البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : حواري مع الشيخ الأمراني    قيّم
التقييم :
( من قبل 11 أعضاء )

رأي الوراق :

 صبري أبوحسين 
2 - يونيو - 2008
حواري مع الشيخ الأمراني
مما لا يختلف عليه اثنان أن الحوار أسلوب العقلاء والحكماء في كل عصر ومصر، سار عليه المفلحون المصلحون قديمًا وحديثًا، من لدن أنبياء الله، عليهم السلام، إلى أفلاطون وأرسطو وسقراط وغيرهم. كان ذلك ديدن المصلحين والمُوجِّهين، والراغبين في خيرية الأرض وتنمية الكون روحيًّا وماديًّا.
وحياتي تعد مجموعة حوارات مع أناس أكثر خبرة وتجربة، وأعمق رؤية للحياة والأحياء...
 يعد من أبرزهم شيخي الأستاذ الدكتور الحسن الأمراني، الأستاذ الجامعي المغربي المعروف في ساحة الأدب، باعتباره عضوًا مؤسسًا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، يأتي اسمه مقرونًا بشيوخ أجلاء، وأدباء عظماء أمثال أبي الحسن الندوي، وبهاء عمر الأميري، ونجيب الكيلاني،... وله حضور واضح في المجلات الثقافية الكثيرة المتنوعة، كما أن له دواوين شعرية كثيرة، ومؤلفات أدبية ونقدية عميقة، ذلكم الرجل الذي ما جالستُه إلا نفحت منه خيرًا، ودائمًا ما يكون الخيرُ حولَ حال الثقافة تراثيًّا وحداثيًّا، والشعر في الماضي والحاضر والمستقبل...
وقد أثمر ذلك الحوار قصيدةً، وجملة حوارات في شؤون أدبية وثقافية متنوعة.
أما القصيدة فهي:
بورتريه القمر(الشيخ الحسن الأمراني)
-يا صاحِ انظر ما أرى
-ماذا ترى؟
-قمرًا أرى
-أين القمر؟
-أولا ترى؟
-رجلاً أرى
-قمرًا ترى
-ماذا قمر!
-راجع بصيرتك التي غشَّيتَها
برُؤى الضعافِ
التائهينَ
العابثينَ
الهائمينْ!!!
عبدوا الصور!
انسَ الصورْ
عش في القمرْ
***
هذا القمرْ
نجمٌ يصولُ منيِّرا
قلبٌ يجولُ معمِّرا
ومُطوِّرا
من "وجدةٍ"
في "مغرب" الأطياب
والأصحاب
والأحباب...
جاء الحياةَ
ونكبةٌ
في قدسنا تَتَكوَّنُ
وخريطةٌ
تتلوَّنُ
سقطتْ عروش
جاءت عروش
والحال حالٌ كاسرُ!!! 
في ذا الزمنْ
وُجِد القمرْ
***
هذا القمرْ
عاش الهدى
رُزق الصفا
نال الحنان
من الأبوةْ:
في أصله نبع الطهارة
من بيئة
قدْ أرضعتهُ
كوَّنتْ غرسًا
فتيًّا أسمرا
نشئًا تأصَّل صابرا
سيَما المروَّة والفُتوَّة
والنبوَّة
حالهُ
يلقاك مبتسمًا بلا تصعير خدٍّ
أو جهامة مفلسٍ
أو جهالة زائفٍ
حاشا وكلا
ثم كلا....إنه ذاك القمرْ
.....
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بورتريه القمر(الشيخ الحسن الأمراني(2)    كن أول من يقيّم
 
بورتريه القمر(الشيخ الحسن الأمراني)
هذا القمرْ
عقلٌ نضيجٌ
قد تنوَّرَ
قد تخضرمَ
قد تحررَ
قد تشكَّلَ
في رحابٍ جامعةْ
قلبٌ حليمٌ حالمٌ
يحيا الحياةَ
 مفاوزًا ومآلما
ومنابرا
ومآثرا
عشِق الصراطَ المستقيمَ الأخضرا
رسم السلوكَ المُستنيرَ الأقمَرا
وهجا الجهالةَ والبلاهةَ
والعِمالةَ
والطريقَ الأكفرا
عاشَ القمرْ
يحيا القمرْ
***
هذا القمر
نجمي أنا
نجم الألى
ذكروا الإلهَ محبةً وعبادة
قد آمنوا
بالصالحاتِ
تناصحوا وتفاعلوا
-حقًّا أجبني:
من ذا الرجل؟
قد قالها ذا السائل!!!
أدمى حيائي
دَمِعتْ سمائي
والهةْ
حزنًا على من لا يرى شمسًا برائعة النهارْ
نجمًا بحالكة الظلامْ
أشباهه كُثْر كثارْ
إعلامهم
أضواؤه متشيطنةْ
تُلقى على أصفار فنٍّ زائفةْ
أصنام شعرٍ
مسرفةْ
وهمُ خرافٌ عابدةْ
مُستَخْفَفةْ
ولسيدٍ
مترادفةْ
وقلوبُها متواجفةْ
تخشى القمرْ!
***
هذا القمرْ
أسد المشاعر عندنا
في فنِّنا
يُحيي عكاظ الشعر في ساح الهدى
بمجازه وهُيامه
وفضائه
وربيعه
ويدور فينا شاعرًا ومصورًا
أحداثَنا الحُبلى بكلِّ
شنيعةٍ ووجيعة
يحيا لنا
سيفًا صقيلاً
لا يجورْ
نورَ القمرْ
***
 
*صبري أبوحسين
3 - يونيو - 2008
بورتريه القمر(الشيخ الحسن الأمراني)(3)    كن أول من يقيّم
 
بورتريه القمر(الشيخ الحسن الأمراني)(3)
 
هذا القمرْ
يُلقي ويمتع جيلنا سحرًا حلالاً آسرا
طبع وحوليٌّ
بتنقيحٍ وتحكيكٍ
وذي آثارُه:
مقروءة/ مسموعة/منشورة/مبحوثة:
"الحزن يزهر مرتينِ
مع البريد وصوله في ذا الغدِ
نظم القصائد سبعةً
فيها الزمانُ جديدْ
فيها: ثلاثية الشهادة والغُيوبْ
مَلِك المغولِ مُزمْجرٌ
هذي عصافير العراقِ الباكيةْ
من بابلٍ تشدو لنا
تبني بنا جسرًا على نهرٍ بدارينا
أشجان نيل أزرق
يحكي علاقة قَسِّنا ويمامة
 في صرخة شعرية:
لو كان قلبي معي...
قلب القمرْ 
***
في رحلة كبرى مع القلمِ
المُطَهَّر لفظُه وبناؤه
أبحاثُه تترى عن السلف المُفدَّى
والخَلَف:
في شعرِ قيسِ بن الخطيم بُكوره
ثم الرُّؤى مُستشرقةْ
عن إمبراطور العروبةِ
أحمدِ المتنبي
سِمْياء آدابٍ لإسلام الهدى
نحوَ الثقافة بانيةْ
والنورسيُّ أديبُ إنسانيَةْ
مشكاةُ خُضْرٍ
في المغارب صادعةْ
فيها مقالاتُ القمرْ
***
هذا القمرْ
حسن المغارب
والمشارق جملةً
أمرانيُ الأحلامِ
والأشعار في ذا الزمنْ
جبلاً أراه
وغيرُه
ذَرٌّ يريد إمارةً
بقبيلِه وبمالِه
لا فنِّه
عجبي على هذا الزمن!!!
مَن لا يكرم رمزنا
نبع الورود الشاعرةْ
والياسمين الحالمةْ
حسن يتيه في سمائي طاهرًا ذي رؤيتي
وقصيدتي
أبدعتًها
سطَّرتُها
من نبض قلبي عاشقًا
كلَّ الرموز الساكنةْ
ذاتَ الدروب الآمنةْ
قلبي عَشِقْ
رُزِق الحسنْ
شيخًا جليلاً فاعلا
وبلا صخبْ
حسبي به أستاذَ نقدٍ فاقهٍ
ما إن مدحتُ ضياءه بقصيدتي
لكن مدحتُ قصيدتي بضيائه
ضاء القمرْ
***
يا شيخنا الأمرانيَ
اهدِ الشاعرين قصائدًا
تروي العطاش الباحثينْ
تُحيي السكارى الغافلينَ
و تجلدُ الحزب الخؤونْ
مَن حارب الحزب الحنونْ
وَلَهَا بفكر الخاسرينْ
ارجع إلينا من سباتٍ أو سكون
الكهفُ يشكو فتيةً
تركوا النصوص البانيةْ
عشقوا الفنون الهاويةْ
والقاتلةْ
ارجع إلينا باحثًا
أو ناقدًا
ومفكرًا
لا تتركنَّ عكاظنا
مسلوبةً
لا تتركنَّ مساجدًا
ومسارحًا
أعلنْ حضورًا للنجوم الهاديةْ
واصدع بنا:
إني قمرْ
إني قمرْ
إني قمرْ
 
*صبري أبوحسين
3 - يونيو - 2008
تاريخي مع الأمراني    كن أول من يقيّم
 
 تاريخي مع الأمراني
 
عرفت أستاذي الحسن الأمراني شاعرًا إسلاميًّا بارزًا، وعلمًا مؤثرًا من جِلَّة نقاد الأدب الإسلامي، منذ كنت طالبًا جامعيًّا بالأزهر، حفظه الله...
ذات يوم ذهبت إلى قاهرة المعز حيث مقر رابطة الأدب الإسلامي -بجمعية الشبان المسلمين- فإذا بي أنظر إليه يلقي قصيدة، أصغي بشغف وتمتع وانبهار، ثم أستمع إليه محاضرًا ومعلقًا ومداخلاً ومقدمًا، فأراه شخصية واحدة: هدوء، صمت، بسمة، إفادة، إمتاع، إقبال على الآخرين مهما كان عمرهم الإبداعي أو الزمني...
 حينئذ كانت بيني وبينه مسافات الزمن والمقام والمكانة، يقتنص لقاءه الآخرون، ويفوز برؤياه الكثيرون إلا شخصي الضعيف، كنتُ ذلك الطالب الجامعي النكرة، الذي يُعمل- فقط- أذنه!!! ولا مكان للسانه، أو قلمه بين تلك القمم الشامخة!!!
 فتمنيت أن أُرزَق عشرته في يوم من الأيام، صار نجمي المفضل، صار قدوتي بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوتي شاعرًا وناقدًا، وإنسانًا...
هكذا خُيِّل إليَّ، وألهمتُ تلك الرغبة، على الرغم من أني لم أعرف عنه إلا الشاعرية فقط، وعن طريق الأذن/السماع!!! سبحان الله!!
ثم كان اللقاء الثاني في مركز صالح كامل بجامعة الأزهر، أرى شيخي عن قرب، يتحدث عن الرافعي أديبًا إسلاميًّا، ويلقي أشعاره، ويعلق ويداخل...
 ثم سنحت لي فرصة ذهبية، أختلس معه لحظة أحاوره، وآخذ عناوينه وأرقام هواتفه، ويعطيني إياها بكل حب وسرور...
 ثم كتب الله لي الخير؛ فقد علمت من شيخي الأستاذ الدكتور عبدالقدوس أبي صالح -في مطار القاهرة، وكلٌّ ذاهب إلى طائرة معينة، هو إلى الرياض، وأنا إلى دبي، وأنا أحادثه في حال الأدب الإسلامي وفي جهود رابطته العالمية- علمتُ أن شيخي الحسن صار من أعضاء هيئة التدريس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، فحمدتُ الله كثيرًا...
 ها هو ذا نجمي المفضل وقدوتي سأراه وأحادثه وأتعرف عليه من قريب، ما أعظم نعمَك يا ربي عليَّ!!!
 فعلاً التقيته في روحاتنا وغدواتنا إلى المسجد والعمل، فوجدته كما هو:هدوء، صمت، بسمة، إقبال على الآخرين، تفتح وانطلاق وحرص على التجديد، ورفض للمحافظة السلبية...
 فحرصت على صحبته ومعاشرته، إذ عشرة الناس كنوز، وكان من ثمار معاشرتي له أن رزقت بشرف الإشراف على نشر بعض إبداعه الشعري في موقع الوراق، ثم تلك القصيدة الحرة، ثم حوار عميق حول قضايا أدبية وثقافية عديدة. أقدمهما قريبًا في هذه الصفحة الوراقية...
 جزاه الله خيرًا وبورك فيه وأنعم الله عليه بموفور الصحة والعافية هو وأهله وكل المخلصين.آمين
د/صبري أبوحسين
 
 
*صبري أبوحسين
3 - يونيو - 2008
حواري مع الشيخ[حوار(1) : مع الله]     كن أول من يقيّم
 
حواري مع الشيخ[حوار(1): مع الله]
ما جالست شيخنا الأمراني إلا نفحت منه خيرًا، ودائمًا ما يكون الخير حول حال الثقافة تراثيًّا وحداثيًّا، والشعر في الماضي والحاضر والمستقبل...
لا أرى الشيخ الأمراني إلا في صورة أسد مغيِّب، أو كوكب محجوب، تُعمِّد تغييبه وتحجيبه، لماذا غيِّب وحُجِّب؟ مَن غيّبه وحجَّبه؟ وما دلالة هذا التغييب والتحجيب؟...
أسئلة كثيرة تفرض نفسها على من يطالع تراثه الفكري والإبداعي معًا...
ولعل هذا الحوار يحاول الإجابة عليها، وتقديم الدلائل على أن شيخنا يستحق أمدوحتي وأماديح كثير من الباحثين في رحاب الثقافة العربية الأصيلة.
تغييت في هذا الحوار أن أبث في نفسي –وفي مجايليَّ ورفقائي وأترابي-الروح من خلال مجالسة الشيخ ومحاورته: جالسته في كل مكان متاح، وحاورته في كل لحظة أقتنصها، فكان ثمرة ذلك جملة رؤى أمرانية حَسَنِية، حول قضايا عديدة تخص الإنسان ربّانيًّا وأدبيًّا، هي:
حوار(1): مع الله:
سألت: شيخي
 بعد هذا الردح الطويل من الحياة-رزقك الله بركةَ العمر- كيف ترى العلاقة المُثلى مع الله، عز وجل؟
أجاب قائلاً:
العلاقة المُثلى مع الله -عز وجل -هي أن يجدَك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، وأن يسعى المرء إلى الظفر الأكبر الذي لا يتحقق إلا مع المعية هي المبتدأ وهي المنتهى، وما سواها قبضُ ريح...
 كل مباهج الدنيا في أولها إلى آخرها لا تساوي لحظةً واحدة من لحظات المعية (هي البستان الأوَّلي الذي يتأنق فيه الشعراء، ويأوي إلى ظله الحكماء)..
 ومنه تُقتَبس الجَذْوة التي آنسَها موسى فأدرك السعادة الأبدية، وأدرك بعضًا من كنهها الغزالي والنفري وإقبال... فخلفوا للناس تراثًا أدبيًّا وفكريًّا نابضًا مليئًا بالحَيَوِية لا يبلى...
 ولم يكن الأميري -رحمه الله- بعيدًا عن المعية عندما أطلق على ديوان من أهم دواوينه :"مع الله".
*صبري أبوحسين
5 - يونيو - 2008
حوار(2):مع الرسول    كن أول من يقيّم
 
حوار(2):مع الرسول(صلى الله عليه وسلم):
شيخي!
لك وقفات إبداعية وقِرائية حول الذات النبوية الشريفة، أَفِض علينا منها؛ فإنَّا مستمعون تالون...
قال:
يعتور المحبين الشوقُ، وهم يعانون من البعد، فإذا اقتربوا ازدادوا شوقًا؛ لأنهم ازدادوا معرفة، والشاعر الحق كالفراشة، يسعى إلى النور، ويجد لذته في الاحتراق، وتلك حالة قد لا يدركها كثير... ولأن الشاعر يعرج إلى الكمال، ولأن الذات النبوية الشريفة تمثل الكمال، بذلك تغنى جوتة وبوشكين وكارلايل، وهم ليسوا غير ضيوف على مائدة النبي الكريم(صلى الله عليه وسلم)، فكيف يتخلف من يزعم الانتماء إلى تلك الدوحة المباركة؟ لذلك صحت يومًا، وأنا في الحرم:
قال لي ما تشتكي؟ قلت: أنا    أشتكي قسوة قلبي يا أخيّْ
ولعل قصيدتي "كاملية الإسراء"، وهي تتجاوز المائة بيت، كانت لمعةً سعت إلى تحقيق بعض ما يصبو إليه المريد، وقد نبَّه إلى ذلك عميد الأدب الإسلامي المقارن د. مجيب المصري[رحمه الله تعالى] في كتاب له عن (الإسراء والمعراج في الأدب الفارسي والعربي والتركي) حيث قارن بين قصيدتي وبين قصائد كل من شوقي وأدونيس ونازك الملائكة...
*صبري أبوحسين
5 - يونيو - 2008
حوار(3) مع قصيدة البردة    كن أول من يقيّم
 
حوار(3) مع قصيدة البردة:
قلت له:
شيخي كلما قمتُ بتدريس شخصية البوصيري وبُردتَه في مساق"الأدب المملوكي"أجد طلابي يواجهونني بسبيل من الكتابات الدينية التي تنال من الرجل وقصيدته نيلاً يصل إلى حدِّ اتهامه بالتبديع والتجديل والانحراف العقدي، بل إلى حد الفسق والإشراك!!! ويتعاملون معها، ومع صاحبها كأنهما من أعداء الله ورسوله والمؤمنين والمؤمنات!!!!
وذلك لأجل أبيات معدودة، فيها ما يخالف- في نظرهم- عقيدة الإسلام!!!
فما رأيك شيخي؟!!
قال:
قصيدة (البردة) في نظري من أبدع الشعر، تتسامق فنيًّا، وليس فيها شىء مما يعارض الدين الصحيح. وقديمًا قيل:"الشعر يُظنُّ فلا يُحَقَّق"..هذه قولة ابن سلام في القرن الثالث الهجري، هل نكون نحن اليوم أقل فهمًا منه لطبيعة الشعر ورسالته؟
البوصيري شاعر، ولذلك يجب أن تُحمَل كثير من عباراته محمل الشعر، والشعر مجاز واستعارة وتأويل، ولولا ذلك لوجب أن نبدّع ونكفر كثيرًا من الشعراء، في عصر الدعوة حتى الآن...
بمنطق التبديع سيأتي من يرد على حسان بن ثابت قوله:
خلقت مبرءًا من كل عيب      كأنك قد خُلقتَ كما تشاء
لقد استطاع البوصيري أن يصور من خلَجات النفس البشرية وحقائقها ودقائقها ما يحار فيه علماء النفس أنفسهم، ولنستمع إليه وهو يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على       حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فلا ترم بالمعاصي كسرَ شهوتها           إن الطـعام يقوي شهوة النهم
واخش الدسائس من جوع ومن شبع      فـرُبَّ مخمصةٍ شرٌّ من التُّخَم
ولنصغِ إلى روعة التعبير:
وراعها وهي في الأعمال سائمة         وإن هي استحلتِ المرعى فلا تُسم
أما الأبيات التي يُظنُّ أن فيها تحاوزًا ومبالغات، مثل قوله:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة مَن           لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
فهي أبيات تُفهَم بلغة الشعر لا بلغة النثر، وعلى هذا فالخروج هنا خروج معنوي، لا خروج مادي... كالحديث عن الموت والحياة في قوله تعالى:"استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"، فالحياة المعنوية التي يدعو إليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أجلُّ من الحياة المادية المحدودة .. وكذلك خروج الكون المعنوي، حين يفيض عليه النور أجلُّ وأسمى من الخروج الأول المادي...
*صبري أبوحسين
5 - يونيو - 2008
حوار(4): حول عمر بن أبي ربيعة:     كن أول من يقيّم
 
حوار(4): حول عمر بن أبي ربيعة:
في يومٍ قابلتُه قلِقًا وجِلاً: ماذا بك؟ سألني؟!
 قلت:
شيخي أنا متوجس من شأن دراسي أريد فُتياك فيه.
قال:على الرحب والسعة يا أخي[قلت في نفسي: "يا أخي"على الرغم من فارق العمر والمكانة، ما أليَنه من نداء على قلبي!!!]
قلت: شيخي! لقد درَّست الطالبات شخصية عمر بن أبي ربيعة وشعره في مساق "الأدب في عصر صدر الإسلام وبني أمية" وجُلُّ الأساتذة يترك هذه الشخصية تحرُّجًا وتأثُّمًا، وخوفًا من أن يُصنَّفوا ضمن حزب المتحرِّرين -المُنفلتين- المُرَوِّجين للإباحية والفحش...إلى غير ذلك من إطلاقات قد يستخدمها النُّصوصيون المتشددون!!!
أجابني شيخي قائلاً:
لا حرج عليك يا أخي، فقد سبقك بها عكاشة!!
كيف ذلك شيخي؟
أنا أصنع ذلك من زمن بعيد، وأتعصب- وأنا الشاعر الإسلامي كما يراني الآخرون-لفن عمر، وأرى في موقف سيدنا عبدالله بن عباس-رضي الله عنهما- قدوة لنا وحجة على منتقدينا، فلسنا أكثر تدينًا من حبر الأمة..
لو كان الغزل محرمًا لأعرض عنه سيد الخلق، يوم كان ينشده الشعراء من حسان بن ثابت إلى كعب بن زهير، "ولو وقف الإسلام ضد الغزل، باعتباره فنًّا، لوقف ضد الفطرة، وهو دين الفطرة"... ولابد لكل نفس منه نصيب، كما قال الناقد والفقية ابن قتيبة...
 السؤال الذي يقوم مواجهًا هو: أي غزل نقبل؟ وأي غزل نرفض؟
 إننا نرفض باختصار كل غزل يناقض الفطرة السوية، مثل الغزل بالمذكر، ومثل الغزل الفاحش الذي كان يسوقه بعض شعراء النقائض، كالفرزدق الذي كاد يُقام عليه الحدُّ....
أما شعر عمر بن أبي ربيعة فشعر رقيق، فيه ظرفُ أهل الحجاز، وفيه صقل للمشاعر...فكيف إذا انتقل إلى شعراء المذهب العُذري، وغزل العشاق الفقهاء والنُّسَّاك، مثل عروة بن أذينة والقس، عبدالرحمن بن أبي عمار؟ 
إنه الشعر الذي فتح الطريق أمام شعراء التصوف ليحلقوا بعيدًا، وقد تجاوز الأمر الشعراء العرب، كابن الفارض وابن عربي، إلى شعراء الفرس المحلقين، من أمثال سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي، وفريد الدين العطار، وجلال الدين الرومي....
هل يتحرج مؤمن صادق من قراءة شعر هؤلاء؟ فكذلك أولئك السالكون الأوائل..ثم أين يريدنا هؤلاء المنكرون أن نضع غزل عمر أبي ريشة وعمر بهاء الدين الأميري والزبيري ومحمود حسن إسماعيل وأيمن العتوم؟
وأين نضع غزل الشواعر الرقيق، مثل غزل نازك الملائكة، وعاتكة الخزرجي، وعزيزة هارون، ونبيلة الخطيب، وأمينة المريني، ووفاء وجدي؟
ألسنا نجد في شعرهن غزلاً يتسامى ويصقل الوجدان، ويشف الروح؟!!!
*صبري أبوحسين
5 - يونيو - 2008
حوار(5): مستقبل الشعر الحر:    كن أول من يقيّم
 
حوار(5): مستقبل الشعر الحر:
قلت له:
تعلمت في جامعة الأزهر-حفظها الله- على أساتذة أجلاء، أفادوني كثيرًا، لكن كان لبعضهم - منهم الأستاذ الدكتور كاظم الظواهري، والأستاذ الدكتور عبالباسط عطايا، والأستاذ الدكتور صادق علي حبيب (رحمه الله تعالى)-موقف عجيب من الشعر الحر مفاده أنه ردة إبداعية، وتخلف إيقاعي، ودعوة إلى هدم الشكل الشعري الموروث، ومن يلجأ إليه ضعيف الملَكة ضحل الثقافة!!!
وظللت أؤمن بذلك إلى أن تخرجت من الكلية، وانطلقت في الساحة الشعرية مستمعًً ومعلقًا ومبدعًا، وباحثًا، فوجدت نفسي -بتلك الثقافة الأزهرية المأخوذة عن شيوخي، بارك الله فيهم-متحجرًا، غير مدرك لحركة الشعر المعاصر...فالساحة تزدحم بشعراء أعلام ونقاد عظام يعيشون مع هذا الشكل الشعري الحر إبداعًا وتنظيرًا، أمثال الشيخ الحسن الأمراني، والشاعر الإنسان الدكتور صابر عبد الدايم، والطبيب أحمد تيمور، والمهندس محمد عبدالقادر الفقي... وآخرين
أحسستُ بتخلفي، وبأنني أفكر بآليات القرن الرابع والخامس الهجريين، حيث الشكل الخليلي الصارم!!!
فما قولك شيخي في ذلك؟ لاسيما وأنت أحد أعلام الشعر الإسلامي المعاصر، وقد نظمت الشكل الحر، والشكل الخليلي، بل زاوجتَ بينهما في الديوان الواحد، والأمتع في القصيدة الواحدة؟!!
قال الشيخ:
"الشعر شعر، ولابد له من قواعد يُلتَزم بها، والموسيقى من أهم عناصر الشعر، فمَن يهدمها يكون قد هدم منها ركنًا ركينًا، وحركة التجديد الشعري تضاربت فيها ألوان وضروب، عبر قرن من الزمان، فكان منها الشعر المنثور، أو قصيدة النثر، أو الشعر الموزون المتحرر من القافية، أو الشعر المقفَّى المنوَّع، أو..أو.. ولكن لم يبقَ إلا الشكل الخارجي الذي يحافظ على مقومات الموسيقى العربية، أعني القصيدة الخليلية (وفي التسمية تجاوز) وقصيدة التفعيلة... وقد تراجعت القصيدة الخليلية بسبب رحيل عمالقتها، ويوم يُهَيَّأ لها شاعر عظيم تعود لها عافيتها.. والشعر التفعيلي ما يزال أرضًا خصبة لم تُستَثْمر كل جوانبها، والذين زلُّوا عنها زلَّت بهم أقدامهم.. وقد استثمر كثير من شعراء الاتجاه الإسلامي هذا النمط بشكل جيد، وسحبوا البساط من تحت أقدام خصومهم..
هناك مَن يقول أن الشعر التفعيلي موسمي، مثل ما كان أ مر الموشحات، وفي هؤلاء الدكتور أيمن العتوم، الشاعر المتمرس على النمطين.. وأرى أن لهذا الرأي وجاهته.. على أن الذين يرمون شعراء التفعيلة بالكفر يخوضون معركة خاسرة.. فمتى كان الشكل الفني يزيد في الإيمان أو يخرج من الملة؟ من يزعم أن شاعرًا كالسيّاب، مهما اختلفنا معه، كان ضحل الثقافة لارتكابه جريمة كتابة القصيدة التفعيلية؟
ينبغي أن نكف عن خوض المعارك الدون كيشوتية، ومقارعة طواحين الهواء..
المزاوجة بين الخليلي والتفعيلي داخل القصيدة الواحدة ليست أمرًا جديدًا كل الجدة، وأنا لا أتخذه منهجًا، ولكنني ألجأ إليه معتصمًا، كلما ألجأتني إليه تجربتي الشعرية..
*صبري أبوحسين
5 - يونيو - 2008
حوار(6): مع المستشرقين    كن أول من يقيّم
 
حوار(6): مع المستشرقين:
كنا نسير في طريقنا إلى المسجد، فجاءت سيرة المصطفى-صلى الله عليه وسلم- فتحدث الشيخ الجليل عن الحبيب الخاتم حديثًا عذبًا، ذاكرًا أن للمستشرقين رؤية إيجابية تجاه الرسول-صلى الله عليه وسلم- وأخذ يسرد الحديث سردًا، وأنا أعطيه أذني وقلبي وعقلي مستمعًا مؤمنًا، ومعلقًا معجَبًا، وتركت له المجال ليتكلم:
"أنا عادة عندما أتحدث عن الاستشراق أقسمه قسمين:
*الاستشراق المؤسسي.
*الاستشراق الانطباعي.
 والناس لا يتحدثون إلا عن النوع الأول، فلذلك يحق لهم أن يتحدثوا عن ارتباط الاستشراق بالكنيسة والاستعمار، وهذا حق بالنسبة للاستشراق المُؤَسسي، وإن كان لا يخلو من استثناءات اهتدت إلى الحق فصدعت به، أما بإبراز محاسن الإسلام، وإما بإعلان الإسلام، كما هو شأن "إتيان دينيه"، و"فانسان مونتيل"، و"آن ماري شيمل"....
 أما الاستشراق الانطباعي فيمثله مجموعة من المفكرين والشعراء والفنانين الذين تحركوا من خارج المؤسسة الاستشراقية.. ولنا أن نقرأ كتاب "توماس كارلايل": (الأبطال) مثلاً، أو الشاعر الروسي "بوشكين"، أو الألماني "جوتة"، لنرى شدة تعلق هؤلاء الشعراء وإعجابهم برسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وبالمبادئ الإنسانية الكبرى التي يمثلها الإسلام...
وقد قُتِل الشاعر "بوشكين" في مبارزة، دفاعًا عن عرضه، هو الذي كان يرى المثال الأسمى للمرأة في أمهات المؤمنين، زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم-.. وإلى الآن ما يزال الدارسون يتساءلون في حيرة:
هل كان "جوتة" مسلمًا؟
أليس هو الذي يقول: "إن القرآن كتاب الكتب، أؤمن بذلك كما ينبغي أن يؤمن به كل مسلم"؟!!!
*صبري أبوحسين
5 - يونيو - 2008
حوار(7): واجب الأمة في هذه الغمة    كن أول من يقيّم
 
حوار(7): واجب الأمة في هذه الغمة
شيخي:
الشاعر-كما تعلم- يشعر بما لا يشعر به غيره، عنده فِراسة واستشراف-إن لم نقل نُبوءة-يُلهَم الفكر والعاطفة إلهامًا، فما فِراستك أو استشرافك لحال الأمة؟ وما واجبها في هذه الغمة؟
قال الشيخ:
للشاعر حياتان: حياة يعيشها بين الناس"مع الناس"، وحياة أخرى يحياها بالشعر"...
 وفي الشعر" حياتي هذه لا أملك زمامها، وربما وجد النقاد والشعراء في شعري من الإرهاصات والفراسة ما لا أشعر به أثناء ميلاد القصيدة، "ذلك شيء من أمر ربي"...
 وقد أقرأ بعض شعري بعد حين، فأتساءل: إن كنت أنا من كتبت ذلك... أزمة الحجاب شيء تحدثت عنه في شعري قبل وقوعه، حيث أجريتُ حديثًا بين شيخ و أحد مريديه، والشيخ يوصي تلميذةً بالصبر، إذ سيأتي يوم يصبح فيه حجاب المرأة تهمة، ولحية الرجل قنبلة..هذا حديث الشعر...
أما حياتي مع الناس وفي الناس، فقد انتميت إلى الحركة الإسلامية، أو قل:
إلى العمل الإسلامي، وأنا ما أزال تلميذًا في الثانوية، إلا أنني ما جعلت انتمائي حزبيًّا أبدًا، وقد قلت في قصيدي:" العندليب والوردة":
أنا شاعر والشاعر الموهوب لا يتحزب
من هذا المنطق أقر بأن هذه الأزمة التي تمر بها الأمة عميقة جدًّا، ولعله ما مرَّ بالأمة محنة في تاريخها كهذه...
 وأنا أقول دائمًا: إن أصل الداء الاستبداد، سواء أكان استبدادًا فكريًّا، أم سياسيًّا، أم اقتصاديًّا... ومع ذلك فأنا رغم الظلمة الحالكة من أشد الناس تفاؤلاً بمستقبل الأمة، لأنني موقن بوعد الله عز وجل:"وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"....
عندما ندق أول مسمار في نعش الاستبداد تنتعش الأمة، ولنا أن نعيد صيحة الكواكبي:
"إنها صيحة في واد، أو نفخة في رماد، غير أنها في غد تذهب بالأوتاد".
والحمد لله رب العالمين
 
 
*صبري أبوحسين
5 - يونيو - 2008
 1  2  3