حوار(4): حول عمر بن أبي ربيعة: كن أول من يقيّم
حوار(4): حول عمر بن أبي ربيعة: في يومٍ قابلتُه قلِقًا وجِلاً: ماذا بك؟ سألني؟! قلت: شيخي أنا متوجس من شأن دراسي أريد فُتياك فيه. قال:على الرحب والسعة يا أخي[قلت في نفسي: "يا أخي"على الرغم من فارق العمر والمكانة، ما أليَنه من نداء على قلبي!!!] قلت: شيخي! لقد درَّست الطالبات شخصية عمر بن أبي ربيعة وشعره في مساق "الأدب في عصر صدر الإسلام وبني أمية" وجُلُّ الأساتذة يترك هذه الشخصية تحرُّجًا وتأثُّمًا، وخوفًا من أن يُصنَّفوا ضمن حزب المتحرِّرين -المُنفلتين- المُرَوِّجين للإباحية والفحش...إلى غير ذلك من إطلاقات قد يستخدمها النُّصوصيون المتشددون!!! أجابني شيخي قائلاً: لا حرج عليك يا أخي، فقد سبقك بها عكاشة!! كيف ذلك شيخي؟ أنا أصنع ذلك من زمن بعيد، وأتعصب- وأنا الشاعر الإسلامي كما يراني الآخرون-لفن عمر، وأرى في موقف سيدنا عبدالله بن عباس-رضي الله عنهما- قدوة لنا وحجة على منتقدينا، فلسنا أكثر تدينًا من حبر الأمة.. لو كان الغزل محرمًا لأعرض عنه سيد الخلق، يوم كان ينشده الشعراء من حسان بن ثابت إلى كعب بن زهير، "ولو وقف الإسلام ضد الغزل، باعتباره فنًّا، لوقف ضد الفطرة، وهو دين الفطرة"... ولابد لكل نفس منه نصيب، كما قال الناقد والفقية ابن قتيبة... السؤال الذي يقوم مواجهًا هو: أي غزل نقبل؟ وأي غزل نرفض؟ إننا نرفض باختصار كل غزل يناقض الفطرة السوية، مثل الغزل بالمذكر، ومثل الغزل الفاحش الذي كان يسوقه بعض شعراء النقائض، كالفرزدق الذي كاد يُقام عليه الحدُّ.... أما شعر عمر بن أبي ربيعة فشعر رقيق، فيه ظرفُ أهل الحجاز، وفيه صقل للمشاعر...فكيف إذا انتقل إلى شعراء المذهب العُذري، وغزل العشاق الفقهاء والنُّسَّاك، مثل عروة بن أذينة والقس، عبدالرحمن بن أبي عمار؟ إنه الشعر الذي فتح الطريق أمام شعراء التصوف ليحلقوا بعيدًا، وقد تجاوز الأمر الشعراء العرب، كابن الفارض وابن عربي، إلى شعراء الفرس المحلقين، من أمثال سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي، وفريد الدين العطار، وجلال الدين الرومي.... هل يتحرج مؤمن صادق من قراءة شعر هؤلاء؟ فكذلك أولئك السالكون الأوائل..ثم أين يريدنا هؤلاء المنكرون أن نضع غزل عمر أبي ريشة وعمر بهاء الدين الأميري والزبيري ومحمود حسن إسماعيل وأيمن العتوم؟ وأين نضع غزل الشواعر الرقيق، مثل غزل نازك الملائكة، وعاتكة الخزرجي، وعزيزة هارون، ونبيلة الخطيب، وأمينة المريني، ووفاء وجدي؟ ألسنا نجد في شعرهن غزلاً يتسامى ويصقل الوجدان، ويشف الروح؟!!! |