البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : عالم الكتب

 موضوع النقاش : ثلاثون عاما علي الاستشراق لادوارد سعيد: تأثيره مستمر.. وخصومه كذلك!    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :

 زين الدين 
16 - يونيو - 2008
الإخوة الأكارم ،
تحية طيبة ،
أنقل هذا الموضوع عن صحيفة "القدس العربي"على أمل العودة لمناقشته لاحقا بإذن الله ...
*****
ثلاثون عاما علي الاستشراق لادوارد سعيد: تأثيره مستمر.. وخصومه كذلك!
ابراهيم درويش
2008/05/13
هناك مثقفون وسياسيون يعانون من عقدة او هوس ما، شخص، ـ قضية، الهوس هنا بمعني الكراهية والتشفي وتسقّط الاخطاء. نعرف ان انتوني ايدن كان مهووسا بعبدالناصر وكراهيته للاخير كانت لأبعد حد حتي ادت لنهاية غريبة لهذا السياسي ووضعت حرب السويس (1956) مسمارا اخيراً في نعش الامبراطورية التي لم تغب عنها الشمس. وهناك برنارد لويس الذي كان يتسقط ويلاحق اخطاء او يجد اخطاء للناقد الراحل ادوارد سعيد (1935 ـ 2003)، الذي كان مركزيا في نشوء دراسات الاستشراق ودراسات ما بعد الاستعمار. ويظل اسمه واعماله امرا روتينيا بل واجبا في كتابات الطلاب والنقاد في المجال الاكاديمي. سيادة ادوارد سعيد لا تعجب كثيرين ممن رأوا انه باطروحته حول علاقة الاستعمار بالاستشراق العضوية التي برزت في كتابه الاستشراق (1978) مدعاة للغضب لانه وضع المسمار الاخير في نقد الاستشراق. ثلاثون عاما مضت علي نشر الكتاب ورغم المراجعات الكثيرة الا انه ومنذ صدور هذا العمل التأسيسي لم ينقطع النقاش حول الاستشراق بين مؤيد لاطروحة سعيد ومعارض لها. وقد جرت العديد من المحاولات لمقاربة افكار سعيد الاولي في الاستشراق وتجديدها، وقام سعيد نفسه بتقديم عمل اخر يواصل تقاليد الاستشراق وهو الثقافة والامبريالية (1993). جهود سعيد النقدية كان لها بعد اخر، وهي ان ناقديه ربطوا بين تفكيكه بنية الاستشراق المعرفية ونقدها ومن ثم تحطيمها وبين موقفه من فلسطين ودفاعه عنها في المحافل الدولية وفي امريكا بالذات حيث تعرض للتهديد واطلق عليه اللوبي اليهودي دكتور ارهاب . لكن سعيد ظل يمثل بعيدا عن مواقفه وسياسته هوسا لروبرت اروين الباحث والناشر حيث نشر عام 2006 كتابا عن الاستشراق والمستشرقين واعدائهم بعنوان شهوة/ شبق للمعرفة: المستشرقون واعداؤهم وهاجم فيه سعيد هجوما مرا ووصف الاستشراق لسعيد من ضمن ما وصفه بانه عمل تدجيلي خبيث من الصعب التفريق بين الاخطاء غير المقصودة من تلك المتعمدة، مشيرا الي ان الكتاب لم يكن يستحق كل هذا الاحتفال والاحتفاء. اروين وجد فرصة جديدة لمهاجمة سعيد في مقال نشره الملحق الادبي لصحيفة التايمز تي ال اس تحت عنوان يشكك في ميراث سعيد: وبعنوان اخر يقول ان ميراث سعيد مخادع في نقاشه، ركيك اللغة، ولا يهتم بالحقائق، ولكن ما يدهش اروين ان سعيد بعد ثلاثين عاما من صدور كتابه لا يزال يتسيد النقاش. ويبدو ان هذا ما يثير حساسية اروين. ويفتتح هجومه قائلا ان كثيرا من الاكاديميين (لم يسم احدا منهم) يرغبون في ان يكون نقاش سعيد في الاستشراق صحيحا، فمن ناحية يشجع هذا النقاش علي قراءة الروايات من زاوية منحرفة لاكتشاف نصوص فرعية/ داخلية عن الاستعمار، كما يدعو الكتاب الي نسخة نقدية مضخمة عن بريطانيا خاصة والغرب عامة. ولكن الكتاب لا يشجع علي اي نوع من القراءة النقدية لدراسات الاسلام والشرق الاوسط. الاستشراق في النهاية وحسب اروين يعطي رخصة للباحثين الذين يتعاملون مع ابحاثهم باعتبارها عملا او احترافا سياسيا. ومن هنا يتحول الكدح الاكاديمي الي نوع مثير من النشاط يمكن تسميته قول الحقيقة للقوة . ما هي المناسبة التي دعت اروين لنقد سعيد من جديد، لا توجد هناك مناسبة معينة، فهو لا يريد الاحتفال بمرور ثلاثين عاما علي صدور الكتاب ولا احياء ذكري خمسة اعوام علي رحيل الناقد التي لم تحل بعد. المناسبة هي مراجعة لكتابين صدرا عن سعيد: احدهما لدانيال مارتين فاريسكو قراءة الاستشراق، سعيد واللا سعيد الصادر عن دار نشر جامعة واشنطن والثاني دفاع عن الغرب نقد لكتاب اداورد سعيد الاستشراق ، الصادر في امهرست، نيويورك. علي الرغم من ان الكتابين يوجهان نقدا مهلكا لسعيد كما يقول الا انهما لن يغيرا من اهمية سعيد وسيادته، وهو ما يثير قهر اروين. المثير ان فاريسكو باحث في علم الانثروبولوجي، ومتخصص في الزراعة في اليمن. ولهذا السبب فان فاريسكو يهاجم نصية سعيد ويأخذ عليه تجاهله علم الانسنة وعلم الاجتماع والنفس/ الانثروبولوجي والسوسيولوجي السايكولوجي. وفوق هذا فلدي فاريسكو، كما يقول اروين وفرة من الاتهامات التي يعتمدها لادانة واتهام سعيد من صادق جلال العظم وبريان ترنر ومالكوم كير وغيرهم. وهؤلاء يحلقون مثل الصقور فوق الاستشراق كي يفضحوا الاعيب سعيد البلاغية كما يقول. ويقدم مثالا علي نقد فاريسكو لسعيد من خلال استشهاده بتحليل هذا لمفهوم سعيد عن الاستشراق الكامن والظاهر كي يتوصل، اي فاريسكو الي حقيقة مفادها ان سعيد يقوم بالاعيب بلاغية تخفي وراءها حقيقة واحدة وهي انه كاتب مولع بالجدل العقيم. ثم يشير الي ما يراه فاريسكو استخدام سعيد لغة تحقيرية وينتقده علي وصف سيلفستر دي ساسي بانه نهب الارشيف الشرقي . ويتوقف فاريسكو ومراجعه عند كلمة نهب باعتبارها تحقيرية من اعطي سعيد رخصة استخدام نهب هنا.... . كما يأخذ فاريسكو علي سعيد أن اتهاماته قائمة علي الشبهة، فمن عادة سعيد ان يقدم قائمة غسيل تشمل كل الاصناف السيئة من الذين يعتقد انهم مستشرقون انذال ليحكم علي افراد بشبهة علاقتهم بهم. وبعيدا عن لعبة سعيد البلاغية وخداعه هناك تهمة تلاعبه بالاستشهادات، مشيرا الي استشهاد اخذه عن سعيد من فلوبير، ناقدا قرار سعيد اعتباره نموذجا بدائيا عن كاتب رحلات استشراقي.
كما يشير فاريسكو الي الكيفية التي قام بها سعيد بتحريف افكار الباحث في العلوم السياسية بي جي فاتيكيوتس عندما اسقط بشكل متملص كلمات وفقرات كاملة اذهبت زبدة كلام فاتيكيوتس في مقاله الذي استشهد به سعيد عن الثورات في الشرق الاوسط. وبعد كل هذا يقول مراجعنا ان سعيد كان متعامياً او غير مكترث للسخرية، مشيرا لتعامل سعيد مع نصوص الكاتب الامريكي مارك توين الذي صنفه سعيد علي انه احد رواد كتابة الرحلات الاستشراقية، وتبدو قراءة سعيد لتوين لا متهورة. وبهذه اللغة الاتهامية، غافل متهور، واتهام بالجملة، يقودنا مراجع الكتاب في رحلة يبدو انها لا تهدف لتحليل ما ورد فيهما ولكنها مناسبة للكيل والنيل من سعيد. فسعيد غافل او يتغافل عن فهم الدعابة في كتابات الاستشراقيين وهذا العجز مضحك. ويعود اروين لاطروحته الاساسية في كتابه الانف الذكر ان الاستشراق لم يكن من اجل المال او القوة والاستعمار بل من قاموا كانوا من ابناء الارستقراطيات ممن كانت لديهم القدرات المالية الخاصة. ويري ان فاريسكو كان واعياً للعلاقة بين فكرة الطبقة والمال في الكتابة الاستشراقية مشيرا الي ان رواية واثق/ فاثيق لويليام بيكفورد كانت عملا انتجه كاتب ثري، وكذا الامر بالنسبة للرسام الاستشراقي جين ـ ليون جيروم، الذي استخدم علاقات عائلته الارستقراطية كي يسافر كثيرا ويجمع المواد الاستشراقية اللازمة لرسومه. يشير اروين الي ان موقف سعيد وتأييده للفلسطينيين ( ينسي هنا ان سعيد كان نفسه فلسطينيا) جعل من كتابه هدفا للمتطرفين اليمينيين والمؤيدين للصهيونية. هذا الموقف جاء مع هجوم سعيد الشرس علي ما يسميه اروين الكثير من قيم والاجراءات المتعلقة بالتقاليد الاكاديمية ولكنه هنا يحاول تبرئة فاريسكو من تهمة تأثر نقده للاستشراق السعيدي بدفاعه عن قضيته/ فلسطين مشيرا الي ما جاء في حاشية من حواشي الكتاب انه اي فاريسكو يتخذ نفس موقف مايكل غليسنان الذي اعجب بشجاعة سعيد كمدافع عن الحقوق الفلسطينية بدون ان يكون بحاجة للدفاع عن اراء سعيد عن الدراسات الشرقية والانثروبولوجية .
فيما يتعلق بكتاب ابن الوراق، وهو اسم مستعار لكاتب ترك الاسلام وكتب كتابا تحت عنوان لماذا لم اعد مسلما ولماذا تركت الاسلام؟ وعلي خلاف فاريسكو، لا يهتم ابن الوراق باسلوب او بلاغة سعيد ولكنه يركز علي اخطاء سعيد، وما يهدف اليه ابن الوراق هو الدفاع عن الغرب وثقافته بطريقة عقلانية وموضوعية من هجمات سعيد وغيره. ويقوم ابن الوراق في الجزء الاول من الكتاب بتقديم تاريخ عن الثقافة الغربية مع هجوم مفصل علي سعيد. ويركز ابن الوراق علي العقلانية اليونانية والقيم المسيحية في استشراق القرن السابع عشر وتاريخ الاستشراق في الهند. وفي القسم الثاني يقدم ابن الوراق تحليلا للرموز الاستشراقية في الفن والنحت والادب والموسيقي. ويقول اروين ان ابن الوراق يظهر نقص الخلفية التاريخية عند سعيد وانه كان يجهل التسلسل التاريخي والجغرافي للفتوحات الاسلامية. كما يتهم ابن الوراق سعيد بانه كان مهووسا بالقراءة الجنسية لنصوص ادبية بريئة في مظهرها. ويقول ان هوسه اي سعيد جعله يعثر دائما علي قراءة ثانية او فرعية في نص باهت لفاتيكيوتس عن الثورات، ومع ان الفونسوا لامارتين لم يرحل للشرق الا انه عند سعيد اخترقه اي انه كان جاهلا او مبالغا في الوصف. ويشير ابن الوراق الي طريقة قراءة سعيد رواية كيم لكبلينغ حيث يشير الي ما يراه عادة سعيد المنرفزة للحس الادعاء انه يعرف كيفية رد فعل القارئ الهندي علي الرواية ويقول ابن الوراق انا قارئ هندي ولكني لا اقرأها بطريقة سعيد.. كما ينتقد تصنيف سعيد لتوماس كارلايل وجون هنري نيومان باعتبارهما ابطال ثقافة ليبراليين مشيرا الي ان هذا التصنيف سخيف. ويقول ابن الوراق ان سعيد كانت عنده مشكلة مع اللغة فقد رفض اراء سير ويليام جونز عن علاقة اصول اللغات الاندو ـ اوروبية بينها. ويشير ابن الوراق الي ان موقف سعيد من المستشرقين جاء لانه كان يحسدهم علي معرفتهم باللغات الشرقية. ومع ان سعيد كان واضحا في انه لم يضم الي معاييره في العلاقة بين الاستشراق والاستعمار الاستشراق الالماني الا ان اروين يقول محملا اخرين جرم الاتهام ان هذا الاستبعاد للدراسات الالمانية له علاقة بعدم معرفة سعيد لغة الالمان. ويشير اروين الي اخطاء اشار اليها فاريسكو في ترجمات سعيد عن الالمانية والفرنسية بل ان ابن الوراق لا تعجبه لغة سعيد الانكليزية، وهنا يشير اروين الي ان عدداً من الباحثين تساءل عن قدرة سعيد ولغته العربية.
يقول اروين انه رأي ان قائمة ابن الوراق، في اتهام سعيد طويلة ومفصلة مثل فاريسكو، ولكنها غير متوازنة عندما يتعلق الامر بمهاجمة ابن الوراق العالم الاسلامي، خاصة عندما يتهم الكاتب هذا العالم الاسلامي بمعاداة العلم، وغياب النقد الذاتي وشكها بالعمل الاستشراقي وفشلها في الاستفادة والاهتمام بالعالم الغربي حتي العصر الحديث. ويعترف اروين ان مديح ابن الوراق العالي للغرب وتصغيره من قيمة المسلمين، جعله يشعر بالحرج من دفاع ابن الوراق المستميت عن الحضارة الغربية، حيث ردد ابن الوراق افكار مدرسة هوتينغ ووانزبري في قراءتها للفترة الاولي من الاسلام وان القرآن لم يجمع الا بعد وفاة محمد. ويعدد اروين عددا من اخطاء ابن الوراق الذي يتحدث عن استقلالية مدرسة باريس متناسيا ان عميد الجامعة منع كتب ارسطو وابن رشد من بين 229 كتابا منعت من الدراسة. كما ان ادعاء ابن الوراق عن عدم اهتمام المسلمين بالغرب لا يستند الي اساس فابحاث العديد من المؤرخين لفترة اللقاء الاسلامي/ العثماني ـ الاوروبي تشير لاهتمام وتلاقح، كما اظهرت دراسات نبيل مطر من بين عدد من الدراسات. ويشير اروين الي معرفة ابن الوراق بتاريخ الهند حيث يهاجم مقالا مهما ومؤثرا في الدوائر السعيدية كتبه ليندا نوتشلين عام 1983 الشرق المتخيل عن رسوم الفنانين الاستشراقيين. وفي مناقشة سعيد للوحة الحاوي ، حاوي الثعابين فانه اي سعيد قال لابن الوراق في حديث خاص ان الكلام في اللوحة ـ الذي يبدوخلف الحاوي غير مفهوم لكن كاتبنا هذا يقول ان الكلام المكتوب علي الجدار هو في الحقيقة من سورة البقرة مما يقترح شكوكا حول عربية، اي لغة سعيد وفهمه للعربية.
المشكلة هنا ليست في نقد سعيد او نقد منهجه بطريقة علمية ولكن هنا تبدو عملية تصيد ودعم اي صوت يهاجم سعيد ويبدو اروين قلقا من اي صوت يتحدث بخير عن الناقد، فهو يقول ان معهد كورتو في لندن عقد مؤتمرا في الذكري الثلاثين لنشر كتاب الاستشراق مشيرا الي ان عناوين الاوراق المقدمة في المؤتمر الذي انعقد الشهر الماضي تأطير الاخر: ثلاثون عاما بعد الاستشراق تقترح ان نوتشلين لديها مريدون في هذا البلد. كما يبدو يحتفي المؤتمر بكتاب سعيد ويري ان ثلاثينية الكتاب هي فرصة للتفكير في رؤية الغرب عن الشرق، ويري منظمو المؤتمر ان العودة للكتاب ضرورية في ضوء الحرب الحالية والصراع الحملة الصليبية الجديدة فمنظور سعيد عن كيف لنا ان نحترم الاخر تصبح اكثر اهمية. يختم اروين مقاله قائلا ان سعيد مات عام 2003 ومرت 30 عاما منذ ان شن هجوما علي الثقافة الغربية . ويشير الي ان الامور ربما تحركت قليلا ضد سعيد حيث تحرك عدد من المعتذرين والمتوترين للرد علي النقد المتزايد لسعيد، خاصة منهجه وعدم قدرته علي معرفة الحقائق.
لكن وهذا صلب موضوع اروين فظل سعيد لا يزال يخيم ثقيلا علي المسار الثقافي وتحديدا علي معرض سيقام في حزيران (يونيو) في متحف تيت غواية الشرق: الرسوم البريطانية الاستشراقية ، وما يثير حفيظة اروين ان كاتالوغ المعرض يعترف باثر افكار سعيد التي قدمها في كتابه التأسيسي لا زالت حاضرة ابدا . الكاتالوغ استخدم كلمة كلية العلم . وهو ما يغيظ، هناك فرق في توجيه النقد والهجوم الشرس للتدمير ومن لهجة اروين نري انه غاضب علي كل صوت يدافع عن سعيد، من حقه ان يدافع عن المستشرقين وان ما دفعهم للترحال الي الشرق هو شبق المعرفة لكن ليس من حقه ان يتصيد كما يقولون في الماء العكر، ويبحث عن اي صوت يهاجم سعيد وينتقص من قدره. كما ان استخدام اروين عبارة شن هجوما علي الثقافة الغربية تعميم غير صحيح فاذا كان اروين يقصد ان الثقافة الغربية في مجملها استعمارية فهو محق، اما عن عدم معرفة سعيد بالعربية فالناقد لم يدع يوما انه فطحل لغة عربية وسيبويه زمانه وقد سمعناه يتحدث بلهجته الفلسطينية التي لم تتغير رغم سنوات اقامته في نيويورك، وحتي لو لم يكن يتقن العربية فهو العربي الاصول كان يمكنه ان يستعين بالكثير من الباحثين العرب الذين يعرفهم لتحديد معني او عبارة. لست مطلعا علي كتابات ابن الوراق ولكني اعرف عنها، وهو في النهاية ليس مرجعية، وكونه كان مسلما لا يعطيه مرجعية في الحديث عن الاسلام وشهادته في النهاية مجروحة كما علمنا اساتذتنا في دروس علم الحديث، فهيامه بكل ما هو غربي وتنكره لجذوره يضعه في نفس الصف مع اخرين واخريات كرهوا معتقدهم وهاموا بالغرب. لا يضير سعيد هذه الهجمات فهو خط طريقا لم يخطه احد من قبله، وهو كناقد وباحث لم يكن مبرأ من الاخطاء وهذه لا تستدعي محاولة الغائه وقتل شخصيته كما يحاول فريق اروين بل ان محاولة اروين الطعن من سعيد بالترويج لكتاب هامشي لابن الوراق واخر كتبه باحث في الانثروبولوجيا متخصص في الزراعة في اليمن يؤكد اسئلتنا وشكنا من محاولة اروين النيل من سعيد وانها ليست لله او للبحث العلمي مع تأكيدنا ان من حق اي كاتب ان يطعن او ينتقد اي كاتب آخر ولكن ضمن الشروط العلمية التي يحترمها اروين ونحترمها.
كاتب من اسرة القدس العربي
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
تعليق الدكتور مجدي يوسف ...    كن أول من يقيّم
 
أ. د . مجدى يوسف - النقد التضامنى فى ذكرى الأخ الراحل الكبير إدوارد سعيد

لا شك أننا فقدنا برحيل إدوارد سعيد قيمة كبيرة فى كشف لا علمية الاستشراق الغربى . ولكن ذلك لا يعنى أن نحول خطابه إلى " مقدس " جديد غير قابل للإضافة والتعديل . ومن ذلك ما ذهب إليه بحكم تكوينه الأكاديمى على يد أستاذه فى جامعة هارفارد " هارى ليفين " من الوقوع فى فخ نظرية " الأدب الأوربى " بالمفرد ، وخاصة تلك التى وضعها " إريخ آوارباخ " فى كتابه : "المحاكاة " Memesis الذى صار " إنجيلا " فى الدراسات الأدبية فى الغرب بعامة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.بل أن سعيد قد توحد إلى حد بعيد ب" أورباخ " اليهودى الذى هرب من ملاحقة النازى أثناء الحرب العالمية الثانية إلى اسطنبول ، ثم عزف بعد اندحار النازى فى نهاية الحرب العالمية الثانية عن قبول عرض من تلميذه السابق " فرنر كراوس " كى يصبح أستاذ كرسى الآداب الرومانية فى جامعة " لايبتزغ " الألمانية الشرقية آنذاك ، وفضل عليه أن يرحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية كى يعيش مع ابنه الطالب هناك فى غرفته المتواضعة إلى أن شعر بوجوده من كان يقدر كتابه المحاكاة من بين المؤمنين بنظريته التى راح يدعو لها حول " وحدة تأليفية ( لاتاربخية ) بين الآداب الأوربية من هوميروس حتى جويس " فساعده على الحصول على كرسى أستاذية ظل يشغله حتى توفى فى النصف الأول من الخمسينات . كان سعيد يتوحد بشكل عاطفى مع " آورباخ " ويدافع عن نظريته القائلة بوحدة بين الآداب الأوربية حتى ليمكن أن تدعى بالمفرد : الأدب الأوربى . وأرجو الرجوع إلى دراستى "خرافة الأدب الأوربى " التى فندت فيها تلك المزاعم القائلة بوحدة بين الآداب الغربية . وقد صرح عدة أساتذة إيطاليين فى جامعة " لاسابينزا" فى روما ب" استيحائهم " لنقدى المعرفى ( الفلسفى ) لتلك النظرية ، وقاموا بتأليف كتابين بالإيطالية يحمل أحدهما عنوان دراستى هذه ( خرافة الأدب الأوربى ) Il Mito della letteratura europea, Roma, Meltemi Editore, 1999 ، وهو رهن الترجمة حاليا ضمن المشروع القومى للترجمة بالقاهرة . أما الكتاب الثانى فعنوانه : الأدب الأوربى من منظور الآخر La letteratura europea vista dagli altri, Roma, Meltemi, 2003 ، وهو من تحرير " فرانكا سينوبولى " Franca Sinopoli الأستاذة بجامعة " لا سابينزا " La Sapienza ( المعرفة ) فى رومافقد صدرت ترجمته العربية فى عام 2007 بمراجعتى متضمنا ترجمة الفصل الرئيس الذى دفعها لتحرير الكتابين : " خرافة الأدب الأوربى " . وفى هذا الفصل / الدراسة الناقدة لم أقتصر على نقد الأسس المعرفية للنظريات التى تسعى لتبرير ثمة " وحدة " ما بين الآداب الغربية ، وإنما بالمثل الأساس النظرى الذى شاركها فيه عدد من كبار الباحثين الجادين عن غفلة منهم ، ومن بين هؤلاء الصديق الراحل إدوارد سعيد ، ومارتن برنال ( صاحب كتاب : أثنيا السوداء Black Athena, 1987 ، والراحل " رينيه إتيامبل " Rene Etiemlbe أستاذ الأدب المقارن بالسربون الذى كان شديد النقد للمركزية الأوربية ، ولكنه كان يمضى على نفس أسسها المعرفية الفقه لغوية : التى تصدر عن " إنتاج النصوص الأدبية " فى المقام الأول . أما فى تنظيرى البديل الناقد فمركز الثقل عندى هو ما أدعوه " سياق الاستقبال " فى علاقته الجدلية مع النص المستقبل - بفتح الباء - الذى أنتج فى سياق مختلف ابتداء من نسقه القيمى واحتياجاته المختلفة . وهكذا يصبح حتى عمل " مارتن برنال الموسوم : أثنيا السوداء ، تكريسا للتوجه الفقه لغوى ذاته الذى أنتج المركزية الأوربية فى نظرية الأدب والثقافة . فقط " م. برنال " يقلب الآية كى يكون الأصل فى نشوء الثقافات المؤثرة هو مصر القديمة وحضارة ما بين النهرين . ولكنه لا يسأل نفسه : وكيف استقبلت الثقافات الأوربية تلك العناصر الحضارية وحورتها ابتداء من اختلافها الموضوعى عنها؟ . على أية حال ربما كان يعنى قراء هذا المقال وتعقيبى عليه أن ندوة عامة ستقام فى "آتيلييه القاهرة للكتاب والفنانين" فى السابعة والنصف من مساء يوم الثلاثاء الموافق 13 مايو الحالى لمناقشة كتاب : الأدب الأوربى من منظور الآخر ، تحرير فرانكا سينوبولى ، ومراجعتى عن الإيطالية . وسوف يقوم بمناقشة أطروحاتى النظرية النقدية التى يحتوى عليها هذا الكتاب تحت عنوان :" خرافة الأدب الأوربى " كل من الدكتور عبد المنعم تليمه ، أستاذ النقد الأدبى بجامعة القاهرة ، والأستاذ السيد يسن ، العالم والباحث الكبير
*زين الدين
16 - يونيو - 2008
سلطـــة النص ....    كن أول من يقيّم
 
تحية طيبة ،
سأحاول التعليق على بعض ما ورد في المقالين السابقين ، مركّزا بالأساس على تعقيب الأستاذ مجدي يوسف حول ما دعاه بفخ نظرية " الأدب الأوربي " بصيغة المفرد ، على اعتبار أنّه يمكن الاطلاع على نقد إروين لإدوارد سعيد في كتابه الموسوم : " شبق المعرفة" :  
Robert Erwin : "For Lust of knowing : The Orientalists and their ennemies
****
يذكر الدكتور مجدي تأثر إدوارد سعيد بكتاب إيريك اورباخ " المحاكاة" Memesis ، وهو أمر صحيح ، يذكره سعيد ذاته في كتابه الإستشراق .
يأتي هذا الكتاب ضمن مجموعة من المؤلفات التي أثرت في مشروع إدوارد سعيد على رأسها :
* تجربة جوزيف كونراد في المهجر ، وكتابه الشهير " في قلب الظلمة "
* كتابات غرامشي ، في علاقات النص بالواقع التاريخي والاجتماعي
* كتابت فوكو حول ما يمكن أن ندعوه نظرة معرفية " إبستمية " للتاريخ الأوربي .
 
تصب هذه الكتابات في مجملها ، حول إشكالية أساسية مفادها : هل يمكن العثور على خط سري ، ومحور ثقافي ثابت ، يجمع بين كتابات منظومة حضارية ما عبر التاريخ ؟
إذا كان النقد الماركسي المبسط حصر هذا الأمر في بنى اقتصادية ، بينما حلّق بها البحث المثالي في "تصوّر " ما حول أوربا وحول الآخر ، فقد كاد النقد البنيوي أن يقبر هذا الأمر في أطر إجتماعية وثقافية ، تختفي فيها ذات المبدع ، وتكفن فيها رمم التاريخ .
 
إستثمر إدوارد سعيد كل هذا ، في مشروعه المميز الإستشراق ، وما بعده ، إعتمادا على التحليل المعاصر لسلطة النص .
تأتي هذه السلطة على الخصوص فيما يمكن دعوته بالتناص ، أي قدرة نص ما ، قابع في لحظة تاريخية من الزمن ، أن يؤثر بشكل ما على خطاب آخر أو على تصور جديد ، بينهما فضاء ثقافي يوحد هذه الرؤية للعالم .
هناك أيضا " نظرية البقايا " لدى ألتوسير ، والتي تفسّر بشكل من الأشكال إستمرار بذور رؤية ما وبقاؤها في الرؤى المستجدة للعالم .
لهذا فان القول بوحدة الأدب الأوربي ، لا يعني تماثلا ميكانيكيا بين تجلياته (شعر ، رواية أو حكي) ، بل هو تعبير عن تماثل الرؤية المنتجة لهذا النص ، واستمدادها لمادة إبداعها من منبع واحد، يمكن وصفه بالمخيال الأوربي ، الذي يحدد علاقته بالذات ، بالآخر وبالواقع الاجتماعي والتاريخي .
 
****
يبدو لي من الضروري قراءة النص "السعيدي" في سياق مشروعه الفكري الذي يختتمه بامتياز في مذكراته " ضد التيار" ...
وافتح قوسا بيطا هنا للتعقبيب على الترجمات العربية لنصوص " إدوارد سعيد " والتي تعدّ بحق مجزرة في حق هذا المشروع .
وحتى ترجمة عناوين كتبه ، قد مسّها هذا التحريف ، فكتاب "Out Of Place" مثلا ترجم إلى العربية ترجمة حرفية بمعنى " خارج المكان " ، والأصح "ضدّ التيار " كما في الترجمة الفرنسية "A contre-voie"
 
مع التحية
زين الدين
 
*زين الدين
17 - يونيو - 2008
استشراق إداورد سعيد وعلاقات الشرق بالغرب دراسة في النص والوعي والواقع ...    كن أول من يقيّم
 
استشراق إداورد سعيد وعلاقات الشرق بالغرب دراسة في النص والوعي والواقع
رضوان السيد
1
في فصل بكتاب: "تغطية الإسلام"، حاول إدوارد سعيد أن يدلل ظاهراً على نقيض الفكرة التي جهد لإثباتها في "الاستشراق". قال سعيد: إنّ المستشرقين ما خانوا المصادر التي دخل من خلالها الوعي الأميركي بالإسلام. بل إنّ هذه المعرفة مهما بلغ من ضآلتها وتشوشها إنما جاءت بسبب الربط بين الإسلام والقضايا المهمة إعلامياً كالنفط أو إيران أو أفغانستان أو الإرهاب. ويرجعُ ذلك لأمرين: فالمختصون لا يقرؤهم غير المختصين، ثم إنّ أكثرية المستشرقين ما كانت ذات مستوى فكري متميز بحيث تصبح آراؤهم ملحوظة. وباستثناء كتاب مارشال هودجسون: "مغامرة الإسلام" ما كان هناك –بحسب إدوارد سعيد- كتابٌ علميٌّ شاملٌ عن الإسلام وحضارته في مكتبات الولايات المتحدة حتى مطلع الثمانينات1.
لكنه، حتى وهو يحاول (في كتاب: الاستشراق) أن يثبت سواد "الرؤية الاستشراقية" للشرق، أي الصورة الناجمة عن الامتلاك الاستعماري، ما كان يذكر الذين نعرفهم تحت هذا المصطلح من المختصين بفيلولوجيا اللغات الشرقية، وتاريخ الشرق؛ بل يذكر أمثال الروائي فلوبير وكرومر وآرثر بلفور ولورنس ولامارتين وكامي ودزرائيلي وكونراد وكبلنغ. وهؤلاء سياسيون وشعراء وروائيون وموظفون استعماريون، وقد تشاركوا جميعاً وتعاقبوا عبر قرنين من الزمان في صنع الشرق المستعمر أو الصورة عنه. أما المستشرقون (بالمعنى المتعارف عليه) من سلفستر دي ساسي وإلى فستنفلد وماكدونالد وغولدزيهر.. وشاخت وهورغرونيه وماسينيون وهاملتون غب - فليسوا أكثر من كاريكاتير أو أنهم قاموا بجهودٍ "شبه علمية" لتثبيت الصورة المصنوعة أو بلورتها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وحتى ستينيات القرن العشرين. فالاستشراق عقليةٌ Mentality إذا صحَّ التعبير، وليس تخصُّصاً لأنّ المتخصصين ما صنعوهُ أو طوروهُ، بل هم عملوا واعين أو غير واعين في خدمة سلطان القوة، واضعين على وجوههم أقنعة الأكاديمية والمعرفة!
ومع ذلك؛ فإنّ بين المستشرقين (الهامشيين أو المهمَّشين في الثقافة الغربية، وفي التأثير) أشراراً لا يمكن التغاضي عنهم أو المغفرة لهم. وإدوارد سعيد يمثلُ لهذا الصنف بعدة شخصيات أهمها إدوارد دلين وإرنست رينان قديماً، وبرنارد لويس وغرينباوم حديثاً، وبين هؤلاء الأوباش شخصيتان إشكاليتان هما لويس ماسينيون وهاملتون غب. وتطوف من حول المحاور الثلاثة شخصياتٌ أكاديمية كثيرة تقترب إلى هذه الدرجة أو تلك من أحد الأقطاب طوال المائة عامٍ الأخيرة. يرى سعيد أنّ المؤسِّس للاستشراق "العلمي" كان سلفستر دي ساسي. أمّا رينان فهو ممثل الاستمرارية، وهي استمراريةٌ أثريةٌ إذا صحَّ التعبير، لأنها تستند إلى حفريات اللغة ودثائرها. فاللغة لدى رينان والفيلولوجيا (علمها): "هو العلمُ الدقيقُ للموجودات الذهنية.
وهو يقومُ من العلوم الإنسانية مقام الفيزياء والكيمياء من العلوم الفلسفية"2. وهنا تحدثُ الواقعةُ التي تتجوهرُ عندها الأشياء، فاللغة أو فقهها ليس أداةً للتاريخ، إدراكاً وتدويناً وحسب؛ بل يكاد التاريخ أن يكونَ أداةً لها. وبذلك تستحيل الفكرة التطورية التي سادت النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ليس في فهم التاريخ وحسب؛ بل في سائر حقول علم الإنسان. وليس من همّنا هنا دراسة كيفية التحاق علم اللغة بوضعانية أوغست كونت؛ بل المهمُّ –في نظر إدوارد سعيد- كيف أثرت هذه الرؤية في شلّ علم التاريخ أو تجميده جزئياً في المجال الشرقي الاستشراقي على الأقل. كان الانتباهُ متوجهاً إلى الضربات التي وجهها علمُ اللغات إلى إلهية اللغة (اللغة العبرية على الخصوص)، لكن الإصابة نزلت أيضاً بالساميين أنفسهم بوصفهم بشراً. فمن خلال علم الساميات المقارن راح رينان يصدر أحكاماً على الإنسان السامي. وهكذا صار العرقُ السامي عرقاً غير مكتمل... فهو يفتقر إلى ذلك التنوع، وذلك الثراء الذي يعرفه العرق الهندو- أوروبي... والأمم السامية لم تعرف إلا جردة ضئيلة من الإبداع المخصب.. هي أممٌ في حالة تثبيت طفولي، كما تدل على ذلك بدائية لغاتها3.
2
يصل إدوارد سعيد بعد قراءة طويلة في كتب رينان عبر خمسين عاماً، واقتباسات دالة منها على أنّ السياسيين الاستعماريين أفادوا من بحوث رينان، كما أفاد هو من التقدم في العلوم الطبيعية والاجتماعية. لكن هل يمكن بعد هذا الاستنتاج اعتبار رينان هامشياً ومقلداً؟ سعيد حاسمٌ لجهة أهميته في علمنة "فقه اللغة"، وعلمنة "حياة المسيح"، وتمركزه ضمن "التقليد الرئيسي" للعلم الاجتماعي والتاريخي الفرنسي. فهل يمكن القولُ إذن بأنّ الاستشراق تحول أواخر القرن التاسع عشر إلى "تخصص"؟ نعم، ولا. نعم من حيث تحديد ذاك العلم بوصفه قائماً على فقه اللغة والتاريخ، أو اللغة التي تتخذ من التاريخ أداةً لها! وأما "لا" فتأتي من أنّ الصورة أو الوظيفة التي وضعها المستشرق لنفسه، ما كانت من اختراعه، ولا بقيت مصونة وراء أسوار الأكاديميا، كما أنّ "الاستشراق" ظلَّ كلَّ شئ من تاريخ الهند وإلى تاريخ الفراعنة، فاللغات السامية، وفلسفة الحياة الصينية، والديانات الأسيوية الكبرى!
بيد أنّ إشكاليات التقليد والمؤسسة تتعرض للتصدع عندما نصل مع إدوارد سعيد إلى سيرة وإنتاج الشرير الأكبر برنارد لويس! يصل إدوارد سعيد للقبض على لويس من خلال مقالة لفاتيكيوتس ضد اليسار وأفكاره الثورية. ويكون علينا هنا أن نلاحظ أنّ إدوارد سعيد يهاجم في فاتيكيوتس ولويس ما ليس استشراقياً بالتحديد. ثم إننا معهما نكونُ قد تجاوزنا الحرب العالمية الثانية ودخلنا في الحرب الباردة، وهذان يمثلان الوجه اليميني والكريه والرجعي لها. فاتيكيوتس يستشهد بمقالةٍ للويس عن "الثورة"، وأنّ المفرد يستدعي بالعربية الهياج والثوران والثور، وإثارة الفتنة4.
ولأنّ "لويس"، المعادي بالتأكيد للثورية العربية، يسرف في إيراد التعبيرات المعجمية التي تعنيها كلمة (ثورة)، ويذكر من بينها: ثار الجمل إذا نهض؛ فإنّ سعيداً يفقد صبره معه، ويقول : إنه يريد من وراء ذلك تحقير العرب، والإلماح إلى قصورهم عن القيام بأي عمل جادٍ وصولاً إلى اتهامهم بالعجز الجنسي5! والواقع أنّ "لويس" لا يكره العرب ولا الإسلام، لكنه يمينيُّ صهيونيُّ، كان ينعى على العرب عندما كانت القومية العربية هي أيديولوجيا الصراع مع إسرائيل، وهو ينعى الآن على الأصولية الإسلامية؛ لأنها صارت بدروها معتقد المواجهة. بيد أن تكتيكاً جديداً داخل فكره في التسعينات، فهو الآن يسرف في امتداح الإسلام الكلاسيكي والعثماني، ويذهب إلى أن المسلمين المحدثين هم الذين أساءوا، وليس الإسلام! وهكذا فإدوارد سعيد يدين "لويس" وبحق بسبب موقفه السياسي المنحاز وغير الإنساني في الصراع بين العرب وإسرائيل، وقبل ذلك في موقفه من الاستعمار الذي يعتبر أنه كان خيراً على العرب مقارنة بحكوماتهم الثورية والتوتاليتارية المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي. على أنّ "لويس" شأنه في ذلك شأن أستاذه هاملتون غب لا يحب أن يسمى نفسه مستشرقاً، بل يقول : إنه مؤرخٌ مهتمٌ بالشرق الأوسط أو مختصٌّ بتاريخ هذه الناحية من العالم. بيد أنّ أحكامه القيمية بدت أكثر فجاجة لإيثاره "التاريخ الثقافي" على "التاريخ السياسي"، وميله في كتاباته إلى نمط المستشار والخبير، وليس الأكاديمي الصرف، وإن لم يستشره أحدٌ فيما يبدو إلا بعد 11سبتمبر 2001م . وإذا كان إدوارد سعيد واثقاً من رؤيته لبدايات "الاستشراق" السلبية مع أمثال وليم لين ورينان، ولتطوراته العصرية مع غوستاف فون غرينباوم وبرنارد لويس- فإنه ليس كذلك بالنظر إلى مرحلته الوسطى –إذا صحَّ التعبير- مع هاملتون غب ولويس ماسينيون. هاملتون غب ، البريطاني، المولود بمصر- نموذجٌ لابن االمؤسسة الأكاديمية الإنجليزية، وللحفاظ على تقاليدها. وإدوارد سعيد معجبٌ بنزاهته ودقته في أحكامه، لكنه لا يحب مؤسسته ولا سلطته المرجعية البارزة6. كما لا يحب له احترامه للتقليد الكلاسيكي الإسلامي. ولكي يكون واضحاً ما أقصدهُ أذكر رأي غب في تقدم الفقه في الاعتبار على علم الكلام لدى المسلمين من أهل السنة، كما أذكر رأي غب في التطورات الحديثة لحياة المسلمين الاجتماعية والثقافية، وكيف أنها غريبة عن التقاليد الإسلامية الأصيلة7. إدوارد سعيد يرى ذلك كله كلاماً فارغاً أو متحذلقاً أو واهماً من جانب غب التقليدي، الذي يملك صورة ثابتة واستشراقية عن الإسلام والشرق. ولست أرى في الأمرين، سواءٌ أكانا صحيحين أم مخطئين حرجاً ولا مذمةً ولا عقلية استشراقية من نوعٍ خاصّ. وإذا تجاوزنا هذه النظرية الأولية نجد أنّ الحكم الأول بتقدم الثقافة الفقهية على ما سواها في الإسلام السني الكلاسيكي صحيحٌ إلى درجةٍ كبيرة، وهكذا لا يستحق غب ولا هورغرونيه أو شاخت الإدانة أو التخطئة من أجل ذلك. ثم إنّ الفقه المصعد عقدياً هو السائد في الإسلام الأصولي المعاصر أيضاً. وبذا يكون سخط إدوارد سعيد هنا منصباً في الحقيقة على الإسلام السني الأكثري الذي يزعجه بتقليديته، كما أزعج الإصلاحيين والسلفيين المتشددين في العصور الحديثة على حدٍ سواء. فالصورة "التقليدية" لإسلامٍ مرتبٍ وهانئٍ ومنفتحٍ ومطمئنٍ إلى نفسه وقدراته أثارت إعجاب غب الارستقراطي البريطاني، بقدر ما أثارت سخط إدوارد سعيد الطليعي النخبوي الثوري. وهكذا يكون مفهوماً لماذا يتأمل غب زوال ذلك الإسلام بحزن وأسىً، في حين يعود سعيد لاتهام غب بالنوستالجيا والاستشراق لأنه أسي على ذلك الإسلام المنقضي. وقد كان الإنجلوسكسونيان هاملتون غب وولفريد كانتويل سميث في الخمسينات مترددين بشأن قدرات الإسلام التحديثية أو إمكان تجديد التقليد الإسلامي. والواقع أنّ الأمرين مختلفان. فالرجلان ما كانا يقولان بوجود ثابتةٍ جوهريةٍ يتمحور حولها الإسلام، ويضيعُ بتحطمها أو ضياعها. لكنهما كانا يشهدان فوراناً إسلاميّاً بالهند وإندونيسيا والمشرق العربي، لا تستوعبه محاولات تجديد تقاليد المذاهب الإسلامية. بل إنّ سميث (الذي كان يراقب متغيرات الإسلام الهندي) تنبه إلى أنّ هذا "القلق" الإسلامي يقطعُ على نحو ما مع التقليد بطرائق تذكر بالأصوليات البروتسانتية. وقد أزعجت تلك الثورية الإسلامية القاطعة كلاً من سميث (أستاذ الدين المقارن)، وغب (المؤرخ والمستشرق)؛ في حين كان التخوف من الثورية لديهما مبرراً للإدانة والاتهام بالاستشراقية من جانب إدوارد سعيد. ولندع أكاديمية غب الهادئة، وثقافة الحرب الباردة لدى لويس للحظات، لنتأمل المستشرق الإشكالي الآخر الذي كان مثار إعجاب إدوارد سعيد، أعني لويس ماسينيون ماسينيون الذي حضر دروس إرنست رينان في شبابه كان شيئاً آخر تماما! فهو المثقف المتضلع بلغاتٍ كثيرة، والمتناول من شتى العلوم بطرف، والعميق بكاثوليكيته، تقلب بين الأديان والثقافات والتقاليد الروحية، وآمن بالتقليد الروحي الإبراهيمي المؤاخي بين الديانات الثلاث المتنافرة. وكتب في كل شيء له علاقة بالإسلام من خطط الكوفة وإلى استشهادية وصلب الحلاج. عالي الحساسية ودقيقها، متوقد الوعي، ورافقه طوال حياته قلقٌ روحي غلابٌ يتدفق فيصل إلى العذاب المرّ أو الطمأنينة الحالمة8. وقد أعجب إدوارد سعيد فيه كلَّ ما أزعجه في هاملتون غب دون أن يتخلى عن النزاهة أو الأكاديمية. ما ذكر سعيد مثلا أنّ ماسينيون عمل في شبابه مع المخابرات والسلطات الفرنسية بالمشرق. مع أنّ تلك السنوات من حياته هي التي وضعته في تماس مع لورنس العرب، كما قيل، والذي كان بدوره يعمل للسلطات الاستعمارية البريطانية. بيد أنّ هذا ليس وجه الشبه الوحيد أو الرئيسي بينهما، بل هو القلقُ الروحي الغلاب الذي يدينه سعيد لدى لورنس، ويقدره لدى ماسينيون. ماسينيون تمرد على المؤسستين: السياسية والأكاديمية، وظل مرجعية كبرى لديهما وفيهما. بينما لفظت المؤسسة البريطانية لورنس، ومات منزوياً في حادث لو لم ينزل به لانتحر ولا شك. وكما أطربت سعيداً في ماسينيون تمرداته على المؤسسة - أطربه فهم ماسينيون التجاوزي للإسلام. كما أعجبه خروج الرجل على السننية السنية من طريق الانغمار في روحانيات وشطحات وانتحاريات المتصوفة والمجذوبين وشهداء العشق الإلهي والقمع السلطوي. لكنْ ما لا يعرفه سعيد عن ماسينيون أنّ الرجل كان معجباً بالورعية الحنبلية المتشددة بقدر إعجابه بتهويمات الشبلي والحلاج وابن سبعين! فالإبراهيمية عند اليهود والمسلمين نصٌّ وتقليد، وعند المسيحيين نصٌّ متجسد، وما كان بوسع ماسينيون أن يضيع أحد الركنين أو يتجاهله، وإن ظلت عواطفه مع الروح المتجسد! وماسينيون عند إدوارد سعيد لا يخضع للأحكام التي يمكن للمرء أن يصدرها على الاستشراق، لكنه ما كان ليصل إلى تلك الآفاق المجهولة، لو لم يبدأ مستشرقاً.
3
حدد إدوارد سعيد "الاستشراق" باعتباره ذلك التبادل الحيوي بين مؤلفين أفراد وبين المؤسسات السياسية الواسعة التي شكلتها الإمبراطوريات الكبرى الثلاث: البريطانية والفرنسية والأميركية،التي أنتجت الكتابة الاستشراقية ضمن حدودها الفكرية والتخيليــــة9. وهو أراد أن يثبت في كتابه عنه أن الإسلام قد صور جوهرياً تصويراً سيئاً في الغرب10 (من خلال الاستشراق؟) وهذه السياسات الإمبراطورية المستمرة من نوعٍ ما هي السبب الرئيسي في العلاقة الفاسدة فساداً سرطانياً بين "الشرق" و"الغرب"، لكنْ ما دورُ الاستشراق في ذلك؟ وعندما نسأل عن دور الاستشراق فنحن نعني به بالتحديد التخصص الأكاديمي الكتابي المعروف، أو ما آل إليه وأوشك أن يكتمل عنده ما بين منتصف القرن التاسع عشر، ومنتصف القرن العشرين. وهو التخصص الذي يتخذ من الفيلولوجيا والتاريخ أساسين للعمل الأكاديمي في تصوير الحياة والثقافة في حضارة المشرق في القديم في الأصل، واستطراداً حتى مشارف العصور الحديثة. ولأن إدوارد سعيد يكرهُ النمذجة على طريقة ماكس فيبر (1864-1920م) لم يلتزم إلا بالتحديد العام: العقلية الاستعمارية، والتبادل الفعال بين الأفراد والمؤسسات السياسية. لكنه قال : إنه مهتم بالدرجة الأولى أو بالجزئيات وبالبحث الميداني في التفاصيل، والتفاصيل الدقيقة. وفي التفاصيل الدقيقة نصل إلى نوعٍ من الاستقراء الناقص يتنوعُ فيه "الاستشراق" بقدر ما يتنوع الأفراد، وتتنوع كتاباتهم. وهنا ندخل في البحث عن الجدلية الحوارية بين الوعي والنصّ والواقع. الواقع –كما يقول سعيد- تمثيل وتصوير، وهكذا فهو شكلٌ من أشكال الوعي؛ يزيد من تعقيداته إعادة تركيبه من خلال نصٍ فيه المسكوت عنه واللا مفكر فيه. بل إنّ النصًّ لدى إحدى مدارس النقد الأدبي قناع. ولذلك هناك سؤالان أو استشكالان على نص إدوارد سعيد في "الاستشراق": طبيعة "المعرفة" الاستشراقية الأكاديمية، ودور تلك "المعرفة" في سوء علاقة الغرب بالشرق. فبالنسبة للاستشكال الأول يبدو لي أنّ للمعرفة شروطها وإرغاماتها. ولو تحدثنا عن مصادر المعرفة (الاستشراقية) في نطاق الإسلام الكلاسيكي مثلاً لوجدناها تستند إلى المصادر الأصلية التي تكتمل تدريجياً مع التعرف على المخطوطات العربية ونشرها الكثيف من جانب المستشرقين طوال أكثر من قرن. وهذا جانبٌ مهم لم يتناوله سعيد بالدراسة مع تأكيده على أهمية الفيلولوجيا في الاستشراق. بل إنَّ الأمر تجاوز ذلك كما هو معروف ليشمل كلَّ العلوم التاريخية في القرن التاسع عشر، والتي استندت إلى الفيلولوجيا، وفقه اللغات الهندو أوروبية، واللغات السامية.. إلخ. والألمان، مؤرخين ومستشرقين، أهمُّ حملة المنهج التاريخاني، وقد تجاهلهم إدوارد سعيد تجاهلاً شبه تام. وبذلك ازداد نقص الاستقراء عنده، ليس لأنه لا يعرف الألمانية؛ بل لأسباب تتعلق بمنهجه ذي الخطوتين الأساسيتين: جدلية السلطة (الاستعمارية هنا) والمعرفة، ونقض الموروث (العلمي) الاستعماري (ليس في الاستشراق فقط بل في الأنثروبولوجيا والأدب والفلسفة والتاريخ والدين). فالسلطة –بحسب فوكو- تحدّد المعرفة أو المعارف إلى حد كبير، والمعرفة المنتجة بالشروط السلطوية تعود لتشارك في تحديد الوعي والتصرف. وقد افتقد الألمان (في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على الأقل) أحد ركني هذه الجدلية، حيث كانوا منهمكين ليس في بناء إمبراطورية خارج الإشكالية التي كانت مختلفة إلى حدٍ ما لدى البريطانيين والفرنسيين من جهة، والألمان من جهةٍ ثانية آنذاك، فقد رأى سعيد أنه من الملائم لأطروحته: سلطة/ معرفة الاستشراق، أن يتجاهل الألمان باستثناء المرور العابر على أسماء بعض مشاهيرهم مثل رانكه وبيكر.
ودعونا نعتبر أنّ الفيلولوجيا تقنية وأداة، وليست أيديولوجيا، مع أنها كانت أكثر من ذلك كما يلاحظ سعيد لدى دي ساسي ورينان وغيرهما. فماذا عن الثقافة والوعي؟ لقد كان المستشرقون الأوائل (ألماناً وغير ألمان|) أوروبيين في الثقافة والوعي، وفي فهم التاريخ ومعناه ووظائفه، وفي ارتباط ذلك بالدولة سواءٌ في تاريخهم للرومان أو للإمبراطورية الرومانية المقدسة أو للمسلمين. وبسبب ارتباط التاريخ أو الكتابة التاريخية بالدولة، نجد أنّ الاستشراق (العلمي) نشأ في فرنسا (على يد دي ساسي)، وفي بريطانيا على يد "إدوارد لين" حيث كانت كلٌّ من فرنسا وبريطانيا تنشئ إمبراطورية تحتاج في استكشاف آفاقها، وإدارتها إلى معرفة. ونحن نعلم أنّ فلايشر وفيشر - المستشرقان الألمانيان الكبيران ذهبا إلى باريس للدراسة عند سلفستر دي ساسي، الذي درس عليه رفاعة الطهطاوي أيضا. كما نعلم أن سنوك هورغرونيه أحد أهم المستشرقين الهولنديين، كان خبيراً لدى سلطات بلاده الاستعمارية، في إندونيسيا. وهكذا، ألا يتيح ذلك لإدوارد سعيد ولنا اعتبار الاستشراق (بالمعنى الأكاديمي، وليس بمعنى العقلية العامة) مثل الأنثروبولوجيا، علماً استعمارياً؟ بحيث نستطيع ممارسة النقد الاستعماري عليه بالمعنيين: معنى المعرفة/ السلطة، ومعنى الوعي العام بضرورة إنتاج نصوص ذات توظيف خاص؟! إدوارد سعيد يكرر في ثمانية مواضع من كتابه أن المستشرقين الأكاديميين كانوا هامشيين ومتخلفين باستمرار تقريباً ولجهتين: لجهة مناهجهم العلمية، ولجهة مواقعهم الثقافية والسياسية في بلدانهم. فالمؤثرون والمتميزون في الاهتمام بالشرق كانوا غالباً من السياسيين الاستعماريين أو الرحالة أو المبشرين أو الرومانسيين من الروائيين والشعراء والرسامين. وقد أنتج هؤلاء معارف وإبداعات كانت لها علائق فعلاً بالسلطة (السياسية والمعرفية). وإذا تركنا تهمة التخلف والجهل التي يؤكد عليها سعيد، جانباً - نجد أن الهامشية الأكاديمية تعطي حرية معتبرة وإن تكن نسبية طبعاً، بسبب ضعف الرقابة أو انعدامها. بيد أن الأجواء الثقافية العامة تظل حاسمة التأثير، وهذه تتصل بالوعي وبالثقافة، لا بالدولة وسياساتها في الغالب. وهكذا فإذا لاحظنا وعلى مدى مائة عامٍ تقريباً ما بين أبراهام غايغر (1837م)، وفلهام رودلف (1927م)، بل بعد ذلك، رفض اعتبار القرآن كتاباً مستقلاً يمكن فهمه بتأمله داخلياً؛ فإن ذلك يعود للثقافة والوعي، وليس للنظرة الاستعمارية أو التمييزية الاثنية، وكذا الأمر في الكثير من الأطروحات الأخرى التي ظلت سائدة لزمن طويل رغم توافر المصادر، والتقدم في مناهج القراءة والمناهج التاريخية الجديدة. وإدوارد سعيد الذي يصدر أحكاماً شاملة أحياناً، يصغي أحياناً أخرى لوقع وقائع الخصوصيات والفرديات؛ من مثل ما تصرف به إزاء موضوع دراسته المحبب كونراد، وإزاء ماسينيون.
تبلغ العلاقات بين الغربين الأميركي والأوروبي من جهة، والعرب والمسلمين من جهة ثانية إحدى أكثر مراحلها خطورة وتوتراً. وفي ظروف كهذه يكون من المفيد (بل من الضروري) القيام بكشف أو جردة حساب. وهذا ما حاول إدوارد سعيد القيام به في كتابيه المهمين: الاستشراق (1978م)، والثقافة والإمبريالية (1993م). بيد أن "الاستشراق" ولا شك ليس العامل الثقافي الأول أو الثاني أو الثالث في توتر العلاقة وفسادها. وقد ظل نقاد الثقافة الاستعمارية يتناقشون طوال أكثر من خمسين عاماً في ماهية الاستشراق الأكاديمي هذا، وهل هو تخصص أو فرع من فروع الدراسات التاريخية. والمعروف أن خصوصيته في الأساس ما جاءت من ارتباطه بالاستعمار أو بالمعرفة الضرورية للمستعمرين؛ بل من ارتباطه بفقه اللغات السامية، ثم من صعود فكرة المجالات الثقافية المستقلة (الانثروبولوجيا الثقافية)، فدراسات المناطق. وبعد كتاب إدوارد سعيد الإداني الماحق ما عاد أحدٌ يريد أن يسمى مستشرقا وبخاصة الشبان الذين يدرسون الآداب العربية، أو يقدمون قراءات جديدة للنص القرآني أو الكتابة التاريخية العربية أو الفنون الإسلامية أو الحركات الإسلامية الراهنة.
في محاضراته المجموعة في كتيب بعنوان: "تعقيبات على الاستشراق" يشير إدوارد سعيد إلى برنارد لويس ومايكل كوك وباتريشيا كرون ومارتن كريمر ودانييل بايبس في سياقٍ واحد11. والواقع أن برنارد لويس تاريخاني من المدرسة الاستشراقية الكلاسيكية، أما تلامذته هؤلاء وغيرهم فهم من سنخ آخر، وهم يسمون أنفسهم نقديين جذريين. لقد انتهى الاستشراق التاريخاني، وإدوارد سعيد أحد أولئك الذين أسهموا في إنهائه؛ بالإضافة لثورة العلوم الاجتماعية، والعلوم التاريخية، وحاجات الدول إلى الخبراء والمستشارين المباشرين فعلاً، وتصاعد موجات العداء للعرب وللإسلام. إن ما نشهده في العقدين الأخيرين من دراسات حول الإسلام القديم والحديث يشكل بمجمله تحولا من الاستشراق التاريخاني إلى الأنثروبولوجيا. وإرنست غلنر الذي لا يحبه إدوارد سعيد، هو أحد أولئك الرواد المنظرين للمستشرقين الجدد، أو لدعاة أنثروبولوجيا الإسلام. وما كان الاستشراق التاريخاني بالغ العظمة بحيث يستحق الترحم عليه؛ لكن مناهج أنثروبولوجيا الإسلام، والتي حمل عليها طلال أسد منذ زمن طويل، تنذر وسط الظروف الراهنة بأن تكون مطيــة لدعاة "الحرب على الإسلام" في الغربين الأميركي والأوروبي12.

الهوامش
1 إدوارد سعيد: تغطية الإسلام. ترجمة سميرة نعيم خوري. مؤسسة الأبحاث العربية، 1983، ص47-48. وقارن بص، 38-40 حيث يجري الحديث هناك عن ف.س.نيبول. ويتحدث سعيد مرةً أخرى عن نيبول في: تأملات حول المنفى. ترجمة ثائر ديب، الجزء الأول، دار الآداب، ص ص87-92، وثالثة في: الثقافة والإمبريالية، ص 321-322.
2 الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء. ترجمة كمال أبوديب. مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1981، ص153. وقارن عن علاقة رينان الأفغاني من وجهة نظر سعيد: الثقافة والإمبريالية، مرجع سابق، ص319-320.
3 الاستشراق، مرجع سابق، ص ص 164-168.
4 يخطئ المترجم كمال أبو ديب هنا فيذكر العجي، والمقصود به عند لويس: عضد الدين الإيجي صاحب "المواقف العضدية" في علم الكلام (الاستشراق، ص312).
5 الاستشراق، ص ص 312-317. ويعود سعيد لذكر لويس في: تعقيبات على الاستشراق، ترجمة صبحي الحديدي، بيروت 1996، ص ص116-120.
6 وقارن بالثقافة والإمبريالية لإدوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، الطبعة الثانية، 1998، ص ص 368-370 حيث يثني على مشروع أدونيس الثوري في قراءة التراث، ومصارعة "التقليد المتحجر"!
7 الاستشراق، ص ص 276-284.
8 الاستشراق، ص ص 267-276.
9 الاستشراق، ص49.
10 الاستشراق، ص 274.
11 تعقيبات على الاستشراق، مرجع سابق، ص 63-64.
12 قارن بدراستي: من الاستشراق إلى الأنثروبولوجيا؛ في كتابي: الصراع على الإسلام، بيروت 2004، ص ص105-119.
 
المصدر :
*زين الدين
18 - يونيو - 2008