الشك وارد على هذه المقولة كن أول من يقيّم
هذه المقولة التي ذكرها ياقوت الحموي ونسبها للجاحظ مشكوك فيها وهي قوله :( أنا أسن من أبي نواس ولدت سنة 150 هـ ... الخ ) والتي لم يذكرها إلا صاحب معجم الأدباء بالإضافة أن هناك مقولة يذكرها الجماز محمد بن عبد الله (وهو صديق الجاحظ ، وأبو نواس ) حيث يقول في ( تاريخ بغداد ج3 / 124 ): ( وكان يقول أنه أكبر سناً من أبي نواس ) ولذا أجد أن نسبة هذه المقولة إلى الجماز أقرب منها إلى الجاحظ. في كتاب أبو عثمان الجاحظ للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي حيث يربط خفاجي بين ولادة الجاحظ في هذه السنة ( 150 هـ ) وما يرويه صاحب معجم الأدباء ( ج16/ ص113 ) من أن المبرد قد زاره وهو مريض فقال له الجاحظ : أنا من جانبي الأيسر مفلوج فلو قرض بالمقاريض ما علمت ، ومن جانبي الأيمن منقرس فلو مر بي الذباب لألمت ، وبي حصاة لا ينسرح لي البول معها وأشد علي ست وتسعون سنة ( أضاف 96 التي ذكرها الجاحظ على عمره 150 سنه = 246 هـ. وحتى هذه الرواية التي أخذها خفاجي عن صاحب معجم الأدباء وذكره لـ 96 سنة ، يذكر أيضاً صاحب كتاب تاريخ بغداد ( الخطيب البغدادي ) ج12 / 219 وعن المبرد نفس تلك القصة وإن أختلف في تحديد السنة فقد ذكر أنه كان في التسعين .. ويعني هذا أن الرواية مضطربة ولا يمكن الاعتماد عليها . ويقول صاحب كتاب تاريخ بغداد ( الخطيب البغدادي ) ج12 / 219 عن المبرد : ( قال دخلت على الجاحظ في آخر أيامه وهو عليل فقلت له كيف أنت ؟ فقال كيف يكون من نصفه مفلوج ولو نشر بالمناشير ما حس به ، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه ، والآفة في جميع هذا أني قد جزت التسعين ) وهذه الرواية شبيه جداً بما ذكره ابن خلكان وإن كان أبدل السادسة والتسعين بالتسعين ، وقد يعني هذا أن الجاحظ قد أصيب بالفالج والنقرس قبل سنة 250 هـ ! ويذكر ياقوت الحموي في معجم الأدباء ( جزء 16 / ص104 ) : ( وحكى أبو علي القالي عن أبي معاذ عبدان الخولي المتطبب قال : دخلنا يوما بسر من رأى على عمرو ابن بحر الجاحظ نعوده وقد فلج فلما أخذنا مجالسنا أتى رسل المتوكل إليه فقال أي الجاحظ ) : وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل ولعاب سائل ؟ ثم أقبل علينا وقال : ما تقولون في رجل له شقان أحدهما لو غرز بالمسال ما أحس والشق الأخر يمر به الذباب فيغوث ( أي يصيح ) وأكثر ما أشكوه الثمانون ) لقد كثر تشكي الجاحظ من عمره مع اختلاف هذا في تشكيه في العمر فمرة يتشكى من 96 سنة ومرة 90 سنة ومرة 80 سنة ، ؟! وقد ذكر المسعودي ( ج4 / ص196 ) : ( وحدث يموت بن المزرع – وكان الجاحظ خاله – قال دخل إلى خالي اناس من البصرة من أصدقائه في العلة التي مات فيها فسألوه عن حاله ، فقال : عليل من مكانين ، من الأسقام والدين ن ثم قال : أنا في هذه العلة المتناقضة التي يتخوف من بعضها التلف وأعظمها نيف وسبعون ( ؟ ) سنة ، يعني عمره ) [ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، ويبدو لي أنه ليست بالسبعين وإنما التسعين ]. أما وفاة الجاحظ بسبب سقوط الكتب عليه فلم تذكر إلا في المصادر الحديثة : فكتاب وفيات الأعيان وهو من أهم كتب التراجم لم يذكر هذه القصة ، وكذلك كتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي الذي أخذ جميع معلوماته أو معظمها من كتاب ( تقريظ الجاحظ ) لأبو حيان التوحيدي وكذلك كتاب تاريخ بغداد وهي من أهم المصادر في تراجم الأدب العربي كلهم لم يذكر أن وفاة الجاحظ بسبب سقوط الكتب عليه. وكنت اعتقد أن هذه القصة مختلقة لكن أطلعت في كتاب أبو عثمان الجاحظ للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي قوله : ( وفي أمسية من أمسيات شهر المحرم كان جالساً ( أي الجاحظ ) في حجرة كتبه ومطالعته العزيزة عليه ، الحفي بها ، فانهالت عليه أكداس الكتب فقضت عليه ) ( 35 ) وفي هامش هذا الكتاب وفي صفحة 259 ذكر المصدر ( مروج الذهب ) المجلد الثاني صفحة 122 ولكن المذهل هو عدم وجود ذكر للجاحظ في هذه الصفحة أبداً . إلا أن خفاجي الذي استقى من شذرات الذهب للعماد ذكر هذا في الهامش وقد وجدت هذا أيضاً في مقدمة تحقيق عبد السلام هارون يقول هارون : ( وللجاحظ في صدر الجزء الأول من الحيوان ، نعت للكتب يقع منه الدليل على ما ملأ الله به صدر هذا الرجل من إيمان بما للعلم والكتاب من شرف وجاه وما للتفهم والقراءة من مكان عال ومنزل كريم . والعجب أن تلك الأسفار التي عنى بها صاحبنا لم تبرَّ به ولم تبادله الوفاء فغدرت به : ( وكان موته بسقوط مجلدات العلم عليه ) [ وفي الهامش المصدر شذرات الذهب ( 2 : 122 ). كما ذكر الزركلي هذه القصة في كتابه ( الأعلام ). |