حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
ومنهم امير الشعراء :
الحسن حلفت بيوسفه والسورةِ أنك مفرده
وأحمد محرم :
حلفتُ لهن بأم الكتاب لقد بلغ الوجد أقصى الحشا
والدكاترة زكي مبارك :
حلفت بهذا البحر جل ثناؤه وإني لبر حين أحلف بالبحر
ولكن الشعراء هم أنفسهم قد استخدموا فعل القسم بدلا من الحلف أيضا :
أمير الشعراء :
أقسمتُ أنك في التراب طهارةٌ ملك يهابُ سؤالـَهُ الملكان
علي الجارم :
أقسمت ما نال البلى من شاعرٍ يحيا حياة الخلد في ديوانه
ابن الرومي :
أقسمت أن لو كان لي أنفُها قططتُ من خُرطومِه قطـّه
ولو رحنا نصنف مفردات اللغة بين فصيح وصحيح ، لما ساورتنا الشكوك في أن أفصح الفصيح هو ما جاء في القرءان ، فلم تأت فيه لفظة واحدة إلا في مكانها الذي لا غنى لها عنه . وبهذا يمكننا أن نعتبر فعل الحلف صحيحا لغة ولكنه لم يستخدمه في محله إلا القرءان ، أو من يقلد القرءان من الأدباء والشعراء بدقة .
في القرءان نجد فعل القسم لا يقدم على قوله إلا الصادقون ، وقد ورد في القرءان أن الله عز وجل يقسم بما شاء ، وورود ذلك في القرءان كثير ، بينما نجد فعل الحلف لا يتلفظ به إلا الكاذبون :
المنافقون الذين اتخذوا مسجدا ضرارا حلفوا إنهم أرادوا الحسنى : "... وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون" من سورة التوبة .
وفي حق المنافقين أيضا : " فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا " من سورة النساءآية 62
ومن سورة التوبة أيضا ، آية 74 : " يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر... " .
ومن سورة المجادلة ، آية 18 : " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسيون انهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون " ، ومن سورة القلم ، الآية 10" ولا تطع كل حلاف مهين " ، وغير هذه الآيات آيات أخرى عديدة .
أما القسم فلا يستخدمه إلا من كان صادقا في نفسه وفي عزمه ومقصده ، أو يريد أن يوهم أنه صادق ، ولو كان كافرا أو عاصيا أوامر ربه :
"إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين " آية 17 من سورة القلم ، " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون " آية 55 من سورة الروم ، " واقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت..." النحل 38. وفي معرض وسوسة الشيطان لآدم وزوجه ، وإيقاعهما في المعصية ، أقسم لهما موهما إياهما بصدقه ، أو ليدل على عزمه وتصميمه على تنفيذ ما يقصد إليه : " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " آية 21 من سورة الأعراف .
يتبين لنا من الآيات القرءانية السابقة أن القسم والحلف ، وإن كانا يبدوان عند بعضنا مترادفين في المعنى ، لا يستخدمان إلا كل في موضعه ، فالتفريق بينهما ، إن أردنا الدقة ، أمر واجب .
أما الشعراء الذين استخدموا القسم والحلف بنفس المعنى فلا يعدو ذلك أن يكونوا من المؤمنين بالترادف في المعاني للألفاظ المختلفة ــ وهذا أمر فيه نظر كثير إذا اعتمدنا الاستخدام القرءاني ــ وإما الانسياق نحو الوزن الشعري دون الانتباه إلى دقة المعنى ودقة استخدامه . ورحم الله أبا هلال العسكري الذي بين الاختلاف بين القسم والحلف ، في كتابه : ( معجم الفروق اللغوية) .
إن كل ما ذكرته آنفا قصدت به أن أبين سبب اعتراضي على ما ورد في القصيدة اعلاه :
قد حلفنا القسم ، وقد حلفنا اليمين . ولو قال الشاعر : قد أقسمنا تحت ظل العلم ، و أقسمنا قسما برا طاهرا ، لكان قوله صحيحا فصيحا.