مع رائعة وطنية حالمة كن أول من يقيّم
مع رائعة وطنية حالمة قصيدة (أشجــــان) رائعة ميهوبية من البحر الأثير لدى شاعرنا الشريف (المتدارك التام) ذي القافية المطلقة بالكسر، والمكونة من الياء ردفًا والنون رويًّا والياء وصلاً، وجاء المطلع مصرعًا، قال: ضمّيني لصدرك ضمّيـني إنّ دنيـاك دوما تغريـني وقد وُجدت بالنص ضرورة شعرية، تمثلت في إهمال ناصب المضارع في قوله:(لتشد يني، لتشقيني)؛ وذلك لأجل تحقيق قافيته، وهي مقبولة واردة كثيرًا في شعر الفحول؛ فالشاعر أعلى من اللغة، واللغة خادمة الإيقاع وبانيته، وعلى الشعراء أن يبدعوا، وعلى اللغويين أن يؤولوا ويحللوا... ويلاحظ أن هذه النونية نزارية الإلهام:لفظًا وتعبيرًا ورؤيا، ولا حرج على الشريف في ذلك، بل في هذا فخر له: أن أحيا فينا نزارًا، وأحيانا بنزار، وأعادنا إلى زمن الشعر الآسر الساحر الجميل اللذيذ الذي يجذب، ويوحي، ويصدم، بلا زعيق أو خطابة أو وعظ!!! ومَن منا مَن لم يتأثر بنزار في مذهبه المهيمن على الشعر الحديث والحداثي؟!!! والقراءة الأولى للنونية تشي بأنها عاطفية رومانسية، حيث ألفاظ وتعابير:( ضمّيني لصدرك، فقربك مني، واحضنيني، ملكوت الهوى، نظراتك تسبيني، واكتبيني قصيدا على شفتيْــك...) أما القراءة الثانية فتتساءل: مَن الضامُّ؟ من المضموم؟ لماذا يحتاج الضم؟ ممَّ يخاف؟ ماذا يفعل له الضامُّ؟... أسئلة تترى تطرحها خريدة الشريف من عنوانها، إلى مطلعها، إلى ختامها!!!! إن الضامَّ بلده أو قوميته أو شرقيته أو أمته، والمضموم هو الشاعر أو المواطن أو كل عربي أو كل مسلم!!! ودليل ذلك العنوان(أشجان) فهي التي تدفع المضموم إلى هذا العوْز والاحتياج، وكذلك عبارة: (فعساك من الموت تنجيني، وقوله: قالتْ منْ؟ قلْتُ أنـا؟ آهٍ قد نسيت اسمي وعناويني تائه في دروب الضّياع أفـ ـتِّـش عنيّ وعمّن ترسيني قالت: أغريب أنت هنا؟ أم رماك الزّمان لتشقيني؟ قلت: ثنتا هما لا تعدّي فما أغرب المرتجى من مضاميني! وقوله: قالتْ: إنّ رؤياي تنْبئني عنْ يقيني فطينك من طيني قادم من سديم الزمـان تلا حقني أغـرتك نيا شيني؟ قلت: مهلا أنت تريدين منْ رؤياك خضوعي وتدجيني زيديني يقينا زيد يني زيديني إن شئت تمكيني وقوله: قدري أنت ملْهمتي مهجـتي لحـنيَ الأبديَّ أفانيـني فمتى تتشابك أغْـصاننا؟ قالتْ: لك كلّ بـساتيني فاصدحْ يا غريرا وامرحْ على فنني ترتـديك فساتيني فهذه الحوارات أعلى من أن تكون غزلية محضة، إنها خطاب بين الشاعر ووطنه/سكنه/ملاذه/سلاحه، في هذا الواقع المأزوم:دينيًّا سياسيًّا اجتماعيًّا ثقافيًّا، بحيث أخرج إنسانًا مكبوتًا مصعوقًا مُرهبًا مُرعبًا من كل ما حوله!!! وما زال في تلك النونية الكثير الذي يقال، وسيقال.... |