تابع الأقصوصة كن أول من يقيّم
تابع الأقصوصة:
وكان اليوم المشهود يوم الأحد10/شوال، 21/10 ، حين أنهيت تجوالي فهممتُ بالعودة، وفاجأتني النرجسة بكراسة من الجورية، أخذتُها بناءً على طلب الجورية، وهنا بدأت قصتي مع الكراسة التي لم تفارقني .
وعندما فتحتُها في المكتب، وجدت بها بعض الأبيات من المتقارب كانت موزونة لكنها مفتقرة إلى علم القافية. شجعتُها على المُضِي قدُمًا في هذا الطريق ثم فوجئتُ بتسعة وعشرين بيتـًا قطعتها ونسبتها إلى البحور، فعلا كان هذا عملًا مقبولاً، لم أتوقعه منها؛ لذا أثنيت عليها كثيرًا أمام زميلاتها، بعد ثلاثة أيام< لدرجة أن البعض غرنَ منها.
ـ زهراتي، وكأن الجورية تقول لي: أنا لا أحتاج إلى شرحك، اجلس مكانك ولا تتعب نفسك.
وزاد هذا غضب بعض الزميلات، لكني صدمتـُها فيما بعد بعبارة "مصرية":(مِنِّك لله)؛ فلم تعرفْ معناها، وذلك بسبب إجابتها عن زميلة لها، لكنها رأت أن تتغاضى عن ذلك، وأحست أن الشكل الخارجي للكراسة لم يعجبني؛ لذلك عمِلت على تحسينه بمساعدة من أختها الوحيدة البنفسجة فاطمة.
ثم كان موعد الاختبار النصفي الأحد17/شوال، 28/10 ،والذي قالت عنه الزهرات: إنه صعب، وقالت الجورية: إنه سهل، فشكرتُ الفلة ثرياء؛ ظنـًّا مني أنها من قالت: سهل، فغضبت الجورية لكنها لم تقل لي شيئًا.
ويوم الأربعاء وكان أول يوم أرى فيه بيتـًا مقطعًا بطريقة متقنة وخط واضح على السبورة، نظرتُ إليه بإمعان، صمتُ قليلًا ثم سألت عن صاحبته، رفعت الجورية إصبعها، ولم أستغرب فهذا متوقع من زهرتي المتميزة، وإن كانت مصابة بالبرد وقتـَها...
ثم إني كنت أواصل متعتي بشرح العروض يوم الأربعاء14/11، فإذا بعاملة تسلمني ورقة، وجدت أنها من نادي الإبداع وبها استدعاء للجورية يمناء، يبدو أنها ليست متميزة عندي فحسب، بل في كل الأقسام.
ـ قلت -باللهجة المصرية-:يالله يا أبلة يمناء، نادي الإبداع، يطلبونك.
طلبتْ من زميلة أن تدعوني إلى القاعة الكبرى حيث ستُلقي مقدمة أمام المدير، لكنها لم تسمع رغم تكرار الجورية لطلبها، وخرجتْ ولم تعد إلا في الساعة الأخيرة حين كان دوري، وقتَها خرج الدكتور الحذيفي-دكتور الأدب- ودخلتُ، وبقيتْ هي مع هذا الدكتور تطلب منه أن لا يسجل لها غيابًا، ففعل، وأعطاها علامتين على مشاركتها تلك، لم آخذ الغياب إلا بعد أن حضرتْ.
ولن أنسى يوم الأربعاء في الساعة الأخيرة 21/11حين استوقفنا البيت:
قد جبَرَ الدينَ الإلهُ فَجُبِرْ
ـ مَن تقطع هذا البيت على السبورة؟!
رفعت الزهرات بـِتـِلّاتها(أوراقها)، فسألتني القرنفلة نادية: ما إذا كنّ سيحصلن على علامة، فأجبتها(لا)، فأنزلت الجورية بتلتها فهي لا تحب العمل بلا مقابل، لكني أردت أن أريها سلطتي على المشتل.
ـ ستخرج الجورية على السبورة.
كانت الجورية غير قادرة على الرفض؛ فقد كانت كثيرة الصمت إلا وقت الجـِد، أخذتِ القلم وبدأت تقطع البيت وأطرافها ترتعش خوفًا، وقد لاحظت زميلاتها ذلك، ومن شدة وطأة الرعب لم تنتبه إلى خطإ فادح وقعتْ فيه ثم نبهتها إحداهن، فصوبَـته، عادت إلى مكانها وهي تأخذ شهيقًا عميقـًا.
ثم أتى الأسبوع الذي يليه بما يحويه من لقطات غريبة وجميلة، متمثلة بيوم الأحد25/11 ، غيرتْ الجورية مكانها وجلستْ بجانب الياسمينة علياء، وأخذتُ أذكر العلامات لزهراتي، وجدنا أن الجورية والياسمينة متماثلتان في الدرجة: 19,19,19
ثم شرحتُ علم القوافي وإذا بي أدخل في مناظرات حادة مع الجورية بسبب سوء فهم منها، هي تقول: القافية الثاء، وأنا أقول الراء، وعندما أحست بغضبي صمتتْ، وبعدها لم أرَها تجلس بجانب الياسمينة أبدًا.
وبينما كنت ذاهبًا إلى المشتل السابع، دُهشتُ من إبداع زهرتي حينما أتتني النرجسة بالكراسة العجيبة ثانيةً بعد أن أنهت جوريتي قصيدة صحراء، كان ذلك قبل الاحتفال باليوم الوطني السادس والثلاثين بيوم، أي يوم الثلاثاء 27/11ووعدتها خيرًا.
ذهبتا إلى مختبر الحاسوب وفوجئت برسالة من مشرفة نادي الإبداع تخبرها أن الحفل سيكون في الغد.
ـ يا إلهي: ماذا سأفعل، القصيدة عند الدكتور؟
ـ تدبري أمرك لا شأن لي.
فكرت الجورية ورأت أن تراسلني للتعجيل بإحضار الكراسة، مع أنها لم تود مراسلتي قط، وفي المساء طلَبَتْ من عمها أن يعطيها بريده الالكتروني، ففعل وهو متعجب من هذا التصرف مثلي، أرسلت لي الرسالة الأولى تطلب مني التعجيل بإحضار الدفتر، والثانية والثالثة موضحة أن هذا ليس بريدها.
وكان يوم الحفل المنتظر الأربعاء28/11يومها ذهبت إلى المشتل الثامن فإذا بي أرى زهرة صغيرة في القاعة، أرجعت الكراسة مزينةً بعبارة:"مبارك يا يمناء دخلت عالم القصيدة"، وكنت قد نظمت قصيدة-في مناسبة الاحتفال بالعيد الوطني لدولة الإمارات - فطلبتُ من الجورية أن تعيد كتابتها بخط يدها، وذلك أحدث ضجة وجلبة بين الأخريات، ثم مضيت في شرح علم القافية، وكنت أرى الوردة الصغيرة تهمس في أذن أختها بين الحين والآخر، لعلها تساءلتْ عمن أكون، وماذا أقول؟ وما هذا العلم المُمل؟!
وفجأة رَنّ هاتف، إنها رسالة من نادي الإبداع يطلبون من الجورية الحضور، استأذنت مني وذهبتْ. ثم أعطت قصيدتي لمشرفة النادي بناءً على طلبي، لكن المشرفة طلبت منها أن تردها لي فما من أحد ليلقيَها. لم تشأ الجورية أن تردها لي بنفسها؛ لذلك اصطحبت معها زهرة لتردها، وعادت إليَّ قصيدتي تخبرني أني سألقيها.
وفي القاعة الكبرى حضر حفل كبير ليشهد مراسم الاحتفال باليوم الوطني وكنت واحدًا من المدعوين، وأثناء إلقاء جوريتي لقصيدتها كنت خارج القاعة ولحسن الحظ كان المدير غير حاضر أيضًا، ثم أتى المدير وطـُلِب من الزهرة شيخة والجورية يمناء إعادة الإلقاء أمام المدير، وقتَها كنت حاضرًا، ثم أعادتا الإلقاء وعادةُ الجورية أن لا تنظر إلى أحد أثناء الإلقاء حتى لا ترتبك، إنما تنظر إلى الجدران الخلفية يمينًا ويسارًا، ثم ألقيتُ قصيدتي، ثم قام المدير وأعلن عن قيام مسابقة شعرية، وجرت مسابقات للزهرات والأساتذة، وكان اليوم جميلا جدًّا، تفقدت رعيتي في الساعة الأخيرة، وذهبت الجورية إلى النادي لتأخذ نفَسًا، ثم عادت مع أختها بعد نصف ساعة، حدث شجار بين القرنفلة نادية وزميلتها أضحكَ الجميع، فقررت أن أفصلهما، ثم ألقت القرنفلة قصيدة غزلية، وألقيتُ قصيدتين عن بغداد والعولمة.
ـ هناك ضيفة صغيرة في القاعة، من هذه يا يمناء؟ هذه أختك؟
ـ نعم.
ـ ما اسمها؟
ـ فاطمة.
ـ وهذه هدية لفاطمة أخت يمناء.
كانت عبارة عن قصيدة رائية بعنوان"دبي حلم عربي"، أعجبَتها كثيرًا ولا تزال تحتفظ الجورية بها إلى الآن . انتهى الوقت.
وبما أن الأحد كان إجازة؛ لذا لم أستطع رؤية زهراتي في المشتل الثامن إلا يوم الأربعاء5/12، وفي الساعة الأولى لم يحدث شيء، أما في الساعة الأخيرة فقد حدثت أشياء، منها أني كلفت زهراتي بتقطيع بيتين هما:
للمنون دائرا تٌ يُدرنَ صروفها
فتراها تنتقينا واحــدًا فواحـدا
ثم نسبتهما إلى بحرعروضي مناسب....
وكالعادة أتتني الجورية بتقطيعها وأنه من بحر الرمل المشطور، فكرت قليلاً ثم قلت:حسنًا.
ثم عادت إلى مكانها.
ـ هذا موقع عمك؟
ـ نعم.
ـ أليس لديك موقع؟
ـ عندي؟
ـ إذًا ماهذا الإرهاب تجاهي، ثلاث رسائل، وكل رسالة فيها طلب واحد: أحضر الكراسة، أحضر الكراسة، أحضر الكراسة.
طأطأت الجورية رأسها وهي تسمع ضحكات زميلاتها، وتعليقاتهن، وتساءلت لمَ لم أحَدّثـْها عن موقع عمها عندما سلمتني كتابها حتى لا تسمع الأخريات ذلك.
ثم وقفتُ لأوضح تقطيع البيتين.
ـ هذا البيت قالت عنه الجورية: إنه من الرمل المشطور، وقلت: إنه من المجزوء، ولا بأس أن تصحح الزهرة المتميزة لأستاذها، لكني وجدت أن كلامها باطل وهو من المجزوء، إذًا أليس كلامها باطلا؟
ـ إحدى الزهرات: نعم، والله يكفينا شرّه.
وهكذا رفعتـُها إلى ما فوق السحاب، ثم أنزلتُها إلى أدنى الحضيض، وصارت تنظر إلى زميلاتها نظرة مستغربة وحزينة، قررتْ أن تكتب قصيدة هجائية بشأني.
وبعدها استوقفنا بيت عنترة الذي يقول فيه:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لمَ القهما دمي
ـ هناك شيء في هذا البيت والتي تعرف فهي بروفيسورة العروض.
فجأة رفعت الجورية يدها، ويبدو أني لن أتخلص منها أبدًا؛ لذا قلت:"إلا يمناء"، أنزلت يدها، وسألتـْها الأخريات عن الإجابة لكنها لم تخبرهن، وبقيتُ أسهّل الأمر عليهن، بذكر البحر، والنظر إلى الشطر الثاني، لكن ما من مجيبة.
ـ قولي يا جورية.
ـ ضرورة شعرية، حُوِّلت همزةُ القطع إلى وصل في "لم القهما"...
ـ أحسنتِ.
فقد كانت قد درست الضرورات الشعرية منذ العاشر، وهكذا تنازلت عن القصيدة الهجائية، وتبخترت باللقب.
ـ لا أحد يحدثني؛ فقد أصبحتُ بروفيسورة العروض.
_ (أبوها): وأين الشهادة التي تثبت ذلك.
ـ إنها مع الدكتور ومن الدكتور.
مضت على هذه الحال أيام غير متواصلة...
وكان الأربعاء التالي12/12موعد الوداع، لكن قبل هذا أهدتني الجورية تقريرًا لها وهي في الصف الثاني عشر، أثنيت عليها أمام زميلاتها كما أثنيت على معلمتها؛ فقد وجدتُ فيه جهد الاثنتين معًا...
|