقال: ثلاثاً وسبعين. "[1] . وهناك الأداة " أم " والتي هي ذات علاقة بالاستفهام ، كما سيتبين لنا من خلال البحث .
   وحروف وأسماء الاستفهام المذكورة للتو تستخدم في اللغة عموما ، إلا أن استخدامها في القرءان الكريم ينير سبيل الباحث في البحث عن الأسمى والأبلغ من الأغراض المستخدمة فيها هذه الأدوات ، ويهديه إلى أهداف استعمالها والاستخدامات التي جاءت عليها كما يجب ان تكون عليه ، وبذلك يتم له الخير في دينه ودنياه .
معنى الاستفهام الحقيقي
وهذا المعنى : طلب الفهم[2] ، والذي يطلب الفهم يكون خالي الذهن من معرفة الإجابة جاهلا بها ، وهذا هو تعريف الاستفهام الحقيقي ، أو هو كما قال الجرجاني[3] : "استعلام ما في ضمير المخاطَب، وقيل: هو طلب حصول صورة الشيء في الذهن كانت تلك الصورة وقوع نسبة بين الشيئين، أو لا وقوعها، فحصولها هو التصديق، وإلا فهو التصور."[4] أو " هُو طَلبٌ الفَهم بالأدَواتِ المخصُوصةِ.[5] ومن أمثلة ذلك في القرءان :
(قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ 59 الأنبياء) ، (...قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ... 19) الكهف .  ومن أمثلته في اللغة العربية : " ما اسمك؟" ، " هل تحب المطالعة؟" ، " كم لديك من الكتب الأدبية؟ "...
"وجميعُ أَسْماءِ الاستِفهام لِطَلَبْ التَّصَوُّر (التصور: طلب إدراك المفرد فقولك "كيف أنتَ" استفهام عن مفردٍ وهو "أنت"). لا غير. إلاّ "هل" فإنَّها لِطَلبِ التصديق (التصديق: طلب إدْراك النسبة فقولك: "هل زيدٌ قادم" تستفهم عن قدومِ زيد هذه هي النسبة، لا عن زيد وحدَه) لا غير، والهمزة مشترِكةٌ بينهما "[6]. ، أي أن الهمزة تستخدم لطلب التصديق وطلب التصور . ولما كان القرءان كلام الله تعالى ، فلن يكون الاستفهام فيه ، مما صدر عن الذات العلية ، من النوع الحقيقي أبدا ، فهو ، جل وعلا ، لا يشوب علمه سابق جهل حتى يسأل ويستفسر ، وذلك لا يكون من الله عز وجل ، قال تعالى: ( قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ 148 الأنعام) . قال ابن هشام اللغوي في المغني  : " إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته "[7] .
   وقال الزركشي[8] في "البرهان"  : " فإن الرب تعالى لا يستفهم خلقه عن شيء، وإنما يستفهمهم ليقررهم


[1] اللغوي ، ابن هشام ، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ص69 ، مكتبة " الوراق " التراثية .
[2] نفس المصدر ، ص2.
[3] الجرجاني ( 740 - 816 ه = 1340 - 1413 م ) علي بن محمد بن علي ، المعروف بالشريف الجرجاني : فيلسوف ، من كبار العلماء بالعربية ، توفي في شيراز . له تصانيف كثيرة منها المخطوط ومنها المطبوع ، ومنها " التعريفات" ، وهو معجم للمصطلحات اللغوية والعلمية والفنية التي كانت سائدة حتى عصره ( ترجم له السخاوي في الضوء اللامع ، والزركلي في الأعلام ، وغيرهما.)
[4] الجرجاني ، علي بن محمد ، التعريفات ، ص6 ، نشر مكتبة الوراق التراثية ، موقع " الوراق" .
[5] معجم القواعد العربية ، مصدر سابق ، باب الهمزة ، الاستفهام .
[6] نفس المصدر والباب والموضوع .
[7] " مغني اللبيب عن كتب الأعاريب " مصدر سابق ، ص2 ، مكتبة " الوراق " التراثية .
[8] محمد بن عبد الله بن بهادر بن عبد الله الزركشي( 745- 794 هـ / 1344 – 1391م ) ، مصري المولد والوفاة ، وكان أكثر اشتغاله بالفقه وأصوله وعلوم الحديث والقرآن والتفسير، وقد ترك فيها أكثر من ثلاثين مصنفاً، ومن أشهر مؤلفاته: (البرهان في علوم القرآن، التذكرة في الأحاديث المشتهرة، النكت على ابن الصلاح)، وغيرها.. توفي بمصر سنة 794هـ. ( أنظر ترجمته في شذرات الذهب في سنة وفاته) .
*ياسين الشيخ سليمان
4 - أغسطس - 2008
15    كن أول من يقيّم
 
ويذكرهم أنهم قد علموا حق ذلك الشيء"[1]. وما أوردُ هذه الأقوال إلا لإيضاح أهمية النوع المجازي للاستفهام ، وأن البلاغة اللغوية تقتضي استخدامه ، وذلك بالخروج بأدوات الاستفهام من معناها الحقيقي إلى معناها المجازي .
الاستفهام المجازي
   تعريف الاستفهام الحقيقي لا ينطبق على الاستفهام المجازي ، فالمجازي يخرج بأدوات الاستفهام عن معانيها الحقيقية المجردة إلى معانيها البلاغية . وهذا الاستفهام المجازي ، عند البلاغيين من دارسي الدراسات الأدبية القرءانية ، لا يتوقف عند المعاني الأصلية التي يتوقف عندها أسلوب الاستفهام الحقيقي الذي يتطلب إجابة محددة ومجهولة لدي السائل ؛ ولكنه يتجاوز ذلك إلى البحث عن تصور ما للسائل يبتغي من وراءه معنى غير المعنى الحقيقي الظاهر ، فيصبح أسلوب الاستفهام عندها أسلوبا مجازيا بمعنى الخبر لا بمعنى الإنشاء ، وبذلك يؤدي هذا الأسلوب إلى ظاهرة جمالية وبلاغية ترمي إلى إفهام السامع او القارئ ما يرمي إليه السائل الذي لا يجهل ، في الأصل ، جواب سؤاله .
  
الخلاف في معاني وأغراض الأدوات اللغوية
أغراض أدوات الاستفهام ، وغيرها من أدوات اللغة ، بعد خروج هذه الأدوات من معانيها الحقيقية إلى معانيها البلاغية ، هي أغراض متنوعة وكثيرة ، وبعضها محل خلاف بين علماء المعاني ، والنحويين ، والمفسرين . ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أن استنباط المعاني المجازية لأدوات الاستفهام وغيرها من أدوات اللغة ، أمر له علاقة وثيقة بالذائقة الأدبية ، والتي ربما تكون متغايرة عند الأدباء ؛ وليس هناك من ضوابط قطعية الدلالة على الأغراض والأساليب البلاغية ، والتي وظفت لها أدوات وحروف اللغة ، تجبر كل باحث في معانيها أن بسير وفقا لها ، ويسير غيره نفس سيره حتى يخرج الجميع بفهم واحد حولها ، إلا أنه لا غنى لأحد عن بعض الضوابط المنطقية التي تدعم الذائقة الأدبية . ومن الممكن أن تكون أداة الاستفهام في الآية القرءانية الواحدة توحي بأكثر من غرض واحد أحيانا ، ويمكن عدّ هذا من نوع الإعجاز القرءاني ، وكذلك تعدد القراءات القرءانية يمكن أن يؤدي إلى استنباط أغراض متباينة . ومن الجدير بالذكر في هذا الموضوع وأمثاله ، هو أن القرءان أنزل على العرب ، واللغة ومعانيها ، وأجراس ألفاظها وتراكيبها متأصلة في أحاسيسهم ومشاعرهم ، وأن " مرجع تقدير الكلام في بلاغته وفصاحته إلى الإحساس وحده وخاصة في أولئك العرب الذين من أين تأملتهم رأيتهم كأنما خلقوا خَلقا لغويا "[2] ، وبهذا يمكن القول إن من جاؤوا بعدهم وأبعدوا في الزمن عن زمنهم ، صارت لديهم الذائقة اللغوية صنعة أكثر مما هي سليقة ، وتقليدا ومحاكاة لذوق من سبقهم أكثر منها خلقا وإبداعا ، فلجؤوا إلى قوانين قواعد اللغة من نحو وصرف ، وإلى قواعد علم معانيها ، وعلم بيانها ، وعلم بديعها ، يتكؤون عليها في استنباطاتهم ، وهم ، في الأصل ، من وضعوا تلك القواعد والقوانين ، بعد أن استقرؤوا اللغة التي لم ينشئوا فيها كأهلها الأوائل استقراء ، فكثرت فيها أقوالهم ، وتعددت في فهمها آراؤهم ، فكان الخلاف والاختلاف ديدنهم ، وهم في


[1] الزركشي ، محمد بن بهادر ، البرهان في علوم القرءان ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ج2ص327 ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، أربعة أجزاء ، الطبعة  الأولى ، 1376 هـ - 1957 م . يمكن تحميله من الشبكة / المكتبة الشاملة
 
 
[2] " إعجاز القرءان والبلاغة النبوية " مصدر سابق ، ص.196
*ياسين الشيخ سليمان
4 - أغسطس - 2008
16    كن أول من يقيّم
 
ذلك ، فيما أرى ، معذورون لأسباب كثيرة ، غير البعد في الزمن عن عصر النبوة ، وهذه الأسباب لا مجال لذكرها في بحثي هذا ، إلا أن من قصّر منهم في معايشة كتاب الله واستجلاء إعجازه ، وخاصة إعجازه اللغوي ، وجعل جل همه استجلاء معاني الشعر وحده ، واتخاذها حكما على اللغة ، هو الملوم أشد اللوم ، وهو الذي يستحق دون غيره التوبيخ والتقريع . وقد بلغ الأمر إلى أن من أولئك المقصّرين من منح الشعراء منزلة المتصرف في قواعد اللغة تحت اسم الضرورات الشعرية . ولكن الداهية الدهياء ، والمصيبة العمياء كانت في تطاول بعضهم على النظم القرءاني نفسه ، وظنهم أن ملكة العرب اللغوية يمكنها أن تأتي بمثله في الفصاحة والبلاغة ، حين زعموا أن الله منع العرب من ذلك الإتيان وصرفهم عنه ، قسرا وجبرا ، وسموا ذلك المنع بالصَّرفة ، وقد أعلن ذلك الزعم أبو إسحق إبراهيم النظام ، " شيطان المتكلمين " ، كما يصفه الرافعي ، فرأيناه يقصر إعجاز القرءان على الإخبار بالأمور الماضية والآتية[1] .
   والخلاصة هي : إن من أهم أسباب اختلاف العلماء في معاني أدوات اللغة يعود إلى اختلاف الذائقة الأدبية ، وأن ما زاد في اختلاف تلك الذائقة هو اتجاه البعض إلى استجلاء فنون القول أكثر من استجلاء لسان القرءان ، فكان ان انطبعت فنون الشعر ، مثلا، في أحاسيسهم أكثر من غيرها ، إلا من عصمه الله من مواطن الزلل ، وأبعده عن دوائر الختل .
    والمطالع لعدة من المصادر التي عنيت بأدوات الاستفهام ومعانيها المجازية ، يجد أن منها من يقصر تلك المعاني على عدد أقل من غيره ، ومنها من زاد حتى بلغ بها اثنين وثلاثين معنى أو غرضا ، وقد ذكر ذلك السيوطي[2] في "الإتقان" ، والذي نقلت عنه غالب أغراض الاستفهام العامة . ولا عجب في ذلك إذا علمنا أن أدوات الاستفهام قد ذكرت في القرءان الكريم ألفا وأربعاً وثلاثين مرة[3]، وأن أغراضها يمكن أن تفوق في عددها ما ذكره السابقون تبعا لمعاني الآيات القرءانية العديدة . ويمكن إيجاز أغراض أدوات الاستفهام عموما كما وردت في العديد من المؤلفات المختصة ، كما يلي :
 
أغراض[4] أدوات الاستفهام عموما
 1 – غرض الأمر: وهو ان يأتي المعنى بصيغة الأمر . ومن الأَمر قوله تعالى:( …فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ "91 المائدة)[5] . أي انتهوا عن فعلكم . قال الراغب الأصفهاني[6] " والانتهاء: الانزجار عما نهى


[1] إعجاز القرءان والبلاغة النبوية ، مصدر سابق ، ص141
[2] الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ( 849 – 911 هـ / 1445 – 1505م) ، مصري مشهور جدا ، شريك جلال الدين المحلي في تفسير الجلالين . كان جامعا لمختلف العلوم ، وله فيها من التصانيف المتعددة مئات التصانيف ، وكتابه الإتقان في علوم القرءان من الكتب المشهورة في علوم القرءان . ( أنظر ترجمته في شذرات الذهب في سنة وفاته)
 
[3] " رسائل لم يحملها البريد " ، مصدر سابق . .
[4] هذه الأغراض استقيتها من عدة مصادر دون أن التزم دائما بعين النص المنقول أو ترتيبه ، وغالبها من "مغني اللبيب" لابن هشام ، و"الإتقان" للسيوطي ، و"البرهان" للزركشي . و"معجم القواعد العربية" للشيخ عبد الغني الدقر. هذه المصادر نقلت عن سيبويه ومن جاء بعده من أصحاب التصانيف في النحو والبلاغة ، وفي كثير من الأحيان كان النقل متماثلا لدرجة أنه يجزئ الباحثَ مصدر منها أو مصدران . والمصادر من غير المصادر المذكورة أشير إليها في حينها، وخاصة عند البحث في معاني أدوات الاستفهام واحدة واحدة .
[5]  لسان العرب لابن منظور
[6]  الأصفهاني أو الأصبهاني هو الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب ، من أصفهان  أو أصبهان ، سكن بغداد واشتهر حتى كان يقرن بالإمام الغزالي . له " مفردات ألفاظ القرءان " ، " محاضرات الأدباء" وغيرها . ويحمد للأصفهاني مؤلفاته في القرءان ؛ فهي تدل على إيمانه بأن كتاب الله هو ميزان اللغة . (انظر ترجمته وكتبه ، وكتابه محاضرات الأدباء في الموسوعة الشعرية /الإصدار الثاني / المجمع الثقافي في أبو ظبي .) .
*ياسين الشيخ سليمان
4 - أغسطس - 2008
17    كن أول من يقيّم
 
عنه... أي: بلغ به نهايته "[1] < وبهذا يمكن عد هذا الغرض بمعنى الزجر.> ( ...وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ...20 آل عمران) ، أي أسلموا ، ( ...وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا20 الفرقان) ، أي اصبروا .
2 - النهي، كقوله تعالى: ( ... أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ 13التوبة) .< أي لا تخشوهم> ، ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ...44 البقرة) .<أي لا تنسوا أنفسكم من حملها على البر> . < ويمكن أن يحمل معنى الآية ايضا تعجب العقلاء من مثل هذا الفعل ؛ فالعاقل لا ينصح الناس بشيء يحجم هو عن فعله > .
3 - التسوية، كقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 6 البقرة) ، (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ 6المنافقون) .
4 - النفي، كقوله تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ..60 الرحمن) ، "ولذلكَ دَخَلَتْ عَلى الخبر بعدَها "إلاّ َ"[2] ، < أي لا جزاء للإحسان إلا الإحسان > ، (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ..36  المطففين)  ، < أي لم يثوب الكفار ما كانوا يفعلون على اعتبار أن الثواب لا يطال أفعال الكفار فيجازيهم بالخير > ، (...مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ...) ..255 البقرة) ، < أي لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه > .
5 - الإنكار، كقوله تعالى:( قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ..40 الأنعام) ، ومنه إنكار الإبطال ، والمعنى فيه على النفي ، وما بعده منفي ، ولذلك تصحبه إلاّ ، كقوله :( فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ..35 الأحقاف) ، (...ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور ..17  سبأ) ، وعطف عليه المنفي في قوله : (...فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ..29 الروم) . أي لا يهدي ؛ ومنه: ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ..111 الشعراء) ، ( فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ..47 المؤمنون) أي لا نؤمن ؛ ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى ..21  النجم) ، أي لا يكون هذا ، ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ..19  الزخرف) ، أي ما شهدوا ذلك .
وكثيراً ما يصحبه التكذيب ، وهو في الماضي بمعنى لم يكن ، وفي المستقبل بمعنى لا يكون ، نحو : ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا.. 40 الإسراء) ، أي لم يفعل ذلك ، ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ..28 هود) ،  أي لا يكون هذا الإلزام . ومن الإنكار إنكار التوبيخ :
والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفى ؛ فالنفي هنا غير قصدي والإثبات قصدي عكس ما تقدم، ويمكن أن يعبر عن ذلك بالتقريع ، نحو: (... أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي
..93  طه) ،

[1] الأصفهاني ، الراغب ، مفردات ألفاظ القرءان ، ج2 ، ص457 ، دار القلم ، دمشق ، (يمكن تحميله من الشبكة العنكبوتية ، وهو موافق للمطبوع) .
[2] معجم القواعد العربية ، مصدر سابق ، باب الهاء .
*ياسين الشيخ سليمان
5 - أغسطس - 2008
18    كن أول من يقيّم
 
( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ 95 الصافات) ، ( أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ 125الصافات) ، وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت ووبخ على فعله كما ذكر، ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع ، كقوله : ( ...أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ... 37 "فاطر) ، (... أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا... 97النساء)
6 - التشويق، أو الترغيب أو الإغراء ، كقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 10) الصف) ، وقوله : ( مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ 11الحديد ) .  < فالتشويق أو الترغيب ، غالب القصد منه في القرءان أن يجعل المخاطب في حالة من الشوق إلى تحقيق أمر حسن ، وأن يجعله على رغبة عارمة في السعي إلى ما فيه خيره العميم ؛ ولكن من باب الإغراء أيضا ، قوله تعالى على لسان إبليس اللعين > : ( ... فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى 120" طه) ، < وبذلك أوقع إبليس سيدنا آدم في ما هو محظور عليه بوساطة هذا الأسلوب ؛ فتأمل أهمية أساليب اللسان القرءاني . >
 7 - الاستئناس، كقوله تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى 17 طه) . < والاستئناس يخفف من وقع المفاجأة على المُخاطب بأمر عجيب غير مألوف ، بل لا يخطر بالبال ويعد من المحال قبل أن يتحقق وقوعه ، وهو أن تستحيل العصا حية تسعى ، مما جعل سيدنا موسى ، عليه السلام ، لا يزيد على أن يولي مدبرا ولا يعقّب > .
8 – التقرير : وهو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرف ، كقوله تعالى:( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 الشرح) ، وقوله على لسان فرعون : ( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ 18الشعراء) ، حيث أراد فرعون من سيدنا موسى الإقرار بأن لفرعون فضلا عليه .
9 - التهويل، كقوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ 3 الحاقة) . < ولا يظنن ظان أن التهويل هنا يعني الزيادة على الحقيقة ؛ وإنما هو لبيان شيء منها يمكن ان تطيق أفهامنا استيعابه بقصد أن نحذر منه ونتقي خطره > .
10- الاستبعاد، كقوله تعالى: ( أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ 13 الدخان) .
11- التعظيم كقوله تعالى: (...مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ... 255 البقرة) .
12- التحقير، كقوله تعالى: (...أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ... 36الأنبياء) .
13ـ التعجب، كقوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ 7 الفرقان ) ، (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ 20)النمل) . < ولكن التعجب في الآية الأولى قد اصطنعه الكفار اصطناعا ، فهم يدركون في الحقيقة أن الرسول بشر> . " وما أنكر يا محمد هؤلاء القائلون ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، من أكلك الطعام ومشيك في الأسواق، وأنت لله رسول؛ فقد علموا أنا ما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق
*ياسين الشيخ سليمان
5 - أغسطس - 2008
19    كن أول من يقيّم
 
كالذي تأكل أنت وتمشي، فليس لهم عليك بما قالوا من ذلك حجة."[1] < أما الآية الثانية فالتعجب فيها يمكن أن يكون على حقيقته ، فسيدنا سليمان لم يعتدْ على غياب الهدهد عنه دون إذن منه ..>
14ـ التهكّم والاستهزاء ، كقوله تعالى: ( قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا.. 87 هود) .
15- الوعيد، كقوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ 6 الفجر).
16- الاستبطاء، كقوله تعالى:(... وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ 214 البقرة) .
17- التنبيه ، والتنبيه على الخطأ، والتنبيه على ضلال الطريق  كقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ 1الفيل) ، (...قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ .. 16البقرة)[2]. وقوله تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ 26 التكوير) . وعند الزجاج[3] في "إعراب القرءان "، الآية :(هَاأَنتُمْ...) للتنبيه ايضا . < وهاأنتم ، وردت في القرءان ثلاث مرات، في آل عمران ، والنساء ، ومحمد .>
18ـ التمني ، نحو قوله تعالى : ( فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا 53 الأعراف) . < ويمكن أن ينضم الاستجداء إلى التمني ، ولكن دون طائل.>
19 - التحسّر، كقوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ 41 غافر) . <وقد تحمل معنى التعجب من صدود قومه عن الحق مع التحسر > .
20 - التكثير، كقوله: ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ 11الأنبياء)
21ـ الافتخار ، كقوله تعالى على لسان فرعون : (... أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي...51 " الزخرف[4] .
[1] تفسير: جامع البيان عن تأويل آي القرءان/ الإمام الطبري .
[2] في هذه الآية فائدة لغوية هامة تفيدنا في كيفية استخدامنا لما يشبهها في المعنى ؛ فالذي يقول ، مثلا : " استبدلت الكفر بالإيمان " ، يكون معنى قوله أنه كان مؤمنا ثم صار كافرا ؛ لكنه إن يقل : " استبدلت الإيمان بالكفر" ، يكون معنى قوله أنه كان كافرا وصار مؤمنا . ولما قال أمير الشعراء : " أنا من بدل بالكتب الصحابا ، لم أجد لي وافيا إلا الكتابا " فقد كان يعني ، دون ريب ، أنه فضل صحبة الكتاب على صحبة الأصحاب ؛ لكننا إن نتبع نهج الآية المذكورة ، نقلب شطر بيت شوقي فيصير: أنا من بدل بالصحب الكتابا ، حتى يتم المعنى المطلوب . وقد قرأت مرة أن مجمع اللغة العربية في القاهرة أجاز الإبدال المخالف للآية ؛ فإن كان ما قرأته صحيحا ، فلا أدري حجة المجمع التي بنى عليها إجازته ، وهل كانت من باب التسهيل على الكتاب وأرباب الصحافة أم من باب اعتماد شواهد لغوية من غير القرءان .
 
[3] كتاب " إعراب القرءان " مشكوك في أنه للزجاج ، وربما هو منسوب له خطأ ؛ فقد ورد فيه أسماء أعلام جاءوا بعد الزجاج مثل الفارسي (ت377) والجرجاني (ت471) . وقد علمت من موقع على الشبكة أن بعض الباحثين اهتدوا إلى ان الكتاب  المنسوب إلى الزجاج هو ، في الحقيقة ، لعلي بن الحسين الباقولي الأصفاني.  والزجاج هو ، أبو اسحق إبراهيم بن محمد بن السرى بن سهل الزجاج النحوي ، من أهل العلم والأدب والدين المتين ، أخذ الأدب عن المبرد وثعلب . صنف كتابا في معاني القرءان ، وله كتاب الأمالي  ، وكتاب الاشتقاق وغيرها . (تنظر ترجمته في شذرات الذهب في حوادث سنة 310 هـ، وهي سنة وفاته على الأغلب)
 
[4] فائدة : ما دمنا نبحث في معاني الحروف والأدوات ولو في أسلوب الاستفهام وحده ، فقد فطنت إلى التفكر في معنى "مِن" في الآيات التي فيها : " جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ " ، وقد وردت في ثلاث وعشرين سورة من سور القرءان وتكررت أربعا وثلاثين مرة ؛ ولكن الآية الوحيدة التي جاءت في القرءان عن الجنات دون الحرف "مِن" ، هي : " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 100التوبة . ويمكن القول : إن من ظنوا بأن منزلة الجنات التي تجري من تحتها الأنهار أعظم درجة من الجنات التي تجري تحتها الأنهار قد جانبوا الصواب . وقبل البحث في معنى "مِن" من ناحية الإعراب ومن ناحية الغرض الذي جاءت فيه ، يمكننا أن نقول : إن الآية التي خلت من الحرف "مِن" تتحدث عن الجيل الفريد من الناس الذين عاشوا معاني القرءان غضة طرية لم تشبها شائبة ؛ فقد تلقوها من رسول الله مباشرة دون واسطة ، ووعتها قلوبهم واختزنتها صدورهم ؛ فعملوا بموجبها ؛ فكانوا السّباقين إلى رضوان الله تعالى . نعم، كانوا هم السابقين في مضمار السباق ، ولم يكونوا مسارعين فحسب ؛ فالسابق أسرع من المسارع دون ريب ، والفرق بين " سابقوا " وبين "سارعوا" فرق بيّن . أما الرسل والأنبياء فدرجاتهم تظل أعلى من غيرهم ؛ ولذا ؛ فقد ذكرها القرءان الكريم في مواضع خاصة بهم . من هنا ، نستنتج أن جنات السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار أعظم مكانة من جنات الذين آمنوا من غير السابقين من المهاجرين أو غيرهم . وعلى ضوء هذا الفهم يمكننا أن نعرف معنى "مِن " في الآيات التي تتحدث عن الجنات ، ولأي غرض جاءت . إن نحو اللغة وقواعدها يجب أن تتبع في معانيها ووظائفها المعاني التي جاء بها القرءان بالدرجة الأولى . ولو قلنا إن "مِن" في الآيات المذكورة تعني ابتداء الغاية ، وان ابتداء الغاية أشرف مكانة مما يتلوها ، لصرنا إلى القول بأن الجنات التي تجري من تحتها الأنهار أعظم مكانة من الجنات التي تجري تحتها الأنهار، وبذلك نخالف السبب الذي من أجله انفردت الآية بأجر السابقين ونحكم عليهم بأنهم أقل أجرا من غيرهم ، وهذا لا يعقل . وأما إن قلنا بأن "مِن" للتبعيض ؛ فيكون المعنى أن الأنهار تجري من بعض الأمكنة تحت تلك الجنات . وأما " تجري تحتها " ، فتعني أن الأنهار تجري تحتها كلها وليس تحت بعضها ، أو بعض تحتها ، وبذلك تكون أعلى منزلة . ومهما قال النحويون في معنى " مِن " ، فإن القول الصحيح من لدنهم هو الذي يتفق مع علو منزلة السابقين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان .
 

*ياسين الشيخ سليمان
5 - أغسطس - 2008
 1  2  3  4  5