البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أثر الحضارة الإسلامية في حضارات العالم 1    كن أول من يقيّم
 د يحيى 
19 - مايو - 2008
أثر الحضارة الإسلاميَّة في حضارات العالَم:
تكشف التَّربية المُقارنة عن رصيد الأمم الحضاري وتدرس عناصر إنتاجياتها الأصيلة وأوجه الاقتباس والإبداع والإضافة التي قامت بها الشُّعوب في ميادين العِلْمِ والمعرفة والثَّقافة والفنون. يؤكد المتخصِّصون في أصول التَّربية الغربية اليوم على أنَّ الحضارة الإسلاميَّة التي ظهرت بداية في أرض العرب وكوَّنت ثقافة عالمية تمتاز بقدرة فائقة على هضم العلوم وإعادة صياغتها والإضافة عليها ونقلها للآخرين. هذه هي الحضارة التي تعلَّم منها الأوربيون وفيما بعد استفادت منها الثَّقافة الأمريكيَّة وشيدت من لبناتها المتينة المتماسكة صروح العلم على أراضيها. صناعة الورق تعلَّمها العرب من الصِّينيين ثم حمل المسلمون هذه الصَّنعة لأوربا. الإسهامات الواسعة للمسلمين في التَّربية لها الكثير من الأَمْثِلَة منها الثَّورة المعرفية التي قاموا بها في تطوير عِلْم الرِّياضيات والتي لعبت دوراً تعليمياً عالمياً كما يقول خبراء التَّربية الغربيَّة (Ornstein & Levine, 2000, p. 86-87, Momin, 2001).
قبل انتشار صناعة الورق في أسبانيا ومن هناك إلى سائر العواصم الأوربيَّة كانت القراطيس المصريَّة المصنوعة من ورق البردي تصل إلى بلاد الرُّوم والدُّول النَّصرانية في أوربا وعليها صورة لكلمات التَّوحيد "شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ" (سُوْرَةُ آل عِمران: 18). القراطيس المصرية البردية وعليها آية التَّوحيد هي التي استخدمها البابوات ورجال الدِّين في الكنائس لفترة ليست بالقصيرة وذلك لكتابة عقائدهم. "وفي الخزائن الأوربية اليوم بعض بقايا من القراطيس البرديَّة المطرَّزة بآية التَّوحيد منها منشور البابا يوحنَّا الثَّامن كتب سنة 876 محفوظ في دار الكتب بباريس" (زيَّات، 1992، ص 70).
تهدف الفقرات التَّالِية إلى التَّعريف بطائفة من الميادين التَّربوية التي استفادت من إسهامات المسلمين الحضارية:
وضع المسلمون علم أصول الفقه كمنهج علمي أصيل للتَّفكير تمّ استنباطه من قواعد الدِّين الإسلامي ليضبط حركة الاجتهاد، وطرائق تنظيم العلاقات، وتوجيه الحركات، وتعمير الحياة وهو منهج علمي إيماني شامل لا يُضاهيه في إحاطته ودقته أي منهج عقلي وضعه الفلاسفة قديماً وحديثاً. لقد قمنا بعرض معالم منهج التَّفكير العلمي في الإسلام في هذا الفصل "مُنطلقات" فلا نحتاج لبيانه هنا مرة أخرى. تأثر الغرب بطرف من هذا المنهج وهو الجزء الخاص بعمل التَّجارب والخوض في دراسة علوم الشُّعوب الأخرى ومعرفة أهميَّة العلوم الطَّبيعيَّة.
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
أثر الحضارة الإسلامية في حضارات العالم 12    كن أول من يقيّم
 
يصدق في حق المستشرقين قول الأعشى:
كَناطِحٍ صَخْرةً يوماً لِيُوهِنُهَا

 
فَلمْ يَضرهَا وَأَوهَى قَرْنَه الوَعِلُ

ويمكن تلخيص أهم النقاط لتفنيد نقد المستشرقين المنكرين لعظمة دور الرِّحْلَة العِلْمِيَّة في تاريخنا بما يلي:
أسقط المستشرقون من حساباتهم أنَّ الدّين الإسلامي يحث على الرِّحْلَة والتّأمل والتّفكر وهو النَّهج الذي سار على هديه الْعُلَمَاء وطلاَّب العلم على حدٍ سواء.
اعتراف كثير من المنصفين من غير المسلمين بدور هذه الرِّحْلات في تنمية العلوم.
تدل ثمرة  الرّحلات من كتب وخوانق ومدارس ومعارف على مصداقيَّة وموضوعيَّة تلك  الرّحلات .
وجود بعض أو كثير من المرتزقة ممن اتخذوا الرِّحْلَة مطيّة لمطامعهم الشَخْصِيَّة الغير مشروعة لا يعني نفي كفاح أجيال وانكار كدح الآخرين فالأصل دائماً له شواذ والشَّاذ لا يشجب الأصل ولا يشغب عليه بأي حال من الأحوال.
تَدل الشَّواهد الْتَّارِيْخيَّة على حرص الْعُلَمَاء على التَّحلي بالصَّبر والصَّدع بالحق وعدم التَّملُّق للأمراء.
كل إناء بما فيه يطفح، وينضح، ويقدح، وافتراءات المستشرقين الغارقة بالمادية في حقيقتها تصوِّر أفعالهم الآثمة وتكشف نواياهم الخبيثة.
إذا كانت الرِّحْلَة لأغراض ماليَّة ونفعية غير جائزة فلِم ظهرت حركة النَّقد والتَّجريح لتقييم الرَّحَّالَة وللتَّأكد من قوة وصدق المعارف التي حصلوا عليها؟ ليس كل من ارتحل يُعْتَدُّ بعلمه بل يُمحَّص ثمَّ يُزكَّى عِلمه وفق معايير عِلْمِيَّة تجريبية معروفة. ذكر الْعُلَمَاء محاسن ابن المجبّر الكتبيّ (ت 680 هـ = 1281 م) ولكنهم ذكروا أن الْعِلْمَ الذي أخذه في رحلاته ليس دقيقاً وأنَّه لم يكن ثقة في نقله (ابن العماد، ج 7، ص 642). "تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ حميد الرّازي سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ حِينَ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلا وَهُوَ كَبِيرٌ مَعَ أَبِيهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلم" (ابن تيمية، الفتاوى، ج1 ص 226، بتصرّف).
مَن يسبر غَوْر الكتب التُّرَاثية يعلم أنَّ الكثير من الْعُلَمَاء مثل اللَّيث بن سعد وسعد الخير أنفقوا من كريم أموالهم ولما رجعوا إلى بلادهم بادروا إلي الإنفاق على الطُّلاَب. وكان الكثير منهم من طبقة الأثرياء حتى أنّ بعضَهم أنفق معظم ما يملك لأجل طلب الْعِلْمِ. قال الذَّهبي كان "غالب السَّلف إنما يُنفقون من كسبهِم" (ج10، ص 124). وقال ابن العماد إنّ عبدالرحمن بن القاسم العتقي (ت 191 هـ = 806 م) "قد أنفق أموالاً كثيرة في طلب الْعِلْم ولزم الإمام مالك (بن أنس) مدَّة، وسأله عن دقائق الفِقه (ج2، ص 420). كانوا قبل كلَّّ شيء يجودون بالمال من أجل بلوغ مجد عِلْمِي ديني يقوم على الأدب والحكمة والعمل الصَّالح .
*د يحيى
19 - مايو - 2008
أثر الحضارة الإسلامية في حضارات العالم 13    كن أول من يقيّم
 
تدل وصايا الْعُلَمَاء والأمهات والآباء على حرص المسلمين على توديع طلاب الْعِلْم وتذيكرهم بحِلية طالب الْعِلْمِ. درج العلماء على الاسْتِيصاَءِ بِمنْ يَطْلُب الْعِلمَ فيكثرون من مجالستهم لتزويدهم بالنَّصائح الأخلاقية التي تحثُّهم على توقير العلم وتحضّهم على مكارم الأخلاق وتحذِّرهم من عاقبة التَّملُّق والنَّفاق لكسب الشُّهرة والأرزاق.
لا يمنع الإسلام السَّعي والكسب وطلب الرِّزق الحلال وإقامة علاقات قائمة على المصلحة المشروعة طالما أنَّ التّعامل لا يقوم على مساومة باطلة. لقد كان بعض الْعُلَمَاء يَقبل جوائز السُّلطان، وصِلة الإخوان دون التَّفريط بالحق. لم تكن معارضتهم للسِّياسيين إن ظهرت في بعض الأحيان من أجل المعارضة فقط، بل كانت من أجل تجلية الحق.
تستدعي بعض العلوم الرِّحلة مثل عِلْمِ الحديث الذي يعتمد على لقاء وسماع المحدّثين ليكون السّماع صادقاً والسّند مُتَّصِلاً.
اعتاد كثير من المستشرقين الرِّحْلَة للشَّرق لدراسة عادات الشّعوب وأثناء ذلك يتنعَّمون بالسَّكن في أرقى الفنادق ذات الشّهرة العالميَّة ويتنقلون عبر وسائل المواصلات المُريحة الآمنة ولكن الحال لم يكن كذلك مع علمائنا الذين تحمَّلوا أذى الطَّريق ومات منهم من مات فنهشته السِّباع، أو ضلَّ الطَّريق فمات من الجوع والعطش أو وقع في قبضة قطَّاع الطَّريق. لم تكن الرِّحْلَة سفراً سهلاً ولم يتجشَّموا مشاقّها لمجرَّد الحصول على الجوائز الماليَّة.
لقد خَرج الرِّجال في الأسفار ليأخذوا الْعِلْم من أصله وحدث أن يدخل الواحد منهم في مدينة من المدن ومعه أصحابه أو بعض أولاده ليأخذ الْعِلْمَ من النِّساءِ بل ليطلب الرَّجلُ من المرأةِ الحافظةِ العالمةِ أن تُجيزهُ في الرِّواية عنها فتُعطيه الشَّهادة إذا كان يِستحقَّها ويعود الواحد منهم إلى بلده ليُعَلِّم غيره ويقول بكل فخر كتبت عن فلانة الشَّيخة، وأجازتني فلانة المُسْنِدَة، وسمعت من فلانة العالمِة فَهَلْ كَتَبَ الْتَّارِيْخ مثيلاً لهذه الرِّحْلات الفذَّة مع ملازمة لآدابها؟ وَهَلْ كَتَبَ الْتَّارِيْخ عن الرِّحلات الواسعة، وقصصها، وثمارها العِلْمِيَّة والمعاجم والموسوعات التي كُتبت لتقييد أسماء الأعيان والبلدان؟
طلب الأمير أبو مُحَمَّد الموفق من الإمام أبي داود أن يخصِّص لأولاد الخلفاء مجلساً ليعلِّمهم لأنهم لا يريدون أن يجلسوا مع عامة النَّاس. كان رد أبي داود: أما هذه فلا سبيل إليها، لأنَّ النّاس في الْعِلْمِ سواء" (الذَّهبي، ج13، ص 216). "النَّاس في الْعِلْم سواء" مفهوم طبَّقه وعشقه وعاش له جمع كبير من علمائنا مثل مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، والْبُخَارِيّ وغيرهم فكان دأبهم وأدبهم في التَّعْلِيْم يدور في دائرة هذا المفهوم. هذا مفهوم نَبيل لم يُعرف في حياة الشُّعوب الأخرى إلا عندما بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى وثارت الثَّورات، وأُريقت الدِّماء، وطالب الفقراء والنِّساء والضُّعفاء بحقوقهم بعدما عَرفوا حقيقة "النّاس في الْعِلْمِ سَواء". مَارس المسلمون مبدأ "النّاس في الْعِلْمِ سَواء" لا بِقوة القانون وضغوط الواقع، وسُلطان اللّعبة السِّياسيَّة ولكن بسماحة تعاليم الإسلام الذي يُنادي بالمساواة، وتحريم الطُّغيان وتكريم الإنسان مهما كان لونه أو عِرقه فأين المستشرق المُنصف؟ نزل البلاء في الغرب ولمدة قرون لأن الرَّجل الغربي الأبيض ظَنَّ أنَّ التَّعْلِيْمَ من حقوق طبقة الأثرياء فقط ولم يَعلمْ أنَّ النَّاس في الْعِلْمِ سَواء.
لقد قُلنا إنَّ الباحث المسلم عليه في مجال تَخَصّصه أنْ يَرُدَّ على مَزاعم المُستشرقِين ويُفنِّد شُبهاتهم وهو ما فعلناه هنا لنُثبت أنَّ شُبهاتهم الواهية لا تصمد أمام قذائف الحق لأنَّها مُتهافتة "كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {41}" (سُوْرَةُ العَنكبوت).
المصدر : تراثنا التربوي: ننطلق منه ولا ننغلق فيه
د/ بدر ملك ، و د/لطيفة الكندري: جزاكم الله خير الجزاء
*د يحيى
19 - مايو - 2008
 1  2